(نيويورك) ـ سيارات مفخخة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة من حمص بدت، يوم 29 أبريل/نيسان 2014، وكأنها تستهدف المدنيين وقد تسببت في قتل العشرات، بينما تساقطت قذائف الهاون عشوائياً ودون تمييز في دمشق على أعيان مدنية فقتلت مدنيين. أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع أشخاص في حمص ودمشق كانت لديهم معلومات عن السيارات المفخخة وهجمات الهاون. وفي تصريح منشور بتاريخ 29 أبريل/نيسان تبنت جبهة النصرة، وهي جماعة إسلامية متطرفة تعارض الحكومة السورية، تبنت المسؤولية عن سيارتي حمص المفخختين. لم يتم التوصل إلى هوية مرتكبي هجمات الهاون، لكن أحد الشهود قال لـ هيومن رايتس ووتش إن قذائف الهاون جاءت من جهة أراض تسيطر عليها جماعات مسلحة غير حكومية.
وتأتي هذه الهجمات بعد شهرين من تبني مجلس الأمن الأممي بالإجماع للقرار رقم 2139 الذي يطالب كافة الأطراف في سوريا بالتوقف عن الاستخدام العشوائي عديم التمييز للأسلحة في المناطق المأهولة بالسكان. وقد سبق لـ هيومن رايتس ووتش توثيق إخفاق الحكومة المتكرر في الامتثال للقرار، بما في ذلك استمرار الحكومة في شن غارات جوية على حلب بالقنابل البرميلية.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "يأمر مجلس الأمن الأممي كافة الأطراف السورية بالتوقف عن الاعتداء على المدنيين فتتواصل الاعتداءات. على مجلس الأمن إذن أن يعلن عن جديته بفرض عقوبات وإحالة الوضع السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية".
في 29 أبريل/نيسان انفجرت سيارتان مفخختان في منطقة الزهراء بحمص، وهي منطقة يغلب عليها العلويون. ويظهر في مقطع فيديو نشرته وكالة "الأخبارية" الموالية للحكومة بعض الدمار الناجم عن الانفجارين. قال أحد سكان المنطقة لـ هيومن رايتس ووتش عن طريق الهاتف إنه سمع انفجار السيارة الأولى في الواحدة والربع مساءً، وانفجار الثانية بعده بدقائق. وقال إن السيارتين كانتا واقفتان قرب ساحة العباسية، وهي منطقة تجارية شعبية. وقد قدر أن أقرب هدف عسكري، وهو نقطة تفتيش للجيش، يقع على بعد 1,5 كيلومتر.
كما قام بعد التفجيرين بزيارة اثنين من مستشفيات حمص كان أوائل المستجيبين يرسلون إليهما الجرحى وجثث القتلى، واستناداً إلى معلومات تلقاها من العاملين بالمستشفيين، حسب قوله، قدّر أن الاعتداء تسبب في قتل 45 شخصاً وجرح 120 آخرين. وقال مدير أحد المستشفيات لـ هيومن رايتس ووتش في 30 أبريل/نيسان إن حصيلة القتلى، استناداً إلى معلومات مستمدة من المستشفيين نفسهما، قد ارتفعت إلى 55 كما جُرح 130 شخصاً. وكان هناك أطفال بين القتلى، بحسب أقوال الساكن، وتقارير إعلامية، وتصريحات مصورة بالفيديو.
قال شخص آخر من السكان، وكان ينقذ الجرحى في مسرح الحادث كما أصيب جراء التفجير الثاني، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الفاصل الزمني بين الانفجارين كان يبلغ 10 دقائق، ووصف كيف أصيب وما شاهده عند انفجار السيارتين في نحو الساعة 1:10 ظهراً وبعد ذلك:
كنت على بعد نحو 6-7 أمتار من الانفجار الثاني. لم أر سوى الدخان والنار. كان أخي معي وحاول كل منا انتشال الآخر. لا أعرف من الذي نقلني إلى المستشفى. فر مني شخصان خوفاً من مقدار الدماء التي كانت تغطيني. كانت إصابات الشظايا بكل موضع من جسدي. وبعضها خطير... رأيت أطراف ضحايا آخرين... لقد أصيب أشخاص على مسافات حتى 70 متراً. وقتل بعض الأشخاص الذين كانوا يتفرجون من شرفاتهم، وأطفال... وقع الانفجار في موعد مغادرة الأطفال لمدارسهم وتجول طلبة الجامعة في الجوار. هناك أيضاً سوق شهيرة في المنطقة، كان بها متسوقون.
قال الساكن لـ هيومن رايتس ووتش إنه يعتقد أن حصيلة القتلى ارتفعت إلى 120. وقد استند في تقديره إلى معلومات تلقاها من 3 مستشفيات وعيادات مختلفة، تحدث فيها مع العاملين الذين ذكروا حصيلة القتلى.
