Skip to main content

بعد تسعة أشهر من انتهاء القتال في غزة، مازال الخلاف قائمًا حول كيفية وأسباب مقتل الكثير من المدنيين الذين قدّر عددهم بـ 1563 شخصًا، بحسب الأمم المتحدة. تقول إسرائيل إنها اتخذت جميع الاحتياطات الممكنة لتقليص الخسائر البشرية، وتتهم حماس بنشر مقاتليها في أماكن آهلة بالسكان. في المقابل، تقول حماس إن إسرائيل نفذت هجماتها دون ضوابط، وقامت باستهداف المدنيين بشكل مباشر.

في الفترة الأخيرة، انضمت منظمة "كسرحاجز  الصمت" الإسرائيلية، المتكونة من جنود سابقين وحاليين، إلى هذا السجال، ووجهت أسئلة إلى قادة عسكريين حول أعمالهم وشهاداتهم خلال حرب السنة الماضية. ونشرت المنظمة تقريرا عنوانه "هكذا قاتلنا"، قدمت فيه 111 شهادة لأكثر من 60 جنديًا وضابطًا من جيش الدفاع الإسرائيلي ممن شاركوا في القوات البرية والبحرية والجوية.

قال الجنود والضباط إن حماس كانت تنشط في مناطق سكنية، وقامت بإطلاق صواريخ نحو مدن إسرائيلية من أماكن قريبة من المنازل والمدارس، ولكنهم تحدثوا أيضًا عن الممارسات والسياسات الإسرائيلية التي انتهكت قوانين الحرب، وربما أدّت إلى ارتفاع عدد الضحايا المدنيين.

يوجد إشكالان اثنان: أولا، تعتقد القوات الإسرائيلية أنها إذا طلبت من السكان المدنيين مغادرة مكان ما، ولم يفعلوا، فهم بذلك يصبحون هدفًا مشروعًا. تُشجع قوانين الحرب القوات المسلحة على توجيه تحذير إلى المدنيين قبل تنفيذ أي هجمات، وقامت قوات الدفاع الإسرائيلية عديد المرات بإلقاء منشورات من الطائرات، أو الاتصال بالسكان عبر الهاتف، أو بطريقة "طرق السقف" التي تتمثل في إطلاق صاروخ تحذيري صغير لحث الناس على المغادرة. ورغم أن هذه التحذيرات من شأنها حماية حياة المدنيين، إلا أنه يتعين على القوات المسلحة أن لا تتخذها ذريعة لتتعامل مع من لم يغادر المكان على أنه مقاتل.

وعلى سبيل المثال، تحدث قائد من قوات الدفاع الإسرائيلية عن الطريقة التي شرح لهم بها قائد الكتيبة قواعد الاشتباك، حيث قال لهم: "تقوم قوات الدفاع الإسرائيلية بتوزيع منشورات تُعلم سكان المناطق التي ندخلها بقدومنا، وإن رفض أي شخص مغادرتها، فقد حكم على نفسه بالموت".

ثانيًا، استخدمت إسرائيل المدفعية الثقيلة بشكل مكثف في المناطق الآهلة بالسكان. فقد أطلقت القوات الإسرائيلية آلاف القذائف من عيار 155 مم شديدة الانفجار في العملية التي دامت سبعة أيام. إضافة إلى هامش الخطأ الذي تتميز به هذه القذائف، والذي يمتد على قطر طوله 25 مترا، تتسبب هذه الأسلحة في قتل الأشخاص على مسافة 150 مترا من مكان سقوطها، وتصيب آخرين بجروح على مسافة 300 متر. وقد يتسبب استخدام هذه القذائف لضرب أهداف عسكرية في مناطق سكنية في نتائج كارثية على حياة المدنيين.

وفي ما بدا أنه اعتراف بالأضرار العشوائية التي تلحقها هذه الأسلحة بالمناطق السكنية، فرضت قوات الدفاع الإسرائيلية حظرًا على استخدامها في غزة في 2006، ولكنها عادت واستخدمتها في عملية "الرصاص المصبوب" في 2009ـ2010 التي كانت لها نتائج كارثية على حياة المدنيين. وذكر جنود في تقرير "كسر حاجز الصمت" أن الجيش كثف من استخدام هذه الأسلحة في 2014 لـ "تمهيد الأرضية" أمام القوات البرية، والردّ على الصواريخ التي تطلقها حماس.

كما قال ضابط برتبة ملازم في سلاح المشاة: "في ما يتعلق بالقصف المدفعي، تخلت قوات الدفاع عن الضوابط التي كانت تلتزم بها، فقد كانت، قبل كل توغل بري، ترسل كشافين وتقصف المنازل التي تقع على خط المواجهة بالمدفعية".

قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق حالة تبرز الآثار المدمرة التي يخلفها القصف المدفعي. ففي 30 يوليو/تموز، سقطت أربع قذائف من عيار 155 مم على مدرسة تابعة للأمم المتحدة في مدينة جباليا كانت بمثابة مأوى لأكثر من 3200 شخص. تسبب الهجوم في مقتل ما لا يقل عن 17 شخصًا، وإصابة 99 آخرين بجروح. يُذكر أن قوات الدفاع الإسرائيلية قالت إنها لم تكن تنوي استهداف المدرسة، وقام المدعي العام العسكري بفتح تحقيق.

انتقدت إسرائيل تقرير "كسر حاجز الصمت" لأنه لم يقدّم أدلة ملموسة على الانتهاكات، وقالت إنها "ملتزمة بالتحقيق الجدي" في جميع المزاعم. ولكن سجل قوات الدفاع الإسرائيلية في معاقبة العناصر الذين ينفذون هجمات غير قانونية ضعيف (وسجلّ حماس أضعف). ويولي الجيش الإسرائيلي قدرًا أقلّ من الاهتمام لكبار القادة والضباط الذين يضعون السياسات، ويعرضون المدنيين إلى مخاطر كبيرة، من ذلك التعامل مع المدنيين الذين لا يغادرون مكانًا ما بعد توجيه تحذير لهم على أنهم مقاتلين، واستخدام المدفعية الثقيلة التي تخلف آثارًا واسعة في المناطق المأهولة بالسكان.

يبقى مدى مساهمة هذه السياسات الإسرائيلية في ارتفاع عدد الضحايا المدنيين أمرا غير معلوم. ولكن في انتظار أن تتحلى إسرائيل بالجدية في تحقيقاتها، يُتوقع سقوط مزيد من الضحايا المدنيين في المستقبل. يجب أن لا تبقى مساعي الوصول إلى الحقيقة مقتصرة على جنود يرغبون في كسر حاجز الصمت.

فرد أبراهامز هو مستشار خاص لـ هيومن رايتس ووتش.              

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة