تولّد النزاعات المسلحة اليوم عددا متزايدا من الصور والفيديوهات المروّعة للعنف وضحاياه، الذين يكونون في الغالب مدنيين. ليس من الضروري أن تحتوي هذه الصور على جثث هامدة أو أشخاص مصابين حتى تكون ذات تأثير.
تظهر إحدى الصور، التي تحكي قصة مؤثرة، رجالا في حقل يستخدمون مجارف وأيديهم العارية لالتقاط بقايا صغيرة ويضعونها في صندوق من الورق المقوى. هذه الصورة – التي تبدو عادية – تُصبح مروعة عندما تعلم أنهم كانوا يجمعون أجزاء جسم طفل يبلغ من العمر 12 عاما، قتل ساعات قبل التقاط الصورة، بعد أن انفجرت ذخائر صغيرة متبقية من هجوم بالذخائر العنقودية بين يديه.
التقط زميلي هذه الصورة في جنوب لبنان، مباشرة بعد استخدام إسرائيل الواسع للذخائر العنقودية في أغسطس/آب 2006. أثارت هجمات الذخائر العنقودية تلك غضبا دوليا في ذلك الوقت، وكانت حافزا رئيسيا لإنشاء "معاهدة حظر الأسلحة العنقودية" لعام 2008.
لكن بعد عقد من الزمن، ما زالت الذخائر العنقودية تحصد الأرواح والأطراف، وتثير ردود فعل عامة قويّة. ينطبق هذا بشكل خاص على سوريا، حيث ساعدتُ على مدى السنوات الخمس الماضية على توثيق معاناة لا داعي لها ناجمة عن الاستخدام المتواصل لهذه الأسلحة.
تُطلق الذخائر العنقودية من الأرض عبر الصواريخ والمدافع، أو من الجو عبر الطائرات، وتهبط على مساحة واسعة، فتلحق أضرارا بالمدنيين وقت الهجوم. لكن الذخائر العنقودية تترك دائما وراءها قنابل لا تنفجر على الفور – بمثابة الألغام الأرضية – وقد تُحدث انفجارا قاتلا إلى يومنا هذا، رغم الجهود الجارية لإزالتها وتدميرها.
لم تستخدم إسرائيل الذخائر العنقودية منذ عام 2006، ولكنها استمرت في اقتنائها وإنتاجها. في الآونة الأخيرة، سعت الحكومة إلى رفع مستوى أنظمة المدفعية للجيش الإسرائيلي، وأفادت تقارير أنها رفضت المدفعية المصنوعة في ألمانيا بسبب إصرار الحكومة الألمانية على عدم استخدام إسرائيل لنظام الأسلحة لإطلاق ذخائر عنقودية. بدلا من ذلك، قررت إسرائيل شراء نظام المدفعية الذي صنعته شركة "إلبيت" الإسرائيلية، على ما يبدو لأن نظام الإطلاق هذا سيسمح لها باستخدام الذخائر العنقودية في المستقبل.
ما يُعتبر اليوم صفقة أسلحة غير مثيرة للجدل قد يتحوّل إلى محاولة لإزالة الوصم عن هذا السلاح في المستقبل. لماذا يتم "تجاهل الحظر الدولي على القنابل العنقودية؟" سأل أحد المعلقين في مقال انتقادي في "هآرتس" نعت فيه إسرائيل بـ "أمة القنبلة العنقودية".
يوضح رفض ألمانيا السماح باستخدام مدفعيتها في هجمات بالذخائر العنقودية كيف أن ألمانيا والدول الـ 118 الأخرى التي حظرت الذخائر العنقودية تتشبث بشكل وثيق بالتزامها الصارم بعدم استخدام أو تطوير أو إنتاج أو حيازة أو تخزين أو نقل الذخائر العنقودية.
يؤكد التقرير السنوي الجديد لـ "مرصد الذخائر العنقودية لعام 2017"، الصادر عن "تحالف الذخائر العنقودية"، الذي يورد تفاصيل التقدم المحرز في إطار معاهدة الحظر، أنه لا توجد تقارير أو ادعاءات بأن أي دولة طرف تشترك في استخدام جديد أو أنشطة أخرى تحظرها اتفاقية الذخائر العنقودية. تنفذ هذه البلدان أحكام المعاهدة بحزم وتصميم، وقد دمرت حتى الآن 28 دولة طرفا ما يبلغ جماعيا 1.4 مليون من الذخائر العنقودية التي تحتوي على أكثر من 175 مليون قنبلة صغيرة.
حتى من دون مشاركة القوى الكبرى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، فإن اتفاقية الذخائر العنقودية لها تأثير كبير في الحد من الضرر ومنع الاستخدام الجديد لها.
مع ذلك، يستمر الضرر المدني، خاصة في سوريا، وهي دولة غير موقعة على معاهدة الحظر، حيث استمرت الهجمات بالذخائر العنقودية التي تشنها القوات الحكومية السورية على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة دون هوادة طوال عام 2016 والنصف الأول من عام 2017، بالتعاون مع روسيا.
قدم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لـ "هيومن رايتس ووتش" ورقة موقف بشأن الذخائر العنقودية في سوريا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لم تُنكر أو تعترف صراحة بتورط روسيا في استخدام الذخائر العنقودية في سوريا. بل تقدم الورقة ادعاء عاما بأن الذخائر العنقودية في سوريا استخدمت وفقا للقانون الإنساني الدولي وليس بطريقة عشوائية.
أعترض بشدة على هذا الادعاء. إن دلّ ذلك على شيء فهو يدل على أن الإصابات والوفيات في سوريا أوضحت بجلاء أن الذخائر العنقودية لا يمكن أن تُميز، وبالتالي لا يمكن استخدامها وفقا لقوانين الحرب.
أفضل طريقة للرد على استخدام الذخائر العنقودية في سوريا هو إدانتها وضمان نجاح معاهدة الذخائر العنقودية. من خلال وصمها للذخائر العنقودية، تعكس المعاهدة رفض الجمهور لهذه الأسلحة والرغبة في حماية المدنيين من المزيد من المعاناة.
لا شك أن الأمر سيستغرق وقتا، لكن في نهاية المطاف، ستعترف بلدان مثل إسرائيل وروسيا وسوريا بعدم جدوى التمسك بالذخائر العنقودية والالتزام بمعاهدة الحظر، إن لم تتخذ خطوات للانضمام إليها.