(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن سلطات السجون الإماراتية تحرم المعتقلين الأجانب المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في أحد السجون الإماراتية على الأقلّ من العلاج المنتظم لمضاد الفيروسات المنقذ للحياة. يُفصل المحتجزون المُصابون بفيروس نقص المناعة البشرية عن باقي السجناء في زنزانة معزولة، ويفيدون أنّهم يواجهون وصمة العار والتمييز المنهجي.
أفادت مصادر متعددة تشمل محتجزين أجانب سابقين في وحدات المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في سجن العوير المركزي في دبي لـ هيومن رايتس ووتش أنهم يخضعون لفحص الفيروس كل ثلاثة إلى ستة أشهر، على عكس المعتقلين الإماراتيين المحتجزين معهم، مع ذلك، غالبا ما يتأخر العلاج أو ينقطع أو لا يُعطَى بالمطلق أحيانا. ذكرت مصادر مقرّبة من هؤلاء المحتجزين أنّ أربعة سجناء قالوا في سبتمبر/أيلول إنهم لم يتلقوا أي دواء لمدة تتراوح بين ثلاثة وخمسة أشهر، وأنها ليست المرة الأولى التي تؤخّر فيها سلطات السجن العلاج الطبي الحرج.
قال مايكل بَيْج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "على الإمارات الالتزام بتوفير الرعاية الصحية، بما في ذلك الأدوية المضادة للفيروسات، لجميع السجناء المحتجزين من دون تمييز. ينتهك حرمان السجناء الأجانب من علاج فيروس نقص المناعة البشرية وتأخيره وقطعه عنهم الحقّ في الصحة، وربما في الحياة".
استمرارية الرعاية لها أهمية بالغة للعلاج الفعال لفيروس نقص المناعة البشرية، إذ تخفّض مستويات الفيروس المنتشر (أو الحِمل الفيروسي)، وتحمي جهاز المناعة لدى الفرد، وتقلّص إمكانية العدوى. قد تؤدي الانقطاعات في العلاج إلى زيادة خطر الإصابة بمقاومة فيروسية وبالعدوى الانتهازية القاتلة.
أفاد مصدر مطّلع مباشرة على القضية لـ هيومن رايتس ووتش أنّ سجينا أُصيب بمرض خطير مؤخرا بعد حرمانه من العلاج لأربعة أشهر، وأخبر السجين المصدر بأن نتائج الفحص أظهرت حِملا فيروسيا مرتفعا وانخفاضا خطيرا في خلايا كتلة التمايز(CD4) المضادة للعدوى، ما يحذّر بظهور مرض الإيدز ويقلّل بشكل كبير من متوسط العمر المتوقع. قالت مصادر أخرى إن ثلاثة سجناء آخرين أعربوا عن قلقهم إزاء تدهور أوضاعهم الصحية، وإن مسؤولي السجن كانوا على ما يبدو غير مبالين بطلباتهم المتكررة للحصول على الرعاية المناسبة. تحجب هيومن رايتس ووتش التفاصيل لحماية السجناء من أي فعل انتقامي ضدّهم.
يُحتجز الرجال والنساء الذين يعيشون مع فيروس نقص المناعة البشرية في وحدات منفصلة عن بقية السجناء في العوير، ويُفصل الرجال عن النساء أيضا. يقبع في تلك الوحدات أشخاص يقضون عقوبات بالسجن في قضايا مخدرات أو جرائم مالية غير عنيفة، وآخرون أدينوا بارتكاب جرائم قتل وجرائم عنف أخرى، وغيرهم من المحتجزين من دون تهمة الذين زُجّوا في السجن المركزي فقط لأنّ فحصهم أظهر إصابتهم بفيروس نقص المناعة البشرية.
قال أحد المحتجزين السابقين إن السلطات الإماراتية احتجزته في سجن العوير المركزي لخمسة أشهر من دون تهمة قبل نقله إلى سجن الصدر في أبو ظبي. أضاف أنه احتُجز في الحبس الانفرادي لثمانية أشهر في سجن الصدر، ولم يتلقَّ أي علاج طوال فترة احتجازه لمدة عام في الإماراتس.
وصف الوصمة والتمييز اللذين واجههما مع السجناء الآخرين المصابين بالفيروس في العوير: "لم يكن الحراس يعرفون شيئا عن فيروس نقص المناعة البشرية، وكانوا يخشون حتى دخول المبنى. كانوا يضعون أقنعة وقفازات ويتحدثون إلينا عبر الزجاج. عاملونا مثل الحيوانات البرية الخطيرة".
