Skip to main content

زلة عملية كيري للسلام

نُشر في: The Hill

وقع القادة الإسرائيليون والفلسطينيون في حديقة البيت الأبيض منذ 20 عاماً أتفاق أوسلو، مستهلين به "عملية السلام" التي تحاول الولايات المتحدة تنشيطها. غير أن إدارة أوباما قد أخفقت حتى الآن في أن تعي درس العقدين الماضيين وهو أن تنحية انتهاكات حقوق الإنسان خارج جدول أعمال محادثات السلام هي استراتيجية خاسرة. وفي هذا الصدد فقد بلغت جهود مسئول الخارجية جون كيري الدبلوماسية المكوكية مؤخراً مستوىً جديداً من التدني في واقع الأمر.

طبقاً للتقارير الإخبارية وغيرها من المصادر، فقد التقى كيري بالقادة الأوروبيين في ﭭيلنيوس يوم 7 سبتمبر/أيلول وحثهم على تأجيل قواعد العمل الجديدة التي تضمن عدم استخدام إسرائيل لأموال الاتحاد الأوروبي في دعم المستوطنات بالضفة الغربية.

إلا أن المصادر الأوروبية تقول أن تلك القواعد ملزمة بموجب قانون الاتحاد الأوروبي ذاته، والذي يدمج ضمن التزاماته طبقاً للقانون الدولي عدم الاعتراف بالأفعال غير المشروعة للبلدان الأخرى. والسماح باستخدام المعونات المقدمة من الاتحاد الأوروبي كي تنتفع بها مستوطنات إسرائيل قد يخالف ذلك القانون. بينما جادل كيري بأن محاولة أوروبا أن تربأ بنفسها عن خرق القانون الدولي يمكن أن تعقد عملية السلام.

ليست هذه هي المرة الأولى. فلقد مارست الولايات المتحدة الضغط بصورة مستمرة باسم تعزيز المباحثات لإعاقة المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان؛ من الاعتراض على قرارات مجلس الأمن المنتقدة للانتهاكات الإسرائيلية إلى مطالبة فلسطين بعدم الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، حتى في تلك الأوقات التي كانت عملية السلام فيها عملياً في حالة احتضار.

يتمثل موقف إسرائيل الرسمي في اعتبار المسئولية المباشرة عن حقوق الفلسطينيين الإنسانية في الأراضي المحتلة أمراً يقع على عاتق السلطة الفلسطينية. ولكن حتى الآن تجيز إسرائيل لخدمات السلطة الفلسطينية الأمنية العمل على نحو 20 ٪من أراضي الضفة الغربية.

في مناطق الضفة الغربية التي تسيطر إسرائيل حصرياً فيها على شؤون الأمن، تدين النظم العدلية 99.74٪ من المتهمين الفلسطينيين لارتكاب "جرائم أمنية"، غير أنها تحفظ ما يزيد عن 90٪ من شكاوى الفلسطينيين بشأن عنف المستوطنين دون حتى تقديم لائحة اتهام. ولم يصدر قراراً بالإدانة منذ عام 2000 سوى لستة من الجنود الإسرائيليين عن القتل غير القانوني لفلسطينيين، فضلاً عن أن أياً منهم لم يقض بالسجن أكثر من سبعة أشهر.

كذلك بدا التقصير من جانب الولايات المتحدة في تناول مسألة الانتهاكات من قبل السلطة الفلسطينية والتي شملت مزاعم بالتعذيب. وقد أخبرني دبلوماسيون أمريكيون في القدس أن الولايات المتحدة ستعارض الجهود الفلسطينية لتوقيع المعاهدات الخاصة بحقوق الإنسان. ولقد كان ذلك خياراً قائماً منذ اعترفت غالبية الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بوضعية الدولة لفلسطين في عام 2012، وسوف ييسرتحميل السلطة الفلسطينية مسئولياتها تجاه ما يقع من انتهاكات. غير أن الدبلوماسيين الأمريكيين الذين تحدثت إليهم قالوا أن تلك الخطوة ستكون "خطوة غير مساعدة لمفاوضات الوضع النهائي".

