Skip to main content

خطاب مشترك إلى المستشارة أنغيلا ميركل بخصوص: زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى برلين

سيادة المستشارة ميركل،

نحن المنظمات الحقوقية الدولية الموقعة أدناه، نكتب إليكِ استباقاً لاجتماعك المرتقب بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. إن الحكومة التي يرأسها الرئيس السيسي تشرف على أشد أزمة حقوقية شهدتها مصر منذ عقود، ونحن ندعوك بأشد العبارات قوة أن توضحي في اجتماعك مع الرئيس السيسي، وفي التصريحات العلنية التي قد تدلين أو يدلي بها غيرك من المسؤولين الألمان على خلفية هذه الزيارة، أن طبيعة العلاقات الألمانية مع مصر ومداها في المستقبل ستعتمد على قيام السلطات المصرية باتخاذ إجراءات عاجلة وملموسة لإنهاء السياسات الحكومية التي تعمل بشكل ممنهج على انتهاك التزامات مصر بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، إضافة إلى الدستور المصري الصادر في 2014.

لقد قامت السلطات المصرية منذ يوليو/تموز 2013، حينما عمد وزير الدفاع وقتذاك، السيسي، إلى عزل الرئيس محمد مرسي وحكومته، قامت وباعترافها باحتجاز ما يزيد على 22 ألف شخص. كما وثقت منظمات حقوقية مصرية عدداً أعلى بكثير، لا يقل عن 41 ألف شخص تم اعتقالهم أو توجيه الاتهام إليهم أو الحكم عليهم بين يوليو/تموز 2013 ومايو/أيار 2014، وبينهم 300 محام. وقد احتُجز الكثيرون لا لشيء سوى عضويتهم المزعومة في الإخوان المسلمين أو تعاطفهم مع ذلك التنظيم، الذي كان ينتسب إليه الرئيس مرسي. كما اعتقل مئات من الآخرين للمشاركة في مظاهرات سلمية، في مخالفة لقانون التظاهر القمعي الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 والذي يجرم التجمعات التي تتكون من 10 أشخاص أو أكثر والتي لا توافق عليها وزارة الداخلية سلفاً. وتضم صفوف المحتجزين لانتهاك قانون التظاهر بعضاً من أبرز النشطاء المؤيدين للديمقراطية في مصر وعدداً من المدافعين عن حقوق الإنسان.

وفي واحدة من الحالات، التي كانت الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان قد أثارتها مع سيادتكم في خطاب بتاريخ 2 أبريل/نيسان 2015، اتُهمت محامية بارزة في مجال حقوق المرأة، هي عزة سليمان، مع 16 شخصاً آخرين بالمشاركة في مظاهرة غير مشروعة بعد أن تقدموا للإدلاء بشهادتهم في حادث إطلاق الشرطة للنيران المميتة على الناشطة السياسية شيماء الصباغ. وقد قام أحد القضاة بتبرئة سليمان والـ16 الآخرين من أعضاء حزب التحالف الشعبي، الذي كانت الصباغ عضوة به، في 23 مايو/أيار، إلا أن النيابة استأنفت قرار البراءة وتواصل السعي إلى حبس النشطاء السلميين.

وقد دأب الرئيس السيسي وغيره من المسؤولين على وصف المعارضة كتهديد للأمن القومي. كما ساهم القضاء والنيابة المصريان في مزيد من التسييس لنظام العدالة الجنائية مما أدى إلى محاكمات جماعية يصدر فيها القضاة أحكاماً بالإعدام على مئات من الأشخاص بدون مراعاة للمسؤولية الجنائية الفردية. ففي أحكام منفصلة في 16 مايو/أيار، أوصت إحدى محاكم الجنايات بإعدام 122 شخصاً، وبينهم الرئيس الأسبق مرسي، والأستاذ الجامعي المرموق الدكتور عماد شاهين، وستة من كبار المسؤولين في الإخوان المسلمين. إن عدد الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام في تلك القضايا يكفي وحده للتدليل على مشكلة أوسع نطاقاً، وهي غياب الاحترام للمعايير الدولية للمحاكمات العادلة، في الإجراءت التي تمس معارضين سياسيين. فبين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2015، أدانت المحاكم المصرية 2381 من المعارضين السياسيين، وحكمت على 194 منهم بالإعدام، وعلى 312 بالسجن المؤبد، وهذا وفق المرصد المصري للحقوق والحريات. ومنذ عزل مرسي في يوليو/تموز 2013، أشارت أبحاث منظمة العفو الدولية "آمنستي" إلى قيام المحاكم بإصدار ما يزيد على 742 حكماً بالإعدام في أعقاب محاكمات غير عادلة واستهداف لأعضاء الإخوان المسلمين ومؤيديهم. كما أظهرت السلطات استعداداً لتنفيذ الإعدام بسرعة تفوق ما عرف عنها في الماضي، فأعدمت 27 شخصاً منذ يونيو/حزيران 2014. وكان سبعة من الـ27 قد أدينوا بتهمة القتل على ذمة أحداث عنف سياسي، وأعدموا في أعقاب محاكمات ظاهرة الجور، تنتهك المعايير الدولية للمحاكمات العادلة.

