صدم المشهد اللبناني يوم الخميس اللبنانيين والعالم عندما انزلقت شوارع أحد الأحياء السكنية والتجارية في بيروت إلى مستوى عنف لم تشهده البلاد منذ الحرب الأهلية: عائلات تختبئ في المداخل، والحمامات، والملاجئ المستحدثة تحت الأرض؛ أطفال مرعوبون في أروقة المدارس؛ مسنون يتم إنقاذهم من منازلهم وسط إطلاق نيران كثيف؛ سكان يهربون ولا يعرفون متى سيعودون إلى منازلهم.
هذه الصور المألوفة جيدا لأجيال من اللبنانيين داخل البلاد وخارجها دفعت العديدين إلى سؤال: ماذا فعلنا كي نستحق كل هذا؟ في حين لا يمكن لوم المتضررين، فإن دورة العنف المأساوية ليست بلا سبب. لكن السبب ليس فيما فعله لبنان، بل ما لم يفعله.
تلطّخ تاريخ لبنان بعد الحرب الأهلية بثقافة الإفلات من العقاب. العنف المأساوي الذي قتل سبعة أشخاص وجرحَ العشرات أمس، والذي أشعلته مظاهرة نظمها "حزب الله" وحلفاؤه للمطالبة بتنحية القاضي طارق بيطار المكلَّف بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، هو نتيجة هذه الثقافة.
طوال عقود، لم يعاقَب أحد على معارك الشوارع، أو الاغتيالات السياسية، أو الفساد المستشري في لبنان، وكان لذلك نتائج متوقَّعة. ولأكثر من 30 عاما، وثّقت "هيومن رايتس ووتش" كيف يعزز تجاهلُ الفظائع ثقافةَ الإفلات من العقاب التي تشجع على ارتكاب المزيد من الانتهاكات في المستقبل لا محالة.
هذا هو السبب الذي يدفعنا إلى النضال في سبيل محاسبة انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان، بما في تلك التي تمسّ ضحايا انفجار بيروت. على السلطات اللبنانية الرد على اشتباكات الخميس عبر إجراء تحقيق لتحديد المسؤولين، إنما عليها أيضا التصدي لأي تدخل سياسي في التحقيق في انفجار بيروت.
إذا أراد لبنان إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب السائدة منذ الحرب الأهلية، يجب منح القاضي بيطار الموارد والحماية التي يحتاج إليها لاستكمال تحقيقاته. من الضروري، بعد استعراض القوة يوم الخميس، أن يدعم المجتمع الدولي الجهود المحلية من أجل المحاسبة عبر إنشاء بعثة تقصي حقائق دولية مستقلة ومحايدة في انفجار بيروت.
أمس، وأنا أشاهد حيّي ينزلق إلى العنف، لم يسعني إلا التفكير إلا بجولة العنف القادمة لا محالة. فالخيار الخاطئ بين العدالة والسِّلم سيجرّنا إليها بكل تأكيد.