تتناول مجموعة الأسئلة والأجوبة التالية قضاياً تتعلق بالقانون الإنساني الدولي (قوانين الحرب) والتي تحكم النزاع بين إسرائيل وحماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة والذي نشب في 7 يوليو/تموز 2014. وكانت إسرائيل قد شنت اجتياحاً برياً لغزة في 17 يوليو/تموز. ويكمن الهدف هنا في تقديم إرشادات تحليلية لمن يتولون فحص العمليات القتالية، وكذلك لأطراف النزاع بالإضافة الى من يملكون القدرة على التأثير فيهم.
وتركز الأسئلة والأجوبة على القانون الدولي الذي يحكم سير الأعمال العدائية من جانب كل طرف من أطراف النزاع؛ إلا أنها لا تتطرق إلى مسألة مدى توفر المبررات لحماس أو غيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة أو إسرائيل لشن الهجمات، أو خرق وقف إطلاق النار أو غير ذلك من المسائل المتعلقة بشرعية اللجوء إلى القوة المسلحة، والتي يغطيها ميثاق الأمم المتحدة. وتحافظ هيومن رايتس ووتش، ووفقاً لنطاق اختصاصها، بموقف محايد من هذه القضايا المتعلقة بأحقية الاحتراب (القانون المختص بالمبررات المقبولة لاستخدام القوة المسلحة)، لأننا نرى أنها السبيل الأمثل لتعزيز هدفنا الرئيسي، والذي يتمثل في تشجيع كافة الأطراف في نزاع مسلح على احترام قوانين الحرب (القانون بشأن السلوك المقبول في الحرب).
1- ما هو القانون الإنساني الدولي المنطبق على النزاع الراهن بين إسرائيل وحماس؟
يخضع النزاع المسلح الراهن بين إسرائيل وحماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة الى أحكام معاهدات دولية، فضلاً عن قواعد القانون الإنساني الدولي المتعارف عليها (العُرفية). أما القانون التعاقدي، وأهم بنوده المادة المشتركة 3 من اتفاقيات جنيف لسنة 1949، وحيث كلٌ من إسرائيل وفلسطين أطرافٌ فيها؛ فيوضح المعايير الدنيا الملزمة لكافة الأطراف في نزاع مسلح، سواء كانت هذه الأطراف دولاً أم جماعات مسلحة غير حكومية.
ومن شأن قوانين الحرب العرفية تبيان التدابير الخاصة بحماية المدنيين وسواهم من غير المحاربين من مخاطر النزاع المسلح، كونها تتناول سير الأعمال العدائية ـ وسائل الحرب وأساليبها ـ من جانب كافة الأطراف في النزاع. وفي مقدمة ذلك هي إلزام أطراف النزاع بالتمييز في كافة الأوقات بين المحاربين والمدنيين. فلا يجوز أبداً استهداف المدنيين عمداً بالهجوم. وكما نناقش أدناه، فيتوجب على جميع الأطراف المتحاربة إتخاذ جميع الاحتياطات المتاحة لتقليل الضرر الواقع على المدنيين والمرافق المدنية إلى الحد الأدنى. ولا يجوز الهجوم إلا على الأهداف العسكرية. أما الهجمات التي تستهدف مدنيين، أو تخفق في التمييز بينهم وبين المحاربين، أو من شأنها إحداث أضرار غير متناسبة بالتجمعات السكانية المدنية مقارنة بالمكسب العسكري المتوقع، فهي محظورة.
وتوفر المادة المشتركة 3 عدداً من تدابير الحماية الأساسية للمدنيين والأشخاص الذين توقفوا عن المشاركة في الأعمال العدائية، مثل المحاربين الأسرى أو الذين استسلموا أو العاجزين عن القتال بسبب الإصابة أو المرض؛ فتحظر ممارسة العنف ضد أمثال هؤلاء ـ ولا سيما القتل، والمعاملة القاسية، والتعذيب ـ إضافة إلى الاعتداء على كرامتهم الشخصية والمعاملة المهينة أو اللاإنسانية.