ومن أبرز دواعي القلق أيضاً جهود الحكومة المصرية لتقليص الأنشطة المشروعة للمنظمات غير الحكومية المستقلة، بما فيها المنظمات الحقوقية، التي تنتقد سياسات الحكومة. ويسمح قانون الجمعيات الصادر في 2002 والمعمول به في الوقت الحاضر، يسمح للحكومة بإغلاق تلك المنظمات بمطلق إرادتها، وتجميد أموالها ومصادرة ممتلكاتها ورفض المرشحين لعضوية مجالس إدارتها، وحجب التمويل الأجنبي عنها. وكثيراً ما ترفض السلطات طلبات التسجيل التي تتقدم بها الجمعيات بحكم القانون، الذي يفرض عقوبة السجن على أعضاء الجمعيات للقيام بما يتحول عندئذ إلى "أنشطة غير مرخصة". وتعتمد وزارة التضامن الاجتماعي، المسؤولة عن تنفيذ قانون سنة 2002، تعتمد إلى حد بعيد على مكتب الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية (مباحث أمن الدولة سابقاً) لرصد أنشطة وتمويل المنظمات الحقوقية وغيرها من منظمات المجتمع المدني.

وقد قام الرئيس السيسي في سبتمبر/أيلول بتعديل قانون العقوبات بمرسوم رئاسي، لتغليظ عقوبة قبول تمويل أجنبي بنية "الإضرار بمصالح الدولة"، فصارت السجن المؤبد مع غرامة تعادل 70 ألف دولار أمريكي. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014 هددت السلطات المصرية بإغلاق جميع المنظمات التي تمارس أنشطة المنظمات غير الحكومية بينما هي مسجلة كمكاتب محاماة أو شركات مدنية، كما فعل كثير من المنظمات لتجنب القيود الثقيلة المفروضة في قانون سنة 2002. وفي وجه انتقادات واسعة النطاق من بلدان عديدة، إضافة إلى منظمات دولية والهيئات الحقوقية للأمم المتحدة، تراجعت الحكومة عن تنفيذ تهديدها لكنها واصلت في صمت تخويف الأفراد ومنظماتهم والتضييق عليهم بالمنع من السفر، والتحريات، ورفض الترخيص للفعاليات العمومية. ويضاف هذا كله إلى إغلاق مكاتب منظمات دولية تدعم الجمعيات المصرية، بما فيها منظمة "كونراد أديناور شتفتونغ"، وملاحقة العاملين بها جنائياً. وقد دفعت هذه التهديدات العديد من أبرز المنظمات المصرية غير الحكومية إلى إغلاق أهم برامجها خوفاً من مخالفة القانون، ونقل بعض برامجها إلى خارج البلاد.

ولم تتخذ السلطات المصرية أي إجراء ظاهر لتحسين الظروف المميتة السائدة في السجون وأقسام الشرطة ومديريات الأمن المكتظة، اللهم إلا بعض جولات التفتيش السطحية على ما يبدو من جانب أفراد النيابة. كما لم تتخذ السلطات أية خطوة للتحقيق ووضع حد  للاحتجاز في أماكن غير رسمية، من قبيل مقر جهاز الأمن الوطني، حيث يتم التعذيب وإساءة المعاملة على نحو روتيني. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش وآمنستي العواقب المميتة لظروف الاكتظاظ هذه، ونقص الرعاية الطبية المناسبة في تلك المنشآت، فتوفي ما لا يقل عن 124 شخصاً من المحتجزين في عهدة الشرطة منذ أغسطس/آب 2013، وبينهم ثلاثة من برلمانيي الإخوان المسلمين السابقين، نتيجة للإهمال الطبي أو التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة، وهذا بحسب جمعيات حقوقية.

