(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن السلطات الإماراتية تمنع مواطنا إيرانيا من مغادرة البلاد أو العمل منذ سبع سنوات تقريبا بموجب قوانين الدّيْن المنتهِكة. رفضت السلطات تجديد تصاريح العمل والإقامة لمحمد رضا بهار، فاستحال عليه تسديد ديونه أو حتى تلبية احتياجاته الأساسية.
يتعامل نظام العدالة الإماراتي بقسوة مع العاجزين عن تسديد ديونهم أو قروضهم. يشكّل الشيك دون رصيد جريمة جنائية تصل عقوبتها إلى السَّجن ثلاث سنوات، وغرامة تصل إلى 30 ألف درهم (8,200 دولار أمريكي)، ومنع سفر حتى استيفاء العقوبة. بسبب عجزه عن سداد ديونه، قضى بهار (68 عاما) أحكاما بالسجن بلغت أربعة أشهر تقريبا منذ 2015.
قال مايكل بيْج، نائب مدير الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "نظام الدّيْن الإماراتي يترك الناس عالقين في ظروف مزرية لا يمكنهم الخروج منها. محمد رضا بهار عالق في مأزق قانوني بلا نهاية، يجعله بلا أي وسيلة لتصحيح وضعه أو تحسينه".
قدّم بهار سجلات طبيّة إلى هيومن رايتس ووتش تُظهر أنه لديه مشاكل صحية مختلفة، بعضها يستوجب الجراحة، لكنّه عاجز على دفع تكاليفها دون تأمين صحّي. كما أنه محروم فعليا من لمّ شملهه مع زوجته التي تخضع في الولايات المتحدة لعلاج سرطان الثدي في مرحلة التفشي في الجسم.
بموجب النظام الإماراتي، فإنّ دفع غرامة أو قضاء عقوبة بالسجن لا يعفي المدين من سداد الديْن. كما يستطيع الدائنون تقديم طلب للمحاكم المدنية لسجن المدينين أو فرض منع سفر فعلي عليهم لمدة غير محددة بسبب الديون الشخصية أو التجارية المستحقة والتي تتجاوز 10 آلاف درهم (2,700 دولار).
إذا رأى القاضي أن المدين قادر على السداد، أو هناك مخاوف من مغادرته البلاد، فيستطيع الأمر باحتجازه لمدة تصل إلى شهر، قابلة للتجديد 36 شهرا. بموجب تعديلات "قانون الإجراءات المدنية" لسنة 2019، يستطيع القاضي رفع منع السفر بعد ثلاث سنوات إذا لم يطلب الدائن التمديد. كما يستطيع الموافقة على سفر المدين بسبب مرضه أو مرض أحد أفراد أسرته إذا لم يكونوا قادرين على تلقي العلاج في البلاد.
انتقل بهار إلى دبي في 2001، وأنشأ شركة وساطة تجارية، وعاش بشكل قانوني في الإمارات ما لا يقل عن 13 عاما. في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي بدأت في أواخر 2008، وأثرت بشكل خاص على اقتصاد دبي، قال بهار إن شركته واجهت مشاكل كبيرة. في ذلك الوقت، أدّت التخفيضات الهامة في الوظائف وتقليص حجم الشركات إلى تقلّص الثروات الفردية أو اختفائها. مارست البنوك ضغوطا كبيرة على الناس لتسديد ديونهم الفردية، وشدّدت متطلبات الاقتراض التي كانت قبل ذلك متساهلة. عجز الكثير من الناس عن سداد الإيجار، أو دفع الشيكات والقروض، أو دخلوا السجن.
في يونيو/حزيران 2014، رفع مستثمر أجنبي يدين له بهار بالمال دعوى جنائية ضدّه في "المحكمة الجزائية في دبي" بتهمة شيك دون رصيد. قضت المحكمة بسجنه ثلاثة أشهر، ثم أيّدت محكمةُ استئنافٍ الحكم، فقضى العقوبة.
كما رفع مستثمر أجنبي آخر دعوى جزائية ضدّه في أواخر 2014 فحكمت عليه المحكمة في يناير/كانون الثاني 2015 بغرامة قدرها 10 آلاف درهم، خُفّضت في الاستئناف إلى 7 آلاف. فُرض عليه منع سفر تلقائي آخر، ولم يُرفع إلا بعد أن دفع الغرامة. في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، صادرت المحكمة أيضا جواز سفره، ولم تُرجعه له إلا في أغسطس/آب 2020.
بعد ذلك، رفع كلا المستثمرين دعاوى مدنية ضدّ بهار في 2015 و2016، فحكمت عليه المحاكم بدفع 800,565 درهما (حوالي 218 ألف دولار) إجمالا، لكنه لم يستطع تسديد هذا المبلغ. قال لـ هيومن رايتس ووتش: "خسرت كل شيء [في الأزمة المالية]. ليس لديّ [مال لأدفعه]، لا الآن ولا لاحقا". في القضيتين، قرر القاضي عدم سجنه بسبب وضعه الصحي، لكنه بقي ممنوعا من السفر.
في 15 مايو/أيار 2019، طلب أحد الدائنين من المحكمة مجددا الأمر باعتقال بهار، غير أن المحكمة ألغت أمر الاعتقال ووضعته بدل ذلك على قائمة منع السفر مجددا. في 2020، سعى بهار مرارا وتكرارا إلى الحصول على إذن من المحكمة لزيارة زوجته المريضة في الولايات المتحدة. عرض أن تضمنه ابنته الراشدة، التي تعيش في الإمارات، لكنّه لم يتلقّ ردّا.
قال بهار إنّه حاول تجديد هويته الإماراتية عدّة مرات منذ انتهاء صلاحيتها في أواخر 2015، لكن مسؤولي الهجرة أخبروه أن عليه حلّ قضاياه مع المحكمة أولا، ما يعني أنه سيقى محاصرا في البلاد دون إقامة سارية المفعول، وبالتالي فهو ممنوع قانونا من العمل أو التمتع بأبسط حقوقه الأساسية والخدمات الحكومية. قال بهار إن مسؤولا في الهجرة أخبره في بداية 2020 أنّ عليه دفع غرامات بقيمة 7 آلاف دولار، بسبب تجاوز الإقامة، حتى يتمكن من تجديد هويته الإماراتية. قال ابنه، الذي يعيش في الولايات المتحدة، لـ هيومن رايتس ووتش إنه استخدم مدخراته لدفع هذه الغرامات. لكن بهار قال إنّ مسؤولي الهجرة رفضوا تجديد إقامته بسبب القضايا العالقة.
في يناير/كانون الثاني 2019، قضى بهار 21 يوما أخرى في السجن بعد أن رفع بنكه قضية جزائية ضدّه بسبب ديون بطاقة الائتمان.
في 26 أبريل/نيسان، راسلت هيومن رايتس ووتش السلطات الإماراتية معبّرة عن قلقها بشأن القيود الهائلة المفروضة على المقيمين الأجانب المدينين لجهات موجودة في الإمارات. كما طلبت هيومن رايتس ووتش توضيحات بشأن إجراءات منع السفر والعلاقة بين منع السفر وقدرة المقيمين الأجانب على تجديد تصاريح إقامتهم أو عملهم، وكذلك القوانين أو اللوائح ذات الصلة التي تحكم العلاقة بين الدائنين والمدينين، وإحصاءات متعلقة بالمقيمين الأجانب المشمولين بحظر سفر، لكنها لم تتلقّ ردّا.
في السنوات الأخيرة، أدخلت الإمارات عددا من الاصلاحات التي صُممت على ما يبدو لتخفيف الأعباء المفروضة على الشركات والمقيمين بسبب الديون. في 2016، اعتمدت قانونا اتحاديا بشأن الإفلاس لمساعدة الشركات المتعثرة على تجنب الإفلاس والتصفية، لكنه لا ينطبق على الأفراد. في 2017، اعتمدت دبي نظاما جنائيا يعاقب على الشيك بدون رصيد بمبلغ لا يتجاوز 200 ألف درهم (54,500 دولار) بغرامة بدلا من السجن.
في 2019، اعتمدت الإمارات قانون الإفلاس الذي تم الترويج له كثيرا والذي يعد بمساعدة الأشخاص المثقلين بالديون، على غرار قانون إفلاس الشركات. يسمح هذا القانون للفرد بإعادة هيكلة ديونه لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، لكن إذا تخلّف عن السداد، يبقى من الممكن ملاحقته بدعاوى مدنية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أدخلت الإمارات تعديلات للقضاء على تجريم الشيك بدون رصيد رغم أنّ القوانين الحالية تنصّ على أنّ الدائن يستطيع رفع دعوى مدنية يُمكن أن تؤدي إلى السجن.
في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أفادت "بي بي سي" أن توقعات "صندوق النقد الدولي" تشير إلى أن الشرق الأوسط متجه نحو انكماش اقتصادي سيكون أسوأ بكثير من الأزمة المالية العالمية في 2008-2009، سيكون مدفوعا بالوباء الناتج عن فيروس "كورونا" والانخفاض القياسي في أسعار النفط.
قالت هيومن رايتس ووتش إنّ سياسات منع السفر الحالية في الإمارات تنتهك على ما يبدو المادتين 11 و12 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية". تنصّ المادة 11 على أنه "لا يجوز سجن أيّ إنسان لمجرّد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي"، والمادة 12 على أن "لكلّ فرد حريّة مغادرة أيّ بلد، بما في ذلك بلده"، وأن يخضع فقط للقيود التي "ينصّ عليها القانون، وتكون ضروريّة لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم".
إضافة إلى ذلك، تحمي المادة 6 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" "ما لكلّ شخص من حق في أن تُتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرّية". منع السفر الذي تفرضه الإمارات فقط بسبب الديون هو تعسّفي ويفتقر إلى التناسب بشكل صارخ.
الانتهاكات المجتمعة لهذه الحقوق تؤثر على حقوق أخرى أيضا، مثل الحق في مستوى معيشي لائق، والحق في الحياة الأسرية ووحدة الأسرة، والتمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية.
قال بيْج: "ينبغي للسلطات الإماراتية تعديل قوانينها وممارساتها لضمان منح كلّ شخص متورط في نزاعات مالية وسيلة لاستعادة وضعه المالي، بدلا من تركه مسجونا أو مُعوزا".