(أثينا، 9 سبتمبر/أيلول 2016) – قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير جديد أصدرته اليوم إن الشرطة اليونانية تحتجز بشكل روتيني الأطفال غير المرافقين في زنزانات مزدحمة وغير صحية لأسابيع وأشهر.
يوثق تقرير "لماذا تحتفظون بي هنا؟ أطفال غير مرافقين محتجزون في اليونان"، الممتد على 27 صفحة، الاحتجازات التعسفية وغير المبررة للأطفال في خرق للقانونين الدولي واليوناني. يُحتجز الأطفال في ظروف غير صحية، وفي بعض الأحيان مع راشدين لا يمُتّون لهم بصلة، في مخافر للشرطة ومراكز احتجاز لا يتلقون فيها العناية والخدمات الأساسية. يرتكز التقرير على مقابلات مع 42 طفلا كانوا أو ما زالوا رهن الاحتجاز، وعلى زيارات إلى مخفري شرطة ومركزي احتجاز في اليونان.
قالت ريبيكا ريدل، باحثة في الشؤون الأوروبية بـ هيومن رايتس ووتش: "تقول اليونان إنها مضطرة لاحتجاز الأطفال من أجل سلامتهم، ولكن البقاء في زنزانات مزدحمة وقذرة هو آخر شيء يحتاجه هؤلاء الأطفال. نحن نتحدث عن أطفال لوحدهم، فرّوا من بلدانهم هربا من العنف في الكثير من الأحيان. على اليونان والاتحاد الأوروبي فعل المزيد لإعطاء هؤلاء الأطفال العناية التي يستحقونها."
سجلت السلطات اليونانية أكثر من 3300 طفلا غير مرافق من طالبي اللجوء وغيرهم من الأطفال المهاجرين الذين وصلوا إلى اليونان خلال الاشهر السبعة الاولى من 2016. يجب نقل الأطفال غير المرافقين إلى سكن آمن، ولكن اليونان تعاني نقصا مزمنا في المرافق، وتُبقي الأطفال رهن "الاحتجاز الوقائي" على حد تعبيرها، بينما ينتظرون شغور مكان في نظام الملاجئ شديد الاكتظاظ.
يقضي القانون اليوناني بإمكانية احتجاز الأطفال غير المرافقين لمدة 25 يوما إلى أن تتم إحالتهم إلى أحد الملاجئ، ولمدة 45 يوما في حالات نادرة. وجدت هيومن رايتس ووتش أن الأطفال عادة ما يُحتجزون لأكثر من هذه المدد المفرطة في الطول أصلا، حيث يمكثون لما معدله 40 يوما. يقول جواد س، طفل عمره 16 عاما من افغانستان، بقي رهن الاحتجاز لدى الشرطة 52 يوما، إن "الوضع سيء جدا… أشعر بالوحدة هنا، بعيدا عن عائلتي، وعن أصدقائي… يجب أن أخرج من هذا الجحيم". اعتقلت الشرطة اليونانية 161 طفلا غير مرافق خلال الأشهر الستة الأولى من 2016.
يواجه الأطفال ظروفا سيئة للغاية. في بعض الحالات، أُجبروا على المكوث في زنزانات مزدحمة وقذرة ومليئة بالحشرات، بدون أفرشة، وحرموا من شروط النظافة والصحة والخصوصية. احتجز بعضهم مع راشدين رغم أن ذلك يزيد من خطر حدوث انتهاكات أو عنف جنسي، ويخالف القانونين الدولي واليوناني الذين يقضيان بفصل الراشدين عن الأطفال في الاحتجاز.
قال لنا طفل جزائري محتجز بمركز "أميغداليزا" وعمره 15 عاما: "أقسم أنني أنام مع الجرذان". وقال طفل آخر اسمه نواز س (17 عاما) إنه احتُجز مع راشدين لا صلة له بهم: "لم أكن أشعر بالأمان، لأن الأشخاص الآخرين (في الزنزانة) كانوا يتعاطون المخدرات… وعندما كانوا يتشاجرون، طبعا كنت أخاف ولم أكن أستطع النوم."
كما يواجه الأطفال سوء المعاملة على يد الشرطة. ورغم كون معظم الأطفال الذين قابلناهم لم يشتكوا من أية انتهاكات، قال 4 منهم إنهم تعرضوا للصفع أو الإهانة من قبل رجال الشرطة.
لا يتلقى الأطفال المحتجزون لدى الشرطة من الإرشاد والمعلومات والدعم القانوني إلا القليل، أو لا يتلقونها أصلا. ولم يقدم العناية النفسية إلا مركز واحد من المراكز الأربعة التي زارتها هيومن رايتس ووتش. لم يستفد أي طفل من الذين قابلناهم والمحتجزين لدى الشرطة من مترجم لدى تحدثهم إلى الشرطة، ولم تتوفر الكتب والألعاب إلا في مركز واحد من الأربعة التي زرناها.
فرّ الكثير منهم من العنف والنزاعات المسلحة، بما في ذلك في سوريا وأفغانستان والعراق. قال وسيم ت (16 سنة) وهو طفل كردي من العراق احتُجز في مخفر للشرطة، إنه فرّ بعدما استولى مسلحو "داعش" على مدينته الموصل وأعدموا والده. سافر الأطفال بمفردهم إلى أوروبا أو انفصلوا عن أسرهم خلال الرحلة.
