(نيروبي) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن الحكومة الانتقالية السودانية لم تُحقّق العدالة بعد للضحايا والأسر، بعد عام من مقتل أكثر من 120 شخصا وإصابة المئات وإساءة معاملتهم في هجوم عنيف على المتظاهرين في الخرطوم.
ستقدم لجنة التحقيق الحكومية نتائجها إلى النائب العام في الأسابيع المقبلة. على السلطات أن تضمن نشر النتائج وتزويد النيابة العامة بالموارد اللازمة لمتابعتها، بما فيه توجيه الاتهامات إلى المسؤولين في أعلى المستويات.
قالت جيهان هنري، مديرة قسم شرق أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "بعد مضي عام، تلقى ضحايا الحملة الدموية الكثير من الوعود لكنهم لم يروا بعد أي شكل للمساءلة. ينبغي نشر التقرير النهائي للجنة التحقيق علنا لضمان الشفافية الكاملة. يتعيّن على مكتب النائب العام ملاحقة المسؤولين، حتى لو كانوا أعضاء في المجلس السيادي الحاكم".
بعد أن أجبرت الاحتجاجات الشعبية عمر البشير الذي كان رئيس السودان لفترة طويلة على التنحي في 11 أبريل/نيسان 2019، استولى مجلس عسكري انتقالي على السلطة. لكن المتظاهرين استمروا في التجمّع، وسط مفاوضات متوترة بين الجماعات العسكرية والمدنية، في اعتصام أمام المقر العسكري في الخرطوم، مطالبين بنقل السلطة إلى الحكم المدني.
حاولت قوات الأمن الحكومية عدة مرات فضّ أجزاء من الاعتصام. في الساعات الأولى من 3 يونيو/حزيران، طوقّت قوات الأمن الاحتجاج وفضّته بعنف، وأطلقت الذخيرة الحية مباشرة على المتظاهرين، وقتلت وجرحت العشرات، وعرّضت آخرين للضرب المبرح والاغتصاب والاعتداء الجنسي والإذلال وغيرها من الانتهاكات. هاجمت قوات الأمن أيضا العاملين في المجال الطبي والمستشفيات والعيادات.
وجدت هيومن رايتس ووتش بالاستناد إلى بحث أجرته في أغسطس/آب 2019، أن 120 شخصا على الأقل قُتلوا وأصيب أكثر من 900 بين 3 و18 يونيو/حزيران. يقدر المسؤولون السودانيون الآن أن 64 امرأة على الأقل اغتُصِبن وتعرضت أخريات للاعتداء الجنسي. خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن الجرائم والانتهاكات المرتكبة أثناء الحملة قد توصف بأنها جرائم ضد الإنسانية لأنها جزء من ممارسة حكومية طويلة الأمد في استخدام القوة المفرطة، بما فيها القوة القاتلة ضد المتظاهرين العُزّل.
في أغسطس/آب، اتفق الطرفان على حكومة انتقالية برئاسة مجلس سيادي من القادة العسكريين والمدنيين. من المقرر أن يقود الأعضاء العسكريون المجلس خلال الأشهر الـ 22 الأولى، ويليهم المدنيون، ومن المقرر إجراء الانتخابات في 2022. دعت الاتفاقية إلى إجراء تحقيق مستقل في أحداث 3 يونيو/حزيران. في سبتمبر/أيلول، أنشأت السلطات لجنة تحقيق وأوضحت أن النائب العام العام سيكون قادرا على استخدام الأدلة والنتائج في المحاكمات الجنائية.
مع ذلك، واجهت اللجنة انتقادات واسعة لبطء وتيرتها وافتقارها إلى اشفافية والاستقلالية. أدى افتقارها إلى الخبرة في مجال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي (العنف الجندري) إلى ادعاءات بأنه لا يمكن لضحايا العنف الجندري الوصول إلى اللجنة، وأنها تفتقر إلى الموارد لتقديم حماية الشهود أو الحفاظ على الأدلة بما يتماشى مع المعايير الدولية.
قالت سعدية سيف الدين، الناطقة باسم جمعية أسر الضحايا لـ هيومن رايتس ووتش: "بعد عام، ما زالت العدالة متأخّرة ومعلّقة. لا نريد أن يضيع دم شهدائنا عبثا. نريد العدالة لهم لتكون ركيزة بلادنا الجديدة، حيث لا ينبغي أن تحدث مثل هذه الانتهاكات مرة أخرى".