وتلتزم الدول أيضاً باحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان في المناطق التي لها سيطرة فعلية عليها، ما لم تنطبق عليه قواعد أكثر تحديداً من القانون الإنساني الدولي.
2- من الذي يستهدفهم الهجوم العسكري؟
تعمل قوانين الحرب على تقييد الوسائل وأساليب الحرب المسموح بها لأطراف أي نزاع مسلح، وتلزم هذه الأطراف باحترام وحماية المدنيين والمحاربين الأسرى. والمقومات الأساسية لهذا القانون هي "حصانة المدنيين" ومبدأ "التمييز". ورغم إقرار قوانين الحرب بحتمية وقوع بعض الخسائر المدنية أثناء نزاع مسلح، إلا أنها تفرض على الأطراف المتحاربة واجب التمييز في كافة الأوقات بين المحاربين والمدنيين، واستهداف المحاربين وغيرهم من الأهداف العسكرية فقط.
ويشمل المحاربون أفراد القوات المسلحة لأحد البلدان، والقادة والمقاتلين في الجماعات المسلحة غير الحكومية. ويتم استهداف هؤلاء بالهجوم في كافة الأوقات أثناء الأعمال العدائية ما لم يتم أسرهم أو شل حركتهم. ويفقد المدنيون حصانتهم من الاستهداف فقط وخلال الوقت الذي يشاركون فيه مباشرة في أعمال عدائية. وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تميز قوانين الحرب بين أفراد القوات المقاتلة المنظمة التابعة لطرف غير حكومي، والذين يمكن استهدافهم في وجود قتال، وأولئك الذين يتولون حصرياً وظائف سياسية أو إدارية أو غيرها من الوظائف غير القتالية، والذين لا يجوز استهدافهم حتى في أوقات القتال. ويعد الفرد الذي تجنده جماعة مسلحة غير حكومية وتدربه وتجهزه، جزءاً من الجماعة حتى قبل تنفيذه لأي عمل عدائي في وقت القتال. أما المقاتلون الذين يتركون الجماعة المسلحة، وكذلك أفراد الجيش الاحتياطيين الذين يعاودون الاندماج في الحياة المدنية، فهم مدنيون إلى أن يتم استدعاؤهم للخدمة العسكرية.
وكما نناقش أدناه، لا يعد مجرد الانتماء أو الانتساب إلى حماس، وهي كيان سياسي له جناح عسكري، سبباً كافياً لتحديد فرد ما كهدف عسكري مشروع. وقيام إسرائيل بوصف بعض الأفراد بأنهم "إرهابيون" لا يحولهم إلى أهداف عسكرية في نظر القانون، ومن ثم فإن الهجوم على أمثال هؤلاء قد يكون هجوماً عمدياً أو يخلو من مراعاة التمييز على مدنيين، استناداً إلى عدم وجود هدف عسكري، وبما يخالف قوانين الحرب.
كما تعمل قوانين الحرب على حماية المرافق المدنية، التي تُعرّف بأنها أي شيء لا يعتبر هدفاً عسكرياً. وتحظر الهجمات المباشرة على المرافق المدنية، مثل المنازل والشقق السكنية، ودور العبادة، والمستشفيات، والمدارس، والصروح الثقافية ـ ما لم تستغل في أغراض عسكرية. وتصبح المرافق المدنية كأهداف مشروعة للهجمات عند تحولها إلى أهداف عسكرية ـ أي حين تقدم مساهمة فعالة في الأعمال العسكرية ويُوفر تدميرها أو الاستيلاء عليها أو تحييدها أفضليةً عسكرية. ويشمل هذا نشر قوات عسكرية فيما يعتبر عادة من المرافق المدنية. وحيثما نشأ الشك في طبيعة المرفق، فمن الواجب افتراض أنه مرفقٌ مدني.
وتحظر قوانين الحرب الهجمات العشوائية عديمة التمييز، وهي الهجمات التي من طبيعتها أن تصيب الأهداف العسكرية والمدنيين أو المرافق المدنية دون تمييز. ومن أمثلة الهجمات عديمة التمييز؛ تلك التي لا يتم توجيهها نحو هدف عسكري محدد أو التي تستخدم أسلحة لا يمكن توجيهها نحو هدف عسكري محدد. وتشمل الهجمات عديمة التمييز المحظورة القصف العشوائي واسع النطاق، وهي الهجمات التي تستخدم المدفعية أو غيرها من الوسائل والتي تعامل عدداً من الأهداف العسكرية المنفصلة والواضحة الواقعة في منطقة تحتوي على تجمعات من المدنيين المرافق المدنية، على أنها هدف عسكري واحد.
وتحظر أيضاً الهجمات الي تنتهك مبدأ التناسب. والهجمات غير المتناسبة هي التي من المتوقع أن تتسبب بإحداث خسائر بأرواح المدنيين أو أضرار بمرافق مدنية على نحو مفرط قياساً بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة من الهجوم.
3- ما هي التزامات إسرائيل وحماس فيما يتعلق بالقتال في مناطق مأهولة؟
تعد غزة إحدى المناطق الأعلى كثافة سكانية في العالم. ولا يحظر القانون الإنساني الدولي القتال في المناطق الحضرية، رغم أن وجود أعداد كبيرة من المدنيين يفرض على الأطراف المتحاربة التزامات أعلى باتخاذ خطوات لتقليل الضرر الواقع على المدنيين.
وتعمل قوانين الحرب على إلزام أطراف أي نزاع باتخاذ الحيطة الدائمة أثناء العمليات العسكرية لتجنب التجمعات السكانية المدنية و"اتخاذ كافة الاحتياطات المتاحة" لتجنب أو تقليل الخسائر العرضية في أرواح المدنيين والضرر الواقع على المرافق المدنية. وتشمل هذه الاحتياطات بذل كل جهد متاح للتحقق من أن الأهداف الخاضعة للهجوم هي أهداف عسكرية وليست مدنية أو مرافقا مدنية، وتوفير "تحذير مسبق فعال" من الهجمات حيثما تسمح الظروف.
وعلى القوات المنتشرة في مناطق مأهولة تجنب وضع أهداف عسكرية ـ بما فيها المقاتلين والذخائر والأسلحة ـ وسط المناطق كثيفة السكان أو بالقرب منها، والعمل على نقل المدنيين من محيط الأهداف العسكرية. ويحظر على الأطراف المتحاربة استخدام المدنيين كدروع لحماية الأهداف أو العمليات العسكرية من الهجوم. ويشير "استخدام المدنيين كدروع" إلى تعمد استخدام وجود المدنيين لإكساب قوات أو مناطق عسكرية الحصانة من الهجوم.
في الوقت نفسه لا يعفى الطرف المهاجم من واجب الأخذ بالحسبان المخاطر التي قد يتعرض لها المدنيون لاعتباره ببساطة أن الطرف المدافع مسؤول عن وجود أهداف عسكرية مشروعة تقع ضمن المناطق السكنية أو بالقرب منها. وهذا يعني أن وجود قائد من حركة حماس أو منشأة عسكرية تابعة لها في منطقة مأهولة بالسكان لا يبرر الهجوم على منطقة دون الأخذ بعين الاعتبار السكان المدنيين المهددين بالخطر.
4- هل يتعين على الأطراف المتحاربة تحذير المدنيين من الهجمات مسبقاً؟ وما الذي من شأنه أن يٌعتبر تحذيراً "فعالاً"؟
في مناسبات عديدة منذ بدء الهجوم الجوي الإسرائيلي في 7 يوليو/تموز 2014، قامت إسرائيل بإصدار تحذيرات مزعومة بهجماتها لسكان غزة المدنيين. وقد اتخذت التحذيرات شكل صواريخ صغيرة "للطرق على الأسقف" ورسائل نصية منقولة عبر الهواتف.
