(بيروت) ـ قوات الحوثيين استعانت فيما يبدو بالقوة المفرطة غير الضرورية ضد متظاهرين في تعز والتربة يوم 24 مارس/آذار 2015. وعلى سلطات الحوثيين إجراء تحقيق فوري في الوقائع، التي توفي فيها ما لا يقل عن سبعة أشخاص وجرح أكثر من 83 آخرين. كما يجب على قادة الحوثيين ضمان امتثال قواتهم للمعايير الدولية لإنفاذ القوانين عند التعامل مع متظاهرين.
وكان مقاتلو الحوثيين وأفراد قوات الأمن الحكومية في تعز، ثالثة كبريات المدن في اليمن، قد أطلقوا النار بغير إنذار على حشد قوامه ألف متظاهر على الأقل، فقتلوا أو أصابوا ما لا يقل عن 4 أشخاص بإصابات مميتة، وجرحوا أكثر من 70 آخرين بحسب رواية شهود لـ هيومن رايتس ووتش. كما قامت قوة مختلطة على نحو مشابه، تضم قناصة، بفتح النار على نحو 100 متظاهر في التربة، وهي البلدة التي تبعد 70 كيلومتراً عن تعز، فقتلوا 3 وجرحوا ما لا يقل عن 10 آخرين.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "إن النزاع المتصاعد في اليمن يسبب انهيارا كارثياً في النظام والقانون. ويقع على عاتق قوات الأمن المسيطرة، أياً كان الجانب الذي تنتمي إليه، مسؤوليات عن احترام حقوق الناس وحمايتها، واتخاذ الإجراءات بحق أفرادها الذين يرتكبون انتهاكات".
في يناير/كانون الثاني قامت جماعة أنصار الله الشيعية الزيدية، المنتمية إلى شمال البلاد والمعروفة باسم الحوثيين، بخلع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي مما أشعل شرارة احتجاجات واسعة النطاق. وفي 8 فبراير/شباط تذرع وزير الداخلية اليمني المؤقت بـ"الظروف الاستثنائية" السائدة في اليمن فوجه إلى شرطة العاصمة صنعاء أمراً بمنع كافة المظاهرات غير المصرح بها. ويعمل هذا الحظر المفروض على المظاهرات العامة بدون أجل مسمى على انتهاك الحق في التجمع السلمي. وقد قام أنصار الله ومعهم قوات الأمن والشرطة منذ يناير/كانون الثاني باعتقال المتظاهرين والصحفيين الذين يغطون المظاهرات تعسفياً واستخدام القوة ضدهم على نحو متزايد.
وكانت احتجاجات يومية تطالب أنصار الله بالتوقف عن استغلال تعز كقاعدة لعملياتهم العسكرية في جنوب اليمن قد بدأت في 22 مارس/آذار.
وقالت الناشطة علا الأغبري، 23 سنة، لـ هيومن رايتس ووتش إن ما لا يقل عن ألف شخص تجمعوا سلمياً أمام الفرع الرئيسي للمصرف العربي في تعز بدءاً من الحادية عشرة والنصف من صباح 24 مارس/آذار. وبعد حوالي نصف ساعة شاهدت الأغبري عشرات المسلحين، بعضهم بزي الحوثيين التقليدي الذي تعلوه شعارات الحوثيين وآخرين بزي قوات الأمن الخاصة في اليمن، يحيطون بالحشد ويفتحون النار بدون أي تحذير أو أمر بالتفرق.
وقالت الأغبري لـ هيومن رايتس ووتش إنها لم تصب لكنها ذهبت على الفور إلى مستشفى ابن سينا: "وكان المستشفى مليئاً بالناس المصابين بالطلقات النارية. شاهدت رجلاً برصاصة اخترقت عنقه، وسيدة من متطوعي الإسعاف وبعينها اليسرى شظايا. كما أصيب رجل برصاصة مزقت أمعاءه .. وتوفي في اليوم التالي".
وقال شاهد آخر على المظاهرة لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض المتظاهرين شرعوا في إلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف، لكن فقط بعد أن فتحت قوات الأمن النار.
وقال محمد عدنان، وهو متطوع ساعد في نقل المصابين إلى المستشفى على دراجته البخارية، لـ هيومن رايتس ووتش: "نقلت 10 من ضحايا الطلقات النارية، ومنهم رجل بجرح فظيع في رأسه، ورجل آخر برصاصة اخترقت ركبته، ورجلان آخران أصيبا في أيديهما".