فشل اليونان في توفير سكن للأطفال اللاجئين غير المرافقين مشكلة مزمنة، تعترف بها السلطات اليونانية لحد الآن، لكنها لم تفعل شيئا يذكر لمواجهتها بفاعلية.
تفاقمت المشكلة أكثر بعد وفود أعداد كبيرة على الجزر اليونانية - أكثر من 160 ألف شخص وصلوا خلال الأشهر السبعة الأولى من 2016 - وإغلاق الحدود شمالا، ما ترك طالبي اللجوء والمهاجرين عالقين فعليا في اليونان. حسب المركز الوطني للتضامن الاجتماعي، لا تتوفر اليونان إلا على 800 فضاء مخصصا لملاجئ الأطفال غير المرافقين. وابتداء من 11 أغسطس/آب 2016، كانت كل المساكن ممتلئة، إضافة إلى 1472 طلب على لائحة الانتظار.
أما مخطط الاتحاد الاوروبي الاستعجالي الذي تم تبنيه في سبتمبر/أيلول 2015 بهدف نقل 66400 طالب لجوء من اليونان إلى بلدان أوروبية أخرى، فلم يخفف من حدة المشكل. وحتى 2 سبتمبر/أيلول، لم يُنقل إلا 49 طفلا غير مرافق. وخلال زيارة إلى اليونان في أغسطس/آب، أكد فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على الحاجة إلى تسريع نقل طالبي اللجوء خارج اليونان عن طريق لمّ الشمل وإعادة التوطين. رفضت دول الاتحاد الأوروبي طلبا من اليونان في يونيو/حزيران لتمكين كل الأطفال غير المرافقين من الاستفادة من إعادة التوطين، بغضّ النظر عن الجنسية.
بموجب القانون الدولي والتوجيهات الاوروبية الملزمة والقانون اليوناني، لا يجوز احتجاز الأطفال إلا كملاذ أخير، في ظروف استثنائية، ولأقصر مدة ممكنة. قالت "لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل" إنه لا يجوز احتجاز الأطفال فقط بسبب وضعهم كمهاجرين، أو لكونهم غير مرافقين.
على الحكومة اليونانية أن تتأكد من وجود بدائل مناسبة للاحتجاز وإنهاء الاحتجاز غير المبرر للأطفال غير المرافقين. وعلى المفوضية الأوروبية تخصيص تمويل استعجالي لسكن الأطفال غير المرافقين في اليونان. على اليونان وبلدان الاتحاد الاوروبي الأخرى تكثيف جهودها لنقل الأطفال طالبي اللجوء خارج اليونان، في إطار المخطط الاوروبي لإعادة التوطين، وأيضا من خلال لمّ الشمل مع الأقارب المقيمين في بلدان أوروبية أخرى.
قالت ريدل: "تواجه السلطات اليونانية تحديات حقيقية بسبب العدد الكبير من الوافدين، لكن ذلك لا يبرّئ اليونان من مسؤوليتها في حماية الأطفال الذين فروا من العنف وعانوا رحلات مؤلمة وهم وحيدون. إذا كانت الدول الأوروبية جادّة بشأن حماية الأطفال المُعرضين للخطر، فعليها نقلهم عاجلا خارج اليونان وإلى دول أوروبية أخرى".
مقتطفات من التقرير:
"أجد الأمر صعبا عندما أفكر في عدد الأيام التي قضيتها بالداخل. ليس هناك شيئ أفعله. كل ما نفعله هو التفكير، والحديث إلى بعضنا البعض، والنوم. لا يوجد تلفزيون، أو كتب، والحائط أسود من شدة الاتساخ… الماء شديد البرودة ولا نستطيع الاستحمام". - وسيم ت، طفل كردي (16 عاما)، قال إنه فر من الموصل بعدما أعدم داعش أباه، قابلناه في مخفر شرطة في فيلياتيس.
“كنت قد استيقظت لتوي. لم يكن لدي وقت لأغسل وجهي، فكنت أتمشى في حالة نعاس، فأتى إليّ رجل الشرطة وصفعني بقوة فقدت معها البصر للحظة". رودا أ، طفل سوري (17 عاما) خلال مقابلة بمركز الاحتجاز في بارانيستي، قال إن شرطيا صفعه لحثه على الإسراع إلى موعد مع الطبيب.
“كنا نتمازح في الزنزانة. أخرجني شرطي وأجلسني على كرسي، وقيد يدي خلف ظهري… كانت لديه كامل السلطة. كان بإمكانه فعل أي شيء. كلنا وحيدون هنا. ليس لدينا أحد". قال آدي س، طفل من باكستان (17 عاما)، خلال لقاء بمركز الاحتجاز في أميغداليزا، إن شرطيا أخافه وأهانه أمام باقي المحتجزين.
"لم أكن أشعر بالأمان، لأن الأشخاص الآخرين [في الزنزانة] كانوا يتعاطون المخدرات… كان رجال الشرطة نائمين، يفعلون ما يشاؤون. كانت تندلع شجارات كل بضع ساعات. كان رجال الشرطة يأتون ويشاهدون الشجارات ثم ينصرفون… وعندما كانوا يتشاجرون، طبعا كنت أخاف ولم أكن أستطيع النوم". - نواز س، من باكستان (17 عاما)، خلال لقاء بمركز الاحتجاز في أميغداليزا، حيث قال إنه نقل بعدما احتُجز لشهرين في زنزانة مزدحمة بمخفر شرطة مع راشدين.