(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن قرار إلغاء الرسوم الباهظة التي منعت العديد من السوريين من الحفاظ على وضع قانوني في لبنان هو خطوة إيجابية. لكن يبدو أن القرار يستبعد عددا من اللاجئين الأكثر عرضة للخطر.
الإجراءات الجديدة، التي أعلن عنها الأمن العام الأسبوع الماضي، ستسقط رسم الإقامة السنوية البالغ 200 دولار عن اللاجئين السوريين في لبنان، شرط أن يكونوا قد سُجلوا لدى "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" (المفوضية) قبل 1 يناير/كانون الثاني 2015، أو حصلوا على الإقامة بناء على شهادة المفوضية مرة واحدة على الأقل عام 2015 أو 2016.
قالت لمى فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "إذا نُفذ قرار إعفاء بعض اللاجئين من رسوم الإقامة، سيكون له تأثير حقيقي وإيجابي على العديد من الأسر السورية التي تعيش في لبنان. لكن استثناء أجزاء كبيرة من اللاجئين لن يؤدي إلا إلى مزيد من تهميش الفئات الضعيفة أصلا".
يستثني القرار السوريين غير المسجلين لدى المفوضية، أي ما يقارب 500 ألف شخص وفقا لتقديرات الحكومة. في 6 مايو/أيار 2015، علقت المفوضية تسجيل اللاجئين السوريين في لبنان بناء على طلب من الحكومة اللبنانية. كما أكد الأمن العام لـ هيومن رايتس ووتش عبر الهاتف، يوم 13 فبراير/شباط، أن القرار يستثني اللاجئين المسجلين الذين جددوا إقاماتهم من خلال كفالة مواطن لبناني. وقال الأمن العام أيضا إن الإعفاء لا ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين الآتين من سوريا.
لطالما دعت هيومن رايتس ووتش ومنظمات إغاثة إلى إعفاء جميع اللاجئين السوريين في لبنان من رسوم تجديد الإقامة.
اعتمد لبنان شروط إقامة جديدة في يناير/كانون الثاني 2015، لم يستطع معظم اللاجئين استيفائها. دون تمتعهم بإقامة، يمكن اعتقال اللاجئين وتقييد حركتهم. يصعّب عليهم ذلك العمل، أو إرسال أبنائهم إلى المدرسة، أو الحصول على الرعاية الصحية. كما يعيق قدرتهم على تسجيل الزواج والولادات، ما يضع عشرات آلاف الأطفال السوريين الذين ولدوا في لبنان أمام خطر انعدام الجنسية. أدى العجز عن العمل إلى تفاقم الفقر وسط اللاجئين، مما يؤدي إلى زيادة عمل الأطفال والزواج المبكر. انعدام الصفة القانونية ترك اللاجئين عرضة لمجموعة من الانتهاكات، منها الاستغلال في العمل، الانتهاكات الجنسية، والعجز عن اللجوء إلى السلطات لطلب الحماية خوفا من أن تعتقلهم الشرطة بسبب انتهاء صلاحية إقامتهم.
وجدت هيومن رايتس ووتش عام 2016 أن نصف قرابة 500 ألف طفل سوري في سن الدراسة ومسجلين لدى المفوضية في لبنان لم يحصلوا على تعليم رسمي، وأن عدم توفر وثيقة الإقامة كانت حاجزا رئيسيا حال دون ذلك.
لم تنشر السلطات اللبنانية أي إحصاءات عن عدد اللاجئين السوريين بدون وضع قانوني، لكن "خطة لبنان للاستجابة للأزمة"، التي نشرت في يناير/كانون الثاني 2017، تقدر أن 60 بالمئة ممّن تزيد أعمارهم عن 15 عاما يفتقرون للإقامة القانونية، مقارنة مع 47 بالمئة في يناير/كانون الثاني 2016. التزم لبنان، في مؤتمر المانحين في فبراير/شباط 2016 في لندن، بمراجعة الأطر القانونية الحالية المتعلقة بشروط الإقامة وتصاريح العمل للسوريين.
لتجديد الإقامة، تتطلب الشروط التي اعتمدت في يناير/كانون الثاني 2015 من جميع السوريين، في سن 15 عاما فما فوق، دفع 200 دولار كرسوم سنوية للشخص الواحد؛ تقديم هوية صالحة وورقة دخول يتم الحصول عليها على الحدود؛ تقديم ورقة سكن تؤكد مكان إقامتهم؛ وتقديم صورتين تحملان ختم المختار، وهو مسؤول محلي لبناني.
للحفاظ على الإقامة، على السوريين غير المسجلين لدى المفوضية تقديم "تعهد بالمسؤولية" يوقعه مواطن لبناني أو هيئة مسجلة في لبنان لكفالة فرد أو أسرة. وجدت هيومن رايتس ووتش أن بعض المواطنين اللبنانيين يطلبون من اللاجئين ما يصل إلى 1000 دولار لقاء الكفالة، وأن الأمن العام، في كثير من الحالات، يشترط الكفالة حتى على اللاجئين المسجلين لدى المفوضية.
أكثر من مليون لاجئ سوري مسجلون لدى المفوضية في لبنان، رغم أن الحكومة تقدر أن هناك 1.5 مليون سوري في البلاد. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الأمن العام ومنظمات الإغاثة العاملة في لبنان أن تعمم هذه السياسة الجديدة على نطاق واسع بحيث يمكن للاجئين السوريين المؤهلين الاستفادة من الإعفاء من الرسوم.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن مكاتب الأمن العام تطبق سياسات الإقامة بشكل غير متسق، بما في ذلك عن طريق الاشتراط على اللاجئين المسجلين لدى المفوضية الحصول على كفيل، وتوقيع السوريين على تعهد بعدم العمل حتى بعد إلغاء هذا الشرط في 2016. أضافت هيومن رايتس ووتش أن على السلطات اللبنانية ضمان تطبيق السياسة الجديدة القاضية بالإعفاء من الرسوم بشكل متسق من قبل جميع مراكز الأمن العام في لبنان.
يأتي إعلان تجديد الإقامة هذا وسط تصريحات علنية مقلقة بشأن احتمال إعادة اللاجئين، منها تقارير عن مفاوضات بين "حزب الله" وقوى المعارضة السورية لإعادة اللاجئين من لبنان إلى سوريا. قد تخلق هذه السياسة فئة راسخة من اللاجئين بدون إقامة ومعرضين لخطر الإعادة الجبرية بشكل كبير. لا تسمح الأوضاع في سوريا بإنشاء مناطق آمنة، وأية إعادة بالقوة أو قسرا للاجئين ستكون غير قانونية بموجب القانون الدولي، بغض النظر عما إذا كان السوريون يتمتعون بإقامة أو مسجلين لدى المفوضية أم لا. اللاجئون محميون وينبغي عدم إجبارهم على العودة إلى البلدان التي قد يواجهون فيها اضطهادا.
قالت فقيه: "على لبنان ألا يغفل السوريين الذين لم يتمكنوا من التسجيل لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، أو الذين استعانوا بكفيل لبناني للحفاظ على وضع قانوني. من مصلحة لبنان ضمان أن جميع اللاجئين قادرون على العيش هنا بشكل قانوني دون خوف من الاعتقال، إلى أن يحين الوقت الذي تسمح به الظروف في سوريا بعودتهم سالمين".