Skip to main content

الابتزاز الإنساني في سوريا جريمة حرب وضحاياه يحتاجون إلى مساعدتنا

يمكن لمعركة القصير- التي وقعت مؤخرا بالقرب من حدود سوريا مع لبنان- أن تُستخدم في المستقبل كدراسة حالة في دورات التدريب على القانون الدولي الانساني والعمل الإغاثي.  فبينما احتدم القتال العنيف بين قوات الحكومة السورية بمعاونة مقاتلي حزب الله من ناحية وجماعات المعارضة السورية المسلحة من ناحية أخرى، وجد السكان المدنيون أنفسهم تحت الحصار. وفي حين تمكن العديد من المدنيين من الفرار إلى بر الآمان، لم يتمكن الجرحى وبعض المدنيين- ولا سيما الرجال في عمر القتال- من الهرب بطريقة آمنة عبر نقاط التفتيش الحكومية.

تلقت هيومن رايتس ووتش نداءات بائسة من نشطاء ميدانيين موثوق بهم يسعون إلى توفير ممر آمن للسكان الذين يحاولون الفرار. ولكن مع ذلك، رفضت الحكومية السورية -لأيام عدة- تمكين المنظمات الإنسانية المستقلة من الوصول إلى البلدة لتقديم المساعدات وإجلاء المدنيين والجرحى. وليد المعلم، وزير الخارجية السوري، قال للجنة الدولية للصليب الأحمر إنه لن يٌسمح لها بدخول المدينة المُحاصَرة إلا بعد "انتهاء القتال". كان الوزير يمنع صراحةً وصول المساعدات للجرحى والعالقين، وفي هذا انتهاك للقانون الدولي الإنساني الذي يلزم القوات المتحاربة بالحفاظ على أرواح المدنيين والسماح لهم بالحصول على الرعاية الطبية وغيرها من الإغاثة الإنسانية دون إبطاء.

يصف بعض المراقبين سوريا بأنها "أسوأ أزمة إنسانية في القرن الحادي والعشرين".  وحملات جمع الأموال المستمرة من قبل جماعات الإغاثة الصغيرة والمشكل أغلبها حديثا- التي تعد بتسليم المساعدات دون تفصيل خططها للقيام بذلك- توحي بأن نطاق الأزمة يتخطى بكثير كمية الطعام وغيرها من مواد الإغاثة المتاحة للتوزيع من قبل المنظمات الدولية القادرة على العمل في سوريا. وبينما تستمر الجهات المانحة والمنظمات الإنسانية في النقاش حول أفضل وسيلة لتلبية الاحتياجات المتزايدة في البلد، يظل عدد كبير من المدنيين عالقين في مناطق القتال، وقد تركوا للاعتناء بأنفسهم في مناطق لا تصلهم فيها مساعدة.

أحد الأسئلة الرئيسية المطروحة في النقاش الدولي حول إغاثة المدنيين السوريين هو ما إذا كان يفترض بجماعات الإغاثة نقل المساعدات من البلدان المجاورة إلى المناطق الخاضعة للمتمردين.  فإذا قامت بذلك، فإن الحكومة السورية على الأغلب ستطردها من دمشق وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها. ومن دون موافقة الحكومة السورية، يمكن أن تتعرض جهود الإغاثة الإنسانية في مناطق المعارضة للهجوم من قبل قوات الحكومة.

أعجز هذا التخوف، إضافة إلى المخاوف المتعلقة بمدى قانونية الإضطلاع بعمليات إنسانية عبر الحدود من دون موافقة الحكومة، أعجز وكالات الإغاثة الرئيسية التابعة للأمم المتحدة وقيد عملها في المناطق الخاضعة للمعارضة. فوكالات الأمم المتحدة لم تصل إلى مناطق المعارضة إلا عبرعمليات التفاف حول الطرق من داخل البلد احتاجت القوافل فيها إلى اجتياز العديد من نقاط التفتيش والسفر لمئات الأميال من دمشق للوصول إلى مناطق قد يكون من الأسهل الوصول إليها من تركيا أو الأردن.