وقال مسؤول الإحصاء بمستشفى ابن سينا في تعز إن المستشفى استقبل 73 مريضاً مصاباً بطلقات نارية. وقال ميثاق طربوش، وهو ممرض في المستشفى، إن معظم المصابين بالطلقات النارية الذين استقبلهم مع زملائه كانوا مصابين في الذراعين والساقين، لكن 10 على الأقل أصيبوا في العنق أو الصدر أو الرأس. ونقلت عربات الإسعاف معظم المصابين بجراح خطيرة إلى مستشفيات أخرى بعد استقرار حالاتهم.
وأفادت سلطات طبية بوفاة 4 متظاهرين، توفي كل منهم في أحد المستشفيات الأربعة الكبرى في المدينة. وفي أعقاب واقعة 24 مارس/آذار أعلن محافظ تعز استقالته.
وفي التربة قام رجال يعتقد في انتمائهم إلى الحوثيين، مع آخرين بزي قوات الأمن الخاصة، بفتح النار على حشد من المتظاهرين السلميين من أحد مكاتب أنصار الله، فقتلوا 3 وجرحوا 10. وقال أبو بكر عبد الله الأصبحي، وهو مدرس عمره 42 عاماً كان في المظاهرة، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن 100 شخص على الأقل تجمعوا بحلول الساعة 10:30 صباحا وبدأوا في السير سلمياً من ميدان الأنصار إلى نقطة تفتيش عسكرية احتجاجاً على وصول نحو 150 من أفراد قوات الأمن الخاصة إلى البلدة.
وقال الأصبحي إنه مع اقترابهم من نقطة التفتيش قرب مدخل البلدة، انسحب نحو 20 رجلاً يحملون شعارات الحوثيين إلى مكتب أنصار الله على بعد حوالي 20 متراً. وعندئذ، وبدون إنذار، فتح مسلحون مجهولون النار على المتظاهرين من نوافذ المكتب بالطابق الثاني ومن الشارع أمام باب المكتب. أصيب 3 رجال بطلقات مميتة، كما قال الأصبحي وناشط آخر كان قد حضر جنازاتهم، وأصيب ما لا يقل عن 10 آخرين بجراح جراء الطلقات والشظايا. وتوفي رجل رابع عند اصطدام سيارة يقودها أحد ضباط قوات الأمن الخاصة بدراجة الرجل البخارية، فيما قد يكون حادثاً بحسب الأصبحي.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على أنصار الله وقوات الأمن الخاصة وسائر القوات الضالعة في حفظ الأمن أثناء المظاهرات وغير ذلك من أعمال إنفاذ القانون في اليمن أن تتقيد في جميع الأوقات بالمعايير الدولية الحقوقية ذات الصلة، وبالأخص مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين.
وتنص المبادئ الأساسية على ضرورة استعانة قوات الأمن بقدر الإمكان بوسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى القوة. وحيثما لم يكن مناص من استخدام القوة فإن على السلطات الاستعانة بضبط النفس والتصرف بما يتناسب مع خطورة الجرم. ولا يجوز لموظفي إنفاذ القانون استخدام الأسلحة النارية ضد أشخاص إلا في حالة الدفاع عن النفس أو لحماية آخرين من تهديد داهم بالموت أو الإصابة الجسيمة.
ومع تقدم قوات أنصار الله في عدن وغيرها من مناطق اليمن الجنوبية، شرع تحالف بقيادة السعودية في حملة من الغارات الجوية عليهم، أصابت صنعاء وصعدة والحديدة وتعز ولحج والضالع وعدن. وتخضع المعارك البرية والغارات الجوية للقانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب. إلا أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يظل سارياً حتى أثناء النزاعات المسلحة، وعلى الأطراف صاحبة السيطرة الفعلية على المناطق أن تطبق قانون حقوق الإنسان على أوضاع إنفاذ القوانين.
قال جو ستورك: "يجب على قادة الحوثيين وغيرهم من المشاركين في القتال في اليمن أن يدركوا إمكانية محاسبتهم على جرائم القتل غير المشروع وغيرها من الانتهاكات التي ترتكبها قواتهم. وعلى القوات أن تدرك أن عليها عند التعامل مع متظاهرين أن تطبق قواعد إنفاذ القانون".