وتواصل المرأة مواجهة التمييز في القانون والممارسة على السواء، بما في ذلك مستويات مرتفعة من العنف القائم على النوع الجنسي في نطاق المنزل أو في المجال العام ومن [ممثلي] الدولة. وقد تم إدخال تعديل على قانون العقوبات في يونيو/حزيران 2014 بهدف مكافحة التحرش الجنسي لكنه يتطلب المزيد من التحسين، إذ تستمر حوادث التحرش الجنسي. وقد أدت اعتداءات من جانب حشود غوغائية من الرجال على سيدات في ميدان التحرير أثناء الاحتفال بتنصيب الرئيس السيسي، أدت بحكومته إلى الوعد بالتحرك لمكافحة العنف ضد المرأة، لكن الإجراءات الإضافية الموعودة لم تتحقق حتى الآن. ولم تتخذ السلطات أية تدابير جدية لتقديم مرتكبي العنف ضد المرأة إلى العدالة، وخاصة حين يكونون من قوات الأمن.

وأخيراً فإن على ألمانيا أن تواصل تجميد تحويل الأسلحة وكافة البنود المتعلقة بالأمن والتي يمكن استخدامها في القمع، لحين قيام السلطات المصرية بإجراء تحقيقات قضائية ومحايدة في مقتل المئات من المتظاهرين بأيدي رجال الشرطة وقوات الأمن، وتقديم المسؤولين إلى العدالة. ويتضمن هذا الفض المشين والدموي لاعتصامين سلميين إلى حد بعيد في القاهرة، من تنظيم معارضين لاستحواذ الجيش على السلطة، في 14 أغسطس/آب 2014، وهو الفض الذي قتلت فيه قوات الأمن ما يزيد على ألف متظاهر في يوم واحد.

إننا نشجع سيادتكم على أن توضحي للرئيس السيسي أن تقوية العلاقات المصرية-الألمانية يتوقف على اتخاذ حكومته لخطوات للتصدي لبواعث القلق المذكورة. كما نطلب من سيادتك تحديداً أن تقومي بدعوة الرئيس السيسي للتعهد بالخطوات التالية:

إلغاء القانون الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 (القانون 107/2013) الذي يتشدد في تقييد الحق في التجمع السلمي، أو تعديله بحيث يتفق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الدولية، والإفراج الفوري وغير المشروط عن المسجونين لمجرد الممارسة السلمية لحقهم في حرية التعبير والتجمع؛

الإفراج عن المحكوم عليهم في محاكمات جماعية أو المسجونين لمجرد العضوية المزعومة في الإخوان المسلمين أو التعاطف معهم، أو إعادة محاكمتهم أمام محاكم مدنية تلبي إجراءاتها المعايير الدولية للمحاكمات العادلة؛

فرض حظر على تنفيذ الإعدام بغرض إلغاء عقوبة الإعدام؛

الامتناع عن اضطرار المنظمات غير الحكومية للامتثال لقانون سنة 2002 بشأن الجمعيات، لحين قيام برلمان منتخب بتمرير قانون جديد يحترم المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بعد الحوار مع أصحاب المصلحة المعنيين؛

إقرار تدابير فعالة لإنهاء العنف الجنسي والقائم على النوع الجنسي في المجالين الخاص والعام، علاوة على العنف الصادر من [ممثلي] الدولة، بالتشاور مع الجمعيات المستقلة لحقوق المرأة؛

ضمان خضوع جميع مرافق الاحتجاز، بما فيها أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز غير الرسمية، للإشراف القضائي، وتوافقها مع المعايير الدولية بما فيها اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، ومصر دولة طرف فيها، وكذلك قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.

ولسيادتك جزيل الشكر على اهتمامك ببواعث القلق المهمة هذه.

مع الاحترام والتحية من،

سلمين تشالشكان، الأمين العام لآمنستي الدولية في ألمانيا

فنزل ميخالسكي، مدير مكتب ألمانيا في هيومن رايتس ووتش

ماري لولر، المديرة التنفيذية لـ"فرونت لاين ديفندرز"

جيرالد ستابيروك، الأمين العام للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب

ميشيل طوبيانا، رئيس الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة