لم يجف الحبر الذي تم التوقيع به على "نداء السودان"، وهو إعلان سياسي معارِض ينادي بإنهاء حكم الحزب الواحد وإقامة حكومة انتقالية، عندما شرع مسؤولون في جهاز الأمن والمخابرات الوطني في اعتقال الأشخاص الذي وقّعوا عليه.
ففي ليل 6 ديسمبر/كانون الأول اعتقل مسؤولون في جهاز الأمن والمخابرات الوطني الدكتور أمين مكي مدني، وهو محام معروف في مجال حقوق الإنسان ورئيس كونفدرالية منظمات المجتمع المدني السوداني، وفاروق أبو عيسى، رئيس تحالف قوى الإجماع الوطني من منزليهما، وكلاهما في أواخر السبعينات من العمر، ويعانيان من مشاكل صحية. كما أشارت تقارير إلى أن جهاز الأمن اعتقل في وقت لاحق من نفس الليلة الدكتور فرح إبراهيم محمد العقّار، الذي شارك أيضاً في الاجتماع. ويخضع المعتقلون الثلاثة للحبس في أماكن غير معلومة، بدون تهمة ولم تسمح سلطات الأمن حتى الآن لأي من اُسر المعتقلين الثلاثة بزيارتهم.
لم تكن هذه الاعتقالات مفاجئة، إذ تعمل السلطات بصورة روتينية على إسكات المعارضة. ولا تزال سلطات جهاز الأمن والمخابرات الوطني وأجهزة الأمن الأخرى تلاحق بالاعتقال، من دون تهمة في الغالب، الأشخاص الذين يعبّرون عن معارضتهم لسياسات الحكومة – سواء كان ذلك من خلال البيانات السياسية أو الاحتجاجات أو كتابة المقالات أو حتى حضور المناسبات.
فقد اعتقلت السلطات في أغسطس/آب مريم الصادق المهدي، نائبة رئيس حزب الأمة، لدى عودتها إلى الخرطوم من العاصمة الفرنسية باريس، حيث وقّع حزب الأمة على "إعلان باريس"، وهو إعلان سياسي مماثل ينادي بإجراء إصلاحات واسعة وإقامة حكومة انتقالية. وتم اعتقال مريم لمدة شهر بدون أن توجه له السلطات تهمة.
وفي سبتمبر/أيلول قام جهاز الأمن والمخابرات الوطني باعتقال عشرات من الأشخاص الذي تجمعوا لإحياء ذكرى مصرع أكثر من 170 شخصاً خلال احتجاجات انتظمت البلاد في سبتمبر/أيلول 2013. المعتقل راشد عباش، وهو ناشط معروف في مجال حقوق الإنسان، خضع للاحتجاز لمدة 11 أسبوعاً بدون أن توجِّه له السلطات تهمة، وتشير تقارير إلى أنه تعرض للضرب خلال اعتقاله. ويواجه عباش الآن تهماً ملفقة على خلفية ملصقات تمت طباعتها لإحياء الذكرى السنوية لتلك الاحتجاجات.
وفي أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2014 ألقت السلطات القبض على أربعة أشخاص في مدينة الدمازين، بولاية النيل الأزرق، على خلفية طباعة بيان لإحياء الذكرى السنوية لثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964 السودانية تضمّن انتقادات للحكومة. كما ألقت الشرطة، في ديسمبر/كانون الأول، القبض على الناشط الشاب إبراهيم الصافي في الخرطوم بسبب حضوره مخاطبة عامة لحركة "قرفنا" حول الإصلاح القانوني. ويقضي الصافي حالياً حكماً بالسجن لمدة شهر بسجن دبك المعروف برداءة أوضاع المعتقلين فيه.
واصل جهاز الأمن والمخابرات الوطني أيضاً اعتقال الصحفيين وفرض الرقابة على الصحف، وهي تكتيكات ينبغي أن تتوقف. إذ أنها لا تشكل فحسب انتهاكاً للحقوق الأساسية المتعلقة بالتعبير، التي يحميها القانون الدولي لحقوق الإنسان ووثيقة الحقوق الخاصة بالسودان نفسه، بل تحرم المجتمع من الحوار في وقت يُعتبر السودان في أمسّ الحاجة إليه، لا سيما وأنه يعاني من حرب مع نفسه في ثلاث مناطق، ولا يزال يترنح من انفصال الجنوب في العام 2011.