(بيروت) ـ إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أشرف على الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان منذ توليه مهام منصبه قبل عام، وتعهده بإعادة الاستقرار. وقد تصاعد العنف من جانب الجماعات المسلحة والحكومة على السواء.
وعلى حكومات الولايات المتحدة وأوروبا أن تكف عن التغاضي عن انتهاكات الحكومة المصرية، بما فيها غياب المحاسبة على مقتل المتظاهرين بأيدي قوات الأمن، وعمليات الاحتجاز الجماعي، والمحاكمات العسكرية للمدنيين، والمئات من أحكام الإعدام، والإجلاء القسري لآلاف العائلات في شبه جزيرة سيناء.
وقد قام السيسي وحكومته على مدار العام الماضي، ومن خلال إصدار المراسيم في غياب برلمان منتخب، بتقديم إفلات شبه تام من العقاب على انتهاكات قوات الأمن، وإصدار مجموعة من القوانين التي تقلص الحقوق المدنية والسياسية إلى حد بعيد، مما عمل فعلياً على محو المكتسبات الحقوقية لانتفاضة 2011 التي خلعت حسني مبارك بعد حكم طويل الأمد.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "تتصرف حكومة السيسي وكأن مصر تحتاج في سبيل استعادة الاستقرار لجرعة من القمع الذي لم تشهد له مثيلاً منذ عقود. وما يزيد الطين بلة أن الحكومات الغربية التي تغاضت عن حقوق الإنسان في علاقاتها مع مصر في عهد مبارك تبدو مستعدة لتكرار الخطأ نفسه".
لم يحاسب فرد من قوات الأمن على وقائع القتل الجماعي للمتظاهرين التي تلت عزل الجيش في يوليو/تموز 2013 لمحمد مرسي ، أول رئيس مصري ينتخب بحرية، العزل الذي نسقه السيسي كوزير للدفاع. وقد اشتملت تلك الوقائع على قتل ما لا يقل عن 900 شخص في يوم واحد، هو 14 أغسطس/آب 2013 أثناء العمليات الأمنية لإخلاء موقعي الاعتصام في القاهرة.
وكانت عمليات القتل هذه ترقى إلى مصاف الجرائم المحتملة ضد الإنسانية، لكن لجنة تقصي الحقائق، المكلفة من الحكومة بالتحقيق في الأحداث المتصلة بعزل مرسي، لم تنشر سوى ملخصاً تنفيذيا لنتائجها في نوفمبر/تشرين الثاني 2014. ولم يوص الملخص التنفيذي بأية تحقيقات في وقائع القتل الجماعي، ولم تعلن النيابة العامة المصرية عن أية تحقيق مستقل.
وقد تزايدت هجمات الجماعات المتمردة في محافظة شمال سيناء في أعقاب عزل مرسي مباشرة، إلا أن هجمات المتمردين وعمليات الاعتقال والعنف الحكومي على السواء تصاعدت بحدة منذ الاعتداء في أكتوبر/تشرين الأول 2014 على قاعدة عسكرية هناك، بحسب ما توصلت إليه أبحاث هيومن رايتس ووتش. كما شاعت الاعتداءات على الشرطة والمرافق الحكومية في سائر القطر المصري. وردت الحكومة بإخلاء منطقة عازلة يبلغ عرضها كيلومتراً واحداً على الحدود مع قطاع غزة، ومحاكمة الآلاف أمام محاكم عسكرية، واعتقال كل من يبدي المعارضة.
وقد قرر المجلس القومي شبه الحكومي لحقوق الإنسان، في تقريره السنوي المنشور في مايو/أيار 2015، أن "الحق في الحياة شهد انتكاسة مروعة" في 2013 و2014. وقال التقرير إن العنف تسبب في وفاة نحو2600 شخص منذ عزل مرسي، ومنهم 700 من قوات الأمن، و1250 من مؤيدي الإخوان المسلمين ـ أو التنظيم الذي كان ينتمي إليه مرسي ـ و550 من المدنيين الآخرين.
