Skip to main content

اغتصبتهن داعش و الآن يحاولن مواجهة المستقبل

نُشر في: Foreign Policy

بدأ الكابوس الذي عاشته "جليلة" ابنة الـ12 عاماً حينما اختطفها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية، هي وعائلتها، في شمال العراق، ففصلوها عن عائلتها وحبسوها في منزل بشمال شرق سوريا مع أخريات من السيدات والفتيات الإيزيديات المختطفات. ثم جاء المقاتلون الجهاديون، واحداً بعد الآخر، لتفقدهن. واختار أجدهم جليلة، فأخذها إلى منزله ومضى يغتصبها على مدار 3 أيام. وفي النهاية تناوب على امتلاك جليلة أثناء أسرها ستة آخرون من مقاتلي التنظيم، كما قالت لي مؤخراً ـ واغتصبها ثلاثة منهم.

ولم يكن هذا الفعل منعزلا، فحينما كان تنظيم الدولة الإسلامية يهاجم بلدات الشمال الغربي العراقي في أغسطس/آب، ويختطف الآلاف من الإيزيديين الفارين، عملت قواته منهجياً على فصل الشابات والفتيات عن عائلاتهن وسائر الأسرى. ثم قاموا بنقل السيدات والفتيات من مكان إلى مكان داخل العراق وسوريا، مع الاعتداء على كثيرات منهن بالاغتصاب والضرب، وإخضاعهن للاسترقاق الجنسي.

لقد فرت جليلة في النهاية، إلا أن محنتها أبعد ما يكون عن الانتهاء. وحينما زرت العراق في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، لإجراء مقابلات مع سيدات وفتيات إيزيديات عن تجاربهن، وجدت أن الكثيرات منهن في أمس الحاجة إلى علاج نفسي وغيره من ضروب الرعاية الطبية، التي كثيراً ما لا تتاح أو يتعذر الوصول إليها.

قالت لي جليلة في مدينة دهوك بشمال العراق: "لا يمكنني النوم ليلاً لأنني أتذكر كيف كانوا يغتصبونني. أريد القيام بشيء لتناسي مشاكلي النفسية. أريد مغادرة العراق لحين تحسن الأوضاع، لا أريد الوقوع في الأسر ثانية".

وقد سبق لي، كباحث في الانتهاكات الحقوقية، توثيق العديد من فظائع العنف الطائفي وإراقة الدماء بلا وازع على مدار العقد الماضي. لكن استهداف تنظيم الدولة الإسلامية للسيدات والفتيات الإيزيديات فريد في ضراوته. يشكل هذا الانتهاك الذي يبدو ممنهجاً جريمة حرب، وقد يرقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية.

وقد حاول قادة التنظيم استغلال الدين لإضفاء الشرعية على استرقاق الإيزيديات واغتصابهن، وفي وثيقة يبدو أنها صدرت عن ديوان الأبحاث والفتوى، توضح الجماعة تفسيرها المتطرف للشريعة الإسلامية، قائلة إنها تسمح بوطء "الإماء" غير المسلمات ـ بما في ذلك الفتيات الصغيرات اللواتي لم يبلغن الحلم ـ طالما كن "صالحات" للوطء. وتشير الوثيقة نفسها إلى الإماء على أنهن متاع، مما يبيح بيعهن وضربهن للتأديب. وقد قالت لي أسيرات سابقات إن مقاتلي التنظيم باعوا فتيات وسيدات لبعضهم البعض بمبالغ تصل إلى ألفي دولار أمريكي.

أما الفتيات والسيدات الإيزيديات القلائل اللواتي تمكن من الفكاك من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية الحديدية فإن كابوسهن مستمر. فغالبيتهن تعشن الآن في المحافظات الثلاث ذات الأغلبية الكردية في شمال العراق. وتعاني الناجيات اللواتي التقينا بهن من كرب انفعالي حاد وصدمة مستمرة جراء العنف الذي تعرضن له، ولدى بعضهن ميول انتحارية.

وقد بذل المسؤولون الأكراد والمنظمات الأهلية الكردية، رغم ثقل أعبائهم، جهودا جسورة لتقديم الخدمات الصحية للسيدات والفتيات الإيزيديات، لكن البرامج المتاحة ما زالت توجد بها فجوات كبرى. فقد تلقت بعض السيدات العلاج عقب العودة مباشرة، بينما لم تستطع أخريات الحصول على الرعاية الطبية الأساسية إلا بعد أسابيع من فرارهن من الأسر. كما أن بعض السيدات اللواتي تلقين العلاج وخضعن لفحوص الحمل والأمراض المعدية لم يتم إطلاعهن على الغرض من تلك الفحوص ولا على نتائجها.

وقد حملت بعض السيدات، ووصولهن إلى خدمات الصحة الإنجابية ـ بما فيها الإجهاض الآمن ـ يكتسي أهمية حاسمة، لكنها تُقدم على نحو متفاوت. قالت لي بعض المنظمات الدولية والجمعيات الأهلية إن الأمر لا يقتصر على غياب الدعم النفسي الاجتماعي، بل إن السيدات والفتيات تترددن أيضاً في قبول تلك المساعدة. وحتى عندما تتاح المساعدة فإن المعالجين والمنظمات اتسموا في أحيان كثيرة بنقص التدريب والتجهيز لتقييم الاحتياجات النفسية للأسيرات السابقات.

وعلى حكومة كردستان الإقليمية ـ بمعونة الحكومة المركزية في العراق، والأمم المتحدة، والمانحين الدوليين ـ أن تضمن وصول هؤلاء السيدات والفتيات إلى الخدمات الطبية والنفسية الاجتماعية الضرورية، بما فيها دعم الصدمة والعلاج النفسي المستمر. وينبغي لذلك العلاج أن يشمل العلاج الفوري للإصابات الناجمة عن الاعتداءات، والوصول إلى منع الحمل العاجل، وخدمات الإجهاض الآمنة والقانونية حيثما وجبت طبياً، والإجراءات الوقائية وعلاج الأمراض المنقولة بطريق المعاشرة الجنسية، والخدمات الصحية لما قبل الولادة وبعدها، والمساعدة المالية، والتعليم، والتدريب على مهارات التوظف للمساعدة على إعادة الاندماج في المجتمع الأوسع.

وأيا كان ما ينتهي إليه النزاع ضد تنظيم الدولة الإسلامية فمن اللازم تلبية احتياجات الناجيات ومجتمعاتهن. ورغم أن جليلة محظوظة من عدة أوجه لفرارها من الأسر، فإن عائلتها ما زالت في عداد المفقودين، وهي محصورة في ماضيها المروع. ونحن إذ نضمن للفتيات من مثيلات جليلة الحصول على المساعدة النفسية فإننا نساعد في إعادة تأهيل الأسيرات السابقات، وترميم المجتمعات المحطمة، ومنع قسوة داعش الكارهة للمرأة من إفساد حياة الأشخاص إلى الأبد. 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة