(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن غارة جوية استهدفت مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" – ويُعرف أيضا بـ "داعش" – أصابت عيادة طبية إلى الجنوب من الموصل في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016. دمّر الجهوم نصف العيادة وقتل 8 مدنيين وأصاب 2 آخرين على الأقل.
قُتل أيضا مقاتلان من داعش ووزير نقل التنظيم، حسب قول شاهد لـ هيومن رايتس ووتش. قال عامل في الرعاية الصحية إن مقاتلي داعش استولوا قسرا على مكتب في العيادة وعقدوا اجتماعات فيه بانتظام، ما عرض المدنيين لخطر الهجمات.
قالت لمى فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "تمركز مقاتلي داعش بهذا الشكل المخزي، داخل منشأة صحية تستحق الحماية جنوب الموصل، عرض المدنيين ومنهم المرضى للخطر، ويجب أن تكف هذه الممارسات فورا. على القوات التي تهاجم داعش اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتقليص الضرر اللاحق بالمدنيين، بما يشمل الذين قد تكون عرضتهم قوات داعش للخطر".
رغم تواجد مقاتلي داعش، فإن على من يشنون هذه الغارات الجوية – لكي تكون قانونية – أن يضمنوا استهداف الأهداف العسكرية فحسب. كما أنه مطلوب منهم إصدار تحذير فعال، واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين، وضمان ألا يلحق ضرر غير متناسب بالمدنيين والأعيان المدنية. قالت هيومن رايتس ووتش إن على قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة والقوات العراقية إجراء تحقيق محايد ومستفيض وشفاف في الواقعة لتحديد الطرف المسؤول عنها ومعرفة إن كانت قانونية، ولتعويض الضحايا إن لم تكن قانونية.
في 17 أكتوبر/تشرين الأول بدأت الحكومة العراقية المركزية وسلطات حكومة إقليم كردستان، بدعم من التحالف الدولي، عمليات عسكرية لاسترداد الموصل والمناطق المحيطة.
في 18 أكتوبر/تشرين الأول، ودون تحذير، ضربت غارة جوية عيادة محلية ببلدة حمام العليل، 30 كم جنوب شرق الموصل، وكانت تحت سيطرة داعش، بحسب مسؤول في "مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية" بالأمم المتحدة و3 عاملين بالرعاية الصحية ومسؤول محلي. قال عاملون بالرعاية الصحية إن الهجوم الذي وقع حوالي الساعة 9:30 صباحا قتل 8 مدنيين على الأقل منهم 5 أطفال وأصاب 2 آخرين على الأقل. ينفذ التحالف بقيادة الولايات المتحدة والقوات العراقية غارات جوية في إطار المعركة ضد داعش. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التثبت من الجهة المسؤولة عن الغارة.
العيادة التي أنشئت في 2005 هي وحدة الرعاية الصحية الأساسية بالمنطقة، وتخدم نحو 70 ألف مدني بالبلدة والقرى المجاورة. هذه البناية المكونة من طابق واحد بها 15 حجرة، وفيها جناح لرعاية الأم والرضيع، وقسم للأشعة الطبية، وقسم للّقاحات، ووحدة طب أسنان ومعمل تحاليل. انتقلت العيادة إلى بناية أخرى بسبب الضرر الذي تسبب فيه الهجوم.
قال عامل بالرعاية الصحية إن في يوليو/تموز 2014، عندما استولى داعش على البلدة، ذهب المقاتلون إلى العيادة وأمروه أن ينقل مقره من أحد أجنحة العلاج إلى حجرة على مسافة 15 مترا. جهز المقاتلون مكتبا في مكتبه السابق، وكانوا يجتمعون فيه كثيرا. في 18 أكتوبر/تشرين الأول ضربت غارة جوية الحجرة التي كان داعش يستخدمها، حسب قول 3 عاملين بالرعاية الصحية.
قال سائق إسعاف في العيادة إنه رأى جثث 3 من مقاتلي داعش الذين قتلوا في الغارة، بينهم وزير نقل داعش، وكان يبدو أنه مقاتل بدوره. رأى السائق أحد كبار قادة داعش يغادر البناية قبل 15 دقيقة، من الغارة لكن عاد السائق بجثمانه إلى العيادة من قرية الشورة المجاورة بعد أن ضربته هناك غارة أخرى في اليوم التالي.
قال عامل بالرعاية الصحية إن وقت الغارة كان في العيادة نحو 50 مريضا. كان في مكتبه عندما رماه الانفجار على الأرض. ساد الظلام الحجرة وأحس بالغبار في الهواء. استغرق دقيقتين لينهض ويخرج من الحجرة.
قال: "عندما خرجت رأيت أن الجناح الأيسر من العيادة الواقع على مسافة 15 مترا تقريبا من مكتبي دُمر تماما. بدأت أسير وأنا لا أعرف إلى أين أنا ذاهب، ثم فجأة وجدت نفسي في مسجد الحي. رأيت جثمانين على الأقل وأنا في طريقي. بعد 10 دقائق في المسجد عدت إلى العيادة، لكن رأيت مقاتلين آخرين من داعش يفدون على العيادة ويطلقون الرصاص في الهواء، فغادرت".
من بين القتلى رجل عمره 72 عاما وحفيداه (7 و6 أعوام) كان قد أخذهما إلى المستشفى لتناول لقاحات شلل الأطفال، حسب قول العاملين بالرعاية الصحية. في الجناح نفسه، على حد قولهم، قُتلت ممرضة وأصيبت أخرى، تأثرا بشظية معدنية أصابت كتفها. قُتل 3 أطفال آخرين في جناح العلاج المجاور لمكتب داعش. وقُتل أيضا شاب كان يدير بقالة عند مدخل العيادة. كُسرت ساق صيدلاني العيادة.
قال العاملون بالرعاية الصحية إن أكثر من نصف العيادة دُمر، بما يشمل قسم الأشعة وقسم اللقاحات، وإدارة الموارد البشرية والمكاتب الإدارية.
بموجب قوانين الحرب المنطبقة على النزاع المسلح في العراق، فإن المستشفيات والمرافق الطبية الأخرى لها حماية خاصة. تبقى المنشآت الطبية متمتعة بالحماية من الهجوم ما لم تُستخدم لارتكاب أعمال "تضر العدو" خارج نطاق نشاطها الإنساني. مثل هذه الأعمال لا تشمل علاج مقاتلي العدو، وهو العلاج الذي يجب أن يتمكن العاملون الطبيون جميعا من توفيره دون خوف من الاستهداف بهجمات. حتى عند استخدام المنشآت الطبية لأعمال ضارة بالعدو، فلا يستقيم استهدافها إلا بعد تحذير متبوع بمهلة زمنية معقولة، وبعد أن يتم تجاهل التحذير. على القوات والجماعات المسلحة الامتناع عن احتلال منشآت طبية.
جميع أطراف النزاع – ومنها التي تنفذ غارات وقصف – ملزمة بموجب قوانين الحرب باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليص الضرر اللاحق بالمدنيين. الهجمات التي تكون عشوائية جراء فشلها في التمييز بين المقاتلين والمدنيين هي هجمات محظورة، وكذلك الهجمات غير المتناسبة التي يفوق فيها الضرر المتوقع بالمدنيين الميزة العسكرية المتوقعة من الهجمات.
ليست هذه أول مرة يتمركز فيها مقاتلو داعش داخل منشآت طبية في العراق. احتل مقاتلو داعش الطابق الثاني من مستشفى الفلوجة العام عدة أشهر قبل أن تضرب غارة جوية المستشفى الساعة 8 مساء 25 مايو/أيار دون تحذير. أضرت الغارة بجناح الطوارئ وأجزاء أخرى من المنشأة. قال أطباء محليون لـ هيومن رايتس ووتش إن داعش كان له أيضا مكاتب في عيادات في القيارة، 60 كم جنوب الموصل، وجدعة، 65 كم جنوب الموصل، حين كان يسيطر على هاتين البلدتين. قال عامل طبي رفيع المستوى في عيادة حمام العليل لـ هيومن رايتس ووتش إن الأطباء في شتى منشآت الموصل الطبية أخبروه بأن داعش له مكاتب في جميع المنشآت التي يعملون بها: المستشفى الجمهوري، ابن سينا، السلام، ومستشفى الموصل العام.
على أطراف النزاع جميعا ضمان حماية المنشآت الطبية من الهجمات ومن تدخلات الأطراف الثالثة بها، وأن يتخذوا خطوات فعالة لمنع الاحتلال العسكري للمستشفيات.
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن الهجمات على المرافق الصحية والعاملين بالمجال الصحي وسيارات الإسعاف قد تعيق حق الحصول على الرعاية الصحية، والحق في أعلى مستوى ممكن بلوغه من الصحة. في ديسمبر/كانون الأول 2014 أصدرت "الجمعية العامة" للأمم المتحدة قرارا غير مسبوق يحث الدول الأعضاء على اتخاذ خطوات فورية لضمان حماية العاملين بالرعاية الصحية في كل مكان من العنف.
قالت فقيه: "استخدام داعش المتكرر للمستشفيات لأغراض عسكرية بالموصل ومناطق أخرى في العراق يستهزئ بالمبادئ الإنسانية وغير قانوني، لذا على التحالف والقوات العراقية تحري الحذر البالغ في هجماتهم".