(أربيل) – تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ "داعش") يُجبر المدنيين الخاضعين لسيطرته على الرحيل برفقة مقاتليه في المناطق المحيطة بالموصل، ويستخدمهم كدروع بشرية على ما يبدو. هناك أيضا مخاوف كبيرة إزاء جمع داعش لمئات الرجال وإعدام من كانت لهم صلات بقوات الأمن.
على داعش الكف عن تعريض المدنيين للخطر عبر اجبارهم على مرافقة المقاتلين إلى مناطق بعضها يشهد قتالا. استخدام المدنيين كدروع بشرية جريمة حرب. على القوات المقاتلة لداعش أن تتخذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين أثناء الهجمات. قالت هيومن رايتس ووتش إنه يُحظر على هذه القوات شن هجمات عشوائية، وعليها ألا تستخدم أسلحة انفجارية واسعة الأثر في مناطق مأهولة بالسكان.
قالت لمى فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط: "اتخاذ داعش لدروع بشرية هو أحدث سلوك فظيع ضد المدنيين المُحاصرين. لكن الفظائع التي يرتكبها داعش لا تعطي للقوات المقاتلة له الحق في مهاجمته دون مراعاة سلامة المدنيين المُحاصرين وسط المقاتلين".
في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016 بدأت الحكومة العراقية المركزية وسلطات حكومة إقليم كردستان، بدعم من تحالف دولي، في عمليات عسكرية لاستعادة الموصل، ثاني كبرى مدن العراق، التي سيطر عليها داعش في يونيو/حزيران 2014، والمناطق المحيطة بها، ومنها بلدة تلعفر، 60 كلم إلى الغرب. كما طوّقت القوات المقاتلة لداعش مدينة الحويجة، 120 كلم جنوب شرقي الموصل، التي سيطر عليها داعش في يونيو/حزيران، وبدأت عملياتها لاستعادة المدينة.
قابلت هيومن رايتس ووتش 18 شخصا على انفراد وأجرت 6 مقابلات جماعية في مخيم للنازحين في الجدعة تم افتتاحه في أواسط أكتوبر/تشرين الأول. يقع المخيم على مسافة 65 كلم جنوبيّ الموصل ويستضيف 5 آلاف نازح على الأقل.
قال 4 رجال من ناحية الشورة، 40 كلم جنوب شرقي الموصل، التي استعادتها القوات العراقية في 29 أكتوبر/تشرين الأول، إن مقاتلي داعش أمروهم وعائلاتهم بمغادرة البلدة برفقة مقاتلين من داعش في 24 أكتوبر/تشرين الأول والسير نحو قرية السروج، 1.5 كلم إلى الشمال الغربي، في اتجاه الموصل. قالوا إن عدد سكان القرية كان يبلغ نحو 6 آلاف نسمة وقتها. قالوا إن عناصر داعش أخرجوا الناس من البيوت وأخلوا القرية، وإنهم رأوا المقاتلين يطلقون النار في الهواء فوق بيت أسرة واحدة على الأقل رفضت الأمر. قال أحدهم إن مقاتلي داعش أخبروه بأنهم يجبرون العائلات على الرحيل حتى يتمكن داعش من إمدادهم بالطعام في السروج، بما أن الطعام كان قليلا في الشورة منذ بدأت عمليات الموصل. قال الرجال إنهم يعتقدون أن داعش كان في الحقيقة يجربهم على السير في اتجاه الموصل كدروع بشرية لهم.
قال الرجال إن عائلاتهم تمكنت من الوصول للأمان بعد أن استهدفتهم الشرطة الاتحادية العراقية في سيارات "هامفي"، بدعم من طائرة، فاضطر مقاتلو داعش للفرار نحو الشورة وحدهم. ثم مضت الشرطة العراقية بالعائلات إلى القيارة، وهي بلدة خارج منطقة القتال، على مسافة 23 كلم.
أكدت "مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان" (المفوضية السامية) في 28 أكتوبر/تشرين الأول "اختطاف ما لا يقل عن 5370 عائلة على يد داعش من ناحية الشورة". قالت المفوضية: "أجبر [الناس] على الخروج بتهديد السلاح، أو القتل إن قاوموا، ونُقلوا إلى مواقع استراتيجية يتمركز بها مقاتلو داعش".
قال 5 رجال شرطة محليين من قرية حمام العليل التي يسيطر عليها داعش – 30 كلم جنوب شرقي الموصل – وقد أصبحوا في مخيم الجدعة، إنه منذ بدأت عمليات الموصل أخرج مقاتلو داعش آلاف الأسر من 106 قرية وحي قريب من حمام العليل.
قالت المفوضية السامية في تقرير 28 أكتوبر/تشرين الأول: "تشير المعلومات الواردة إلى أن 60 ألف شخص يقطنون الآن في حمام العليل، معقل داعش، وكان تعدادها سابقا 23 ألف نسمة".
قال عدة ضباط وصلوا مخيم الجدعة في 2 نوفمبر/تشرين الثاني إن داعش أعلن ذلك الصباح أن الوافدين الجدد من القرى المجاورة عليهم التجمع في نقاط بعينها، منها مدارس، لتلقي مساعدات. قال رجل شرطة لـ هيومن رايتس ووتش إنه شكك في السبب الحقيقي لهذا الأمر، لأنه سمع اثنين من مقاتلي داعش يتكلمان عن عدد الأسر الذين سيُؤخذون شمالي الموصل. قال ضابط آخر إنه يعتقد أن داعش أخذ عائلات إلى تلعفر. قال آخر إنه رأى حافلتين كبيرتين و3 شاحنات تتجه نحو مدرسة.
في تقرير صدر في 1 نوفمبر/تشرين الثاني، قالت المفوضية السامية إنها تلقت تقارير بأنه في حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، في 31 أكتوبر/تشرين الأول، أحضر داعش أعدادا من الشاحنات والحافلات الصغيرة لمدينة حمام العليل "في محاولة لنقل 25000 مدنيا قسريا إلى مواقع داخل وحول الموصل". قالت المفوضية إن أغلب الشاحنات لم تتمكن من الوصول إلى الموصل نظرا لطيران التحالف الذي يجوب المنطقة. قالت المفوضية إن الشاحنات أُجبرت على العودة إلى حمام العليل، لكن بعضها تمكنت من الوصول إلى أبوسيف، 15 كلم إلى الشمال.
بموجب قوانين الحرب، فالقوات العسكرية التي تتعمد استخدام المدنيين في حماية قواتها من الهجمات ترتكب جريمة حرب هي استخدام "الدروع البشرية". على داعش أن يسمح للمدنيين بالخروج إلى مناطق آمنة لتفادي القتال. تواجد داعش وسط المدنيين لا يعفي القوات المقاتلة له من الالتزام باستهداف الأهداف العسكرية حصرا. على القوات المقاتلة لداعش، ومنها المتواجدة في تلعفر، اتخاذ كل التدابير الممكنة لتجنب الإضرار بالمدنيين.
قال سكان الشورة وحمام العليل لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يخشون قيام داعش أيضا بتوقيف ضباط شرطة سابقين وعناصر من "قوات الحشد الشعبي" – وهي جماعة مسلحة موالية للحكومة – وإعدامهم.
قال أحد سكان الشورة إن في الأيام السابقة لخروجه من القرية رأى مقاتلي داعش يحتجزون رجال شرطة، وسمع من عائلاتهم أن رجال الشرطة بالمناطق المجاورة قد أحتُجزوا أيضا قصد إعدامهم. قال إن داعش كان على ما يبدو يخشى مهاجمة رجال الشرطة له مع اقتراب القوات المقاتلة. قال آخر إنه منذ 18 وحتى 20 أكتوبر/تشرين الأول رأى مقاتلي داعش في شاحنات معبأة بما لا يقل عن 500 شرطي محلي، واتجهت الشاحنات إلى مبنى كلية زراعية. قال إنه لم ير رجال الشرطة بعدها، وعادت الشاحنات خاوية.
قال شخص آخر من السكان إنه رأى في 16 أكتوبر/تشرين الأول مقاتلي داعش يطلقون النار على ضابط سابق بالجيش العراقي ثم يبترون رأسه بعد تلاوة اتهامات منسوبة إليه بالعثور على علم عراقي في بيته.
قال رجال شرطة حمام العليل الخمسة إن في 20 أكتوبر/تشرين الأول، على الساعة 11 صباحا، أعلن قائد لداعش عبر مكبر صوت إن على الرجال والصبية فوق 12 عاما في 3 أحياء في حمام العليل التجمع عند جسر قريب. اختبأ هؤلاء الضباط وما لا يقل عن 65 آخرين في بيوت أصدقائهم خشية استهدافهم، بعد أن راجت تقارير حول جمع داعش لرجال الأمن في مناطق أخرى.
قال أحد الضباط إنه ذهب إلى الجسر ورأى نحو 1500 رجل متجمعين. قال إن داعش فصل عنهم نحو 75 رجلا كانوا يعملون بالشرطة أو أعضاء بالحشد الشعبي قبل سيطرة داعش على المنطقة، ونقل الرجال في 7 حافلات صغيرة وابتعد بهم، وسمح للمتبقين بالعودة إلى بيوتهم.
في اليوم نفسه، هرب بعض رجال الشرطة إلى قرية صغيرة مهجورة على نهر دجلة على مسافة بضعة كيلومترات. قال أحدهم إنهم اختبأوا في البيوت المهجورة، ونحو التاسعة مساء رأى جثث 4 رجال تطفو على النهر. لم يتعرف على أي واحد منهم، وقال إن الجثث كانت سليمة، ما يشير إلى قتلهم منذ قليل ورميهم في النهر.
اختبأ رجال الشرطة في القرية المهجورة عدة أيام، ثم فروا إلى حاجز أمني للجيش العراقي على مسافة 18 كلم.
تتسق شهادات سكان الشورة وحمام العليل جزئيا مع تقارير الأمم المتحدة. نصّ تقرير المفوضية السامية الصادر في 28 أكتوبر/تشرين الأول على أن داعش قتل 232 مدنيا في اليومين السابقين، بينهم 190 عنصرا سابقا من الأمن العراقي من قاعدة الغزلاني العسكرية في الموصل: "يبدو أن قبل يوم أجبر داعش هؤلاء الرجال وعائلاتهم على الخروج من ناحيتي الشورة والقيارة، وأخذهم إلى حمام العليل حيث فُصل الرجال عن النساء والأطفال". نص تقرير 1 نوفمبر/تشرين الثاني على أن في 29 أكتوبر/تشرين الأول، قُتل 40 من رجال الأمن العراقيين وألقيت جثثهم في نهر دجلة في مناطق محيطة بالشورة وحمام العليل.
تحظر قوانين الحرب القتل العمد للمدنيين والجنود الأسرى أو غير المقاتلين. المسؤولون عن هذه الأعمال – ومنهم أصحاب مسؤولية القيادة – يرتكبون جرائم حرب.
قالت فقيه: "إعدام الأسرى – سواء مدنيين أو مقاتلين مأسورين – جريمة حرب. لا تقع المسؤولية فحسب على من يرتكبون القتل، وإنما أيضا على من يُسدون الأوامر أو يعرفون بما يحصل دون منعه".