(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن السلطات الإيرانية تتعمد التستر على حجم حملتها القمعية الواسعة ضد المتظاهرين. على الحكومة أن تعلن فورا أعداد القتلى، والاعتقالات، والاحتجازات على صلة بالاحتجاجات الأخيرة، وأن تسمح بتحقيق مستقل في مزاعم الانتهاكات.
تُقدّر منظمات حقوق الإنسان مقتل أكثر من 140 شخصا وأن قوات الأمن أوقفت ما يناهز 7 آلاف شخص في المظاهرات التي اندلعت مساء 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 في أكثر من 100 موقع في شتى أنحاء إيران. في 16 نوفمبر/تشرين الثاني، حجبت السلطات الإنترنت، ولم تعد خدمة الإنترنت بالكامل بعد. لا تزال تغطية الهواتف النقالة محدودة للغاية. في 2019، بحسب "سلطة تنظيم الاتصالات" الإيرانية، استخدم نحو 62 مليون نسمة الإنترنت على هواتفهم النقالة. وردا على الاحتجاجات، وصفت السلطات المتظاهرين بأنهم يرتكبون "أعمال شغب" وهددتهم بالإعدام.
قال مايكل بَيْج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "بعد 12 يوما على اندلاع المظاهرات في إيران، ترفض السلطات تقديم إحصاء دقيق للقتلى، بينما تهدد المحتجزين بالإعدام. إخفاء الحقيقة عن أهالي المفقودين، مع ضخ المزيد من الخوف واللجوء إلى الانتقام، هو استراتيجية حكومية مدروسة لخنق المعارضة".
في 25 و26 نوفمبر/تشرين الثاني، أفادت "وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان" (هرانا)، وهي موقع إخباري حقوقي إيراني مستقل، بأن المسؤولين أعلنوا توقيف 97 شخصا على الأقل، بصفتهم "قادة" أو "فاعلين مؤثرين" لما وصفته الحكومة بأنه "أعمال شغب"، متهمة إياهم دون أدلة بالتسبب في الإضرار بالممتلكات العامة. وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني، أفاد الموقع، بناء على تجميع بعض التصريحات الرسمية، بأن السلطات أوقفت بين 2,437 و2,871 شخصا.
تقدّر هرانا بأن نحو 3,980 شخصا لا زالوا وراء القضبان، بناء على تقارير النشطاء. في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، أفادت صحيفة "اعتماد" الإيرانية بأن البرلماني حسين نقوي حسيني قال إن عدد المعتقلين أثناء الاحتجاجات يبلغ فعليا نحو 7 آلاف شخص، ما يؤشر إلى اتساع مجال الحملة القمعية.
في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، قال رئيس الشرطة بمنطقة غرب طهران محسن خانچرلی لصحيفة "همشهري" إن السلطات اعتقلت ستة أشخاص تبين أنهم "فاعلون رئيسيون" في "أعمال الشغب" على طريق طهران – ساوه السريع. تُظهر مقاطع فيديو ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي اعتقال بعض الأشخاص وتقييدهم بالأصفاد أثناء قيام عناصر من الشرطة الإيرانية ورجال في ثياب مدنية بضربهم.
في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، قال محمد نبي موسوي، ممثل مكتب المرشد الأعلى آية الله خامنئي في محافظة خوزستان، لوكالة الأنباء الرسمية "إرنا": "تلقى المخربون الذين استغلوا فرصة ارتفاع أسعار الوقود وخرجوا للشوارع وخربوا الممتلكات العامة، تدريبات من أجانب... ويجب أن يُعدموا". في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، قالت صحيفة "كيهان" المقربة من الأجهزة الأمنية الإيرانية ومكتب خامنئي: "هناك تقارير يظهر منها أن السلطات القضائية تفكر في الحكم بالإعدام شنقا على المخربين".
بثت قنوات التلفزة الإيرانية الرسمية "اعترافات" ثلاثة متظاهرين، بينهم شابان من محافظة يزد. لدى السلطات الإيرانية سجل طويل من استخدام الاعترافات المنتزعة بالإكراه والتعذيب في الحُكم على المعارضين. وثقت منظمات حقوقية عدة وقائع لظهور معارضين ونشطاء وصحفيين في أفلام وثائقية مزيفة، القصد منها "إثبات الذنب" عليهم، وإن كان من الواضح بشكل شبه قاطع أن مشاركة هؤلاء في مقاطع الفيديو المذكورة كانت بالإكراه.
على مدار الأيام العشرة الأخيرة، ذكرت السلطات أيضا اعتقال 32 طالبا جامعيا بعد احتجاج بجامعة طهران، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، كما قال مصدر لـ هيومن رايتس ووتش. منذئذ، اعتقل عناصر وزارة الاستخبارات ياشار دارالشفايي، وهو ناشط طلابي، وشقيقه كاوه، بحسب ما نشر ابن عمهما على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما أوقفت الاستخبارات محمد مواسد، وهو صحفي استقصائي كتب عن حجب إيران للإنترنت على "تويتر"، حسبما قال مصدر لـ هيومن رايتس ووتش. في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، قال الناطق باسم السلطة القضائية غلام حسين اسماعيلي للصحفيين إنه تم معرفة واعتقال بعض ممن كانوا يرسلون مقاطع الفيديو والمعلومات إلى الإعلام الأجنبي و"العدو".
أفادت "منظمة العفو الدولية" بأن 143 شخصا على الأقل قُتلوا أثناء المظاهرات. هناك مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر بوضوح استخدام قوات الأمن للأسلحة النارية في استهداف المتظاهرين. ذكرت وكالة أنباء "إيران واير" في 26 نوفمبر/تشرين الثاني أن أحد القتلى أثناء المظاهرات، أمير رضا عبدالهي، هو صبي عمره 13 عاما. طبقا لـ إيران واير، لم تسلم السلطات جثمانه لأسرته إلا بعد مرور ثلاثة أيام، وسُمح للأهل بدفنه في تجمع عائلي صغير مقتصر على المقربين.
تشير تقارير عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن الأهالي لم يتمكنوا من استلام جثامين أقاربهم القتلى، مع قيود على الجنازات. اتهم نائب القائد الأعلى "للحرس الثوري الإيراني" علي فدوي المتظاهرين بأنهم مسلحون وأطلقوا النار على الناس، وإن لم يقدم أدلة على تصريحاته.
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، للجميع الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، كما ورد في "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، وإيران دولة طرف فيه.
بموجب "المبادئ الأساسية المتعلقة باستخدام موظفي إنفاذ القانون للقوة والأسلحة النارية"، لا يمكن لموظفي إنفاذ القانون اللجوء إلى استخدام القوة إلا بقدر الضرورة وبالدرجة التي تؤدي إلى تحقيق هدف مشروع يتعلق بالعمل الشرطي. وعند استخدام القوة، على مسؤولي إنفاذ القانون تقليل الضرر والإصابات، واحترام الحياة البشرية والحفاظ عليها. الاستخدام المتعمد للقوة القاتلة يُسمح به فقط عند الضرورة القصوى لحماية الحياة.
تنص مبادئ الأمم المتحدة الأساسية على أن تبلغ السلطات فورا عن جميع وقائع قتل مسؤولي إنفاذ القانون أو إصابتهم للأفراد بالأسلحة النارية وتحقق في هذه الوقائع، عبر عملية تحقيق إدارية أو قضائية مستقلة.
على السلطات إخطار الأهالي بأماكن أقاربهم المحتجزين، وضمان إخطار المحتجزين فورا بأية اتهامات منسوبة إليهم، وإتاحة مقابلتهم لمحامين ولأقاربهم. يتحقق الاختفاء القسري عندما تحتجز السلطات الأفراد ولا تقدم معلومات، أو تتقاعس عن تقديمها، حول أماكنهم ومصائرهم.
اندلعت عدة موجات احتجاجية في إيران منذ أواخر العام 2017. فأثناء احتجاجات ديسمبر/كانون الأول 2017 ويناير/كانون الثاني 2018، اعتقلت السلطات نحو 4 آلاف متظاهر. تقاعست السلطات الإيرانية عن إجراء أية تحقيقات في ادعاءات استخدام القوة المفرطة أثناء المظاهرات، التي قُتل خلالها 25 شخصا.
قال بَيْج: "تستمر السلطات الإيرانية في الإخفاء المتعمد لنطاق حملتها الغاشمة على من يتظاهرون للمطالبة بحياة أفضل. على مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى محاسبة المسؤولين الإيرانيين، طالما الحكومة الإيرانية غير مستعدة لمحاسبتهم".