(نيويورك) ـ إحدى محاكم الجنايات المصرية أصدرت أحكاما ابتدائية بإعدام 188 متهماً في الثاني من ديسمبر/كانون الثاني 2014، في ثالث حكم جماعي مماثل هذا العام.
أصدر المستشار ناجي شحاتة تلك الأحكام بعد إدانة جميع المتهمين المشاركين في اعتداء على قسم شرطة بمحافظة الجيزة في أغسطس/آب 2013، في ما عرف بـ"مذبحة كرداسة"، نسبة إلى المنطقة التي وقع فيها الاعتداء. توفي 11 من ضباط الشرطة واثنان من المدنيين في الاعتداء، الذي وقع بعد قليل من الانقلاب العسكري الذي عزل محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تعجّل أحكام الأعدام الجماعية بحرمان القضاء المصري من أي سمعة بالاستقلال سبق له التمتع بها، فبدلاً من تقييم الأدلة المقدمة بحق كل فرد، يدين القضاة المتهمين جماعياً، بغير التفات إلى معايير المحاكمة العادلة".
وقد أصدرت المحكمة أحكام الإعدام بصفة ابتدائية، بمعنى أنها ستحال إلى مفتي الديار المصرية، أرفع السلطات الدينية في البلاد، لإبداء تقييمه الذي يشترطه القانون، ورأيه في ما إذا كان ينبغي تأييدها. من بين المتهمين الـ188 كان 135 حاضرين رهن الاحتجاز، بينما حوكم 53 آخرون وحكم عليهم غيابياً. وقد قرر شحاتة أن يكون 23 يناير/كانون الثاني موعداً لجلسة الحكم النهائي.
قبل هذه القضية قام أحد قضاة محافظة المنيا بإصدار 1212 حكماً بالإعدام في مارس/آذار وأبريل/نيسان بعد محاكمتين متعلقتين باعتداءات أخرى على أقسام للشرطة في 2013، نجم عنها قتل اثنين على الأقل من رجال الشرطة. وبعد صدور رأي المفتي، أيد القاضي 220 من أحكام الإعدام تلك، وحكم على 495 من المتهمين الآخرين بالسجن المؤبد.
وقد استهدفت تلك المحاكمات الجماعية في المقام الأول أعضاء الإخوان المسلمين، أكبر حركات المعارضة في مصر، التي أعلنتها الحكومة جماعة إرهابية في 2013 بعد عزل مرسي. وكان بين المحكوم عليهم بالإعدام في المنيا محمد بديع، المرشد العام للإخوان المسلمين.
وأبرزت محاكمة كرداسة أيضاً دور ما أطلق عليه بعض المحللين القانونيين "الدوائر الخاصة" المستحدثة في مصر: وهم قضاة يكلفون بتولي القضايا المتعلقة بالإرهاب أو بالعنف المنظم أو التي تعتبر ذات حساسية خاصة بالنسبة للأمن القومي. في ديسمبر/كانون الأول 2013 عينت محكمة استئناف القاهرة ستة قضاة من محافظتي القاهرة والجيزة في دوائر خاصة، وتنعقد هذه الدوائر لمدة أسبوعين من كل شهر في أكاديمية الشرطة بالقاهرة للنظر في تلك القضايا، بحسب صحيفة الأهرام الحكومية.
وقد ترأس شحاتة محاكمة كرداسة بصفته أحد قضاة الدوائر الخاصة، ونظر في القضية داخل أكاديمية الشرطة. كما سبقت له رئاسة عدد من المحاكمات الشهيرة، ففي يونيو/حزيران حكم على صحفيي الجزيرة الثلاثة بالسجن لمدد تتراوح بين 7 و10 سنوات بعد محاكمة لفتت الأنظار بانعدام عدالتها. ويترأس شحاتة أيضاً محاكمة 270 من المتظاهرين المتهمين بمهاجمة مقر مجلس الوزراء أثناء احتجاج في ديسمبر/كانون الأول 2011، وبينهم الناشط البارز المضرب عن الطعام أحمد دومة الذي لم يسمح شحاتة بنقله إلى المستشفى. وأمر شحاتة كذلك بأن تحقق النيابة مع ما لا يقل عن خمسة من محامي الدفاع في تلك القضية، وبينهم المدافعة البارزة عن حقوق الإنسان راجية عمران والمرشح الرئاسي السابق خالد علي. في 22 نوفمبر/تشرين الثاني أصدرت نقابة المحامين المصرية بياناً ينتقد شحاتة على "ترهيب" فريق الدفاع، وقالت إنها تؤيد قرارهم بالانسحاب الاحتجاجي من القضية.
وقال رجل شرطة كان قد شهد اعتداء كرداسة لوكالة أسوشيتد برس إن حشداً غوغائياً داهم قسم الشرطة بمدافع "الآربي جي" والأسلحة الآلية وزجاجات المولوتوف. وظهر في مقاطع فيديو صادمة أذاعتها وسائل الإعلام المصرية رجال الشرطة المغدورون مستندين إلى بعضهم البعض في غرفة ملطخة بسناج الحريق. إلا أن بعض السكان المحليين أخبروا صحفياً من صحيفة البديل بأن الشرطة قتلت 12 متظاهراً من شباب كرداسة والقرى المجاورة فيما بين انقلاب يوليو/تموز 2013 والفض العنيف لاعتصامي مؤيدي مرسي في أغسطس/آب من العام نفسه. وعندما تظاهر السكان أمام قسم الشرطة مطالبين بانسحاب قوات الأمن، كما أبلغوا الصحفي، فتحت الشرطة النار على الحشود. وزعم السكان أن جماعة مسلحة من خارج القرية هي التي شنت الاعتداء المميت لكنهم أقروا بأن البعض في كرداسة قدم لهم المساعدة.
ويعمل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومصر دولة طرف فيه، على تقييد الظروف التي يجوز فيها للدول فرض عقوبة الإعدام. وقد قالت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي هيئة الخبراء الدولية التي تتولى تفسير العهد، إنه "في حالة المحاكمات المؤدية إلى فرض عقوبة الإعلام، يكتسي الاحترام المدقق لضمانات المحاكمة العادلة أهمية خاصة". وتعارض هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام في كافة الظروف، بوصفها عقوبة ذات طبيعة قاسية ولاإنسانية.
قالت سارة ليا ويتسن: "من الواضح أن جرائم خطيرة ارتكبت في اعتداء كرداسة، وينبغي منح مرتكبيها محاكمة عادلة. لكن ليس من الحق ولا من العدل محاكمة الجميع في إجراء جماعي. ولا يجوز لمحاكمة بهذا الظلم الصارخ أن ترسل شخصاً إلى المشنقة".