(واشنطن) – استخدمت السعودية ذخائر عنقودية أمريكية الصنع قرب مناطق مأهولة بالمدنيين في اليمن، خلفت وراءها ذخائر صغيرة غير منفجرة. على الولايات المتحدة الكف عن إنتاج ونقل الذخائر العنقودية، التزاما بالحظر الدولي على هذه الأسلحة الذي يحظى بقبول واسع.
قالت هيومن رايتس ووتش إن قواعد التصدير الأمريكية التي تعتمد على معايير موثوقية الأسلحة لم تحل دون بيع الذخائر العنقودية للسعودية، ما عرض المدنيين للخطر على المدى البعيد. الذخائر العنقودية محظورة بموجب معاهدة تعود لعام 2008 وقعتها 119 دولة، لكن ليس بين هذه الدول السعودية أو اليمن أو الولايات المتحدة.
قال ستيف غوس، مدير قسم الأسلحة وحقوق الإنسان في هيومن رايتس ووتش ورئيس "تحالف الذخائر العنقودية"، وهو تحالف دولي من منظمات تسعى للقضاء على الذخائر العنقودية: "باعت الولايات المتحدة للسعودية ذخائر عنقودية، وهو سلاح رفضته أغلب الدول بسبب الضرر الذي يسببه للمدنيين. على السعودية الكف عن استعمال الذخائر العنقودية في اليمن وأية أماكن أخرى، وعلى الولايات المتحدة أن تكف عن إنتاج وتصدير هذه الأسلحة".
منذ 26 مارس/آذار 2015 نظم تحالف من 9 دول عربية بقيادة السعودية عملية عسكرية في اليمن ضد القوات الحوثية المعروفة أيضا بـ "أنصار الله". بدأ سريان وقف لإطلاق النار في 10 أبريل/نيسان 2016، لكن انتهكته كافة الأطراف مرارا.
خلال العام الماضي وثقت هيومن رايتس ووتش الخسائر في صفوف المدنيين اليمنيين جراء استعمال التحالف بقيادة السعودية 4 أنواع من الذخائر العنقودية أمريكية الصنع أُطلقت عن طريق القصف الجوي والبري. منها القنابل "سي بي يو-105" بنظام استشعاري، في 6 غارات جوية على الأقل استهدفت محافظات عمران والحديدة وصعدة وصنعاء. سُجل أحدث هجوم بقنابل "سي بي يو-105" في 15 فبراير/شباط، في مصنع للإسمنت في محافظة عمران.
يتم إسقاط الذخائر العنقودية من طائرات أو تنشر عبر القصف المدفعي والصاروخي، وتحتوي العبوة على عدد من الذخائر أو القنابل الصغيرة. تمثل الذخائر العنقودية تهديدا مباشرا للمدنيين إذ تتناثر على مساحة كبيرة وتترك وراءها مخلفات انفجارية، منها الذخائر الصغيرة التي لا تنفجر لدى الارتطام بالأرض، لتصبح بمثابة الألغام.
تحظر بنود قانون التصدير الأمريكي العائد لديسمبر/كانون الأول 2007 أن يستعمل الحاصلون على ذخائر عنقودية أمريكية تلك الذخائر في مناطق مأهولة بالسكان، ولا يسمح القانون بنقل الذخائر العنقودية إلا إذا كان معدل إخفاقها في الانفجار يقل عن 1 في المئة. الذخائر العنقودية التي نُقلت قبل ذلك لم تستوفِ هذه المتطلبات.
حصلت السعودية والإمارات على أسلحة "سي بي يو-105" بنظام استشعاري من الولايات المتحدة قبل سنوات. لا توجد أدلة تشير إلى أن دول أخرى في التحالف بقيادة السعودية – قطر، البحرين، الكويت، الأردن، مصر، السودان ، المغرب – قد حصلت على نفس هذا السلاح. كما أمدت الولايات المتحدة السعودية بصادرات كثيرة من القنابل العنقودية الأخرى بين عامي 1970 و1999.
بحسب شهادة بيانات صادرة عن الجهة المُصنعة، شركة "تيكسترون سيستمس"، فإن كل وحدة "سي بي يو-105" تنثر 10 عبوات "بي إل يو-108"، ويتناثر من كل من هذه العبوات العشر 4 ذخائر عنقودية صغيرة تسميها الشركة "سكيت"، وهي مصممة لاستشعار وتصنيف الأهداف والاشتباك مع المركبات المصفحة. هي مصممة للانفجار فوق الأرض، وإطلاق سحابة من الحديد المتناثر والشظايا باتجاه الأرض. الذخائر الصغيرة داخل أسلحة نظام الاستشعار المذكورة مجهزة بميزتيّ التدمير والتعطيل الذاتيّين إلكترونيا.
