(القدس) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على الدول المانحة أن تضغط على إسرائيل أثناء المؤتمر المتعلق بالمساعدات المقدمة لفلسطين والمعقود في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2013 حتى ترفع القيود الكاسحة غير المبررة التي تفرضها على حركة الأشخاص والبضائع من قطاع غزة وإليه. وعلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تعزيز قراراته السابقة التي تجاهلتها إسرائيل والتي تدعو إلى رفع القيود غير المبررة.
تعمل القيود الإسرائيلية الكاسحة غير المرتبطة بالاعتبارات الأمنية أو غير المتناسبة معها على تقييد وصول الأشخاص في غزة دون ضرورة إلى الغذاء والماء والتعليم وغيرها من الحقوق الأساسية. قالت هيومن رايتس ووتش إن ممانعة إسرائيل في رفع تلك القيود ستمثل إعاقة جدية لتعافي غزة على نحو مستدام، بعد حصار امتد لسبعة أعوام، وبعد معارك يوليو/تموز-أغسطس/آب التي أضرت بقسم كبير من غزة.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يتعين على المانحين الذين يتحملون تكاليف إعادة إعمار غزة باستمرار أن يصروا على رفع إسرائيل للقيود غير المبررة التي تفاقم من الوضع الإنساني المقبض، وتعاقب المدنيين من دون داع. وعلى مجلس الأمن أن يدين القيود الإسرائيلية غير الضرورية للأمن".
وقد عمل حصار إسرائيل لغزة، الذي تعززه مصر، على منع تصدير واستيراد السلع التجارية والزراعية، مما أصاب اقتصاد غزة بالشلل، إضافة إلى حظر السفر للأغراض الشخصية أو التعليمية أو الصحية. وكان للحصار أثر كارثي على صحة وسلامة المدنيين في غزة، إذ قلص من توصيل الغذاء والدواء والوقود وغيرها من الضروريات. ويبقى مئات الآلاف من الأشخاص بدون مياه نظيفة. أما المستشفيات فقد كانت تعاني من نقص الموارد حتى قبل المعارك الأخيرة. وبقدر ما يتخطى الحصار مبررات الضرورة العسكرية فإنه يشكل عقاباً جماعياً غير مشروع للسكان المدنيين.
سعت إسرائيل إلى تبرير القيود واسعة النطق بالتذرع بالدواعي الأمنية. فمنذ بدأت الانتفاضة الثانية في عام 2000، فرضت إسرائيل قيوداً كاسحة تحظر على الفلسطينيين في غزة السفر إلى الضفة الغربية ـ بما في ذلك بغرض الدراسة أو العمل أو لم شملهم على عائلاتهم ـ بدلاً من تقييم أية مخاوف أمنية عن طريق الضوابط الفردية. ومنذ وصول حماس إلى السلطة في غزة في 2007، حظرت إسرائيل بصفة عامة استيراد حديد التسليح والحصباء والإسمنت، التي تعتبرها "سلعاً مزدوجة الاستخدام" يمكن تحويلها للاستخدام العسكري. وقد قامت جماعات إسرائيلية مسلحة باستخدام مواد بناء مهربة من مصر في بناء أنفاق عسكرية إلى داخل إسرائيل، لكن مخاوف إسرائيل الأمنية يمكن تغطيتها بنظام للرصد بدلاً من الحظر الشامل للاستيراد، بحسب هيومن رايتس ووتش.
وقد أدت الأعمال العدائية في يوليو/تموز وأغسطس/آب إلى مفاقمة الأزمة الإنسانية في غزة على نحو محسوس، إذ تركت 108 آلاف شخص دون مأوى، ودمرت 26 مدرسة و4 مراكز للرعاية الصحية الأولية بالكامل، ودمرت أو أتلفت 350 مؤسسة تجارية و17 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، بحسب تقييم للأمم المتحدة. كما تصاعدت البطالة في غزة، التي كانت تبلغ 45 في المئة بالفعل، منذ اندلاع القتال، بحسب تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وقد أدت هجمات متكررة، يبدو أنها كانت إسرائيلية، على محطة الكهرباء الوحيدة في غزة إلى تركها غير قابلة للتشغيل. كما أدى نقص الوقود، حتى عندما كانت المحطة تعمل، إلى انقطاعات متكررة لتخفيف الأحمال تصل إلى 12 ساعة يومياً، وتستمر الانقطاعات الحالية 18 ساعة يومياً. قامت الهجمات أيضاً بتدمير أو إتلاف اثنتين من كبريات محطات معالجة المخلفات، و20-30 بالمئة من شبكات المياه والصرف الصحي، مما ترك ما يقرب من نصف مليون شخص دون مياه جارية.
