Skip to main content

غزة ـ آثار واسعة النطاق للاعتداء على محطة الكهرباء

عجز في معالجة المخلفات وإمدادات الماء والغذاء وتشغيل المستشفيات

(القدس) ـ ما يبدو قصفاً  إإسرائيلي اًتسبب في إعطاب محطة الكهرباء الوحيدة بقطاع غزة في 29 يوليو/تموز 2014 مما فاقم من تدهور الأزمة الإنسانية التي يمر بها سكان القطاع البالغ تعدادهم 1,7 مليون نسمة. ويعد إتلاف أو تدمير محطة كهرباء، حتى ولو كانت تخدم غرضاً عسكرياً، هجوماً غير متناسب وغير مشروع بموجب قوانين الحرب، كونه يتسبب بإيقاع أضرار مدنية تفوق بكثير المكسب العسكري.

وقالت هيومن رايتس ووتش أن أثر إغلاق محطة الكهرباء على السكان يتجاوز بكثير انقطاع التيار الكهربي.. فقد أدى إلى عجز كبير في ضخ المياه إلى المنازل، ومعالجة المخلفات الصحية، وهما عمليتان تتطلبان طاقة كهربائية. كما تسبب في زيادة اعتماد المستشفيات على مولدات الكهرباء غير مضمونة الفاعلية، في وقت ترزح فيه المستشفيات تحت وطأة مواجهة ارتفاع إصابات الحرب. كما أثر أيضاً في الإمدادات الغذائية حيث أن نقص الكهرباء قد أوقف المبردات عن العمل، واضطر المخابز لتقليص انتاجها من الخبز.

وقال إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إن كان ثمة اعتداء واحد يُتوقعُ منه تعريض صحة وسلامة أكبر عدد من الأشخاص في غزة للخطر فهو الاعتداء على محطة الكهرباء الوحيدة بالقطاع. والاعتداء قصداً على محطة الكهرباء يشكل جريمة حرب".

وقد نقلت وسائل إعلام عن جمال الدردساوي، الناطق باسم شركة توزيع الكهرباء، قوله إن قذائف الدبابات الإسرائيلية أصابت أحد خزانات الوقود بمحطة كهرباء غزة، فأدى الاعتداء إلى انفجار هائل وحريق أتلف أجزاء أخرى من المنشأة، واستغرق إطفاؤه معظم اليوم.

وأدى إغلاق المحطة إلى قطع التيار عن معظم أرجاء القطاع. وقد اعتاد سكان غزة طوال سنوات على وصول خدمة الكهرباء في جزء من اليوم فقط، أما من يملكون ثمن الوقود فهم يشغلون مولدات خاصة لتوليد طاقة احتياطية. وبعد مرور أسبوع على الاعتداء، عاد جزءٌ من الخدمة إلى معظم الأحياء السكنية، إلا أنه أقل من المستويات المحدودة لما قبل النزاع.

وبعد وصول الأنباء عن وقوع الاعتداء بقليل، أنكرت إسرائيل استهدافها للمحطة، لكنها قالت إن قواتها ربما أصابتها بطريق الخطأ. وقد عجزت هيومن رايتس ووتش عن تحديد فيما إذا كان هناك مقاتلون فلسطينيون منتشرون في المنطقة عند إصابة المحطة. إلا أن فتحي الشيخ خليل، نائب رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية في غزة، قال إن منطقة النصيرات التي تقع بها المحطة كانت تتعرض لقصف عنيف في ذات التوقيت الذي تم به الاعتداء. وقال خليل إن رجال الإطفاء في غزة اتصلوا به هاتفياً قائلين إنهم عاجزون عن الاقتراب من المحطة بسبب الاعتداء المستمر على محيطها. ونتيجة لهذا انتشرت النيران من خزان الوقود الصغير الذي أصيب في البداية، إلى خزان أكبر.

وقعت الغارة في نحو الثالثة صباحاً، في يوم من القصف الذي وُصف على نطاق واسع بأنه الأعنف في الأسابيع الثلاثة الأولى من القتال. وفي ذلك اليوم أدت غارات جوية إسرائيلية إلى تدمير مسجد رئيسي، ومنزل إسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحماس، وأتلفت مبان حكومية ومبنى يضم محطات الإذاعة والتلفزة التي تديرها حماس. كما أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في ذلك اليوم إلى قتل نحو مائة فلسطيني.

وتسببت العمليات العسكرية الإسرائيلية في دمار هائل بالبنية التحتية في غزة، بما في ذلك المنازل والمصانع والمستشفيات والمساجد والمدارس.