لكن كما عاين الباحث الميداني لـ هيومن رايتس ووتش وبحسب الأدلة المرئية، انتهت 3 هجمات على الأقل ببقاء وحدات "بي إل يو-108" الصغيرة أو "سكيت" (وحدات الذخائر الصغيرة) متصلة بالقنبلة: في محافظة عمران في 15 فبراير/شباط 2016، وفي صنعاء في 21 مايو/أيار 2015، وفي صعدة يوم 27 أبريل/نيسان 2015. يُظهر هذا إخفاقا في الأداء دون المستوى المتوقع، إذ إن الذخائر الصغيرة لم تنفصل عن العبوة أو انفصلت عنها لكن لم تنفجر. في مايو/أيار 2011 ورد في دليل توجيهي صادر عن وكالة التعاون الأمني الأمريكية أن وحدة "سكيت" الخاصة بسلاح "سي بي يو-105" بالنظام الاستشعاري هي "القنبلة العنقودية الوحيدة التي تلتزم ذخائرها الصغيرة" بقواعد التصدير الأمريكية.
استُخدمت أسلحة النظم الاستشعارية في مناطق مدنية أو بالقرب منها، وهو أيضا يبدو خرقا ظاهرا لقانون التصدير الأمريكي. أصيبت امرأة وطفلان في بيتهم جراء قنابل "سي بي يو-105" بنظام استشعاري في 12 ديسمبر/كانون الأول 2015، بمدينة الحديدة الساحلية، في حين أصيب مدنيان اثنان على الأقل في هجوم بقنابل "سي بي يو-105" بنظام الاستشعار قرب قرية الأحمر بمحافظة صنعاء بتاريخ 27 أبريل/نيسان 2015.
تكرر إنكار السعودية لاستخدام أنواع أخرى من الذخائر العنقودية في اليمن، لكنها أقرت باستخدام قنابل "سي بي يو-105" بنظام الاستشعار مرة واحدة، في أبريل/نيسان 2015.
أقرت الإمارات بتخزين سلاح "سي بي يو-105" بنظام الاستشعار، لكنها تنكر استخدامه في اليمن. في 12 أبريل/نيسان 2016 قال ممثل دبلوماسي إماراتي لتحالف الذخائر العنقودية إن الإمارات لا تستخدم القنبلة "سي بي يو-105" بنظام الاستشعار لأنها محظورة بموجب اتفاقية الذخائر العنقودية لعام 2008.
قال غوس: "بعد الهجمات المتكررة في اليمن، من الواضح أن أسلحة نظام الاستشعار ليست قنابل عنقودية "موثوقة" أو "ذكية" كما رُوج لها". وأضاف: "على الولايات المتحدة الكف عن إنتاج هذه الأسلحة ونقلها بعد ما ظهر من أدلة على فشلها وعلى استخدامها في مناطق مدنية وقريبا من مناطق مدنية، وعلى الولايات المتحدة الانضمام للحظر الدولي على الذخائر العنقودية".
هجوم عمران، 15 فبراير/شباط 2016
الهجوم المعروف الأحدث في اليمن يشمل انفجار قنبلة "سي بي يو-105" بنظام استشعاري في 15 فبراير/شباط 2016، قرب مصنع إسمنت في محافظة عمران، على مسافة 40 كيلومترا شمال غربي العاصمة صنعاء. كان يعمل في المصنع نحو 1500 شخص قبيل النزاع الحالي، لكن تقلص عدد العاملين كثيرا بعد هجوم في 12 يوليو/تموز 2015 أصاب 12 عاملا. وقعت هجمات أخرى في مطلع 2016 أدت إلى خسائر إضافية في صفوف العاملين.
مجاهد ناصر شالف (38 عاما) صحفي من جريدة "المسيرة" المتصلة بالحوثيين، كان في زيارة لمصنع الإسمنت في 15 فبراير/شباط برفقة مصور من موقع "اليمن اليوم" ذي الصلة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح، للتحقيق في غارة جوية وقعت في ساعة سابقة من اليوم نفسه. قال شالف لـ هيومن رايتس ووتش:
حوالي الساعة الخامسة مساء كنا نقف فوق سطح بيت مجاور... عندما رأينا فجأة انفجار قنبلة، لكن من نوع مختلف. انفجرت في الهواء وأطلقت أطنانا من القنابل الصغيرة في الهواء. بعضها انفجر في الهواء وانفجر بعضها الآخر عندما ضرب الجبل. عندما انفجرت أطلقت دخانا أسود... الحمد لله لم يصب أحد.
أمد الصحفي هيومن رايتس ووتش بمقطع فيديو مدته 37 ثانية قال إنه صوره أثناء الهجوم. يُظهر الفيديو سحابات سوداء عديدة تشبه تلك التي تطلقها ذخائر "سي بي يو-105" الصغيرة، تنبعث من نقطة الانفجار وراء سفح الجبل، مع إمكانية سماع عدة انفجارات متتابعة في الفيديو.
فواز صالح القشوي (36 عاما) مهندس كهرباء من قرية الدرب القريبة، على مسافة أقل من كيلومتر من مصنع الإسمنت، وتقيم بها 300 عائلة، شهد بدوره الهجوم. بعد سماعه طائرات تحوم بالسماء، صعد إلى سطح بيته:
رأيت طائرة تأتي من الشرق. أسقطت قنابل عنقودية. سمعت عدة انفجارات من القنابل. لم تضرب أي منها [القنابل الصغيرة] القرية. فيما بعد، ذهبت برفقة صديق إلى الجبل وأخذنا قطعة منها.
أظهر القشوي لباحثي هيومن رايتس ووتش مخلفات جمعها، وتبين أنها جزء آلية التعليق وقطعة من مظلة من وحدة "بي إل يو-108" التي تحملها قنبلة الـ "سي بي يو-105".
جمال يحيى الحادق (45 عاما) هو رئيس الأمن بالمصنع. قال: "رأيت انفجارا في الهواء، ثم تناثرت القطع من مركزه في السماء معلقة من مظلات، مثل شبكة". يتسق هذا الوصف مع نسق انتشار ذخائر القنبلة "سي بي يو-105".
في الصباح التالي، اتجه كل من كمال حسين قايد (50 عاما) وبندر أحمد داوود (33 عاما) – وهما عاملان بمصنع الإسمنت – إلى الجبل لتفقد الضرر اللاحق بمحجر المصنع عند سفح جبل الرحى، على مسافة كيلومتر من مبنى المصنع الرئيسي. أثناء ذهابهما، صادفا وجمعا مخلفات لذخائر كانت في وسط الطريق. تفقد باحثو هيومن رايتس ووتش المصنع في 24 مارس/آذار وصوروا مخلفات قنبلة "سي بي يو-105" وكانت عليها معلومات المصنع وتاريخ التصنيع، في يوليو/تموز 2012، بالإضافة إلى عبوتي "بي إل يو-108" منفجرتين. لم يكن ملحقا بأي من العبوتين وحدات "سكيت".
قال عمال المصنع إنهم رأوا 3 عبوات "بي إل يو-108" أخرى متصلة بها وحدات "سكيت" أو الذخائر الصغيرة، في الطريق إلى المحجر، بالإضافة إلى مظلة العبوة. فيما بعد قدم العمال صورا التقطوها للمخلفات حيث حطت. تظهر في الصور 3 عبوات "بي إل يو-108" على الأقل: واحدة متصلة بها وحدات الـ "سكيت" الأربع جميعا والمظلة، في حين كان ملحقا بكل من الاثنتين الأخريين وحدتا "سكيت" فقط. يعني هذا فشل في آلية الإطلاق لأن الذخائر العنقودية لم تنفصل عن العبوة كما هو مقدر لها، أو انفصلت عنها لكن لم تنفجر أو تتدمر ذاتيا. كما تظهر على الأرض وحدة "سكيت" غير منفجرة حيث سقطت.
أقرب قاعدة عسكرية تقع على مسافة أكثر من كيلومترين من المحجر، في جبل الجميمة، وهي تحت سيطرة القوات الحوثية منذ 2014. قال عدد من العاملين بالمصنع إن كوخين أو 3 أكواخ صغيرة على الطريق من المصنع للمجحر والتي يستخدمها المصنع، احتلتها القوات الحوثية في بداية الحملة بقيادة السعودية.
