(بيروت) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم في تقريرها العالمي 2015، إن أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا شهدت تراجُعاً حاداً في 2014، لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي في 2011. ولقد أدى اندلاع نزاعات مُسلحة جديدة، إلى جانب المزيد من تداعي سلطة الحكومة في أغلب البلاد، إلى القضاء على أي مظهر من مظاهر القانون والنظام في أجزاء كبيرة من ليبيا.
بداية من شهر مايو/آيار، تصاعدت المُناوشات بين الميليشيات المُسلحة في شرقي ليبيا، وتحولت إلى نزاعات مُسلحة؛ امتدت بحلول يوليو/تموز لتجتاح المناطق الغربية، ومن بينها طرابلس، العاصمة. وتسبب العنف في قتل مئات الأشخاص، بينهم مدنيون، وأدى إلى نزوح مئات الآلاف عن منازلهم، ودمر بنية تحتية مدنية حيوية، من بينها مطار طرابلس الرئيسي ومستشفيات، وتسبب في نقص الطعام والموارد الأساسية الأخرى. وبحلول نهاية العام، ظل آلاف الأشخاص رهن الاحتجاز القسري، خارج سيطرة الحكومة، وظل آلاف أكثر يُعانون النزوح القسري، وتوقف نظام العدالة عن العمل في مناطق رئيسية.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تظهر الفصائل السياسية المتناحرة في ليبيا استهانة مطلقة بأرواح المدنيين، وهي تتقاتل فيما بينها، وترتكب جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة، في إفلات من العقاب. وعلى الكيانات الدولية التي دعمت الانتفاضة الليبية أن تمارس الضغط على كافة الأطراف من أجل إنهاء إراقة الدماء، وتقديم من ارتكبوا الانتهاكات الجسيمة إلى العدالة".
في النسخة الخامسة والعشرين من تقريرها العالمي والمكون من 656 صفحة تقوم هيومن رايتس ووتش بمراجعة الممارسات المتعلقة بحقوق الإنسان في أكثر من 90 بلداً. وفي مقاله الإفتتاحي، يتوجه المدير التنفيذي كينيث روث الى الحكومات بالدعوة إلى الاعتراف بأن حقوق الإنسان تمثل مرشداً أخلاقياً فعالاً في أزمنة الاضطرابات، وبأن انتهاكها قد يُشعل فتيل التحديات الأمنية أو يُفاقم منها. فالمكاسب العاجلة الناجمة عن تقويض القيم الأساسية للحرية وعدم التمييز نادراً ما تعادل ثمنها الآجل.
وقد أبرزت هيومن رايتس ووتش، في مراجعتها لليبيا، تصاعد حصيلة الاغتيالات لنشطاء وصحفيين وسياسيين، وأعضاء في القوات المُسلحة على يد مجهولين، التي ترقى على الأرجح إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية. ووقد وقع ما لا يقل عن 250 من عمليات القتل هذه في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول في مدينتي بنغازي ودرنة، شرقي البلاد، فقط. ويتطلب الأمر تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق، أو آلية مُشابهة، لإجراء تحقيق في هذه وغيرها من الجرائم الخطيرة ونشر نتائجه.
ارتكبت الميليشيات المتورطة في النزاعات المُسلحة جرائم حرب، من بينها الاعتداء على المدنيين، والبنية التحتية المدنية، والنهب، والحرق، والخطف. كما أعلنت بعض الميليشيات في درنة انتسابها إلى تنظيم الدولة الإسلامية المُتطرف (المعروف كذلك باسم داعش). وقامت الجماعات بإرهاب السُكان، وفرضت إدارة قاسية على المناطق التي سيطرت عليها، مع عمليات إعدام وجلد علنية، واشتراط إعلان توبة علنية من جانب من يعتبرونهم "كفاراً".
ولم يكد نظام العدالة الليبي يعمل، حيث أدى تزايد انعدام الأمن بالمحاكم وأفراد النيابة إلى تعليق العمل في بنغازي وغيرها من المدن. كما ظل آلاف الأشخاص رهن الاحتجاز التعسفي بعيداً عن سيطرة الدولة، حتى بعد اندلاع النزاعات المُسلحة، كما تعرضوا للتعذيب وسوء المُعاملة، وإخفاق في ضمانات سلامة الإجراءات.
ولم تقم مدعية المحكمة الجنائية الدولية، المختصة بالجرائم الخطيرة التي تم ارتكابها في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011، بمتابعة قضايا إضافية في الانتهاكات الجسيمة المُستمرة، مُشيرة إلى عدم الاستقرار في ليبيا ونقص الموارد باعتبارهما عقبتان تحولان دون مزيد من التحقيقات من قِبل مكتبها.
واعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المُتحدة (إلا أنه لم يُنفذ) القرار رقم 2174، الذي يُهدد مرتكبي الجرائم الخطيرة بعقوبات، من بينها حظر السفر وتجميد الأصول، لكنه أخفق حتى الآن في تنفيذ تهديده.