وبموجب قوانين الحرب تعد محطات الكهرباء، مثلها مثل المطارات، منشآت مزدوجة الاستخدام ـ أي منشآت مدنية تستفيد منها القوات المسلحة أيضاً. وقد يجوز بهذه الصفة أن تصبح أهدافاً عسكرية معرضةً للهجوم. بيد أن أي هجوم على منشأة مزدوجة الاستخدام يجب أن يتسم بالتناسب. ويحظر الهجوم الذي ينتظر أن يوقع بالمدنيين والمنشآت المدنية أضراراً تفوق المكسب العسكري منه. والأضرار المدنية المتوقعة تشمل الإصابات الناجمة على مدار الوقت إضافة إلى الخسائر المدنية. ومن ثم فإن أي هجوم على محطة كهرباء غزة يؤدي إلى تعطلها هو بالضرورة غير متناسب، وينتهك القانون الإنساني الدولي.

وقد أنكرت إسرائيل الهجوم على محطة الكهرباء. وقال العميد يارون روزن، قائد فرقة المروحيات الجوية والدعم الجوي الإسرائيلية، في 29 يوليو/تموز إن إسرائيل "غير معنية" بالاعتداء على المحطة. وقال: "إننا ننقل إليهم الكهرباء وننقل الغاز، وننقل الطعام بهدف منع كارثة إنسانية. فكيف نهاجم محطة الكهرباء؟". قال روزن إن من المحتمل أن تكون إسرائيل قد أصابت المحطة بطريق الخطأ، وإن ثمة تحقيقاً داخلياً في الأمر. وورد في خبر نشرته "سي إن إن" بتاريخ 4 أغسطس/آب بشأن أزمة الكهرباء أن أحد الناطقين باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية قال لشبكة "سي إن إن" إن القوات الإسرائيلية غير ضالعة في الهجوم.

وقال ربحي الشيخ، نائب رئيس سلطة المياه، إن نقص الكهرباء أدى إلى تعطيل آبار ـ إلا حيثما تمكنت المولدات من توفير طاقة احتياطية ـ علاوة على محطات لمعالجة المياه وتحليتها. ويؤدي تعطل الآبار إلى تعريض المحاصيل التي تحتاج الماء في أحر شهور السنة للخطر.

تحتاج معظم المنازل الحضرية في غزة للكهرباء لضخ المياه إلى خزانات مقامة فوق الأسطح. وقد قالت غادة سنونو، العاملة بإحدى المنظمات غير الحكومية، في 4 أغسطس/آب إن منزلها بمدينة غزة محروم من الكهرباء منذ الاعتداء على المحطة، مما اضطر عائلتها لشراء الماء في "عبوات" وحفظ المياه المنزلية المستخدمة لإفراغ المراحيض بها. وأدى انهيار خدمة الكهرباء إلى افتقار الكثيرين من سكان غزة للوصول إلى الـ30 لتراً من الماء التي تمثل الاحتياج اليومي المقدر للفرد لأغراض الشرب والطهي والنظافة والغسيل، بحسب محمود ضاهر، رئيس مكتب منظمة الصحة العالمية بغزة.

وقال ضاهر إن المستشفيات منحت الأولوية في الحصول على الكهرباء الشحيحة، مع حصول مجمع الشفاء، أكبر مستشفيات القطاع، على معظمها بمعدل 16 ساعة يومياً. وإذا نفد الوقود اللازم لتشغيل المولدات أو تعطل أحدها فقد يفقد أحد المستشفيات طاقته.

قال أحد مسؤولي مستشفى القدس بمدينة غزة لـ هيومن رايتس ووتش في 7 أغسطس/آب إنه بسبب انقطاع الكهرباء:

نستخدم مولداً كبيراً لمدة 6-8 ساعات يومياً، ثم نضطر للاعتماد على 3 مولدات أصغر حجماً، لأن الكبير لا يمكن تشغيله طوال الوقت. وإذا تعطل الكبير فإننا لا ندري كيف سنصلحه، بسبب نقص قطع الغيار. إنه يشغل محطة الأكسجين، ومصعدي المستشفى، وأجهزة التكييف ـ مما يصل إلى 80 بالمئة من استهلاك الكهرباء الإجمالي بالمستشفى. عند استخدام المولدات الأصغر لا تستطيع أن تشغل أكثر من مصعد واحد، ولا تشغل أياً من أجهزة التكييف، مما يصعّب على العاملين العمل لساعات طويلة في حر أغسطس/آب، ويشكل خطورة على المرضى.

وقالت هيومن رايتس ووتش أن ثمة تقارير عن استهداف القوات الإسرائيلية لمحطة الكهرباء في أوقات سابقة أثناء الجولة الحالية من القتال، وكذلك في النزاعات السابقة،. وأصيبت المحطة في 5 مناسبات منذ أوائل يوليو/تموز، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر. كما أغلقت لفترة قصيرة بعد قصف إسرائيلي في 22 و23 يوليو/تموز، بحسب منظمة "غيشا" الإسرائيلية غير الحكومية. وتسببت إحدى الغارات في إخراج إحدى مجموعات المولدات بالمحطة من الخدمة، بحسب خليل، نائب رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية.