ومنذ وصول السيسي إلى الحكم واصلت السلطات الإنفاذ المتشدد لحظر التظاهر فعلياً، وتفريق المظاهرات المعارضة للحكومة بالقوة وعلى نحو روتيني. ففي يناير/كانون الثاني 2015 توفي ما لا يقل عن 20 شخصاً في الأحداث المحيطة بالذكرى الرابعة لانتفاضة 2011. ووجهت النيابة الاتهام إلى أحد أفراد قوات الأمن المركزي في مقتل ناشطة يسارية في 24 يناير/كانون الثاني، لكنها أيضاً اتهمت 17 شخصاً ممن شهدوا مقتلها بخرق قانون التظاهر. وفي فبراير/شباط توفي 19 على الأقل من مشجعي كرة القدم في تدافع أمام استاد القاهرة بعد إطلاق الشرطة للغاز المسيل للدموع على حشد من مئات المصطفين للعبور من ممر معدني مسور بالحواجز. وقد وجهت النيابة الاتهام إلى أفراد إحدى روابط المشجعين وبعض أعضاء الإخوان المزعومين في التدافع، لكنها أعفت رجال الشرطة.
ووجد تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية عن الوضع السياسي في مصر، تم إعداده بتكليف من الكونغرس وتقديمه في مايو/أيار 2015، أن "سلسلة من المبادرات التنفيذية والقوانين الجديدة والإجراءات القضائية تفرض قيوداً مشددة على حرية التعبير والصحافة، وحرية تكوين الجمعيات، وحرية التجمع السلمي، وسلامة الإجراءات، وتقوض آفاق الحكم الديمقراطي". ومع ذلك فقد قام الرئيس باراك أوباما في مارس/آذار باستئناف توريد المعدات العسكرية لمصر، وأعلن أن معظم المعونة العسكرية سيستمر، مع تغيير في السياسة يتم تنفيذه لاحقاً، لإلغاء قدرة مصر على الشراء الآجل، وتحديد أشد صرامة لأوجه استخدام تلك المعونات.
وأخفق الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء الـ28 في التوصل إلى رد جماعي وحازم ومسؤول على حملة مصر القمعية على المعارضة، وسجن الصحفيين والنشطاء المنتقدين والمعارضين السياسيين، في أعقاب محاكمات ظاهرة الجور. ورغم أن الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي فدريكا موغيريني قد أبدت الاستاء من أحكام الإعدام الصادرة بالمئات، ولاحظت في 16 مايو/أيار أن حكم الإعدام على مرسي "لا يتفق مع التزامات مصر بموجب القانون الدولي" إلا أنها أخفقت في الإصرار على الإفراج عن المسجونين دون وجه حق.
وقد تعهد الاتحاد الأوروبي مراراً بوضع حقوق الإنسان في قلب علاقاته مع البلدان الثالثة، ودعم من يدافعون عن حقوق الإنسان وسيادة القانون. ومع ذلك فقد قالت موغيريني عندما حضرت مؤتمراً اقتصادياً في مارس/آذار في شرم الشيخ المصرية، إن زيارتها مؤشر على "دعم الاتحاد الأوروبي المستمر" لمصر، والتزمت الصمت تجاه الانتهاكات الحكومية الجسيمة، والتضييق عل المجتمع المدني، واستمرار الإفلات من العقاب على الانتهاكات الحكومية الجسيمة.
وعلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ممارسة الضغط على السيسي ومستشاريه للتراجع عن القوانين القمعية العديدة التي تم تمريرها خلال العامين الماضيين، والإفراج عن الأشخاص العديدين المحتجزين ظلماً لمجرد ممارسة حقوقهم الإنسانية، بحسب هيومن رايتس ووتش.
وقال جو ستورك: "إن استمرار الصمت من الولايات المتحدة وأوروبا يضفي الشرعية على منطق السيسي المعيب، الذي يزعم أن قمع الدولة لمواطنيها سيجلب الاستقرار. لكن الأوان لم يفت لدفع الحكومة المصرية إلى تصحيح مسارها".