وقد أعدت الحكومة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس التي مقرها في الضفة الغربية خطة لإعادة إعمار غزة من شأنها أن تمثل الأساس للعديد من تعهدات المانحين في مؤتمر 12 أكتوبر/تشرين الأول المزمع عقده في القاهرة. كما يسعى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، بشكل منفصل، إلى تدبير 570 مليون دولار إضافية لتحقيق هدفه البالغ نحو مليار دولار أمريكي لتلبية احتياجات غزة.
ويتعلق التغيير الوحيد المقترح في القيود الإسرائيلية المفروضة على غزة منذ المعارك الأخيرة، يتعلق بواردات الأسواق الخاصة من مواد البناء. وفي منتصف سبتمبر/أيلول اتفقت الحكومتان الإسرئيلية والفلسطينية على "آليات مؤقتة"، بمعونة الأمم المتحدة، لنقل مواد البناء إلى داخل غزة وضمان استخدامها في أغراض مدنية. وبموجب الاتفاق، ستقوم الحكومة الفلسطينية بشراء مواد البناء من باعة مصرح بهم، وتعقب المواد من مصادرها وحتى مخازن مؤمنة في وجهاتها النهائية، وتحديث كافة المعلومات في قاعدة بيانات متاحة للسلطات الإسرائيلية.
ومع ذلك فإن الاتفاق، حتى إذا تم تنفيذه وحقق أهدافه المعلنة المتمثلة في تسهيل بناء 5000 وحدة سكنية و120 مشروعاً آخر، إلا إنه يظل غير كاف لتلبية احتياجات غزة العمرانية بحسب هيومن رايتس ووتش. علاوة على هذا فإن الاتفاق من شأنه تسهيل استيراد المواد اللازمة لإعادة بناء منشآت البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والكهرباء، لكنه لا يتطرق إلى الحاجة إلى مورد منتظم ومستدام للمياه والوقود والكهرباء لكي تعمل تلك المنشآت.
كما لا يتطرق الاتفاق إلى القيود الأوسع نطاقاً المفروضة على انتقال الأشخاص والبضائع بفعل الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، والتي تشمل حظراً شبه تام للتصدير تعمل إسرائيل ومصر معاً على إنفاذه، وقد أصاب الاقتصاد بالشلل، وكذلك منع جميع سكان غزة تقريباً من الانتقال إلى الضفة الغربية أو حتى زيارتها.
قالت سارة ليا ويتسن: "لا توجد على الطاولة خطة تلبي الاحتياجات الأساسية لسكان غزة بشكل كاف، ناهيك عن تصور لغزة مستدامة، لا تعتمد على المعونات الأجنبية لدرجة الحرج. وعلى المانحين التوقف عن الإذعان للقيود الإسرائيلية غير المبررة، والإصرار على خطط لإعادة الإعمار ينتظر منها تلبية الاحتياجات الإنسانية لغزة بشكل معقول".
بموجب القانون الدولي، يمكن لأطراف النزاعات المسلحة الذين يرتكبون انتهاكات لقوانين الحرب أن يتحملوا أمام الدول أو الأفراد مسؤولية التعويض عن الأضرار الناتجة. وقد كانت بعض المشروعات التي مولها المانحون بين تلك المصابة بالدمار أو التلف في المعارك الأخيرة، وعلى المانحين تقييم الأضرار التي سببتها الهجمات غير المشروعة والضغط على الطرف المسؤول لدفع تكاليف التعويضات وإعادة الإعمار. قالت هيومن رايتس ووتش إن تلك التعويضات قد تساعد في تمويل المشروعات الجديدة وتعمل على ردع الهجمات غير المشروعة في المستقبل.
ولطالما قام مجلس الأمن وغيره من الهيئات الحكومية المشتركة بدعوة إسرائيل إلى تخفيف قيودها على غزة. وفي 15 أغسطس/آب طالب وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بـ"تحسن جذري في الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة عن طريق إزالة نظام إغلاق غزة".