كما قال إنه لم تكن هناك أهداف عسكرية في المنطقة، فأقرب نقطة تفتيش على بعد عدة كيلومترات.
وقال وسيط يشارك في التفاوض بين الحكومة والجماعات المسلحة في مدينة حمص القديمة، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض الجماعات المسلحة هناك هددت صراحة باستهداف المناطق الموالية للحكومة أو العلوية في حمص للضغط على الحكومة بغرض السماح بإدخال الغذاء إلى المدينة القديمة، التي ما زالت محاصرة. وقال الوسيط إن المقاتلين حاولوا، في جولة سابقة في أبريل/نيسان، التفاوض على ممر آمن لدخول الغذاء إلى المدينة القديمة مقابل معلومات عن مكان سيارة مفخخة وضعوها في منطقة علوية.
وقد أصدرت هيومن رايتس ووتش إدانات متكررة لأساليب الحكومة في الحصار، بما في ذلك مدينة حمص القديمة. إلا أن تلك الأساليب لا تمثل بأي حال من الأحوال عذراً أو مبرراً لاستهداف المدنيين أو الأعيان المدنية عمداً.
تبنت جبهة النصرة مسؤولية العديد من العمليات المميتة بسيارات مفخخة في مناطق خالية من الأهداف العسكرية في سوريا، وهي ترقى عند جمعها معاً إلى مصاف سياسة ممنهجة ومستمرة لاستهداف المدنيين، وقد تعتبر جرائم ضد الإنسانية.
كما قامت جماعات مسلحة أخرى بتنفيذ هجمات بسيارات مفخخة في مناطق مأهولة بالسكان، بما في ذلك في حمص.
وقد أفادت تقارير بوقوع 5 عمليات أخرى لتفجير سيارات مفخخة في حمص في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2014 وحدهما. في 14 أبريل/نيسان أفادت وكالة أنباء سانا، وأيدتها مقاطع فيديو، بوقوع تفجير بسيارة مفخخة في عكرمة، وهو حي يغلب عليه العلويون في حمص، مما أدى إلى مقتل 4 أشخاص وجرح 30.
وأفادت سانا أيضاً بوقوع تفجيرين بسيارات مفخخة في كرم اللوز، وهو حي يغلب عليه العلويون في حمص، يوم 9 أبريل/نيسان، مما أدى إلى مقتل 25 مدنياً وجرح أكثر من 100. كما تبين مقاطع فيديو الدمار الناجم عن الانفجار. في 10 أبريل/نيسان أعلنت جبهة النصرة عن الاعتداء، فبدت وكأنها تربط نفسها بتفجيرات كرم اللوز.
وفي 17 مارس/آذار أفادت سانا، والأخبارية، وسما تي في، بانفجار سيارة مفخخة في الزهراء، ما أدى إلى مقتل وإصابة مدنيين. وتبين مقاطع فيديو منشورة على يوتيوب الدمار الناجم. وقد أعلنت جبهة النصرة أيضاً عن اعتداء 17 مارس/آذار، مقدرة مقتل وإصابة العشرات.
في 27 مارس/آذار أفادت سانا بانفجار سيارة مفخخة في حي الأرمن، وهي حي علوي أرمني مسيحي مختلط قريب من عكرمة، مما أدى إلى مقتل شخص واحد وجرح 11. كما أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى تقارير وسائل الإعلام الحكومية. وفي الأرمن أفادت صفحة حي الأرمن على فيسبوك بانفجار سيارة مفخخة في 6 مارس/آذار متسببة في قتل 13 شخصاً، بينهم أطفال، وجرح 30 آخرين.
وفي 29 أبريل/نيسان سقطت قذيفتا هاون على مجمع بدر الدين الحسيني التعليمي في حي الشغور بدمشق، وهي منطقة موالية للحكومة، بحسب أحد سكان المنطقة الذي تحدث مع هيومن رايتس ووتش، وكذلك تقارير إعلامية. قال الساكن، الذي شارك في جهود الإنقاذ بعد الهجوم، لـ هيومن رايتس ووتش إن 17 طفلاً، تبلغ أعمارهم 13 عاماً على وجه التقريب، توفوا في هجمة الهاون الأولى على فناء المدرسة في نحو التاسعة والنصف صباحاً. كان الأطفال في الفناء أثناء الفسحة عند سقوط قذائف الهاون على المدرسة، بحسب قوله. وقال إن القذيفة الثانية، التي سقطت بعد الأولى بنحو 30 إلى 45 دقيقة، قتلت 2 أو 3 من الآباء الذي جاءوا لأخذ صغارهم من المدرسة. وقد قدر إصابة 50 شخصاً في الهجوم استناداً إلى ما رآه في مسرح الحادث وفيما بعد في المستشفى الذي أُخذ إليه الجرحى.