كانت للاستراتيجية الأمريكية فاقدة الاتجاه عواقب مدمرة كما كانت بمثابة هزيمة ذاتية. فانتهاكات حقوق الإنسان وانعدام المساءلة ببساطة تزيد التوترات اشتعالاً وتحول دون نشأة الظروف المطلوب تحققها من أجل محادثات سلام ناجحة. إذ أنه حينما تصادر السلطات الإسرائيلية أرض مُزارع آخر أو حينما تقتل قوات الأمن أو تجرح مدنياً آخر دون تدارك جاد للموقف فإن عمل صانعي السلام يصبح أكثر صعوبة.

تتمسك إدارة أوباما بوصف المستوطنات بكونها "غير شرعية" على أساس أنها تضر بالمفاوضات، وذلك حينما تكون السبب الضمني لمجموعة من الانتهاكات. وعوضاً عن اتخاذ موقف قوي يساعد في تحريك عملية السلام قدماً، فإن الولايات المتحدة تبدي موقفاً مبهماً وغير متوازن تمر الجرافات الإسرائيلية مباشرة من خلاله. وحتى مع  محاولة الولايات المتحدة الجارية لبعث الحياة مجدداً في عملية السلام، فإن إسرائيل لم تكف عن دك المزيد من منازل الفلسطينيين بصورة غير قانونية وغالباً على أراض خصصتها إسرائيل لإقامة المستوطنات. ولقد أزيح خلال هذا العام وحده أكثر من 750 شخصاً عن ديارهم.

غير أن الوزير كيري ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في الأسبوع الماضي حين مارس ضغوطاً على البلدان الأخرى كي تخرج على قوانينها وعلى التزاماتها الدولية بحيث يمكنها مواصلة دعمها للمستوطنات الإسرائيلية.

لقد منحت أوروبا مئات الملايين من اليوروهات لتمويل البحوث والتطوير وغيرها من المشروعات المشتركة مع إسرائيل. غير أن الاتحاد الأوروبي كان قد تفاوض بشأن اتفاقيات التمويل على نحو سيئ، ووجد نفسه عاجزاً عن منع إسرائيل من استغلال الجوائز والمنح والقروض الأوروبية لصالح المستوطنات، إلا أن العواقب غير المقصودة يمكن أن تصبح أحياناً بمثابة العناصر المحددة لسياسة ما.

لقد خرج الاتحاد الأوروبي بحل واضح في محاولة لمواصلة التعاون مع إسرائيل دونما خرق للقانون الدولي أو قانونه هو ذاته، إذ يتعين على إسرائيل بحلول بداية الدورة التالية من التمويل في 2014 أن تقبل ألا تستخدم أمواله في دعم الأنشطة غير المشروعة على الأراضي المحتلة.

وفي استجابة منها لذلك، شنت الحكومة الإسرائيلية هجوماً دبلوماسياً شوهت من خلاله محاولة أوروبا حماية نفسها من القيام بتمويل جرائم حرب محتملة وصورتها على أنها عقوبات ضد المستوطنات، الأمر الذي يمكن أن يشجع التصلب الفلسطيني في مفاوضات السلام. وبدلاً من دعم حل قابل للتطبيق كان من شأنه أن يظل داخل إطار القانون الدولي، فإن كيري يبدو كمن يدفع بالاتحاد الأوروبي للإبقاء على الوضع الراهن ولأن يسمح بأن تستخدم أمواله لصالح المستوطنات غير المشروعة في سبيل تعزيز السلام.

يستحق كيري الإطراء نتيجة لتشبثه ونجاحه في إعادة القادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات. إلا أنه يتعين على الولايات المتحدة، بدلاً من التركيز بقصر نظر على المفاوضات، أن تسأل نفسها إذا ما كانت استراتيجيتها في التضحية بحقوق الإنسان في سبيل الإبقاء على محادثة في حالة تواصل، والتي دامت لعقدين من الزمان قد جعلت الأمور أكثر سوءاً. إذ إن تلك الاستراتيجية، على أقل التقديرات، لم تكن لتمثل طريقاً للوصول إلى سلام مضمون في الشرق الأوسط. ولقد آن أوان تجربة شيء جديد.

بيل فان إسفلد باحث أول في شئون الشرق الأوسط  في هيومن رايتس ووتش ومقره القدس.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة