كان البدو نائمين في أكواخهم عندما ضربت صواريخ كروز الأمريكية قرية المعجلة في جنوب اليمن، فأمطرتها بمئات من الذخائر العنقودية وآلاف من القطع المعدنية. وصف الشيخ صالح بن فريد، أحد زعماء القبائل الذين هرعوا إلى مكان الحادث، المجزرة قائلا:
"يمكنك رؤية جثث الماعز والأغنام والأبقار والكلاب والناس في كل مكان. كان اللحم على كل شجرة، وعلى وكل صخرة".
قتلت الضربات الأمريكية التي استهدفت المعجلة، في ديسمبر/كانون الأول 2009، 14 مقاتلا من "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، لكنها قتلت أيضا 41 بدويا مدنيا، أكثر من ثلثيهم كانوا من النساء والأطفال، وفقا لتحقيق الحكومة اليمنية. أجرت هيومن رايتس ووتش تحقيقا وأحصت فيه نفس العدد. ومع ذلك لم تُقر الحكومة الأمريكية علنا بمجزرة المعجلة. بدلا من ذلك، كشفت وثيقتان دبلوماسيتان سريتان، نشرتهما "وكيليس"، أن إدارة أوباما بذلت جهودا متضافرة لإخفاء دورها في الهجوم.
من المفترض أن تسلط المعطيات التي نشرها البيت الأبيض في 1 يوليو/تموز عن عدد ضحايا الضربات الجوية خارج مناطق الحرب التقليدية منذ عام 2009 الضوء على عدد المدنيين الذين قتلوا في هجمات مثل هجمات المعجلة. بدلا من ذلك، تم الكشف عن هذه المعطيات في بداية عطلة نهاية الأسبوع، ما تسبب في استمرار التعتيم الذي ينتهجه الرئيس باراك أوباما فيما يتعلق ببرنامج الضربات الجوية ضد الجماعات المسلحة مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" وتنظيم القاعدة. حتى لو كان تعريف الحكومة لـ "مقاتل" يتفق تماما مع القانون الدولي، والذي لا ينطبق إلا على حالات النزاع المسلح، فإن ما نشره البيت الأبيض يثير أسئلة أكثر مما يقدم أجوبة. من بين هذه الأسئلة:
لماذا لم تنشر الولايات المتحدة الأرقام حسب المكان أو التاريخ؟ جاء في بيان مدير "مكتب الاستخبارات الوطنية" أن من ضمن 473 غارة حصلت بين 2009 و2015 خارج مناطق الأعمال العدائية الفعلية - أفغانستان والعراق وسوريا – قتلت الولايات المتحدة ما بين 64 و 116 من "غير المقاتلين"، و ما بين 2372 و 2581 "من المقاتلين". لكن فشل المكتب في تقديم أرقام بحسب الغارات أو البلد أو التاريخ أو حتى السنة يجعل من المستحيل معرفة ما إذا تم اعتبار الـ 41 بدويا من المعجلة، على سبيل المثال، ضحايا مدنيين. أصدر الرئيس أوباما أمرا تنفيذيا، مع المعطيات التي نُشرت، وعد فيه بأن الولايات المتحدة ستصدر من الآن فصاعدا إحصائيات سنوية. لما لا تشمل هذه الاحصائيات السنوات الماضية؟ ولما لا تقدم معطيات حسب الغارة أو البلد؟
ماذا عن الـ 209 مقاتلا "محتملا"؟ يوجد فرق يُقدّر بـ 209 "مقاتلين" بين العددين الذين كشف عنها مدير مكتب الاستخبارات الوطنية، الذي قال إن عدد المقاتلين يتراوح بين 2372 و2581 "مقاتل". وفي غياب أي تفسير، فإننا لا نعرف ما إذا كان لذلك سببا وجيها، أو أن الحكومة تُدرج مدنيين في لائحة "المقاتلين". تنص قوانين الحرب، في حالة الشك، على اعتبار كل شخص مدني ما لم يثبُت أنه مقاتل.
هل قتلت الولايات المتحدة 7 مدنيين فقط في 466 غارة؟ أجريتُ تحقيقات لـ هيومن رايتس ووتش في 2012 – 2013 حول 7 غارات أمريكية لمكافحة الإرهاب في اليمن بين 2009 و2013 زُعم أنها قتلت مدنيين. زرنا مواقع الغارات كلما كان ذلك ممكنا، وفحصنا بقايا الذخائر، وأجرينا مقابلات مع مجموعة من الشهود، وأقارب للضحايا، وزعماء قبائل، ومسؤولين يمنيين، ووثقنا نتائجنا بطريقة لا يمكن لمكتب الاستخبارات الوطنية نفيها. وجدنا أن 57 قتيلا على الأقل كانوا حتما من المدنيين، و14 آخرين لم نتأكد أنهم مدنيون، قُتل 12 منهم في غارة على موكب زفاف. إذا طرحنا أعدادنا من العدد الأدنى الذي ورد في تقديرات مكتب الاستخبارات الوطنية يبقى 7 قتلى مدنيين فقط في 466 غارة لم نحقق فيها. يُعتبر ذلك عددا منخفضا بشكل ملحوظ. لكن استنادا إلى البيانات الغامضة التي كشفت عنها إدارة أوباما الأسبوع الماضي، لا يمكننا أن نعرف ما إذا كانت صحيحة.
كم عدد القتلى المدنيين بشكل غير مشروع؟ لم يكشف مدير مكتب الاستخبارات الوطنية عن عدد المدنيين الذين قتلوا في هجمات انتهكت القانون الدولي. تحظر قوانين الحرب الهجمات التي تستهدف المدنيين، أو الهجمات التي يُتوقع أن تسبب خسائر مدنية أكبر من المكاسب العسكرية المتوقعة، أو الهجمات التي لا تميز بين المدنيين والمقاتلين. على الولايات المتحدة نشر مثل هذه المعلومات للعلن، ومعها نتائج التحقيقات في الغارات التي قد تكون غير شرعية، أو الموظفين الأمريكيين الذين تم تأديبهم أو مقاضاتهم، كما ينص على ذلك القانون الدولي.
ما يستحق الشجب، أن إدارة أوباما وعدت بتقديم تعويضات مالية طوعية وغيرها من أشكال التعزية للناجين وعائلات القتلى، بصرف النظر عما إذا كانت تعتبر الهجمات التي تسببت في وفيات وإصابات غير قانونية. يُعتبر هذا استمرار في انتهاج سياسة "صفر من الأخطاء" التي اعتمدتها الولايات المتحدة منذ سنوات في أفغانستان. لكن العدد المنخفض للقتلى المدنيين بشكل مصطنع من شأنه التشكيك في نزاهة البرنامج. على حكومة الولايات المتحدة تبني نظام مفتوح لتقديم التعويضات. وعليها أن تقدم أيضا اعترافات واعتذارات، التي قال لي عنها بعض الأهالي والناجين في اليمن بأنها مهمة بالنسبة إليهم بقدر أهمية المال. ينبغي أن تكون التعويضات عن هجمات سابقة مثل هجمات المعجلة، وليس عن الهجمات التي ستتم في المستقبل فقط.
البيانات التي أصدرتها الإدارة هي خطوة نحو الشفافية، ولكن مازلنا لا نعرف التكلفة البشرية والشرعية لبرنامج أوباما حول القتل المستهدف. الفشل في توفير مزيد من الوضوح سوف يلقي بظلاله ليس فقط على إرث الرئيس أوباما، بل سيجعل أيضا من السهل على الرؤساء في المستقبل حرمان الجمهور من المعلومات التي يستحقونها.