أما الحكومة الأمريكية، المعارضة لحكومة حماس في غزة، فقد ترددت في الضغط على إسرائيل لرفع الحصار، إلا أن إدارة أوباما قالت إن إعادة الوضع لما كان عليه في غزة لن تتسم بالاستدامة. وقال وزير الخارجية جون كيري في الأول من أغسطس/آب إن الفلسطينيين في غزة "يحتاجون إلى القدرة على .. التنقل بحرية والتشارك مع بقية العالم، وعيش حياة مختلفة عن تلك التي طالت معاناتهم فيها".
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على مجلس الأمن الأممي والمانحين إدانة نظام الإغلاق العقابي الذي تفرضه إسرائيل، والضغط عليها لتضييق نطاق القيود بحيث تتماشى مع الاحتياجات الأمنية الواضحة. وعلى مجلس الأمن والمانحين الضغط على إسرائيل ومصر للسماح باستيراد مواد البناء اللازمة لإعادة الإعمار بشرط الرقابة، والتراجع عن الحظر شبه التام للتصدير من غزة، ورفع قيود السفر عن سكان غزة الذين لا يمثلون مخاطرة أمنية. وعلى مجلس الأمن تعزيز قراراته السابقة المطالبة برفع القيود غير المبررة والتي تجاهلتها إسرائيل، كما أن عليه إلزام إسرائيل بدفع التعويضات وتكاليف إعادة بناء الممتلكات المدنية، بما فيها المشروعات ذات التمويل الدولي، التي دمرتها إسرائيل أو أتلفتها في هجمات غير مشروعة.
قالت سارة ليا ويتسن: "لطالما سمحت معارضة الولايات المتحدة لحماس بالتغطية على بواعث القلق من حصار إسرائيل العقابي لغزة، وعلى الولايات المتحدة بصفتها أقرب حلفاء إسرائيل والرئيس الحالي لمجلس الأمن أن تضمن ترجمة وقف إطلاق النار الحالي إلى إغاثة حقيقية للمدنيين في غزة".
الحصار الإسرائيلي لغزة
تنفيذ وقف إطلاق النار
يقدم وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، المعلن عنه في 26 أغسطس/آب 2014، فرصة لإنهاء إجراءات إسرائيل العقابية بحق السكان المدنيين في غزة، وقد التزمت إسرائيل بالسماح للمعونات الإنسانية ومواد إعادة الإعمار بدخول غزة، وتمديد مناطق الصيد حتى ستة أميال بحرية قبالة السواحل.
وكانت إسرائيل قد تقدمت بنفس التعهدات تقريباً بعد الجولة السابقة من القتال في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، لكنها عادت وفرضت إغلاقاً واسع النطاق. وساعد غياب الإدانة من حلفاء إسرائيل في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على إيجاد بيئة يتسنى فيها لإسرائيل الإبقاء على الحصار دون تكلفة.
القيود العقابية
تقوم إسرائيل بمنح تصاريح لا تتيح لسكان غزة الخروج من معبر إريتز إلا في حالات "الأوضاع الإنسانية الاستثنائية" وهذا وفق السياسة الحكومية، كما تتيحه لأعداد ضئيلة من رجال الأعمال. وقد بلغ متوسط المسموح لهم بمغادرة غزة عبر إسرائيل أقل من 200 شخص يومياً في النصف الأول من 2014، مقارنة بـ26 ألف في الفترة المقابلة من عام 2000 قبل الانتفاضة الثانية، بحسب بيانات رسمية إسرائيلية وفلسطينية جمعتها المنظمة الحقوقية الإسرائيلية "غيشا". وقد سمحت إسرائيل لثلاثة فقط من سكان غزة بالدراسة في الضفة الغربية طوال الأعوام الـ14 الماضية، كما رفضت إسرائيل في معظم الأوقات النظر في طلبات سكان غزة الراغبين في اللحاق بزوجاتهم أو أزواجهم أو أقاربهم في الضفة الغربية.
وفي 2012 اعترف منسق وزارة الدفاع الإسرائيلية للأنشطة الحكومية في الأراضي [المحتلة]، عيتان دانغوت، بأن الغرض من السياسة الإسرائيلية لمنع انتقال الفلسطينيين من غزة إلى الضفة الغربية هو الضغط على حماس ودعم السلطة الفلسطينية.
أما الحكومة المصرية المدعومة عسكرياً فقد شددت القيود المفروضة على انتقال الفلسطينيين عبر معبر رفح بين غزة وسيناء بعد وصولها للسلطة في يوليو/تموز 2013، فقلصت عدد سكان غزة المارين عبر المعبر بمقدار الثلثين، إلى ما يبلغ متوسطه 6444 شهرياً في النصف الأول من 2014، بحسب "غيشا".