وأضاف المسؤول بمستشفى القدس أن إصلاح تلك المجموعة وخزانات الوقود سيستغرق أكثر من عام، لكن بوسع المحطة إجراء إصلاحات مؤقتة تمكنها من إنتاج 50 ميغاواط في موعد أقرب، وإن كان بتكلفة أعلى. كانت المحطة الواقعة في وسط غزة تنتج 60 ميغاواط من الكهرباء قبل بدء الجولة الحالية من القتال، كما قال عبد الكريم عابدين، وكيل الوزارة بسلطة الطاقة الفلسطينية في رام الله، لـ هيومن رايتس ووتش.

وقال خليل إن السلطات الإسرائيلية، قبل حوالي يومين من غارة 29 يوليو/تموز، نقلت إليه رسالة عبر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، تفيد بأن محطة الطاقة غير مستهدفة ويمكن لعمالها التحرك بأمان داخل نطاقها. وقال إنه ليس بين العمال من أصيب في الغارة.

علاوة على إنتاج المحطة، تحصل غزة في المعتاد على 120 ميغاواط من إسرائيل عبر 10 خطوط للنقل، و28 ميغاواط من مصر عبر 3 خطوط. إلا أن الجولة الأخيرة من القتال أتلفت 8 من الخطوط الإسرائيلية و2 من الخطوط المصرية، مما قلص التغذية القادمة من إسرائيل إلى 24 ميغاواط، ومن مصر إلى 18 ميغاواط حتى 4 أغسطس/آب، كما قال عابدين.

وقد تسببت التلفيات اللاحقة بخطوط الكهرباء المصرية والإسرائيلية، ثم الهجوم على محطة الكهرباء، في تخفيض إمدادات غزة من الكهرباء إلى نحو 20 بالمئة من الـ200 ميغاواط التي كانت تحصل عليها قبل بدء النزاع. وتقدر احتياجات غزة من الكهرباء بـ350 ميغاواط، ولذا كان ترشيد الاستهلاك وتخفيف الأحمال بالتتابع هو المعتاد حتى قبل أن تؤدي تلفيات الحرب إلى تقليص الطاقة المتاحة.

ومنذ وقف إطلاق النار في 5 أغسطس/آب، تزايدت إمدادات الكهرباء مع نجاح فرق إصلاح الأعطال في ترميم 8 من الخطوط الإسرائيلية وجميع الخطوط المصرية. قبل وقف إطلاق النار كانت ظروف النزاع تعرض الفنيين للخطر عند إجراء الإصلاحات اللازمة، كما قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وحتى 7 أغسطس/آب، كانت المنازل بحسب تقارير تحصل على ما بين 3 و7 ساعات من الكهرباء، وفقاً لموقعها داخل قطاع غزة.

منذ 8 سنوات، في 28 يونيو/حزيران 2006، أصابت قذائف إسرائيلية المحطة 8 مرات، فعطلت محولاتها، بعد 3 أيام من قيام مقاتلي حماس في غزة بأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. وعندها أخرت إسرائيل أو منعت توصيل المواد اللازمة لإصلاح محطة كهرباء غزة بالكامل. وفي 2008 قطعت إسرائيل إمداداتها من الكهرباء والوقود عن غزة، بغرض معلن يتمثل في الضغط على الجماعات المسلحة لإنهاء هجماتها الصاروخية على مدنيين في إسرائيل، وهو ضرب من ضروب العقاب الجماعي الذي ينتهك قوانين الحرب.

وقد سبق لإسرائيل الاعتداء على محطات كهرباء في أعمال عدائية خارج غزة، فأثناء نزاعها المسلح مع حزب الله، تعمدت إسرائيل قصف محطات كهرباء في الجنوب اللبناني، بما في ذلك في 24 يونيو/حزيران 1999، و8 فبراير/شباط 2000، و5 مايو/أيار 2000. في اليوم التالي لاعتداء 1999، قال العميد دان هالوتز الإسرائيلي في مؤتمر صحفي إن أهداف البنية التحتية اللبنانية "قد تم اختيارها منذ وقت طويل"، وإن "الحكومة الإسرائيلية قررت تنفيذ هجوم على البنية التحتية اللبنانية وليس على أهداف تابعة لحزب الله فقط ... للتشديد على وقوع جميع أصحاب القرار السياسيين في لبنان الداعمين لأنشطة حزب الله الإجرامية تحت طائلة الهجوم". وكانت الاعتداءات على محطات الكهرباء تمثل انتهاكاً لما تفرضه قوانين الحرب من حظر على الهجمات غير المتناسبة، لأن الضرر المتوقع للسكان المدنيين يفوق المكاسب العسكرية المتحققة.

تلزم قوانين الحرب البلدان المسؤولة عن انتهاكات بتقديم تعويضات كاملة عن الخسائر أو الإصابات الناتجة، ومن شأن هذا في الحد الأدنى أن يتمثل في توفير المواد والمساعدات اللازمة للسماح بسرعة إعادة المحطة إلى قدراتها السابقة على الحرب. ويتعين على إسرائيل، رغم استمرار القتال، أن تضمن للوكالات الإنسانية حق الوصول إلى خطوط الكهرباء المدمرة لإصلاحها، بالنظر إلى تأثيرها الإنساني الكبير على السكان المدنيين.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة