"عشر سنين ليه! ما عملتش حاجة عشان كل ده. أنا لما طلعت بعد العشر شهور اللي اتحبستهم ما اتكلمتش ... عاوزين تحبسوني تاني ليه؟"
حنين حسام، وهي طالبة جامعية عمرها 20 عاما من مشاهير السوشال ميديا ولديها نحو مليون متابع على "تيك توك"، تكلمت بذهول وهي تصف صدمتها في فيديو على "إنستغرام" في 22 يونيو/حزيران، جرّاء حكمها بالسجن عشر سنوات من قبل محكمة جنائية. بعد ساعات فقط، قبضت عليها الشرطة.
يبدو أن اعتقالات "الآداب" التي تعرضت لها حسام ونساء أخريات لسلوكهن على الإنترنت هي مناورة شعبوية لإثارة الحماسة الأخلاقية، واستغلال النساء اللواتي يواجهن أصلا مواقف تمييزية متجذرة، وتسهيل عمل السلطات في تبرير القيود التعسفية على حرية التعبير والإبقاء عليها.
في يوليو/تموز 2020، حكمت "محكمة القاهرة الاقتصادية"، التي تنظر في قضايا الجرائم الإلكترونية، في البداية على حسام بالسجن عامين وغرامة قدرها 300 ألف جنيه مصري (حوالي 19,160 دولار أمريكي) بتهمة الاعتداء على "القيم والمبادئ الأسرية" من خلال نشر مقاطع فيديو "مخلة وخادشة للحياء". حُكم عليها مع مودة الأدهم (23 عاما)، والتي لديها ملايين المتابعين على تيك توك، وثلاثة رجال ساعدوهما في إدارة حساباتهما على مواقع التواصل. في يناير/كانون الثاني، برأت محكمة الاستئناف حسام والرجلين وأيدت الغرامات المفروضة على الأدهم ورجل آخر، لكنها ألغت أحكام السجن بحقهما.
ومع ذلك، فقد سعى الادعاء أيضا إلى توجيه تهمة أكثر خطورة تتعلق بالاتجار بالبشر ضدهم في إجراءات جنائية منفصلة بالاعتماد على ما يبدو أنه حجة واهية. يبدو أن الدليل الرئيسي للادعاء هو فيديو نشرته حسام على تيك توك لدعوة متابعاتها من النساء لكسب المال عن طريق بث مقاطع فيديو مباشرة على "لايكي"، وهي منصة أخرى لمشاركة الفيديوهات. وزعم الادعاء أن هذا يعني أن حسام والأدهم شجعتا على استغلال متابِعاتهما، بما في ذلك الفتيات، على غرار التطبيقات التي تسمح بالمواد الإباحية، على الرغم من أنهما لم تصنعا أو تشجعا الفيديوهات الإباحية على الإنترنت.
في 20 يونيو/حزيران 2021، أدانتهم "محكمة جنايات القاهرة" بالإتجار بالبشر في تلك القضية وحكمت على حسام بالسجن عشر سنوات وعلى الأدهم والرجال الثلاثة بالسجن ست سنوات، بالإضافة إلى غرامة 200 ألف جنيه مصري (12,766 دولار أمريكي تقريبا) لكل شخص بموجب قانون مكافحة الإتجار بالبشر لسنة 2010.
بموجب القانون الدولي، كما القانون المصري، ينطوي الاتجار بالبشر على تجنيد أو نقل شخص باستخدام القوة أو الخداع أو إساءة استخدام السلطة للسيطرة عليه لغرض "الاستغلال"، مثل الاستغلال الجنسي. مجرد استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي، التي تكافئ الأعضاء الذين يدعون الآخرين للانضمام، ينبغي ألا يرقى في حد ذاته إلى مثل هذه الجريمة، لا سيما في حالة عدم إثبات أي ضرر.
حسام والأدهم ليستا الوحيدتين. فقد استهدفت السلطات ما لا يقل عن عشر مؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي لديهن ملايين المتابعين على تيك توك وإنستغرام في حملة اعتقالات ومحاكمات منذ 2020، وحكمت على الكثيرات بغرامات كبيرة وأحكام بالسجن تصل إلى خمس سنوات. ومن بينهن هدير الهادي، (23 عاما)؛ منة الله "ريناد" عماد، (20 عاما)؛ وأم وابنتها يشكلان ثنائيا شهيرا، شريفة رفعت (46 عاما)، ونورا هشام (24 عاما).