وتتم كافة تحركات انتقال البضائع من إسرائيل إلى غزة عبر معبر كرم سالم، وتفرض إسرائيل قيوداً مشددة على نوعيات ومقادير السلع التي تدخل غزة، ولا تسمح في الوقت الحاضر بدخول مواد البناء إلا تلك التي تجلبها منظمات دولية. كما تحظر إسرائيل بيع السلع الواردة من غزة في الضفة الغربية وإسرائيل.
وفي أوقات مختلفة منذ فوز حماس بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية في 2006، قامت السلطات العسكرية الإسرائيلية بتقييد "الحصة الإنسانية اليومية" من الطعام التي قررت أن سكان غزة يحتاجون إليها، في أعقاب سياسة تقضي فيما يبدو بـ"فرض حمية غذائية عليهم"، حسب تعبير مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى في 2006. وقد حظرت إسرائيل أو قيدت استيراد بنود لا تمثل أي تهديد يمكن تخيله لأمن إسرائيل، ومنها، ضمن سلع أخرى عديدة، الشاي والمربى والعدس وغيرها من السلع التي اعتبرتها "سلعاً ترفيهية"، وغاز الطهي، ومعدات العلاج بالإشعاع، وأدوية تستخدم في علاج السرطان. كما أنها تقوم دون مبرر بتأخير استيراد قطع الغيار اللازمة لإصلاح شبكة كهرباء غزة التالفة والمتهالكة لشهور أو حتى سنوات.
وقد كان لسنوات القيود الإسرائيلية، وقيام مصر في 2013 بتدمير جميع أنفاق التهريب تقريبا التي كانت تستغل في تزويد غزة بالعديد من السلع التجارية، كان لها أثر مدمر على اقتصاد غزة. فحتى يونيو/حزيران 2014 كان أكثر من نصف الأسر في غزة عاجزاً عن الحصول على طعام كاف ـ رغم تلقي ثلثي سكان غزة لمعونات غذائية، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية. كما أفادت الأمم المتحدة قبل المعارك الأخيرة بأن تلوث طبقة المياه الجوفية في غزة، وتزايد أعداد سكانها المتسارع، وبنيتها التحتية المتهالكة، بجوار عوامل أخرى، تؤدي كلها إلى أنها لن تكون "مكاناً يصلح للحياة" في 2020.
في 2010 وافقت إسرائيل على تخفيف بعض القيود ـ بما فيها المفروضة على واردات الغذاء ـ تحت ضغط دولي في أعقاب قيام القوات الإسرائيلية بقتل تسعة مدنيين على متن سفينة كانت تحاول خرق الحصار البحري الإسرائيلي لغزة. ومع ذلك فقد وجد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن الإصلاحات لم تؤد إلى أي "تحسن يعتد به" بالنسبة لسكان غزة، إذ كانت بعض الإجراءات مفرطة الضآلة، بينما لم يتم تنفيذ بعضها الآخر قط. وقد أبقت إسرائيل على القيود المفروضة على صادرات غزة إلى الضفة الغربية وإسرائيل.
القيود المفروضة على مواد البناء
في 16 سبتمبر/أيلول 2014 قال روبرت سيري، منسق الأمم المتحدة الخاص في المنطقة، لمجلس الأمن إن إسرائيل والسلطة الفلسطينية اتفقتا على "آلية مؤقتة" لتوصيل مواد بناء إضافية إلى غزة تحت رقابة أممية.
ويقرر ملحق الاتفاقية وجود نية لتسهيل بناء 5000 وحدة سكنية و120 مشروعاً أكبر حجماً، من قبيل المصانع والمدارس، على مدار عام واحد. وقد صار ما يقرب من 18 ألف منزل غير قابل للسكنى بفعل المعارك الأخيرة، كما لم يُعد بناء 5000 منزل آخر تم تدميرها أثناء العمليات العسكرية الإسرائيلية. وقد أدى النمو السكاني في غزة إلى إيجاد عجز قدره 71 ألف منزل و250 مدرسة إضافية، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. ومن شأن الاتفاق أن يسهل استيراد المواد اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والكهرباء، لكنه لا يتطرق إلى الحاجة لموارد منتظمة ومستدامة للمياه والوقود والكهرباء لكي تعمل.
ويلزم الاتفاق الأمم المتحدة والحكومة الفلسطينية بطمأنة المخاوف الأمنية الإسرائيلية بشأن عدم تحويل مواد البناء للأغراض العسكرية، لكنه لا يحمل إسرائيل أي مسؤولية لضمان تلبية احتياجات البناء المدنية. وبموجب الاتفاق، تلتزم الأمم المتحدة والحكومة والشركات الفلسطينية بتعقب مواد البناء في كل خطوة ـ من المصدر وأثناء النقل والتخزين وحتى الاستخدام النهائي في الغرض المدني المقصود ـ لضمان طمأنة المخاوف الأمنية الإسرائيلية.
إلا أن الاتفاق يمنح السلطات الإسرائيلية صلاحية تقديرية لمنع الواردات إلى غزة، ولا يتضمن آليات للإنفاذ أو حل النزاعات للتعامل مع رفض إسرائيل للبضائع دون وجه حق. ولا يلزم الاتفاق إسرائيل بزيادة قدرات معبر كرم سالم، وهو المعبر العامل الوحيد المخصص لإدخال مواد البناء إلى غزة، أو التصدي لبقية القيود الإسرائيلية على غزة. وبموجب الاتفاق تحتفظ إسرائيل فعلياً بصلاحية تحديد ما يمكن بناؤه في غزة.
وتشترط إسرائيل بالفعل مراقبة الاستخدام النهائي لمواد البناء التي تسمح للمانحين بإدخالها إلى غزة لمشروعات إنسانية. إلا أن إسرائيل كانت تستغرق في المتوسط 19 شهراً للموافقة على مشروعات البناء الإنسانية، كما أنها جمدت العشرات من هذه الخطط طوال أعوام، بحسب الأمم المتحدة. وإذا سمحت إسرائيل لمعبرها التجاري الوحيد مع غزة بإدخال سعته القصوى الحالية من مواد البناء، فسوف تحتاج غزة إلى 20 عاماً لتلبية احتياجاتها السكنية بما يكفي بعد النزاع الأخير، ودون أخذ النمو السكاني في الحسبان، وهذا بحسب تقارير لهيئات إنسانية ينصب عملها على المأوى والإسكان.
وقد خلص تقييم أخير، أصدرته هيئة المعونة الأوروبية للدعم التنموي الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي لفلسطين، إلى أن تدفق المعونات الأوروبية ـ 2,5 مليار يورو على مدار السنوات الخمس الأخيرة ـ "قد بلغ حدوده القصوى، في غياب مسار سياسي مواز" يتصدى لهذه القيود وغيرها.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الحاجة ماسة إلى تغير جوهري في السياسة الإسرائيلية، بدلاً من الإجراءات الاستثنائية الطارئة، حتى يتسنى للدول المانحة أن تساهم بثقة في إعادة إعمار غزة، بما أن القيود الإسرائيلية غير المتوقعة تقوض الاستثمارات الدولية في غزة.
القيود المفروضة على الصادرات
كان اقتصاد غزة يعتمد فيما مضى على التصدير لإسرائيل والضفة الغربية. وبعد فوز حماس في الانتخابات البرلمانية في 2006، قيدت إسرائيل الصادرات، وحظرتها كلياً بعد احتفاظ حماس بالسيطرة على غزة بالقوة في 2007. لم تزد صادرات غزة الشهرية في النصف الأول من 2014 عن 1 بالمئة من مستويات ما قبل 2006.
ومنذ 2010 لم تسمح إسرائيل للسلع المنتجة في غزة بالمرور عبر إسرائيل في الطريق إلى أسواق ثالثة إلا بقدر شديد المحدودية. ومع ذلك فهي لا تسمح بوصول السلع نفسها إلى أسواق إسرائيل أو الضفة الغربية، بغرض "فصل غزة عن تجار الضفة الغربية، المسموح لهم بالبيع داخل إسرائيل" أو بغرض منع حماس من "إخفاء أشياء تعجز أجهزة الكشف عن تبينها داخل السلع".
وقد تبرعت الدول المانحة، ومنها هولندا والولايات المتحدة، بأجهزة كشف متقدمة لإتاحة رصد السلع المارة على حدود غزة بسرعة نسبية، لضمان عدم تهريب عتاد عسكري إلى غزة أو منها. إلا أن إسرائيل رفضت استخدام أجهزة الكشف لإتاحة الصادرات القادمة من غزة، لأن القيام بهذا يناقض سياسة إسرائيل القاضية بعزل غزة عن الضفة الغربية، بحسب صحيفة "هآرتز" الإسرائيلية اليومية، التي استشهدت بـ"مسؤولين من وزارة الدفاع".