عمليات الاعتقال والاحتجاز الجماعية، والانتهاكات أثناء الاحتجاز
احتجزت السلطات ما لا يقل عن 41 ألف شخص بين يوليو/تموز 2013 ومايو/أيار 2014 ووجهت إليهم الاتهام وحكمت عليهم، مما تسبب في الضغط على السجون المصرية ومفاقمة ظروف الاكتظاظ القائمة في أقسام الشرطة ومديريات الأمن، حيث تقوم وزارة الداخلية حالياً باحتجاز البعض، بدون محاكمة في حالة الكثيرين. وقد قرر المجلس القومي لحقوق الإنسان في تقريره أن السجون تؤوي حالياً 160 بالمئة من طاقتها الاستيعابية، وأقسام الشرطة 300 بالمئة من تلك الطاقة. كما استخدمت السلطات مقرات غير رسمية تتضمن قواعد عسكرية ومواقع للأجهزة الأمنية لإيواء المحتجزين. ويمارس التعذيب وإساءة المعاملة في تلك المقرات على نحو روتيني.
وقد دأب القضاة على الموافقة على فترات مطولة من الحبس الاحتياطي للمتهمين من أعضاء الإخوان المسلمين والنشطاء المعارضين للحكومة، مع السماح لأفراد قوات الأمن وغيرهم من مؤيدي السيسي بالخروج بكفالة. وفي قضية واحدة تم احتجاز 494 شخصاً، اعتقلوا من مسجد الفتح في القاهرة في أغسطس/آب 2013 أثناء تداعيات عزل مرسي، وتجري محاكمتهم معاً، تم احتجازهم منذ الاعتقال.
وفي يوليو/تموز 2014 قالت وزارة الداخلية إن 7389 شخصاً من المعتقلين على خلفية الاضطرابات المحيطة بعزل مرسي ظلوا في الحبس الاحتياطي، ولم تنشر الوزارة إحصائيات محدثة. وفي 6 يونيو/حزيران 2015 أعلنت الوزارة أن 200 من طلبة المدارس الثانوية المحتجزين سيؤدون امتحانات الثانوية العامة في السجن.
وقد وثقت المنظمات الحقوقية المصرية ما لا يقل عن 124 وفاة أثناء الاحتجاز منذ أغسطس/آب 2013 نتيجة للإهمال الطبي أو التعذيب أو إساءة المعاملة. وقالت مصلحة الطب الشرعي التابعة لوزارة العدل في ديسمبر/كانون الأول 2014 إن ما لا يقل عن 90 شخصاً توفوا ذلك العام في أقسام الشرطة في محافظتي القاهرة والجيزة وحدهما. كما توفي ثلاثة على الأقل من أعضاء البرلمان من الإخوان أثناء الاحتجاز. وفي مايو/أيار 2015 وثق مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب 23 حالة وفاة قال إن قوات الأمن هي المسؤولة عنها على الأرجح، وبينها 4 حالات نتيجة الإهمال الطبي وثلاثة نتيجة التعذيب واثنتين وقعتا بعد اختفاء الضحية.
فتحت النيابة التحقيق في قضية واحدة، هي وفاة المحامي كريم حمدي، وتم اعتقال اثنين من ضباط الأمن الوطني في 25 فبراير/شباط على ذمة التحقيق، فأفرجت عنهما إحدى المحاكم بكفالة قدرها 15 ألف جنيهاً مصرياً (1310 دولاراً أمريكياً) في 28 مارس/آذار.
وبدلاً من إعادة تقييم سياسات الحبس الاحتياطي في وجه مزاعم إساءة المعاملة، أوإسقاط التهم الموجهة إلى المحتجزين دون وجه حق، أصدرت وزارة الداخلية قرارات لتخصيص بعض أقسام الشرطة كسجون.