استخدمت السلطات مزيجا من القوانين الفضفاضة وغير المحددة، والتي تمنح المدعين العامين والقضاة سلطة تقديرية كبيرة فيما يتعلق بتهم الإخلال "بالحياء العام"، و"التحريض على الفجور" في قانون العقوبات، وقانون سنة 1961 الخاص بمكافحة الدعارة، والمحتوى عبر الإنترنت الذي يُعتبر "مخلا بالآداب العامة" أو "يعتدي على القيم الأسرية" في قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2018.
قول السلطات إن الفيديوهات العائدة لهؤلاء النساء على الإنترنت "مخلّة" هو ادعاء تمييزي ويصعب تصديقه عند رؤية مقاطع الفيديو غير الضارة، التي لا تبدو مختلفة كثيرا عن المحتوى الموجود على القنوات الفضائية المصرية ووسائل الإعلام الأخرى.
حملة النيابة العامة العدوانية التي تستهدف النساء المؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي تتناقض بشكل صارخ مع تقاعس السلطات في التحقيق مع الرجال ومقاضاتهم بتهمة العنف الجنسي ضد النساء والفتيات.
تزامنت موجة الاعتقالات التي طالت مشاهير تيك توك وإنستغرام في 2020 مع موجة من شكاوى التحرش ضمن حملة #أنا_أيضا، حيث لجأت عشرات النساء المصريات إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتحدث عن تجاربهن مع العنف القائم على النوع الاجتماعي، والاعتداء، والاغتصاب.
حكمت محكمة على أحمد بسام زكي بالسجن ثماني سنوات في أبريل/نيسان بتهمة الاعتداء الجنسي، لكن بعد أن اتهمته أكثر من 50 امرأة وفتاة عبر الإنترنت بالتحرش والاعتداء. في حالات أخرى، تقاعست السلطات في التحقيق كما يجب في الاعتداءات، بل وعاقبت الناجيات والشهود الذين تقدموا ليدلوا بشهاداتهم.
تحدثت آية (17 عاما)، المعروفة على وسائل التواصل الاجتماعي بـ "منّة عبد العزيز"، في مايو/أيار 2020 عن تعرضها للاعتداء والاغتصاب الجماعي، لكنها احتُجزت بعد ذلك بسبب جرائم الآداب على خلفية فيديوهاتها. أُطلق سراحها في سبتمبر/أيلول بعد حملة طويلة نظمها نشطاء، وفي مايو/أيار حكمت محكمة جنائية على خمسة أشخاص اتهمتهم آية.
في يوليو/تموز 2020، أطلق ناشطون في مجال حقوق المرأة حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق العدالة لامرأة أفادت بأن عدة رجال قاموا بتخديرها واغتصابها جماعيا في فندق "فيرمونت نايل سيتي" بالقاهرة في 2014. اعتقلت السلطات أربعة فقط من المشتبه بهم بعد أسابيع من حملة من قبل النشطاء، ما سمح للمشتبه بهم الآخرين بالفرار من البلاد. إلا أن السلطات اعتقلت تعسفا أربعة شهود شجعتهم في البداية على الإدلاء بشهاداتهم، واثنين من معارفهم، وأخضعتهم لفحوصات شرجية مسيئة، واختبارات تعاطي المخدرات، وحملات تشهير، بتهم ما يسمى بالآداب والفجور.
في 11 مايو/أيار، قالت النيابة العامة إنه لا توجد أدلة كافية للشروع في مقاضاة الاغتصاب الجماعي، وأمرت بالإفراج عن الرجال الأربعة. ومع ذلك، تواصل السلطات منع الشهود ومعارفهم من السفر، وربما ما زالوا يواجهون التهم.
إجراءات السلطات المصرية ضد المؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما من الطبقات الاجتماعية والاقتصادية الدنيا، تسلط الضوء على نمط من فرض الرقابة على أجساد النساء وربط سلوكهن بالسمعة الأخلاقية، بينما تسمح بالإفلات من العقاب عندما يتعلق الأمر بجرائم العنف الجنسي الخطيرة التي يرتكبها رجال من خلفيات وازنة.
لكن لن يتم إسكات النساء المصريات، سواء كن مؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو ضحايا يقلن #أنا_أيضا. يجب السماح لهن بالتعبير عن استقلاليتهن في فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي أو التحدث عن حقيقة ما حدث معهن. على المجتمع الدولي أن يدعم دعوتهن إلى التحرر من تدخل الحكومة ومن العنف والمضايقات، في الشوارع وعلى الإنترنت.