كان أمس يوما سعيدا للعدالة في بريطانيا، ولو أنه جاء متأخرا. قضت محكمة بأن جنودا بريطانيين مسؤولون عن عدد كبير من الانتهاكات ضد معتقلين في العراق.
لكنه لم يكن يوما سعيدا للعمل الصحفي الدقيق عن الملف، إذ شوّهت صحيفة "ديلي ميل" الحكم، ناشرة الخبر تحت عنوان "فشل حقوق الإنسان".
الوقائع هي أن قاضيا بريطانيا أصدر حكما مُفصّلا يوم الخميس بعد الاستماع إلى أدلة موسعة حول تعسف القوات البريطانية بحق المعتقلين خلال احتلال العراق قبل أكثر من 10 سنوات. توصل القاضي إلى نتائج صادمة في الدعوى المدنية لجبر الضرر، هي أن القوات البريطانية عاملت المحتجزين معاملة لا إنسانية ومهينة.
تتعلق إحدى الحالات بعبد علي حميد علي الوحيد، وهو مبرمج حواسيب أخذه الجنود البريطانيون من منزله عام 2007. وجد القاضي أنه تعرض للضرب المتكرر على يد الجنود، ربما بأعقاب البنادق، أثناء نقله إلى قاعدة عسكرية. وفي القاعدة، حرمه الجنود البريطانيون عمدا من النوم، وكذلك من الرؤية والسمع، إذ عصبوا عينيه وسدّوا أذنيه لفترات طويلة وكلما أُخِذ من زنزانته للاستجواب. لم يجد القاضي أي مبرر لهذه الانتهاكات، وأمر وزارة الدفاع بدفع تعويض له وللمدعين الآخرين.
وجد القاضي أيضا أن الوحيد احتُجز بشكل غير قانوني لعدة أسابيع، وأن القوات البريطانية واصلت احتجازه حتى بعد أن أمرت لجنة مراجعة احتجازه بالإفراج عنه. وجاء في قرار القاضي بوضوح أن أيا من المُدّعين، بمن فيهم الوحيد، لم ينخرط في أي عمل إرهابي، أو يشكل خطرا على الأمن العراقي.
ولا يبرز أي من هذه التفاصيل لدى قراءة الصفحة الأولى في الديلي ميل، التي تجاهلت حقيقة أن القاضي وجد أن الجنود البريطانيين أساؤوا معاملة السجناء، وأنه تمّت تبرئة جميع المدّعين من أي شبهة بالإرهاب. ونقلت الصحيفة أقوال عضو البرلمان جوني ميرسر الذي هاجم الحكم. كان ميرسر قد شن حملة ناجحة لجعل الحكومة البريطانية تلغي تحقيقات جنائية في جرائم حرب في العراق.
رغم هذه الهجمات ضد محاولات التحقيق في مزاعم الانتهاكات في العراق، نظر قاض بريطاني في الأدلة وحكم بأن انتهاكات غير قانونية وقعت.
هذا ليس فشلا. بل هي العدالة تقوم بعملها.