وتشترط قوانين الحرب، بقدر ما تسمح الظروف، قيام الأطراف المتحاربة بتقديم "تحذيرات مسبقة فعالة" من الهجمات التي قد تمس السكان المدنيين. أما ما يشكل "التحذير الفعال" فيعتمد على الظروف. ومن شأن هذا التقييم أن يراعي توقيت التحذير وقدرة المدنيين على مغادرة المنطقة. والتحذير الذي لا يتيح للمدنيين وقتاً كافياً للرحيل إلى منطقة أكثر أمناً لا يعتبر "فعالا".
ويبقى المدنيون الذين لا يخلون المكان عقب التحذير متمتعين بكامل حماية القانون الدولي، وإلا جاز للأطراف المتحاربة استخدام التحذيرات لإحداث عمليات نزوح قسري، وتهديد المدنيين بالأذى العمدي إذا لم يلتفتوا لهذه التحذيرات. علاوة على هذا فإن بعض المدنيين يعجزون عن الاستجابة للتحذير بالرحيل لأسباب صحية أو بدافع الخوف أو لغياب مكان آخر يمكنهم الذهاب إليه. ومن ثم فإنه، وحتى بعد تقديم التحذيرات، يبقى من واجب القوات المهاجمة اتخاذ كافة الاحتياطات المتاحة لتجنب الخسائر في أرواح المدنيين وممتلكاتهم. ويشمل هذا إلغاء الهجوم إذا اتضح أن الهدف مدني أو أن الخسائر المدنية لن تتناسب مع المكسب العسكري المتوقع.
وتحظر قوانين الحرب أيضاً "أعمال التهديد أو العنف التي يكون غرضها الرئيسي نشر الفزع وسط السكان المدنيين". والتصريحات المطالبة بإخلاء مناطق دون أن تكون تحذيرات حقيقية، بل يكون القصد الرئيسي منها إحداث الفزع وسط السكان أو إرغامهم على ترك منازلهم لأسباب بخلاف سلامتهم، تندرج تحت هذا الحظر. ولا يحاول هذا الحظر التطرق لآثار الهجمات المشروعة، التي تحدث الخوف بطبيعتها، وإنما تلك التهديدات أو الهجمات الموجهة لمدنيين التي لها هذا الغرض المحدد.
5- ما هي تدابير الحماية القانونية للمستشفيات وأفراد الفرق الطبية وعربات الإسعاف؟
الوحدات الطبية هي مرافق مدنية تتمتع بتدابير حماية خاصة بموجب قوانين الحرب، وهي تشمل المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية وما شابهها من منشآت، سواء كانت عسكرية أم مدنية. وبينما تتحول منشآت أخرى، المفترض أن تكون مدنية، إلى أهداف عسكرية حين يتم استخدامها لأغراض عسكرية، فإن المستشفيات لا تفقد حصانتها من الهجوم إلا عند استخدامها، خارج نطاق وظيفتها الإنسانية، في "أعمال ضارة بالعدو". وهناك عدة أنواع من الأعمال التي لا تعد "ضارة بالعدو"، مثل وجود الحراس المسلحين، أو عند العثور على أسلحة الجرحى الصغيرة داخل المستشفى. وحتى إذا قامت قوات عسكرية بإساءة استخدام المستشفى لتخزين أسلحة أو إيواء محاربين أصحاء، فإن على القوة المهاجمة إصدار تحذير لإيقاف إساءة الاستخدام، وتحديد إطار زمني معقول لإنهائه، وعدم المهاجمة إلا بعد عدم الالتفات إلى التحذير.
وبموجب قوانين الحرب، يتعين السماح للأطباء وأعضاء هيئة التمريض وغيرهم من أفراد الفرق الطبية بالقيام بعملهم، وحمايتهم في كافة الظروف. ولا يفقد هؤلاء تلك الحماية إلا إذا ارتكبوا أعمالاً ضارة بالعدو، خارج نطاق وظيفتهم الإنسانية.
وبالمثل ينبغي السماح لعربات الإسعاف وغيرها من وسائل النقل الطبية بأداء مهامها وحمايتها في كافة الظروف. ولا تفقد تلك الحماية إلا عند استخدامها لارتكاب أعمال ضارة بالعدو، من قبيل نقل الذخيرة أو المقاتلين الأصحاء.
