(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على محكمة استئناف إربيل أن تتراجع على الفور عن حكم الإدانة الصادر بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2012 بحق صحفي مستقل نشر تقريراً عن فساد مزعوم في الجهاز الأمني التابع لحكومة الإقليم. وعلى سلطات حكومة إقليم كردستان أن تجري تحقيقاً سريعاً ودقيقاً ومحايداً في مزاعم تعرض الصحفي كرزان كريم بالضرب والتعذيب أثناء الاحتجاز، وتعرض محاميه للتهديد من قبل مسؤولي الجهاز الأمني، كما قالت هيومن رايتس ووتش.
حكمت محكمة جنايات إربيل الثانية على كرزان كريم، الموظف السابق في الجهاز الأمني لإقليم كردستان (الأسايش) بمطار إربيل الدولي، بالسجن لمدة سنتين لمخالفة القانون 21 لسنة 2003، الذي يجرم أي فعل "يضر بمؤسسات الدولة" و"يمس أمن واستقرار الإقليم". تم اتهام كريم بعد أن نشرت "كردستان بوست"، وهي وكالة إخبارية دأبت على انتقاد السلطات الكردية، نشرت موضوعات وجه فيها كريم الاتهام إلى سلطات الجهاز الأمني بالفساد.
قال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "يعد إرسال كرزان كريم إلى السجن بناءً على هذه التهم مبهمة الصياغة تهديداً لأي صحفي في كردستان يكتب أي شيء به انتقاد لسلطات الدولة. ويبدو أن سلطات حكومة كردستان الإقليمية مهتمة بإسكات المعارضة أكثر من اهتمامها بإعلاء سيادة القانون".
قالت هيومن رايتس ووتش إن الإدانة تبدو وكأنها تستند بشكل حصري إلى انتقاد كريم لمسؤولين عموميين، مما يعد انتهاكاً صريحاً لحقه في حرية التعبير. على الحكومة الإقليمية أن تسارع إلى تعديل القوانين التي أدين كريم بمقتضاها بحيث تسمح على نحو واضح بانتقاد سلطات الدولة ومسؤوليها. قضى كريم بالفعل 11 شهراً في السجن، وأبلغ عائلته بأنه تعرض لإساءة المعاملة هناك.
التحق كريم بنقابة الصحفيين الكردستانية في 2008، كما عمل أيضاً كضابط أمن في استراحة كبار الزوار بمطار إربيل الدولي من 2009 وحتى 2011، واعتقل في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بعد نشر خمسة موضوعات تنتقد إدارة الجهاز الأمني في المطار، ووجه فيها الاتهام إلى السلطات بالفساد.
قال نياز عبد الله، منسق "مركز مترو"، المجموعة المحلية المدافعة عن حرية الصحافة، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، بعد نشر المقالات بقليل، قامت قوات الأسايش الأمنية باختطاف كريم من سيارته، ثم قام شخص يدّعي أنه صديق كريم بزيارة عائلته وأبلغهم بأن كريم غادر كردستان وسافر إلى الخارج. قال أفراد العائلة لعبد الله إنهم يعرفون عن ذلك الشخص أنه من عناصر الأسايش. لم تسمع العائلة خبراً آخر عن مكان كريم حتى اتصل بهم من السجن بعد ثلاثة شهور.
قال كريم لعائلته إنه وُضع في الحبس الانفرادي في سجن "أسايش إربيل" مشدد الحراسة، وكان يجري نقله إلى سجن "أسايش ديشي" العمومي. سمحت سلطات السجن للعائلة بزيارة كريم في "أسايش ديشي"، لكن عناصر الأسايش كانوا يراقبون الزيارة.
قال قمران كريم، شقيق كرزان، لنياز عبد الله [منسق مركز مترو المدافع عن حرية الصحافة] إن كريم وُضع في الحبس الانفرادي، وتعرض للضرب والتعذيب النفسي والبدني. وقال كريم صوفي، محامي كرزان كريم، لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يتم توفير محام لكريم فور اعتقاله أو في أثناء التحقيق معه. لم يُسمح لصوفي برؤية كريم إلا بعد أن مرت عليه 9 أشهر قيد الاحتجاز.
