Skip to main content

لماذا على بوتين وقف هجمات الأسد بالقنابل البرميلية

نُشر في: Foreign Policy

تثير خطة فلاديمير بوتين لإنقاذ بشار الأسد الكثير من الأسباب التي تدعو إلى القلق. تدعم روسيا شخصا – ونظام حكم - تشن قواته هجمات عشوائية وعمدية على المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. أدى القصف الجوي وحده إلى مقتل نحو 20,000 مدني، وهو سبب رئيسي في فرار 4 ملايين سوري من بلدهم.
 

الناس يتفحصون الدمار اللاحق بموقع أصيب بما قال النشطاء إنها قنابل برميلية أسقطتها قوات موالية للرئيس بشار الأسد في حلب يوم 7 مارس/آذار 2014 © 2014 رويترز

هناك، بلا شك، أسباب مُعقدة وراء تحرك بوتين. ربما كان يتصرف على هذا النحو جُزئياً لترى الجماهير في وطنه –وفي الغرب- أن روسيا لاعب مهم على الصعيد الدولي. وربما كان تعقيد المشهد للإدارة الأمريكية يروق له كذلك. لكن ما يفوق كل هذا أن بوتين يبدو على قناعة فعلية أن دعمه للأسد هو أفضل السُبل لكبح جماح الجماعة التي تسمي نفسها الدولة الإسلامية، وغيرها من الجماعات المُتطرفة. ومع هذا، في الوقت الذي تعمل فيه القوات الروسية في سوريا، هناك بعض الدوافع الهامة التي تجعل بوتين يُدرك أن الحد من هجمات القوات السورية ضد المدنيين أمر جوهري من أجل تحقيق أهدافه.

اتسم موقف الكرملين بلا مُبالاة تثير القلق إزاء تلك المذبحة. في فبراير/شباط 2014، دعمت روسيا بالفعل قراراً لمجلس الأمن التابع للأمم المُتحدة يُطالب، من بين مطالب أخرى، بإنهاء الهجمات العشوائية على المناطق المأهولة بالسكان "مثل استخدام القنابل البرميلية". لكن هذا المطلب لم يدخل حيّز التنفيذ على الإطلاق. في الوقت الراهن، تهدد روسيا باستخدام حق الفيتو ضد مشروع قرار فرنسي بشأن استخدام القنابل البرميلية، يخوّل الأمم المتحدة إجراء مُراقبة دقيقة، ويُهدد بفرض عقوبات حال استمرار الهجمات.

ويصبح مثل هذا التعنُت أكثر صعوبة من الناحية السياسية، في الوقت الذي تحلّق فيه الطائرات الروسية جنباً إلى جنب مع الطائرات المروحية والطائرات النفاثة التابعة للأسد أثناء قيامها بإلقاء القنابل البرميلية ومُهاجمة المدنيين. ساند بوتين الأسد لوقت طويل عن طريق إرسال الأسلحة إليه واستخدام حق الفيتو ضد قرارات مجلس الأمن الحاسمة. إلا أن إرسال القاذفات –والآن، إرسال قوات يُفترض أنها "تطوعية"-  للقتال ضد أعداء الأسد، يصل بالدفاع عنه إلى مستوى جديد تماماً. ما يؤدي إلى تفاقم المشكلة الآن هو أن الطائرات الروسية نفسها بدأت في قتل المدنيين السوريين.

وعلاوة على ذلك، الروس، الذين يشاركون في جرائم الحرب السورية، قد يتعرضون هم أنفسهم للمُساءلة الجنائية. رغم أن روسيا منعت الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية، ما زال هناك المحاكم الوطنية. وليس من المُستبعد أن تنشئ إحدى الهيئات الدولية محكمة للالتفاف على حق الفيتو الروسي في مجلس الأمن.

ومع قياس نجاح التدخل الروسي الآن عن طريق قدرته على دعم الحكومة السورية، لدى بوتين سبب عملي للغاية لوقف هذه الهجمات على المدنيين: الكراهية التي تنجم عن هذه الهجمات هي أفضل أداة تجنيد بالنسبة للمُتمردين. الحد من الخطر الذي يُمثله المُتطرفون الإسلاميون على روسيا هو سبب ظاهري آخر للتدخل الروسي في سوريا. ولكن إذا اعتُبرت روسيا داعمة للفظائع المُرتكبة بحق المدنيين، قد تتحول الكراهية الحالية المُوجهة ضد الأسد صوب روسيا في وقت قريب.