6- هل يجوز لإسرائيل مهاجمة المساجد في غزة؟
المساجد، مثلها مثل سائر دور العبادة، هي مرافق مدنية مفترضة لا يجوز مهاجمتها ما لم تستغل في أغراض عسكرية، مثل اتخاذها كمقرات عسكرية أو كمواضع لتخزين السلاح أو الذخيرة. وعلى كافة الأطراف اتخاذ حيطة خاصة في العمليات العسكرية لتجنب الإضرار بدور العبادة وغيرها من الممتلكات الثقافية.
7- هل قيام حماس بإطلاق الصواريخ على إسرائيل مشروع؟
كأطراف في النزاع المسلح، يقع على حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة التزام التقيد بالقانون الإنساني الدولي. واستهداف المنشآت العسكرية وغيرها من الأهداف العسكرية مسموح به بموجب قوانين الحرب، لكن على حماس اتخاذ كافة الاحتياطات المتاحة لتجنب الإضرار بالمدنيين، ويحظر عليها استهدافهم أو شن هجمات عديمة التمييز أو هجمات من شأنها إحداث أضرار غير متناسبة بالمدنيين مقارنة بالميزة العسكرية المتوقعة. وعلى قادة حماس اختيار وسائل الهجوم التي يُمكنهم توجيهها نحو أهداف عسكرية، وتقليل الضرر العرضي الواقع على المدنيين. وإذا كان ما يستخدمونه من أسلحة من عديم الدقة بحيث لا يمكن توجيهها نحو أهداف عسكرية دون فرض مخاطر كبيرة على المدنيين فإن عليهم الامتناع عن استخدامها.
وتعد الصواريخ التي تطلقها الجماعات الفلسطينية المسلحة ـ وهي صواريخ محلية الصنع قصيرة المدى وصواريخ محدثة طويلة المدى، وكذلك بعض صواريخ "غراد" روسية التصميم ـ من انعدام الدقة بحيث يستحيل توجيهها على نحو يميز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية عند إطلاقها، كما هو الحال، على مناطق مأهولة. ويتفاقم انعدام الدقة واستحالة التوجيه نحو أهداف عسكرية في حالة الصواريخ الأطول مدى التي يتم إطلاق بعضها داخل إسرائيل.
وتشير التصريحات الصادرة من الجماعات الفلسطينية المسلحة إلى أنها توجه صواريخها نحو تجمعات سكانية إسرائيلية. واستخدام مثل تلك الصواريخ ضد مناطق مدنية ينتهك الحظر المفروض على الهجمات العمدية وعديمة التمييز. وبالمثل فإن الطرف الذي يطلق هجمات صاروخية من مناطق كثيفة السكان ـ وبذا يعرض المدنيين لخطر الهجمات المضادة ـ ربما يخفق في اتخاذ كافة الاحتياطات المعقولة لحماية المدنيين الخاضعين لسيطرته من آثار الهجمات.
8- هل من المشروع استهداف قادة حماس ومكاتبهم ومنازلهم؟
يسمح القانون الدولي الإنساني باستهداف القادة العسكريين في سياق النزاعات المسلحة، بشرط امتثال الهجمات من بقية الجوانب للقوانين المعنية بحماية المدنيين. وفي الأوضاع الطبيعية لا يمثل القادة السياسيون غير المشاركين في العمليات العسكرية أهدافاً مشروعة للهجوم، بوصفهم مدنيين.
أما قادة حماس الذين يقودون قوات محاربة فمن شأنهم أن يصبحوا أهدافاً مشروعة. ومع ذلك وبما أن حماس تمارس الحكم المدني وبما يتعدى جناحها العسكري، فإن مجرد كون الفرد من قادة حماس لا يجعله بحد ذاته هدفاً مشروعاً للهجوم العسكري.
