(تونس) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن استرجاع تونس لستة أطفال أيتام يُشتبه بانتماء أهاليهم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ "داعش") من ليبيا يوم 23 يناير/كانون الثاني 2020 هو خطوة نحو حماية حقوق هؤلاء الأطفال. يتعيّن على السلطات التونسية الآن بذل قصارى جهدها لتسريع عودة أكثر من 36 طفلا آخر يُشتبه بانتماء والديهم إلى داعش مازالوا عالقين في ليبيا، وكذلك 160 آخرين يُعتقد أنهم محتجزون في مخيمات وسجون في سوريا والعراق.
قالت آمنة القلالي، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تونس: "ينبغي لتونس التحرّك بسرعة وإتْباع هذه الخطوة بخطوات أخرى لاسترجاع أطفالها العالقين في مخيمات وسجون مُزرية في البلدان التي تمزقها الحرب. لا ينبغي معاقبة الأطفال على الجرائم المزعومة لوالديهم".
تأتي إعادة الأيتام هذه بعد عمليات مماثلة أخرى في 2017 و2018 عندما أعادت السلطات ثلاثة أطفال يُشتَبه بانتماء أهاليهم إلى داعش من ليبيا. ذكرت تقارير أن آباء الأطفال وأمهاتهم قُتلوا في غارات جوية على سرت في 2016، التي كانت حينها معقلا لداعش وعاصمته المُعلنة من طرف واحد في ليبيا. منذ ذلك الوقت، كان باقي الأيتام محتجزين في مُنشأة في مصراتة، شمال غرب ليبيا، يُشرف عليها فرع "الهلال الأحمر الليبي" بنفس المدينة.
في 24 يناير/كانون الثاني 2020، نشرت الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية على "فيسبوك" فيديو لاستقبال الرئيس قيس سعيّد للأطفال الذين قيل إنهم ستة أيتام أعيدوا إلى تونس بعد أن كانوا في رعاية الهلال الأحمر الليبي بمصراتة. كان الهلال الأحمر الليبي بمصراتة قد نشر على صفحته على فيسبوك قبل ذلك بيوم واحد أن وفدا ممثلا للحكومة التونسية جاء لإعادة الأيتام إلى تونس.
قال منصف العبيدي، ناشط في "جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج" ومقرها تونس، لـ هيومن رايتس ووتش إن الأطفال المتبقين في ليبيا محتجزون في سجون مع أمهاتهم، اللاتي رفضن الانفصال عنهم.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي السماح لجميع التونسيين بالعودة إلى بلادهم في إطار حقهم في دخول الدولة التي يحملون جنسيتها. يتعيّن أيضا ترحيل الأطفال الذين يُشتبه بانتماء أهاليهم إلى داعش والمحتجزين في ليبيا وسوريا والعراق إلى تونس دون تأخير. ينبغي أيضا عدم فصل الأطفال عن أمهاتهم أو أقاربهم الآخرين ما لم توجد أدلة دامغة على أن هذا الفصل يخدم مصالحهم الفضلى.
يُمكن التحقيق مع النساء المحتجزات مع أطفالهن، وكذلك الرجال المشتبه في انتمائهم إلى داعش، ومحاكمتهم في إطار معايير المحاكمة العادلة عند الاقتضاء، بعد عودتهم إلى أرض الوطن. سيكون اتصال الأطفال بأمهاتهم اللاتي يقضين عقوبات بالسجن في بلادهن أكبر مما لو كانت أمهاتهم محتجزات في الخارج.
مقاضاة الأطفال المشتبه في ارتكابهم جرائم متصلة بداعش يجب أن تكون تدبيرا استثنائيا وملاذا أخيرا. ينبغي أن يكون الاحتجاز حلا أخيرا ولأقصر فترة ممكنة. يتعين على السلطات أيضا احترام حقوق الأطفال في اكتساب الجنسية، ووحدة العائلة، والتعليم.
في الفيديو الذي نشرته الرئاسة التونسية على صفحتها على فيسبوك، أكد الرئيس سعيّد على أهمية اتخاذ التدابير الضرورية لضمان حصول هؤلاء الأطفال التونسيين على الرعاية الطبية والنفسية اللازمة. دعا أيضا إلى عودة جميع الأطفال التونسيين المحتجزين في ليبيا، الأمر الذي يبدو أنه ناقشه مع فائز السراج، رئيس "حكومة الوفاق الوطني" المعترف بها دوليا، أثناء زيارته إلى تونس يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2019.
في الفيديو، وعد سعيّد أيضا بالاعتناء بالأطفال وضمان حقوقهم. توفيق القاسمي، قنصل تونس في طرابلس ورئيس الوفد التونسي الذي زار مصراتة يوم 23 يناير/كانون الثاني، قال للرئيس في الفيديو: "مازال عندنا 36 ومعهم 20 أمّا بين مصراتة ومعيتيقة".