المحاكمات الجماعية، والمحاكمات العسكرية للمدنيين، وأحكام الإعدام
عملت الحملة القمعية القاسية وحملة الاعتقالات التي بدأت عقب انقلاب يوليو/تموز 2013 على إرسال العديد من النشطاء العلمانيين إلى السجون، وبينهم يارا سلام وماهينور المصري المدافعتين عن حقوق الإنسان، وأحمد ماهر المشارك في تأسيس حركة شباب 6 أبريل، والمدون علاء عبد الفتاح. وحصل نشطاء علمانيون آخرون على أحكام مطولة بالسجن في محاكمات جماعية، ففي فبراير/شباط 2015 حكم أحد القضاة على الناشط أحمد دومة، والمدافعة عن حقوق المرأة هند نافع، و228 آخرين بالسجن المؤبد للمشاركة في مظاهرة في ديسمبر/كانون الأول 2011.
كما لوحق العديد من أعضاء الإخوان المسلمين وقادتهم في عهد السيسي، فأصدر القضاة ما لا يقل عن 547 حكماً بالإعدام وعدداً أكبر من أحكام السجن المؤبد كعقوبة على العنف أو النشاط السياسي، وقد صدر كثير منها بعد محاكمات جماعية تتضمن مؤيدين مزعومين للإخوان وغيرهم من الإسلاميين. ففي قرارات منفصلة في 16 مايو/أيار أوصت إحدى محاكم الجنايات بإعدام 122 شخصاً، وبينهم مرسي، والأكاديمي المرموق عماد شاهين، وستة من كبار مسؤولي الإخوان المسلمين. وسوف تصدر المحكمة حكمها النهائي بشأن الإعدام في 16 يونيو/حزيران. وحتى اليوم لم توافق محكمة النقص إلا على حكم واحد من أحكام الإعدام، وموافقتها شرط للتنفيذ.
وبعد فترة امتدت لسنتين ونصف بعد انتفاضة 2011 ولم تقم مصر خلالها بتنفيذ أحكام الإعدام، أعدمت السلطات 27 شخصاً منذ تولي السيسي لمنصبه. وكان بينهم سبعة أدينوا بالقتل على خلفية أحداث عنف سياسي، وستة أدينوا في أعقاب محاكمات غير عادلة أمام محكمة عسكرية. وقد أعدم الستة رغم أدلة ذات مصداقية على تواجد ثلاثة منهم على الأقل في عهدة الدولة في توقيت الجرائم التي اتهموا بارتكابها.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014 أصدر السيسي مرسوماً بتوسيع اختصاص القضاء العسكري بحيث يشمل "كافة المرافق العامة والحيوية" لمدة عامين. ومنذ ذلك الحين أحالت النيابة ما لا يقل عن 2280 مدنياً إلى محاكمات عسكرية، بحسب إحصاء هيومن رايتس ووتش المستند إلى تقارير إعلامية. وفي مايو/أيار حكمت إحدى المحاكم العسكرية في الإسكندرية على ستة أطفال بالسجن لمدة 15 عاماً، بحسب الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون.
الإخلاء في سيناء
في أكتوبر/تشرين الأول 2014، في أعقاب هجوم على نقطة تفتيش تتبع الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء، شنته جماعة أنصار بيت المقدس المتمردة والمعروفة أيضاً بولاية سيناء، بدأت القوات المسلحة المصرية في إجلاء آلاف العائلات عن منازلهم بطول الحدود مع قطاع غزة. وزعم السيسي أن الجماعات المسلحة في سيناء تلقت أسلحة ومقاتلين عبر أنفاق من غزة.
وكان تهجير آلاف العائلات من المنطقة الحدودية بمثابة انتهاك لتدابير الحماية من الإخلاء القسري في القانون الدولي لحقوق الإنسان. وقد قرر تقرير الخارجية الأمريكية الموجه للكونغرس الأمريكي عن مصر في مايو/أيار 2015، قرر أن "قوات حكومية ارتكبت عمليات قتل تعسفي أو غير مشروع أثناء تفريق متظاهرين، أو لأشخاص رهن الاحتجاز، وأثناء العمليات العسكرية في شمال شبه جزيرة سيناء".