ولا يتمتع المحاربون بالحصانة من الهجوم في منازلهم وأماكن عملهم. ومع ذلك، وكما في الهجوم على أي هدف عسكري مشروع آخر، يتعين على القوة المهاجمة الامتناع عن الهجوم إذا كان من شأنه الإضرار بالسكان المدنيين على نحو غير متناسب، أو كان ليشن على نحو يخفق في التمييز بين المحاربين والمدنيين. وبموجب هذا الإلزام يتوجب اتخاذ كافة الاحتياطات المتاحة لتجنب الإضرار بالمدنيين، كما ويتعين على القوة المهاجمة أيضاً تدارس وجود مواقع بديلة يمكن فيها استهداف المحارب دون تعريض مدنيين للخطر.
أما الهجوم على منزل محارب في وقت غيابه عنه فهو هجوم غير مشروع على مرفق مدني وإذا تم تنفيذه عمداً فإنه يشكل جريمة حرب. فالمنزل المدني لا يفقد وضعه كمرفق مدني لمجرد أنه منزل محارب لم يكن موجوداً به. وبقدر ما يصمم الهجوم بهدف إيذاء عائلة المحارب فإنه يصبح بدوره شكلاً محظوراً من أشكال العقاب الجماعي (انظر أدناه).
9- ما المقصود بـ"العقاب الجماعي" للسكان المدنيين؟
تحظر قوانين الحرب معاقبة أي شخص على جريمة غير تلك التي ارتكبها بشخصه. والعقاب الجماعي مصطلح يستخدم في القانون الدولي لوصف أي شكل من أشكال الجزاء والتضييق العقابي، ولا يقتصر على العقوبات القضائية بل يمتد إلى أشكال العقاب "من أي نوع، سواء كانت إدارية أو على يد الشرطة أو غير ذلك"، التي تفرض على جماعات مستهدفة من الأشخاص لأفعال لم يرتكبوها هم شخصياً. ويعد فرض العقاب الجماعي جريمة حرب. أما تحديد الهجوم أو الإجراء الذي يرقى إلى مصاف العقاب الجماعي فيعتمد على عدة عوامل، منها الجماعة المستهدفة بالإجراء وأثره العقابي، لكن المهم بصفة خاصة هو النية الكامنة خلف أي إجراء بعينه. فإذا كانت النية هي المعاقبة، كنتيجة حصرية أو رئيسية لفعل ارتكبته أطراف ثالثة، فإن الهجوم قد شكل على الأرجح عقاباً جماعياً.
10- كيف تجب معاملة المحاربين الأسرى أو المحتجزين؟
لا تحظر قوانين الحرب على الأطراف المتحاربة احتجاز المحاربين الأسرى أثناء النزاع المسلح.
والمادة المشتركة 3 من اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949، المنطبقة أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية، تلزم بحماية أي شخص محتجز، بمن فيهم المحاربين والمدنيين الأسرى، من "الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب" ومن "الاعتداء على الكرامة الشخصية وبخاصة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة". ولا يجوز الحكم عليه إلا من قبل "محكمة مشكلة تشكيلاً نظامياً" تلبي المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
والحظر المفروض على التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة هو أحد أشكال الحظر الأكثر أساسية في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، فلا توجد ظروف استثنائية تبرر التعذيب.
وتشترط قوانين الحرب على أي طرف في نزاع أن يسمح للأشخاص المسلوبة حريتهم بالتراسل مع ذويهم وعدم الرفض التعسفي لطلب اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة المحتجزين.
والمادة المشتركة 3 من اتفاقيات جنيف تحظر أخذ الرهائن. كما أن "أركان الجريمة" بحسب المحكمة الجنائية الدولية تعرف أخذ الرهائن بأنه القبض على محارب أو مدني أو احتجازه، مقروناً بالتهديد بالقتل أو الإصابة أو مواصلة احتجاز الفرد، وذلك بنية إرغام حكومة أو منظمة دولية أو جماعة على إتيان فعل أو الامتناع عنه كشرط لسلامة ذلك الفرد أو إطلاق سراحه. والنية المحددة هي التي تميز أخذ الرهائن وتفرق بينه وبين حرمان شخص من حريته على نحو مشروع.