تابع المعتقل السابق وصف الأوضاع، قائلا إنّ السلطات في سجن الصدر كانت تضع المصابين بالفيروس الذين تتدهور حالتهم في زنزانات منعزلة لعدة أيام. أضاف أنّ سجينين مصابَين بفيروس نقص المناعة البشرية توفيا خلال فترة احتجازه في ذلك السجن.
أفادت مصادر أنّ فصل المحتجزين المصابين بالفيروس عن باقي نزلاء السجن في سجن العوير المركزي يمنعهم أيضا من استخدام مكتبة السجن وغيرها من المرافق. قال معتقل سابق آخر: "يضعونك هناك [في الوحدة المنفصلة] وينسونك".
قالت إحدى المحتجزات السابقات في سجن الوثبة المركزي في أبو ظبي، إن المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد الوبائي وأمراض أخرى معدية في الوثبة فُصلوا عن باقي السجناء. هذه السجينة غير مصابة بالفيروس.
تنص المبادئ التوجيهية الدولية بشأن معايير حقوق الإنسان في السجون على أن الحق في الخدمات الطبية ينطبق على جميع السجناء من دون تمييز، بما يعادل الخدمات المتاحة لسائر أفراد المجتمع، بما في ذلك علاجات فيروس نقص المناعة البشرية، والسل، والأمراض المعدية الأخرى.
في حين توفر دولة الإمارات للمواطنين المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية برامج علاج ورعاية مجانية، وبينما تدّعي المعاملة نفسها للوافدين أيضا، وفق القوانين المحلية، لا تمنح الحكومة تأشيرات إقامة أو عمل للأشخاص الذين يعانون من بعض الأمراض المعدية، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية. يُرحّل الأجانب الموجودون مسبقا في البلاد والذين ثبتت إصابتهم بهذه الأمراض. في عام 2012، نقل مقال في "غالف نيوز" حول ترحيل أربع سجينات مصابات بفيروس نقص المناعة البشرية عن مسؤول في سجن دبي المركزي تذرّعه بقرار من النيابة العامة لترحيل جميع السجناء المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، بمَن فيهم أولئك الذين يقضون عقوبة السجن المؤبد.
يتجاوز حرمان المحتجزين في السجون ومراكز الاحتجاز في الإمارات من الرعاية الطبية الكافية السجناء المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية وغيره من الأمراض المعدية، وتلك الظاهرة هي الأكثر شيوعا في منشآت أمن الدولة، حيث التعذيب منهجي. في مايو/أيار 2019، أفادت هيومن رايتس ووتش عن وفاة محتجزة مصابة بالسرطان، علياء عبد النور، بعد سنوات من سوء المعاملة وحرمان قوات الأمن إياها من الرعاية الطبية الكافية. تجاهلت السلطات الإماراتية الدعوات المتكررة من أعضاء "البرلمان الأوروبي" وخبراء "الأمم المتحدة" وأفراد أسرتها للإفراج عنها لأسباب صحية.
خلال العام الماضي، تزايدت المخاوف من تدهور صحة الناشطَيْن الحقوقيّين أحمد منصور وناصر بن غيث، المُعتقلَيْن ظلما في ظروف قاسية في السجون ومحرومَيْن من الرعاية الصحية في سجني الصدر والرازين، على التوالي.
كدولة عضو في الأمم المتحدة، التزمت الإمارات بالالتحاق بالجهود العالمية لإنهاء الإيدز كتهديد للصحة العامة بحلول 2030. للوفاء بهذا الالتزام، على السلطات الإماراتية التأكد من أن جميع السجناء المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية يتلقون الرعاية الصحية اللازمة التي يحتاجونها. قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات أيضا السماح للمراقبين الدوليين المستقلين بدخول البلاد ومراقبة السجون ومراكز الاحتجاز بانتظام.
في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، وتحت رعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، ستستضيف الإمارات منتدى للقادة العالميين للصحة العامة لمشاركة معطيات والممارسات الفضلى للقضاء على الأمراض المعدية.
قال بَيْج: "على مؤسسات الصحة العامة وشبكات الناشطين في مجال فيروس نقص المناعة البشرية الضغط على السلطات للوفاء بالتزاماتها وبتصريحاتها عن تقبّل الآخرين من خلال إنهاء هذه الممارسة المسيئة وتوفير الرعاية الطبية المناسبة لجميع السجناء بالتساوي".