نقل الولايات المتحدة لأسلحة "سي بي يو-105" بالنظام الاستشعاري
بموجب دليل السياسات التوجيهي الصادر في يونيو/حزيران 2008 عن وزير الدفاع السابق روبرت غيتس، يمكن للولايات المتحدة تصدير الذخائر العنقودية، لكن فقط تلك التي "لدى اشتباكها لا تسفر عن أكثر من 1 في المئة مخلفات غير منفجرة على امتداد نطاق العمليات المقصود" وعلى الدول التي تستلم الذخائر الموافقة على أنها "لن تستخدم إلا ضد أهداف عسكرية واضحة ولن تستخدم حيث يُعرف بتواجد مدنيين أو في مناطق يشغلها المدنيون عادة". هذه السياسة قُننت مؤخرا في البند 7054 (ب) من قانون دمج واستمرار المخصصات (H.R.83) لعام 2015.
أبرمت وزارة الدفاع عقدا مع شركة "تيكسترون ديفينس سيستمس" لتصنيع 1300 وحدة "سي بي يو-105" بنظام استشعاري لصالح السعودية في أغسطس/آب 2013. ينص العقد على أن تُسلم هذه الأسلحة بحلول ديسمبر/كانون الأول 2015. تلقت الإمارات عددا غير معروف من وحدات "سي بي يو-105" من الشركة في يونيو/حزيران 2010، استيفاء لعقد أعلن عنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2007. وقت شراء الدولتين لهذه الأسلحة، كانت كلفة وحدة "سي بي يو-105" الواحدة 360 ألف دولار، ما يعادل 36 ألف دولار لكل وحدة "بي إل يو-108".
ترأس هيومن رايتس ووتش الفرع الأمريكي لتحالف الذخائر العنقودية، الذي طالب الرئيس باراك أوباما بمراجعة سياسة الذخائر العنقودية الأمريكية لعام 2008 وإلغاء الاستثناء الخاص بالذخائر العنقودية التي يقل معدل إخفاقها في الانفجار عن 1 في المئة.
في تقرير بموقع "آر آي فيوتشر" بتاريخ 24 فبراير/شباط 2016 أكد ديفيد سيلفستر الناطق باسم "تيكسترون" أنه لا يمكن تحميل الشركة مسؤولية إساءة استخدام الأسلحة، وقال بحسب التقرير: "لسنا في الطائرة التي تُسقط القنبلة. إذا كان قد تم إسقاطها في منطقة قريبة ربما من المدنيين، فليس من المفترض أن يحدث هذا". قال التقرير إنه أكد أن أسلحة "سي بي يو-105" بنظام استشعاري قد صُنعت لصالح الجيش الأمريكي لتسليمها لأطراف أجنبية، قائلا: "لا يمكن لأية شركة أن تصنع شيئا كهذا وتضعه على قارب وترسله إلى حكومة أجنبية".
وصف سيلفستر أسلحة "سي بي يو-105" بالنظام الاستشعاري بأنها ذخائر "ذكية" وقال: "ليس القصد منها استهداف البشر أبدا... هي مصممة لاستهداف المركبات المصفحة". لم يثبت استخدام أي من قنابل "سي بي يو-105" التي وثقتها هيومن رايتس ووتش في اليمن ضد مركبات مصفحة وهي لم تضر أو تدمر مركبات مصفحة كما يظهر من توثيق موقع الغارة.
أثناء تجربة بتاريخ 19 أبريل/نيسان في مقر شركة تيكسترون في بروفيدنس، ولاية رود آيلاند الأمريكية، رفض ممثلو الشركة على ما يبدو استلام عريضة موقعة من أكثر من 3000 شخص تطالب الشركة بالكف عن إنتاج الذخائر العنقودية. بعد يومين قبضت شرطة رود آيلاند على 3 نشطاء قيدوا أنفسهم بالسلاسل إلى أبواب الشركة أثناء مظاهرة ضد إنتاجها للذخائر العنقودية.
في 19 أبريل/نيسان أيضا صدقت دولة بالاو بالمحيط الهادئ على اتفاقية الذخائر العنقودية لتصبح الدولة المئة التي تصدق عليها. وقعت 19 دولة أخرى، لكن لم تصدق بعد، على الاتفاقية التي تحظر بشكل قاطع الذخائر العنقودية وتطالب بتدمير مخزونها، فضلا عن تطهير الأراضي الملوثة بمخلفات الذخائر العنقودية ومساعدة الضحايا.
قبل نزاع اليمن، لم يُعرف باستخدام وحدات "سي بي يو-105" بنظام الاستشعار إلا على يد الولايات المتحدة في العراق عام 2003، على ما يبدو على نطاق ضيق للغاية. لكن الإخفاقات العديدة لهذه الذخائر التي أدت إلى مخلفات غير منفجرة تثير أسئلة حول مزاعم معدل الموثوقية كونه يفوق 99 في المئة.