11- هل يجوز لإسرائيل مهاجمة محطات التلفزة والإذاعة التابعة لحماس؟
الهجمات العسكرية على مرافق البث المستغلة للاتصالات العسكرية مشروعة بموجب قوانين الحرب، لكن الهجوم على محطات التلفزة والإذاعة المدنية محظور لأنها منشآت مدنية محمية وليست أهدافاً عسكرية مشروعة. علاوة على هذا فإن تصميم الهجمات بغرض زعزعة الروح المعنوية للمدنيين أو التضييق النفسي من شأنه أن يكون أيضاً من الأغراض الحربية المحظورة. ولا تعد محطات التلفزة والإذاعة المدنية أهدافاً مشروعة إلا عند تلبيتها لمعايير الأهداف العسكرية المشروعة، أي عند استخدامها على نحو يمثل "مساهمة فعالة في العمل العسكري" وكان من شأن تدميرها في الظروف السائدة في ذلك الوقت أن يقدم "ميزة عسكرية مؤكدة". وعلى وجه التحديد، يمكن أن تتحول مرافق البث المدنية التي تشغلها حماس إلى أهداف عسكرية إذا استخدمت، على سبيل المثال، في إرسال أوامر عسكرية أو تعزيز حملة حماس المسلحة ضد إسرائيل من أي وجه آخر. إلا أن مرافق البث المدنية لا تتحول إلى أهداف عسكرية مشروعة لمجرد بثها للدعاية المؤيدة لحماس أو المناوئة لإسرائيل. وكما يحظر القانون مهاجمة السكان المدنيين لزعزعة روحهم المعنوية فإنه يحظر مهاجمة المنشآت التي تصوغ الرأي العام المدني، فلا هذا ولا ذاك يساهم في العمليات العسكرية.
وإذا تحولت المحطات إلى أهداف عسكرية مشروعة بسبب استخدامها في نقل اتصالات عسكرية فإن مبدأ التناسب في الهجوم يظل واجب الاحترام. ويعني هذا أن على القوات الإسرائيلية التحقق في كافة الأوقات من أن المخاطر التي يتعرض لها المدنيون جراء الهجوم لا تفوق الفائدة العسكرية المتوقعة. وعليها اتخاذ احتياطات خاصة فيما يتعلق بالمباني الواقعة في مناطق حضرية، بما في ذلك تقديم تحذيرات مسبقة بالهجوم كلما أمكن.
12- ما هي التزامات إسرائيل وحماس تجاه الهيئات الإنسانية؟
بموجب القانون الإنساني الدولي يتعين على أطراف أي نزاع إتاحة وتسهيل المرور السريع دون عوائق للمعونات الإنسانية الموزعة بشكل حيادي على السكان المحتاجين. وعلى الأطراف المتحاربة الموافقة على السماح بإجراء عمليات الإغاثة ولا يجوز للأطراف المتحاربة رفض الموافقة على أسس تعسفية. ويمكنهم اتخاذ خطوات لضمان عدم احتواء الشحنات على أسلحة أو غيرها من العتاد العسكري. إلا أن العرقلة العمدية لإمدادات الإغاثة محظورة.
علاوة على هذا فإن القانون الإنساني الدولي يلزم الأطراف المتحاربة بضمان حرية التحرك اللازمة لأفراد هيئات الإغاثة الإنسانية كي يؤدوا وظائفهم. ولا يجوز تقييد هذه الحرية إلا بصفة مؤقتة لأسباب الضرورة العسكرية الملزمة.