هناك حوالي 200 طفل و100 امرأة ممن يزعمون أنهم يحملون الجنسية التونسية محتجزين دون تُهَم في الخارج منذ ما يصل إلى ثلاث سنوات بصفتهم أقارب لعناصر داعش، أغلبهم في ليبيا وسوريا، وبعضهم في العراق، بحسب ما قالته وزارة المرأة والاسرة والطفولة وكبار السن لـ هيومن رايتس ووتش في ديسمبر/كانون الأول 2018. الكثير من هؤلاء الأطفال في سنّ السادسة أو أصغر.
يعيش أغلب الأطفال الذين يُشتبه بانتماء والديهم إلى داعش في مخيمات بائسة شمال شرق سوريا، ويعانون من نقص في الغذاء والملبس والدواء، أو في زنازين مكتظة في ليبيا. وصف تقرير لـ "مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان" في أبريل/نيسان 2018 سجن معيتيقة في طرابلس وسجن الجوية في مصراتة بـ "مراكز معروفة بتفشي ظاهرة التعذيب وغيرها من الانتهاكات والتجاوزات ضد حقوق الإنسان"، بما فيها انتهاكات ضدّ النساء والأطفال. غير أن التقرير لم يتطرق إلى ظروف احتجاز أفراد أسر المشتبه بانتمائهم إلى داعش.
طلبت السلطات في شمال شرق سوريا وليبيا من الدول الأخرى استرجاع النساء والأطفال. التحالف بقيادة الأكراد الذي يسيطر على مخيمات وسجون في سوريا لم يتخذ أي خطوات لملاحقة المشتبه في انتمائهم إلى داعش من غير السوريين وأقاربهم.
السلطات الليبية المتناحرة في طرابلس ومصراتة وشرق ليبيا تحتجز عددا غير معلوم من المشتبه في انتمائهم إلى داعش، أغلبهم أجانب، وتنوي محاكمتهم. ليبيا لديها سجلّ بغيض للمحاكمات التي لا تضمن حق المتهمين في المحاكمة العادلة. حاكم العراق بالغين وأطفالا أجانب لم يتجاوزا تسع سنوات بسبب صلاتهم بداعش – بإجراءات لم تحترم في الغالب معايير المحاكمة العادلة – لكنه طلب أيضا من الدول الأصلية استقبال أطفالها.
رغم عدم اتساق المقاربات، استرجعت 18 دولة على الأقل، من الولايات المتحدة إلى كوسوفو وأستراليا، أطفالا وفي بعض الأحيان نساءً ورجالا، من مخيمات وسجون للمشتبه في انتمائهم إلى داعش وأفراد أسرهم في العراق وليبيا وشمال شرق سوريا، ما يؤكد أن الأمر ممكن. استرجعت ثلاثة بلدان من آسيا الوسطى – كازخستان، وأوزباكستان، وطاجيكستان – أكثر من 750 مواطنا.
يتعيّن على السلطات التي تحتجز المشتبه في انتمائهم إلى داعش وأقاربهم في ليبيا وسوريا والعراق ضمان أن يكون الاحتجاز فقط بموجب القانون، وفرديا ومستندا إلى اتهامات، مع احترام جميع الحقوق الأساسية للمحتجزين التي يكفلها القانون الدولي، ومنها الحق في المراجعة القضائية السريعة للاحتجاز، والغذاء الكافي والصحة والمأوى.
منذ أبريل/نيسان 2019، تواجه حكومة الوفاق الوطني مقاتلين تابعين إلى جماعة مسلحة في الشرق الليبي معروفة بـ "الجيش الوطني الليبي" بقيادة المشير خليفة حفتر، الذي يحاول الاستيلاء على العاصمة. يواجه المدنيون في الغرب الليبي، بما في ذلك الأشخاص المحتجزون في السجون، خطر الأذى جراء هذا القتال المكثف وذي الطبيعة العشوائية، والذي تسبب في إصابة ومقتل مئات المدنيين وتدمير البنية التحتية.
الجهود السابقة لإعادة جميع الأطفال التونسيين من ليبيا لم تُسفِر عن نتائج. في أبريل/نيسان 2017، زار وفد رسمي تونسي ممثلين عن حكومة الوفاق الوطني. جلب الوفد عيّنات من الحمض النووي لتحديد هويات الأطفال، غير أنها لم تُستخدم لأن السلطات الليبية والتونسية لم تصِل إلى اتفاق بشأن بنود التسليم، حسبما قاله ثلاثة مسؤولين حكوميين تونسيين لـ هيومن رايتس ووتش.
أرادت حكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس أن تُعيد تونس النساء والأطفال وما لا يقل عن 80 جثة في المشارح قالت إنها لمقاتلي داعش تونسيين. قالت السلطات التونسية إنها على استعداد فقط لاسترجاع الأطفال في خطوة أولى، خشية أن تُشكّل الأمهات تهديدا أمنيا أكبر، بحسب المسؤولين الحكوميين.