السيد رئيس الحكومة،
السيد وزير الداخلية،
السيد وزير العدل
تتوجه لكم المنظمات الموقعة بهذه المراسلة لدعوة حكومتكم لضمان وضع حد لمناخ الإفلات من العقاب السائد في ارتباط بانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الأمن التونسية. هذا وقد دعت منظماتنا مرارًا وتكرارًا السلطات التونسية إلى ضمان عدم افلات أعضاء قوات الأمن المشتبه في ارتكابهم أو مشاركتهم في أعمال تعذيب أو سوء معاملة من الملاحقة القضائية.
من الضروري تجسيد التزام تونس باحترام تعهداتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ومن الواجب أن تفضي التحقيقات التي انطلقت في جريمة التعذيب إلى إجراء محاكمات عادلة وشفافة ومستقلة دون تدخلات أو عراقيل بمختلف اشكالها، ودون اللجوء إلى عقوبة الإعدام. ويجب أن تكفل الإجراءات القانونية المتخذة حماية الضحايا من جميع أشكال الترهيب والانتقام وأن تضمن عدم اللجوء إلى التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية. ومن الضروري أيضا حماية حقوقهم في الاستماع إليهم والحصول على العدالة وجبر الضرر. هذا وندعوكم إلى ارسال إشارة واضحة من خلال تصريح علني في هذا الصدد للتذكير بأنه لا يمكن السماح أو التسامح مع أي شكل من أشكال الإفلات من العقاب في علاقة بأعمال التعذيب أو غيرها من ضروب سوء المعاملة ، و مع أي ممارسات تستهدف الضغط على المسار الطبيعي للعدالة.
وفي هذا الصدد نحن نعتبر ماحدث في محكمة بن عروس دليل على تفشي الإفلات من العقاب في تونس. استمع قاضي التحقيق في محكمة بن عروس في 26 فيفري 2018 إلى أعوان الفرقة العدلية المشتبه في ارتكابهم أعمال تعذيب. ووفقاً لصاحب الشكوى ، قام أربعة من أعوان الشرطة بتعذيبه جسدياً اثر نقله إلى مركز الشرطة في 22 فيفري 2018. ووفقاً لتقرير "الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب" (INPT)، أفاد صاحب الشكوى بأنه كان مقيد اليدين في وضعية وقوف في مواجهة الجدار و أنه تم الاعتداء عليه من قبل الأعوان. كما أفاد أن سقوطه أرضا تسبب في كسر زجاج و في أضرار بدنية على مستوى اليد. من ثم، وضع صاحب الشكوى، الذي أصيب بجروح وجرد من ملابسه، تحت المطر حاملا إطار سيارة. كما ورد أن أحد الأعوان تعمد رشه بالغاز المسيل للدموع. تقدم المحامي مهدي زقروبة بشكوى بشأن التعذيب في 23 فيفري 2018 وفتح المدعي العام تحقيقاً قضائياً.
و في رد على استجواب أعوان الفرقة العدلية المشتبه في ارتكابهم لمثل هذه الأعمال ، أصدرت نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل (SFDGUI) بيانًا في 26 فيفري 2018 تدعو فيه جميع موظفي وأعوان قوات حفظ الأمن إلى مقاطعة تأمين محكمة بن عروس الابتدائية حتى الإفراج عن الأعوان المتهمين بالتعذيب. وفي ذات اليوم ، اقتحم عدد كبير من أعوان حفظ الأمن المحكمة بهدف الضغط على سير العدالة في هذه القضية.
تشكل الوقائع التي تمت معاينتها في محكمة بن عروس الابتدائية يوم 26 فيفري 2018 والهادفة إلى ضمان الحصانة التي تتمتع بها قوات الأمن من أجل جرائم مثل التعذيب ، محاولة جادة من طرف أعوان من المفروض أن تكون مهمتهم السهر على تنفيذ القانون لعرقلة سير العدالة وتتناقض مع الفصل 109 من الدستور التونسي ومع النصوص التشريعية النافذة.
هذا ولازلت منظمات حقوق الإنسان تدعو منذ سنوات السلطات التونسية إلى وضع حد للإفلات من العقاب. ومع ذلك، فمنذ عام 2011، لم تسفر الغالبية العظمى من الادعاءات الموثوقة عن التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة على أيدي قوات الأمن إلى إجراء محاكمات. ومن هذا المنطلق ، أعربت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب عن قلقها إزاء عدم المساءلة عن جرائم التعذيب وسوء المعاملة في تونس وأوصت بأن تحرص الدولة التونسية على أن تفضي جميع الادعاءات المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة فوراً إلى إجراء تحقيقات محايدة وجادة يشرف عليها قضاة مستقلين ، وأن تحرص على أن تتم مقاضاة المشتبه في ارتكابهم لمثل هذه الأفعال على النحو الواجب و أن تفرض عليهم، في حالة الإدانة، عقوبات تتناسب مع درجة خطورة أفعالهم. وأخيراً، أوصت اللجنة أيضاً بإيقاف المسؤولين عن التعذيب وسوء المعاملة عن العمل فوريا وذلك طول مدة التحقيق ،خصوصا إذا كان ثمة احتمال بأنهم قادرون على ارتكاب الأفعال المشتبه في قيامهم بها مجددا، أو الانتقام من الضحية المفترضة أو عرقلة التحقيق[1]
وفي بيانها الصادر في 26 فيفري 2018، دعت نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل جميع أعوان حفظ الأمن إلى عدم المثول أمام الجهات القضائية بخصوص القضايا المرتبطة بممارستهم لمهامهم الأمنية.
وفي بيان آخر صدر في 1 نوفمبر 2017 ، منحت نقابات الأمن مجلس نواب الشعب مهلة مدتها 15 يومًا لبدء المناقشة العامة حول مشروع قانون زجر الإعتداءات على القوات المسلحة ، وأشارت إلى نيتها رفع الحماية الأمنية لنواب ورؤساء الأحزاب الممثلة في البرلمان بداية من 25 نوفمبر إذا لم تؤخذ هذه المطالب بعين الاعتبار. كان هذا المشروع محل انتقادات حادة من قبل العديد من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني منذ تقديمه في ربيع عام 2015 ، بإعتباره غير دستوري ومخالفا لالتزامات تونس الدولية ، فضلا عن كونه يشكل تهديدا على الحريات الفردية والعامة ويعزز الإفلات من العقاب.
وفي جوان الماضي، استنكر أعضاء فرقة القرجاني لمكافحة الإرهاب عدد ادعاءات التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة ضدهم خلال اجتماع مع أعضاء اللجنة البرلمانية المعنية بالأمن والدفاع ، معتبرينها "شكل من أشكال الهرسلة".
في غياب رد فوري وعلني منها على ممارسة الضغط والابتزاز على العدالة، تفوت السلطات التونسية الفرصة للتعهد بالتزاماتها الدولية، ولتأكيد إرادتها في ما يتعلق بملاحقة المشتبه في مسؤوليتهم عن التعذيب قضائيا.
هذا ويتعين على السلطات مجابهة هذه الممارسات وذلك لضمان، استقلال القضاء كسلطة، وحماية القضاة كونهم ضامني الحقوق والحريات، ولمكافحة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، كما جاء في الدستور التونسي.
وتؤكد منظماتنا على الحاجة الملحة لمضاعفة السلطات التونسية جهودها حتى يتم تقديم المشتبه في تورطهم إلى العدالة، بما في ذلك التأكد من مثول أعضاء قوات الأمن الذين يتم استدعاؤهم للاستجواب أمام المحققين والمحاكم في ظروف خالية من التهديدات والضغوط الأخرى.
وفي ضوء التزام تونس ببناء دولة القانون واحترام حقوق الإنسان، فأنه من الواجب أن يصبح التوجه نحو وضع حد لإفلات قوات الأمن من العقاب أولوية وذلك من أجل بناء مناخ من الثقة بين قوات الأمن والشعب.
نعول على تفاعلكم
في إنتظار ردكم
تقبلوا بقبول فائق التحية و الاحترام
الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية
البوصلة
منظمة العفو الدولية
الأورومتوسطية للحقوق
هيومن رايتس ووتش
الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
محامون بلا حدود
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ،
المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب ،
النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين،
اللجنة التونسية لاحترام الحقوق والحريات
المرصد التونسي للحقوق والحريات ،
المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية
المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب
[1] الفقرتان 19 و-20 من الملاحظات الختامية بشأن التقرير الدوري الثالث الخاص بتونس
CAT/C/TUN/CO/3
في 6 ماي 2016