وبالإضافة إلى هذا، يُمثل القصف العشوائي عاملاً رئيسياً من عوامل فرار اللاجئين السوريين. في الحروب التي تدور وفق اتفاقيات جنيف، يُطلق المُقاتلون النار على المقاتلين، في حين يستطيع المدنيون الحصول على قدر من الأمان بعيداً عن خطوط المواجهة. إلا أن الكثير من السوريين لا يستطيعون العثور على مكان آمن في بلدهم جراء قصف الأسد المدن والبلدات في عُمق المناطق التي تسيطر عليها المُعارضة. الفرار خيارهم الوحيد هرباً من مواجهة قطع الرأس علناً ومن التشدد الذي تفرضه الدولة الإسلامية قسراً، أو المُخاطرة بتعرضهم للتعذيب والإعدام في سجون الأسد.

ربما يأمل بوتين أن يؤدي تدفق لاجئين جُدد إلى انقسام الاتحاد الأوروبي، وتحويل الانتباه عن مُمارسات روسيا في أوكرانيا. وفي الوقت الذي قد يقبل فيه الأسد رئاسة شعب يتناقص عدد سكانه بسرعة، فإن الهجرة الجماعية لملايين السوريين – من بينهم الكثير من المواطنين الأكثر تعليماً- قد يؤدي إلى إعاقة الدولة لجيل أو أكثر. وبمجرد فرار اللاجئين من مثل تلك النزاعات طويلة الأمد، لا يعودون عادة إلا بعد فترة تُقدر بـ 17 عاماً، بحسب وكالة الأمم المتحدة للاجئين. يُهدد هذا بتقويض أُسس الدولة السورية، التي تتفق كل من روسيا والغرب بشأن أهمية بقائها لتحاشي المزيد من الفوضى القائمة. لا يرغب أحد في تكرار الكارثة التي وقعت في أعقاب قيام جورج بوش بتدمير هياكل الدولة العراقية. وبالفعل، فالخوف من أن يؤدي رحيل الأسد على نحو مُفاجئ إلى توجيه ضربة نفسية قاصمة للدولة السورية هو أحد الأسباب التي تدفع روسيا إلى التمسك به.

سيؤثر تدفق اللاجئين كذلك على قدرة سوريا على إعادة بناء اقتصاد قابل للنمو عندما تضع الحرب أوزارها في نهاية المطاف. ولأن روسيا ستكون مسؤولة عن دعم ذلك الاقتصاد أكثر من أي وقت مضى، قد يكون إنهاء الهجمات ضد المدنيين، التي تدفعهم إلى الفرار، هو السبيل الوحيد أمام موسكو لتتجنب تركها وحدها في تحمل أعباء ثقيلة للغاية. من الصعب على روسيا تحمل عبء الاقتصاد السوري المُنهار نهائياً، وهي التي تعاني بالفعل جراء عقوبات ذات صلة بأوكرانيا، وانخفاض أسعار النفط، والتكاليف العسكرية الراهنة التي يخشى الكثير من الروس أن تتحول إلى مُستنقع جديد أشبه بمُستنقع أفغانستان.

لذلك، أجل، هناك كل الأسباب التي تدعو للخوف من وقوع الأسوأ جراء الدعم العسكري الذي يقدمه بوتين لحاكم متوحش مثل الأسد. وبعيداً عن الدعاية، حتى بوتين لا يمكنه الإفلات من الحقيقة. على الحكومات الغربية التي تتعامل معه أن الضغط عليه حتى يُدرك أن من مصلحته –ومن مصلحة الشعب السوري على حد سواء- وقف الهجمات العشوائية على المدنيين. الآن، وقد جعل فلاديمير بوتين من نفسه مُنقذ بشار الأسد، فعليه الإصرار على أن الثمن هو إنهاء الحرب التي يشنها الأسد على المدنيين السوريين.

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة