Skip to main content

إن لم تتمكنوا من وضع حدّ للحرب السورية، عليكم بحماية المدنيين على الأقل

نُشر في: Los Angeles Times

يجتمع المتفاوضون مرة أخرى في محاولة لحقن دماء السوريين. ولكنهم سيواجهون عقبات سياسية كبيرة لدى اجتماعهم في فيينا السبت في إطار محادثات متعددة الأطراف: فمن سيمثل الجماعات المسلحة؟ وأي الجماعات ستُستثنى؟ ومن يقرر مصير الرئيس بشار الأسد، ومتى؟ وهل يمكن الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، أم ستنتهي البلاد إلى مقاطعات مفككة؟ وهل يمكن اقناع الإيرانيين والسعوديين بالتعاون؟

يُرجح أن تُطيل هذه المعطيات غير الثابتة أمد المفاوضات. وفي الوقت عينه، تستمر المجازر، حيث تفيد التقديرات أن عدد القتلى بلغ ربع مليون شخص، إضافة إلى 4 ملايين لاجئ (اتجه عديدهم لأوروبا)، وما بين 6 و8 ملايين نازح داخل البلاد، ومئات الآلاف من المدنيين المحاصرين، وآلاف الآخرين رهن الاعتقال، يذوقون أنواعا من العذاب لا تحصى ولا تُعدّ.

إلى حدّ الآن، رد المجتمع الدولي على هذا البؤس الأزلي بالحديث عن تحقيق السلام، الذي ستتحسن بعده كلّ الظروف. بيد أن الشعب السوري ما فتئ يدفع ثمن هذا التقصير منذ 5 سنوات تقريبا.

يتعارض هذا الواقع المرير مع أي امكانية للوصول إلى اتفاق سلام في المستقبل القريب. حتى التدخل العسكري الروسي في سوريا - لمحاربة الدولة الإسلامية ظاهريا ودعم الأسد جوهريا - لا يبدو أنه سيكون العامِل الحاسم الذي كان الرئيس فلاديمير بوتين يأمله.

بدلا من الرهان بكل شيء على هدف السلام بعيد المنال، لم لا تكون حماية المدنيين نقطة مركزية في المحادثات؟ فإنهاء الحرب ليست السبيل الوحيدة للحفاظ على الرجال والنساء والأطفال الذين لا يريدون المشاركة في الصراع.

إنهاء الحرب ليست السبيل الوحيدة للحفاظ على الرجال والنساء والأطفال الذين لا يريدون المشاركة في الصراع

يمكن للمقاتلين مواصلة إطلاق النار على بعضهم البعض، ولكن دون اقحام غير المقاتلين. فهذا ما تنص عليه اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني إلى حد كبير.

ما جعل هذه الحرب فتاكة هو أن العديد من الأطراف، وخاصة قوات الأسد، اتبعت استراتيجية حرب ارتكزت على الاستهزاء باتفاقيات جنيف.

تتحمل العديد من الجماعات المسلحة، وعلى رأسها "تنظيم الدولة الإسلامية"، إضافة إلى جماعات متطرفة أخرى مثل "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" - مسؤولية الفظائع التي استهدفت المدنيين. لكن أهم سبب في قتل المدنيين السوريين - وفرار اللاجئين – إلى حد الآن، هو قرار حكومة الأسد بمعاملة المدنيين والمؤسسات المدنية في المناطق التي استولت عليها المعارضة كأهداف عسكرية.

قصف الجيش السوري المستشفيات والمدارس والمخابز والأسواق – كل مكان يعيش أو يجتمع فيه مدنيون. ويبدو أن الهدف هو إخلاء المناطق التي تعمل فيها قوى المعارضة لتلقين الآخرين درسا بأن هذا ما سيحدث لأحيائهم، إن اجتاحتهم قوات المعارضة.

ثمن هذه الاستراتيجية الهمجية وغير القانونية لا يُدفع بإزهاق الأرواح ونزوح العائلات السورية فقط، بل أيضا بعرقلة السلام.

عندما يرى المقاتلون عائلاتهم تُهاجَم ومنازلهم تُدمَّر وأحياءهم تُسحق، يتحولون إلى متطرفين. إيجاد أرضية مشتركة مع عدوك صعب خاصة عندما يُطلق نيرانه على جنودك. فالنظام الذي يَذبح عائلتك يُولّد نوعا خاصا من الكراهية التي تجعل هذا الاحتمال أبعد منالا.

لا ضير في محاولة التفاوض على سلام دائم في فيينا، إلا أنه لا يوجد أمل كبير يدعونا للاعتقاد بأن هذه المحادثات ستكون أنجع من سابقاتها. لذا ينبغي أن يركز المفاوضون على نقاط الاتفاق الممكنة والقادرة على أن تُحدث فرقا حقيقيا ومباشرا على السكان المدنيين المتبقين في سوريا.

إن لم يقوَ المجتمعون في فيينا على وقف العنف إلى الأبد، فلديهم النفوذ لإنشاء آلية لتوثيق وانتقاد جرائم الحرب. تعتمد حكومة الأسد في بقائها على روسيا وإيران. أما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا ودول الخليج، فلها تأثير هائل على مختلف عناصر المعارضة.

يُفترض ألاً يؤيّد أحد في فيينا استهداف المدنيين صراحة. ولكن أيا من المفاوضين لم يضغط فعليا على حلفائه لوضع حد لهذه الممارسات. قد تُثمر محادثات فيينا فقط إن قررت الأطراف المجتمعة عدم الاكتفاء بالحديث عن اتفاقيات جنيف، بل حمل جميع القوى المقاتلة في سوريا على احترامها.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.