13- من الذي يمكن تحميله مسؤولية انتهاكات القانون الإنساني الدولي؟
تعد الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب، المرتكبة بنية إجرامية، جرائم حرب. وتشمل جرائم الحرب، المدرجة ضمن أحكام "الخروق الجسيمة" في اتفاقيات جنيف، وكقانون عرفي في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وغيره من المصادر، تشمل طيفاً واسعاً من الجرائم، ومنها الهجمات العمدية وعديمة التمييز وغير المتناسبة التي تضر مدنيين، وأخذ الرهائن، واستخدام الدروع البشرية، وفرض عقوبات جماعية، ضمن جرائم أخرى. ويجوز أيضاً تحميل الأفراد مسؤولية جنائية على الشروع في ارتكاب جريمة حرب، إضافة إلى المساعدة فيها أو تسهيلها أو التحريض عليها.
وقد تقع المسؤولية أيضاً على المخططين لجريمة حرب أو المحرضين عليها. ويمكن ملاحقة القادة العسكريين والمدنيين على جرائم حرب في اطار المسؤولية القيادية حين يعرف القادة أو كان يجب أن يعرفوا بارتكاب جرائم حرب، وعدم اتخاذهم لإجراءات كافية لمنعها أو لمعاقبة المسؤولين عنها.
ويقع على الدول التزام بالتحقيق مع الأفراد الموجودين على أراضيها من المتورطين في جرائم حرب، وملاحقتهم وفق مقتضى القانون.
14- هل يمكن إحالة جرائم حرب مزعومة إلى المحكمة الجنائية الدولية؟
المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة دولية دائمة مختصة بالتحقيق وتوجيه الاتهام والمحاكمة للأشخاص المشتبه في ارتكابهم لجرائم الإبادة العرقية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب بعد 1 يوليو/تموز 2002. وقد يشمل هذا أشخاصاً يشتبه في إصدارهم لأوامر بارتكاب تلك الجرائم أو المساعدة فيها، أو القادة العسكريين أو المدنيين الذين ارتكب مرؤوسوهم جرائماً كهذه وأخفقوا في اتخاذ الخطوات المعقولة لمنعها. إلا أن المحكمة لا تمارس اختصاصها بالنظر في تلك الجرائم إلا إذا:
1. وقعت الجرائم على أراضي دولة طرف في المعاهدة المنشئة للمحكمة؛ أو
2. كان الشخص المتهم بالجرائم مواطناً لإحدى الدول الأطراف في معاهدة المحكمة؛ أو
3. قام بلد من غير الأطراف في معاهدة المحكمة بقبول ولاية المحكمة على الجرائم المعنية عن طريق تقديم إعلان رسمي إلى المحكمة؛ أو
4. قام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإحالة الوضع إلى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية.
وإسرائيل وفلسطين على السواء ليستا من أطراف نظام روما الأساسي، وهو المعاهدة المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية. وقعت إسرائيل، وإن لم تصدق، على نظام روما الأساسي، وأعلنت في 2002 أنها لا تنوي أن تصبح دولة طرفاً.
كما قدم مسؤولون فلسطينيون إعلاناً بقبول اختصاص المحكمة في يناير/كانون الثاني 2009، لكن مكتب الادعاء قرر في أبريل/نيسان 2012 أن الإعلان "لم يودع بالطريقة السليمة" بسبب عدم وضوح وضع فلسطين كدولة في ذلك الوقت.
فيما بعد صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على منح دولة فلسطين صفة "دولة مراقب غير عضو" في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وبعدها قال مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية إن "الكرة الآن في ملعب فلسطين" من حيث التماس اختصاص المحكمة.
وقد قامت دولة فلسطين، منذ ترقية وضعها الأممي، بالتصديق على العديد من المعاهدات الحقوقية وعلى اتفاقيات جنيف. إلا أنها لم تلتمس التصديق على نظام روما الأساسي ولا أودعت إعلاناً يقبل اختصاص المحكمة. كما قامت دول من أبرز أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، وبينها المملكة المتحدة وفرنسا، في أوقات مختلفة بإبداء معارضة علنية لالتماس فلسطين الوصول إلى المحكمة، وهو الموقف الذي يتعارض مع تأييدهما لعضوية عالمية في المحكمة. أما الولايات المتحدة، التي ليست من أطراف المعاهدة، فقد اتخذت موقفاً علنياً متشدداً ضد عضوية فلسطين في المحكمة.