Skip to main content

وزارة العدل في ليبيا

البيضاء، شرق ليبيا

 

أكتب إليكم اليوم لكي أنقل بواعث قلق هيومن رايتس ووتش البالغ من قانون مكافحة الإرهاب [3/2014] الذي تبناه مجلس النواب الليبي في 14 سبتمبر/أيلول 2014، حيث أن هذا القانون، في تقدير هيومن رايتس ووتش، لا يتفق مع التزامات ليبيا بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهذا كما أشارت زميلتي حنان صلاح في اجتماع مع معاليكم بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني 2015 بمقر وزارة العدل بالبيضاء.

إننا ندعو سيادتكم إلى إعادة النظر في أحكام القانون وإحالة خطابنا هذا إلى مجلس النواب مع توصية مشددة بضرورة مراجعة القانون 3/2014 بغرض توفيقه مع القانون الدولي.

إن أحكام القانون الغامضة والفضفاضة، بصيغتها الحالية، تسمح باستغلاله لتقليص الممارسة المشروعة للحق في حرية التعبير، والتجمع، والتنقل، في خرق لالتزامات ليبيا بموجب معاهدات مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ونحن نرى أن المادة 14 في العبارة رقم 3 هي أكثر أجزاء القانون الجديد إثارة للانزعاج، فهي تنص على السجن المؤبد لكل من تعمد "الإضرار بالوحدة الوطنية"، وهي عبارة غامضة وفضفاضة الصياغة وتخلو من الإشارة إلى اشتراط أن يكون "الإضرار" منطوياً على العنف.

ومن بواعث قلقنا الأخرى:

المادة 2، التي تنص على تعريف فضفاض لـ"العمل الإرهابي" يجعله قابلاً لإساءة الاستخدام بطرق من شأنها تهديد الحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات. فالمادة 2 تشير إلى العمل الإرهابي على أنه "منع" الحكومة أو السلطات العامة من ممارسة أوجه نشاطها أو "الإخلال الجسيم بالنظام العام" من خلال عرقلة تطبيق أي من "أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح (التشديد من عندنا)".

ومن شأن هذا إثارة القلق من تعريض الأشخاص المنخرطين في احتجاج سلمي ضد الحكومة، قد يصعّب على الشرطة المرور من أحد الشوارع أو عبور أحد الميادين لمدة ساعات قليلة، تعريضهم لخطر الملاحقة بتهمة الإرهاب.

وتنص المادة 8 على السجن المؤبد لإنشاء "منظمة إرهابية" أو تولي زعامتها، كما تنص المادة 9 على السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات للانضمام إلى "تنظيم إرهابي" داخل ليبيا أو خارجها، دون اشتراط دليل على التورط في العنف. وبالنظر إلى التعريف الفضفاض للـ"منظمة الإرهابية" على أنها "مجموعة ذات هيكل تنظيمي مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر، تكونت لأي مدة كانت وتعمل بصورة متضافرة بقصد ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية المنصوص عليها بهذا القانون داخل التراب الليبي أو خارجه" في المادة الأولى، فإن هذه البنود تعرض الأشخاص لخطر الإدانة والعقوبات المطولة على جرائم صغرى.

أما المادة 3 فهي تنص على اندراج كافة الجرائم الواردة في القانون الليبي تحت قانون مكافحة الإرهاب إذا ارتكبت "بقصد تحقيق أحد أهداف العمل الإرهابي أو تمويل الأعمال الإرهابية" المبينة في المادة 3، مما يوسع من اختصاص القانون الجديد بحيث يشمل أية جريمة مدرجة في قانون العقوبات الليبي.

وتفاقم المادة 5 من بواعث القلق التي تثيرها المادة 3، فهي تقرر المعاقبة على الشروع في "أي من الجنايات والجنح في جرائم الإرهاب"، وتكون عقوبة الشروع هي العقوبة المقررة للجريمة التامة، مما يعني أن يلاحق الشخص بتهمة الإرهاب لشروعه في جنحة (وهي جريمة صغرى بالتعريف). وإذا قرننا هذا بتعريف "العمل الإرهابي" الفضفاض في المادة 2 فإنه يفتح الباب لملاحقة الجنح الصغرى بتهمة الإرهاب.

ومن الأحكام الأخرى المثيرة لمخاوف حقوقية في قانون مكافحة الإرهاب:

المادة 15 التي تنص على السجن لمدد تصل إلى 15 عاماً لكل "من قام بالدعاية أو الترويج أو التضليل للقيام بالعمل الإرهابي سواء بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة من وسائل البث والنشر أو بواسطة الرسائل أو المواقع الإلكترونية التي يمكن للغير الاطلاع عليها". وبالنظر إلى الطبيعة الفضفاضة لتعريف الإرهاب في المادة 2 واحتمال اشتماله على جميع الجرائم كجرائم إرهابية في المادة 3، فإن المادة 15 قد تمثل أساساً لملاحقة النقد المشروع للحكومة بطرق من شأنها التعدي على الحق في حرية التعبير. وكثيراً ما تتم ملاحقة أشخاص في ليبيا لجرائم تتعلق بالتعبير ولا سيما "التشهير" أو إهانة المسؤولين العموم. ومن الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش الحكم على أحد رؤساء التحرير بالسجن لمدة 5 سنوات لإهانة القضاء.