التقت هيومن رايتس ووتش بوزارة الخارجية في الحكومة الإقليمية في أغسطس/آب لإبداء القلق من احتجاز كريم المستمر. في خطاب بتاريخ 6 سبتمبر/أيلول، قالت الوزارة لـ هيومن رايتس ووتش إن كريم يتمتع بتمثيل قانوني، و"يجري التحقيق معه لنشر معلومات حساسة" كما "اعتقل لنشره سلسلة من المقالات على الإنترنت عن جهاز كردستان الأمني ومطار إربيل الدولي".
كشف الخطاب أن كريم لم يُتهم رسمياً حتى مايو/أيار 2012، بعد أن قضى سبعة أشهر قيد الاحتجاز. وقال الخطاب إنه اتهم بمخالفة المادة 21 من قانون العقوبات، التي تنص على أنه "يعاقب بالسجن المؤبد كل شخص يتورط عمداً في أي فعل يهدف إلى المساس بأمن واستقرار وسيادة مؤسسات إقليم كردستان العراق ويتسبب في تلك الأضرار".
في تصريح بتاريخ 8 أغسطس/آب على موقع الأسايش الإلكتروني، أنكر الجهاز الأمني المزاعم التي تفيد بأن اعتقال كريم كان "بسبب أنشطته الصحافية على الإنترنت أو بسبب نشر مقالات انتقادية عن الفساد".
في 12 سبتمبر/أيلول، نشرت المنظمة الإخبارية المحلية، "الرافدين"، على موقعها الإلكتروني أن رئيس الحكومة الإقليمية نيجيرفان بارزاني أكد للصحفيين أن "الحكومة تضمن لكرزان كريم محاكمة عادلة". وفي خطاب وزارة الشؤون الخارجية لـ هيومن رايتس ووتش، قدمت السلطات تأكيدات بأن محاكمته ستكون "علنية أمام الجمهور".
لكن على الرغم من تلك التأكيدات، أحاط عناصر الأسايش بالمحكمة ومنعوا عائلة كرزان والجمعيات الحقوقية من الدخول. وفي أثناء المحاكمة انتحى مسؤول رفيع المستوى من الأسايش بالمحامي صوفي جانباً وحذره، كما قال لـ هيومن رايتس ووتش: "احترس وإلا لقيت مصير زرادشت عثمان"، مشيراً إلى صحفي قُتل في 2010 بعد نشر مقالاته المنتقدة للسلطات الإقليمية على موقع "كردستان بوست" الإلكتروني. قال صوفي لـ هيومن رايتس ووتش إن الجهاز الأمني لم يقدم أدلة ضد كريم في المحاكمة. قال الأسايش في تصريح إن "المحكمة اعتمدت على مجموعة من الوثائق السرية".
تكفل المادة 38 من دستور العراق حرية التعبيربكافة الوسائل، "بما لا يتعارض مع النظام والآداب العامة"، علاوة على حرية الصحافة والطباعة والدعاية والإعلام والنشر.
وينظر القانون الدولي لحقوق الإنسان إلى حرية التعبير كواحدة من حقوق الإنسان الأساسية، الضرورية لحسن سير المجتمع الديمقراطي، ولكرامة الفرد على حد سواء. وتكفل المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي انضم إليه العراق، تكفل للفرد "حرية التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".
ومن المبادئ الراسخة في القانون الدولي لحقوق الإنسان أن الساسة وغيرهم من الشخصيات العامة يخضعون لتدقيق أشد في سلوكهم عن سواهم من الناس، وعليهم التسامح معه. تقول مباديء سيراكوزا الخاصة بنصوص التقييد والانتقاص في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والصادرة عن الأمم المتحدة، تقول إن القيود المفروضة على حرية التعبير "لا يجوز أن تستخدم لحماية الدولة ومسؤوليها من الرأي العام والنقد". وقد قررت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في تفسيرها المرجعي للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فيما يتعلق بحرية التعبير، أن كافة الشخصيات العامة تخضع للنقد قانوناً، وعلى الدول ألا تحظر نقد المؤسسات العامة.
قال جو ستورك: "أثبتت تأكيدات رئيس الحكومة بارزاني عن المحاكمة العادلة أنها جوفاء، في ضوء ما نعرفه عن هذه المحاكمة. وتعكس الاتهامات الموجهة إلى كريم وتهديد العنصر الأمني لمحاميه نمطاً من التحرش والترهيب، وعجز المحاكم عن حماية المهددين".