(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الحملة القمعية التي تشنها الإمارات العربية المتحدة على المعارضة شملت اعتقال محاميي الدفاع والتضييق عليهم، مما يجعل توكيل المحامين شبه مستحيل على المعارضين السلميين. قالت هيومن رايتس ووتش إن التحرك ضد المحامين يجعل المحاكمات العادلة للمعارضين المحتجزين مستحيلة.
منذ مارس/آذار 2012 قامت الإمارات العربية المتحدة باحتجاز 51 رجلاً، بينهم اثنين من أبرز محاميي حقوق الإنسان، بزعم أن الدعوة السلمية للإصلاح تهدد الأمن الوطني. ضاعفت السلطات بالاعتقالات الأخيرة من استهانتها بحرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات، إذ حاولت أن تحرم المحتجزين من المساعدة القانونية، وهي المكون الضروري من مكونات المحاكمة العادلة، بخلاف أنها حق لكل المحتجزين كما قالت هيومن رايتس ووتش. تعرض المحامون العاملون لدى مكتب المحاماة الإماراتي الوحيد الذي يقدم المساعدة القانونية للمحتجزين حالياً، تعرضوا للاعتقال والترحيل والتخويف.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "إن الإمارات العربية المتحدة حين تمد حملتها القمعية على المنتقدين السلميين لتشمل المحامين فإنها تجعل أبسط مباديء سيادة القانون مستحيلة. ويجدر بالبلدان التي تقدم المساعدات الأمنية للإمارات العربية المتحدة، والشركات والمؤسسات ذات الروابط الوثيقة معها، أن تنتبه إلى هذا".
في 8 أغسطس/آب قام مسؤولو الهجرة في دبي باعتقال محام مصري هو سامح مختار، وإبلاغه بأنه ينتظر الطرد من الإمارات لأسباب أمنية. يعمل مختار مع محام إماراتي بارز هو عبد الحميد الكميتي، الذي يجري تقويض محاولاته لتوفير المساعدة القانونية للنشطاء السياسيين السلميين، المحتجزين دون تهمة في الإمارات العربية المتحدة، عن طريق التضييق والتخويف.
كانت السلطات في 17 يوليو/تموز قد اعتقلت سالم حمدون الشحي، وهو محام إماراتي يعمل لدى الكميتي، حين ذهب إلى مكتب نيابة أمن الدولة لتمثيل أحد المعارضين المعتقلين.
لم تتضح التهم التي يواجهها المعتقلون ولا متى سيواجهونها. لكن تصريحاً بتاريخ 12 أغسطس/آب من وكالة الأنباء الإماراتية قال إن تحقيق النائب العام الإماراتي في شأن عدد من الأشخاص المعتقلين حديثاً، لم يذكر التصريح أسماءهم، كشف أنهم "أقاموا الصلات مع عناصر خارجية، وعملوا بشكل منظم وممنهج على الإضرار بالبلاد ونشر المعلومات الكاذبة بهدف تحريض الآخرين على البلاد وتشويه صورتها اللامعة أمام العالم".
كانت السلطات قد قامت من قبل بترحيل محاميين مصريين آخرين يعملان لدى الكميتي، هما عثمان لبيب في أغسطس/آب 2011، ومحمود بدوي في أكتوبر/تشرين الأول. في كل من الحالتين رفضت السلطات تجديد تأشيرة دخول الرجلين لأسباب أمنية بدون إبداء أسباب أخرى. أما القرار الصادر في أبريل/نيسان 2011 بطرد موظف آخر، هو خالد الدليمي، المحامي العراقي، فقد تم التراجع عنه بعد أن رفع خالد الدليمي دعوى عمالية على مكتب الكميتي وبدّل صاحب العمل. لم يجر نشر أي من تفاصيل هذه القضية.
تعرض المحامون الذين وفدوا على الإمارات لتقديم المساعدة القانونية للتضييق بدورهم. في 24 يوليو/تموز تعرض المحامي القطري حسن السيد، والمحامي الكويتي أحمد نشمي الظفيري، اللذين قدما إلى الإمارات لمشاورة المحتجزين، تعرضا لتفتيش طويل بشكل غير معتاد في حواسبهما الشخصية وأوراقهما بينما كانا يحاولان مغادرة البلاد. تسبب التفتيش في تخلف الظفيري عن طائرته.
يضم المحتجزون أيضاً بعض أبرز المحامين ـ محمد الركن، محامي حقوق الإنسان وعضو نقابة المحامين الدولية، ومحمد المنصوري، الرئيس السابق لجمعية الحقوقيين الإماراتية. حلت السلطات الإماراتية مجلس إدارة الجمعية في أبريل/نيسان 2011 بعد مشاركته في التوقيع على التماس شعبي يطالب بديمقراطية أكبر في الإمارات العربية المتحدة. قالت السلطات إن جمعية الحقوقيين انتهكت قانون الجمعيات لعام 2008، الذي يحظر على المنظمات وأعضائها التدخل "في السياسة أو في الأمور الماسة بأمن الدولة ونظامها الحاكم".
في 11 أغسطس/آب قامت السلطات بنقل ستة من المحتجزين الآخرين إلى جهة غير معلومة، من سجن الشهامة في أبو ظبي، وبذا صار مكان 47 من المحتجزين الـ51 مجهولاً. تمكنت غالبية المحتجزين من التحدث مع أسرهم هاتفياً، إلا أن الأسر لا تعرف أين يجري احتجازهم، وقد رفضت السلطات الكشف عن مكان المحتجزين لأسرهم أو ممثليهم القانونيين.
في 8 أغسطس/آب رفض النائب العام ونيابة أمن الدولة طلب الكميتي بزيارة المحتجزين وحضور استجوابهم. كما وجهت شخصيات قانونية كبيرة في الإمارات العربية المتحدة نصيحة لأسر المحتجزين بعدم العمل مع الكميتي.
في 2011 كان الكميتي والركن يشاركان في الدفاع عن النشطاء المعروفين بـ"الإماراتيين الخمسة" والذين تم حبسهم لمدة سبعة أشهر في 2011، وملاحقتهم بزعم أنهم نشروا تصريحات على أحد منتديات الإنترنت تنتقد سياسة حكومة الإمارات العربية المتحدة وقادتها.
يعد تقديم المساعدة القانونية التي يختارها المرء بنفسه مكوناً ضرورياً من مكونات الحق في محاكمة عادلة، كما أن الحق في مقابلة محام هو حق أساسي لأي محتجز، كما يتجلى فى المادة 16 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي صدقت عليه الإمارات العربية المتحدة. وقد انتهكت الإمارات العربية المتحدة هذا الحق بشكل مباشر بمنع التواصل المادي، وبشكل غير مباشر بإثناء المحامين عن تقديم خدماتهم. تنتهك الإمارات العربية المتحدة أيضاً المادة 14 من الميثاق العربي، التي تقرر أن كل شخص خضع للتوقيف أو الاحتجاز لا بد وأن يتهم بجريمة وأن يعرض دون إبطاء على قاض.
قال جو ستورك: "تهدد تصرفات السلطات الإماراتية بتدمير المستقبل المهني للمحامي الإماراتي الوحيد الذي تطوع بالدفاع عن حق مواطنيه في حرية التعبير. ولا ينبغي للحكومات التي تقيم علاقات وثيقة مع الإمارات العربية المتحدة أن تسكت على هذه الأساليب الرجعية، التي تمثل هجوماً لا على هؤلاء المحامين وحدهم، بل على مهنة المحاماة ككل".