والمادة 22 التي تخول المحاكم سلطة حظر إقامة المدان بموجب قانون مكافحة الإرهاب "في مكان معين أو منطقة معينة" أو إلزامه بالإقامة "في مكان معين"، مما يشكل انتقاصاً محتملاً من حرية التنقل للأشخاص الملاحقين بموجب القانون على الممارسة المشروعة لحرية التعبير وغيرها من الحقوق.

ورغم أن قانون مكافحة الإرهاب لا ينص على عقوبة الإعدام إلا أنها قائمة، بموجب المادة 4 "مع عدم الإخلال بالقوانين السارية وبأي عقوبة أشد، تسري أحكام هذا القانون على الأفعال المجرمة في تلك القوانين والمنصوص عليها في أحكام هذا القانون"، ومن ثم فإنه لا يمنع تطبيق عقوبة الإعدام في دعاوى الإرهاب التي يمكن رفعها بموجب قانون العقوبات المعيب الموروث من عهد القذافي، بما في ذلك المواد المخالفة للقانون والعهود الدولية. ويتعزز خطر التطبيق بفعل المادة 7، التي تقرر أنه "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد، كل من قام بعمل إرهابي طبقاً لأحكام هذا القانون يعاقب بالسجن المؤبد".

وقد قامت هيومن رايتس ووتش، في تقرير منشور في 2014 بعنوان أولويات الإصلاح التشريعي: خارطة طريق لحقوق الإنسان لليبيا الجديدة، بتحديد 11 مجالاً رئيسياً للإصلاح، تشمل حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، والحقوق السياسية، وعقوبة الإعدام، وهذا بالنظر إلى ورود النص على عقوبة الإعدام في ما لا يقل عن 30 من مواد قانون العقوبات. وتتشدد هيومن رايتس ووتش في معارضة عقوبة الإعدام في كافة الظروف بسبب طبيعتها القاسية اللاإنسانية، التي لا يمكن التراجع عنها.

وقد قام مقرر الأمم المتحدة الخاص الأول، المعني بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، في غياب تعريف عالمي مقبول للإرهاب، بدعوة الدول في 2010 إلى وضع تعريف ضيق للإرهاب، محذراً من أن "تبني التعريفات الفضفاضة... يحمل إمكانية الإساءة العمدية لاستخدام المصطلح... إضافة إلى الانتهاكات الحقوقية غير المقصودة". وقد نصح المقرر بضرورة اشتمال أي تعريف للإرهاب على شرط ارتكاب الفعل للتسبب في الوفاة أو الإصابة البدنية الجسيمة أو بقصد التسبب فيهما، وبهدف إرغام حكومة أو منظمة دولية على استجابة معينة.

وفي التقرير نفسه لاحظ المقرر الخاص زيادة في "التعديات على ممارسة الحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات باسم مكافحة الإرهاب" وشدد على ضرورة "تفسير القيود على نحو ضيق من حيث الغرض منها، ألا وهو مكافحة الإرهاب".

وتنص المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن "لكل إنسان حق في حرية التعبير". ورغم أن المادة 19 من العهد تسمح بفرض قيود على الحق في حرية التعبير، إلا أن الفقرة 3 تبين شروط السماح بفرض تلك القيود، وهي أن ينص عليها القانون، وأن تكون ضرورية "(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، و(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة". وينعكس هذا الشرط أيضاً في المادة 27(2) من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

كما يكفل العهد حرية التجمع وتكوين الجمعيات، فالمادة 21 تنص على أن "يكون الحق في التجمع السلمي معترفاً به"، وتنص المادة 22 على أن "لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين". وتقرر المادتان عدم جواز فرض قيود على تلك الحقوق إلا "تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم". وتتمتع حرية التجمع وتكوين الجمعيات أيضاً بحماية المادتين 10 و11 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

ويكفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صدقت عليه ليبيا في 1970، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي صدقت عليه ليبيا في 1986، أن يكون لكل شخص الحق في حرية التنقل والإقامة داخل حدود دولته، وأن يتم تعريف أي انتقاص من هذا الحق على نحو ضيق. فالمادة 12 من العهد الدولي تقرر أن "لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة".

وبموجب القانون الدولي، ينبغي للقيود المفروضة على حقوق الإنسان أن تكون محكومة بالقانون والضرورة والتناسب. وتسمح المادة 4 من العهد الدولي بالانتقاص من بعض تدابير الحماية، ولكن بشرط قيام حالة طوارئ معلنة تهدد حياة الأمة. وينبغي لأي قيد مفروض أن يتخذ "في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع". وقد شددت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في تعليقها العام رقم 29، على ضرورة أن يكون أي انتقاص "ذا طابع استثنائي ومؤقت".

وأنا أنتهز هذه الفرصة لتوجيه الشكر إلى سيادتكم على اهتمامك بهذه المسألة الهامة، راجية أن تقوم السلطات الليبية باتخاذ الإجراءات السريعة اللازمة للتصدي لما عرضناه من بواعث القلق. كما نرجو أن يكون في هذه التعليقات عوناً لكم في عملية مراجعة القانون 3/2014 وتعديله، فقانون مكافحة الإرهاب، بصيغته الحالية، لا يتفق مع التزامات ليبيا بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.

 

ونرجو من سيادتكم أيضاً العلم بأننا ننوي نشر هذا الخطاب الذي يستعرض بواعث قلقنا.

 

مع خالص الاحترام والتحية من،

 

سارة ليا ويتسن

المديرة التنفيذية                                                                  

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

هيومن رايتس ووتش

 

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.