قال الساكن، الذي كان قريباً من موضع سقوط قذيفة الهاون الأولى، وكان في المدرسة عند سقوط الثانية، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه يعتقد أن القذائف جاءت من منطقة تخضع لسيطرة جماعات مسلحة بمخيم اليرموك جنوبي الشغور.
ويظهر في مقطع فيديو نشرته الأخبارية بعض الدمار الناجم عن هجمات الهاون وبعض المصابين، وبينهم أطفال. وقد نشرت "شبكة أخبار حمص النزهة وعكرمة"، الموالية للحكومة، على صفحتها بموقع فيسبوك أسماء 14 شخصاً قالت إنهم قتلوا في الهجوم، وقالت إن شخصاً إضافياً واحداً لم يتم التعرف على هويته قد قتل. كما قامت صفحة "مذكرات قذيفة هاون" على موقع فيسبوك بالإشارة إلى 13 من نفس الأشخاص على أنهم قتلوا، ونشرت أسماءهم بجوار صور فوتوغرافية لـ13 طفلاً، قالت إنهم الضحايا.
وأفادت سانا بوقوع اعتداء منفصل بالهاون في 29 أبريل/نيسان على عدرا البلد في ريف دمشق، تسبب في قتل 4 مدنيين وبينهم 3 أطفال، وجرح 19 آخرين عند إصابة مدرسة كانت تستخدم كمأوى للنازحين الداخليين. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من هذا الاعتداء.
لقد قامت هيومن رايتس ووتش منذ خريف 2013 بجمع أدلة على العديد من هجمات الهاون الأخرى التي أدت إلى مقتل مدنيين في أحياء دمشق وحمص الخاضعة لسيطرة الحكومة. واستناداً إلى أقوال شهود وتحقيقات في مواقع الدمار، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى نشوء هذه الهجمات من أراض تسيطر عليها جماعات مسلحة. وتوحي الهجمات المتكررة على أعيان مدنية معروفة، تشمل مدارس ومساجد وأسواق، بأن هذه الهجمات إما أنها عشوائية عديمة التمييز أو تستهدف المدنيين والأعيان المدنية.
ويعد الاستهداف العمدي للمدنيين جريمة حرب، وإذا تم على نطاق واسع أو ممنهج فإنه يرقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، وهي جرائم تتسم بعالمية الاختصاص، بمعنى أن من الممكن ملاحقة المسؤولين عنها، بمن فيهم الذين تواطأوا فيها، في أي مكان من العالم. ومصطلح "جرائم الحرب"، كمسألة من مسائل القانون الدولي العرفي، يغطي طيفاً واسعاً من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما فيها القتل عند ارتكابه كجزء من هجمات واسعة النطاق أو ممنهجة على يد حكومة أو جماعة مسلحة منظمة ضد تجمع سكاني مدني.
ويتعين تحميل الأشخاص الذين يرتكبون جرائم الحرب أو يأمرون بارتكابها أو يتواطأون فيها على أي نحو آخر المسؤولية الجنائية الفردية عن أفعالهم. كما يعد القادة العسكريون والمدنيون الذين يرتكب مرؤوسوهم جرائم ضد الإنسانية مسؤولين جنائياً إذا كانوا يعرفون أو كان ينبغي أن يعرفوا بالجرائم وأخفقوا في اتخاذ كافة التدابير المعقولة لمنعها أو لإحالة المسألة إلى التحقيق الجنائي.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه لا يجوز للقادة العسكريين، كسياسة عامة، إصدار أوامر باستخدام أسلحة انفجارية يمتد أثرها إلى مساحات واسعة في المناطق المأهولة، بسبب الضرر المتوقع للمدنيين. كما لا يجوز للقادة العسكريين بأي حال إصدار أوامر بشن غارات على أعيان مدنية محمية، بما فيها المدارس التي لا تزال مستخدمة لأغراض تعليمية.
وقد عبر مجلس الأمن الأممي، في قراره بتاريخ 22 فبراير/شباط الذي يطالب الأطراف المتقاتلة بالتوقف عن استخدام الأسلحة العشوائية في المناطق المأهولة، عبّر صراحة عن "عزمه على اتخاذ خطوات أخرى في حال عدم الامتثال لهذا القرار".
وبالنظر إلى إخفاق الأطراف على كافة أصعدة النزاع في التقيد بمطالب القرار فإن على مجلس الأمن فرض حظر للتسلح على أية جماعات متورطة في انتهاكات واسعة النطاق أو ممنهجة لحقوق الإنسان، بما فيها الحكومة السورية. وينبغي لمجلس الأمن أيضاً فرض حظر السفر وتجميد الأصول على الأفراد المتورطين بمزاعم ذات مصداقية في انتهاكات جسيمة، وإحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية، بحسب هيومن رايتس ووتش.