كان فَرَج علي شلوي- 26 عاماً- يتأنق في ثيابه، ورغم أن دائرته الضيقة من الأصدقاء في مسقط رأسه درنة في ليبيا، كانوا معجبين بذوقه في الملابس، إلّا أن جيرانه كانوا ينظرون له بعين الريبة ويقولون إن ملابسه "معاصرة"، ويقولون أيضاً إنه "مخنث".
كانت خيارات شلوي في ملابسه مختلفة عن معظم الرجال، لكنهم لم يكونوا يشكلون خطراً على الأرجح. تغيّر ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني عندما رفع مجلس شورى شباب الإسلام المحلي الراية السوداء للجماعة المتطرفة المسماة الدولة الإسلامية، وتعهّد بالولاء لدولة الخلافة، وأقام حكومة محلية جديدة وقوة شرطة إسلامية ومحكمة إسلامية.
ارتكبت الميليشيات المتحالفة مع الدولة الإسلامية في شرق ليبيا عديدا من الفظائع، بما في ذلك عمليات الإعدام بإجراءات موجزة والجلد العلني وقطع الرؤوس. وكان معتدون مجهولون مسؤولين عما لا يقل عن 250 من الاغتيالات عام 2014 والتي بدت ذات دوافع سياسية، وبسبب انهيار النظام القضائي في المنطقة لم تتم مقاضاة أي شخص أو معاقبته على أعمال القتل هذه.
يتعرض مثليّو الجنس من الرجال أو الرجال الذين ينظر على أنهم مثليّو الجنس إلى الخطر في الأراضي التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية. وفقاً للجنة الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان للمثليين والمثليات، أعدمت الدولة الإسلامية 17 رجلاً على الأقل في سوريا والعراق متهمّين بالسلوك غير اللائق واللواط والزنا بين يونيو/حزيران 2014 ومارس/آذار 2015.
يعيش ما يقرب من 100 ألف نسمة في درنة بين الجبال والصحراء والبحر الأبيض المتوسط، والتي تقع على بعد 50 ميلاً غرب مدينة البيضاء الأكبر، حيث تخرّج شلوي كصيدلي من جامعة عمر المختار فهو يعرف هذه المدينة جيداً، وظلت حتى بعد الجامعة محور حياته الاجتماعية. ففي البيضاء ذات الربع مليون نسمة، يمكنه أن يكون أكثر استرخاء في التعبير عن ميوله الجنسية المثلية بين مجموعة من الأصدقاء الموثوق بهم. وهي المدينة التي التقى فيها بـ سعد فخاخيري (40 عاماً) والذي يدير متجراً لبيع الملابس في وسط مدينة درنة التاريخي، وسرعان ما تعلّق الاثنان ببعض. أسرّ شلوي إلى صديق أنه كان على علاقة مع فخاخيري وأنه أحبه. وكان يشعر بالإحباط لأن التعبير عن مشاعره علناً كان محفوفاً بالمخاطر، فالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج فضلاً عن "الأفعال البذيئة" تصل عقوبتها إلى خمس سنوات في السجن بموجب قانون العقوبات الليبي.
رغم أنهما كانا حذرَين، فإن العلاقة التي ازدهرت بين شلوي وفخاخيري لم تمرّ دون أن يلحظها أحد، ففي نوفمبر/تشرين الثاني كان الرجلان يتمشيان في طريق درنة ويتحادثان ويتمازحان، عندما أوقفتهما دورية للشرطة الإسلامية، فتشتهما واستجوبتهما. وحذرتهما الدورية من التسكع في هذه المنطقة، وكان ذلك أمراً مخيفاً حينها ولا تحمد عقباه فيما بعد، فبعد وقت قصير من الحادثة اختفى شلوي وفخاخيري.
عَلِم أصدقاء الرجلين أن الشرطة الإسلامية اعتقلتهما في ديسمبر/كانون الأول بسبب الاشتباه بسلوك جنسي مثلي في سيارة متوقفة، وتم احتجازهما في مكان مجهول لمدة خمسة أشهر من قبل الجماعات المتطرفة التي بايعت الدولة الإسلامية.
في 30 نيسان/إبريل تم إحضار الرجلين والمتهم الثالث أيضاً بالشذوذ الجنسي، نسيب جزوي، إلى باحة مسجد الصحابة حيث كان هناك رجال ملثمون بانتظارهم. وكان المتهمون معصوبي الأعين، ويجلسون على ركبهم وأيديهم مكبلة، وتم إطلاق النار عليهم في مؤخرة الرأس، وصاح الرجال الملثمون "الله أكبر!"
منع الخوف من العار الاجتماعي العائلات من عقد مراسم الدفن للرجال الثلاثة، ولم تتلق العزاء كما لو أن شيئاً لم يحدث.
لم تكن هذه أول عمليات إعدام في درنة لرجال متهمين بالشذوذ الجنسي، حيث قال ناشط في درنة لـ هيومن رايتس ووتش إن فتحي قطيش البالغ من العمر 45 عاماً والذي كان يعتبر نسبياً رجلاً مثلي الجنس، قُتل في مارس/آذار 2014 بالقرب من منزله من قبل مسلحين مجهولين.
وفي يوليو/تموز تم إلقاء يوسف غيثي البالغ من العمر 26 عاماً، من على حافة جبل من قبل مسلحين مجهولين، وكان غيثي قد سُجِن في عام 2008 تحت حكم معمر القذافي لمدة ثلاث سنوات بتهمة اللواط.
نشرت الدولة الإسلامية ما لا يقل عن ثمانية تقارير مرئية على الانترنت تصوّر إعدام متهمين بالمثلية الجنسية في العراق وسوريا، ونشرت يوم الثلاثاء صوراً فوتوغرافية تم التقاطها في محافظة نينوى شمال العراق، تُظهر رجلاً متهماً بالشذوذ الجنسي معلقاً من قدميه على حافة مبنى مرتفع ثم تمّ إلقائه أمام حشد من المتفرجين.
رغم أن التأكد من صحة القصص خلف الصور الفظيعة يكاد يكون مستحيلاً، إلّا أن نشرها على أنّها عمليات إعدام بسبب "اللواط" أو "فعل قوم لوط" تروّع الناس الذين يعترضون على أخلاق تنظيم الدولة الإسلامية المشوهة، وفي هذا السياق فإن حقيقة هذه الاتهامات تُعتبر أقل أهمية من الرسالة الموجّهة.
شاهدتُ مقطع فيديو لعملية إعدام في 30 أبريل/نيسان، صوره أحد الشهود الذي كان يقف على مقربة، وبدت الطبيعة الروتينية لتنفيذ الإعدام مقلقة جداً، حيث يغادر الرجال الساحة بعد التنفيذ ببطء، أحدهم يحرك إصبعه ضاحكاً، في حين يخرج آخر وهو يعرج على عكازين.
ما الذي يثير القشعريرة أكثر؟ هل هو حديث الرجال الاعتيادي أثناء مغادرتهم موقع الإعدام، كما لو أنهم يغادرون مباراة لكرة القدم، أم أنها العربات البيضاء التي ترجع إلى الخلف في الساحة لنقل الجثث الثلاث؟
قدّم لي صحفي في بنغازي أتواصل معه هذه اللمحة عن حياة شلوي. وقد تحدث هذه الصحفي مع ستة من الرجال الذين عرفوا شلوي وكانوا على استعداد للحديث.