تُحدد مصادر وشهادات متعددة أن "قوات الدعم السريع" شبه العسكرية - التي لديها سجل موثّق جيدا من الانتهاكات والهجمات على المدنيين في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق - قادت الهجمات القاتلة على المتظاهرين في 3 يونيو/حزيران والأيام التالية. يقود قوات الدعم محمد حمدان دقلو، "حميدتي"، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس المجلس السيادي الحاكم في البلاد.
اتهم حميدتي جنودا مارقين بالهجوم. قال لوسائل الإعلام في يوليو/تموز الماضي إن الشخص المسؤول عن "الفوضى" كان رهن الاعتقال. قال تحقيق سابق أجراه النائب العام السابق ورفضه المتظاهرون على نطاق واسع، إن القوات المهاجمة تجاوزت واجباتها بتفريق الاعتصام، واتهم ثمانية ضباط وقائد بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. مع ذلك، لم تظهر أي معلومات حول حالاتهم أو أماكن وجودهم.
قال نبيل أديب، رئيس لجنة التحقيق التي عينتها الحكومة، لوسائل الإعلام إن اللجنة ستقدم تقريرا إلى النائب العام بعد رفع القيود المتصلة بفيروس "كورونا". قالت هيومن رايتس ووتش إن التقرير الذي طال انتظاره وإجراءات المتابعة التي سيتخذها النائب العام ينبغي أن تكون شفافة وعلنية، وينبغي أن ينظر النائب العام فيما إذا كانت الجرائم المرتكبة قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وما إذا كان يمكن تحميل القادة المسؤولون في ذلك الوقت المسؤولية الجنائية.
على النائب العام، في حدود صلاحياته بموجب قانون النيابة العامة لسنة 2017، مراجعة نتائج لجنة التحقيق، مسترشدا بأفضل الممارسات الدولية والإقليمية في التحقيق في الجرائم الخطيرة وملاحقتها. إذا لزم الأمر، عليه أن يوجّه المدعين العامين لاتخاذ أي خطوات ضرورية أخرى، مثل جمع أدلة إضافية واستجواب واتهام مزيد من المشتبه فيهم.
قالت هيومن رايتس ووتش إن المرحلة الانتقالية في السودان لا تزال هشة، مع تقدم ضئيل أو معدوم في إنشاء اللجان المتصورة لإصلاح القوانين، أو العدالة الانتقالية، أو حقوق الإنسان، أو تعيين المجلس التشريعي أو حكام الولايات. الوضع الاقتصادي الرديء في البلاد والتأخيرات والمخاطر التي يفرضها فيروس كورونا تزيد من عرقلة الجداول الزمنية للمرحلة الانتقالية. أعلن مكتب النائب العام عن تحقيقات في جرائم خلال فترة حكم البشير، لكنه ركّز علنا على الجرائم الاقتصادية، التي حوكم بموجبها البشير بالسجن عامين في منشأة لإعادة التأهيل. لم يقاضِ المكتب أي حالات لانتهاكات لحقوق الإنسان خلال النظام السابق.
اقترحت هيومن رايتس ووتش أن تنظر السلطات السودانية في إنشاء كيان مستقل لمحاكمة هذه الجرائم الخطيرة. اقترحت أسر الضحايا و"منظمة العفو الدولية" وحدات تحقيق متخصصة ومحاكم مدنية متخصصة. قالت هيومن رايتس ووتش إن مثل هذه الوحدات والمحاكم يمكن أن تتعامل مع الانتهاكات السابقة الأخرى، بالإضافة إلى تلك التي ارتكبت في 3 يونيو/حزيران. على الجهات المانحة التعامل مع الحكومة السودانية بشأن أفضل نظام للمساءلة وتقديم الدعم المالي والتقني المطلوب.
قالت جهان هنري: "لا تزال العدالة اختبارا حقيقيا لمدى نجاح ثورة السودان. التقاعس عن توفير العدالة قد يعني خيانة لتضحيات المحتجين ومطالبهم. على الحكومة الانتقالية أن تعطي الأولوية للمساءلة الهادفة والشفافة على أعلى المستويات".