ومع استبعاد وكالات الأمم المتحدة من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، فقد اضُطرت وكالات الإغاثة غير الحكومية إلى الاختيار ما بين اللعب وفق قواعد الحكومة، بالعمل من دمشق وتقديم الخدمات بالأساس للأشخاص في المناطق الخاضعة للحكومة، أو الانخراط في العمليات العابرة للحدود من تركيا والأردن مع عدم تمكنها من العمل من خلال دمشق في المناطق الخاضعة للحكومة.

يجب على الحكومة السورية أن تضع نهاية لابتزازها الإنساني، وأن تُحاسب على منع وصول المساعدات إلى المدنيين العالقين في النزاع، وهو ما يعد انتهاكا لقوانين الحرب. إن إحالة مجلس الأمن بالأمم المتحدة للموقف في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية بمقتضاه أن يسمح بالمسائلة على جرائم الحرب هذه.

تلزم اتفاقيات جنيف جميع أطراف النزاع بإتاحة وتسهيل حرية المرور السريع دون عوائق للمساعدات الإنسانية التي يجري توزيعها على السكان بحياد.

ينبغي أن تتمكن المنظمات الإنسانية من الاضطلاع بعملياتها بشفافية في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك مساعدة غير المقاتلين أو الأفراد الذين كفوا عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز.

ومن دون شك ينبغي أن يؤكد مجلس الأمن بشكل أكثر جرأة على حتمية إتاحة وصول المساعدات إلى المدنيين الذين يحتاجون إلى المساعادات الأساسية. وقفت روسيا للأسف في طريق ذلك. ولكن وكالات الأمم المتحدة يمكن أن تأخذ خطوات إضافية لمعالجة هذه الأزمة أيضا.

تحتفي الهيئات المقدمة للإغاثة بالمناسبات التي تنجح فيها في الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، كما فعلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في يونيو/حزيران عندما أصدرت تقريرا يفيد تقديمها لمعدات جراحية منقذة للأرواح إلى "مستشفى يقع في منطقة تسيطر عليها المعارضة المسلحة شرقي حلب"، وتسليم إمدادات طبية إلى مستشفيات محلية في جرمانا وبلودان الواقعتين خارج دمشق. ولكن قد ترغب هيئات الإغاثة أيضا في التنديد علنا بالقيود التي تفرضها الحكومة على تسليم المساعدات الأساسية إلى السكان الذين يَسهُل الوصول إليهم، كما فعلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخرا في ما يتعلق بحصار الحكومة المستمر لأحياء في محافظة حمص.

وبالمثل ينبغي أن تجاهر المنظمات الإنسانية باستيائها حال عدم تمكنها من التخطيط لعمليات إغاثة من داخل البلاد بسبب رفض جماعات المعارضة المسلحة تيسير هذه العمليات. إن الوضع الحالي في محافظة حلب- التي تفيد بعض التقارير بقيام جماعات المعارضة المسلحة فيها بتطويق بلدات بأكملها ومنع عبور الطعام- يجب أن يُدان، فالقانون يتطلب من أطراف النزاع كلها المساعدة في إتاحة الوصول إلى المدنيين وضحايا النزاع.

على الرغم من أن الأمم المتحدة لا تقدم بنفسها مواد إغاثة عبر الحدود، إلا إنها قد ارتقت بالجهود المبذولة لدعم وكالات الإغاثة التي تقدم مثل هذه المساعدات الحيوية، وعليها أن تستمر في القيام بذلك. وفي الوقت نفسه، يجب على الأمم المتحدة كذلك أن تقّيم منافع قرار العمل بشكل حصري من خلال دمشق على حساب الوصول إلى المناطق التي يسيطرعليها المتمردون من تركيا وإيران.

تحتاج الجهات المانحة إلى أن تفهم أنها بحاجة إلى خطط مبدعة ومتعددة الأوجه لتلبية احتياجات الشعب في جميع أنحاء سوريا، وإلى أن تنفتح على إمكانية السماح لمختلف المنظمات بالعمل وفقا لبادئ العمل الخاصة بها، وأن تزود هذه المنظمات بالموارد التي تحتاج إليها لتوصيل المساعدات بأية طريقة تراها هذه المنظمات ملائمة.

تمارا الرفاعي هي مديرة قسم مناصرة حقوق الإنسانفي قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة