(إربيل) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إنه يتعين على نواب برلمان كردستان العراق الاعتراض على مشروع قانون حماية المقدسات، لأنه وبوضوح يضع قيودًا على حرية التعبير. وينص مشروع القانون على عقوبة بالسجن لمدة عشر سنوات وإغلاق وسائل النشر بسبب جرائم فضفاضة الصياغة من قبيل "تصوير الأنبياء بشكل غير لائق".
في منتصف مايو/أيار 2012، أعلن مسؤولون برلمانيون أن نواب البرلمان قاموا بصياغة مشروع قانون لعرضه على التصويت "قريبًا". وجاء هذا الإعلان بعد أن قامت مجلة جربة (همسة)، التي تصدر في إربيل، بإعادة نشر صورة من موقع فيسبوك رأى فيها مسؤولون حكوميون "إهانة للدين الإسلامي". وفي 7 مايو/أيار، قامت الشرطة باعتقال رئيس تحرير المجلة، وفي اليوم التالي خرجت مظاهرة في اربيل احتجاجًا على المجلة.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يسيء مشروع القانون للصورة الحسنة التي ترسمها حكومة إقليم كردستان لنفسها كسلطة سياسية تحترم الحريات المدنية. القانون الدولي يحمي أشكال التعبير التي قد يعتبرها آخرون مسيئة ما لم تنطوي على تهديد بالعنف".
يجرم مشروع القانون "سب الذات الإلهية والتهكم عليها" و"سب وإهانة وتصوير الأنبياء بشكل غير لائق". وقالت هيومن رايتس ووتش إنه إضافة إلى انتهاك حرية التعبير، فإن مشروع القانون ينطوي على صياغة فضفاضة هي بمثابة دعوة إلى الاعتقال التعسفي والتطبيق المتعسف للقانون.
ووفقاً لمشروع القانون، قد يواجه الأشخاص المدانون بمثل هذه التهم عقوبة السجن لمدة عشر سنوات وغرامات مالية تتراوح بين عشرة ملايين وخمسين مليون دينار عراقي ( 8500 و42600 دولار أمريكي). كما يسمح مشروع القانون للمسؤولين بإغلاق أي منفذ إعلامي قام بطبع أو نشر بيانات محظورة لمدة قد تصل لسنتين وفرض غرامات مالية عليها.
وكانت مجلة جربة قد قامت في 2 مايو/أيار بإعادة نشر تعليق صدر في موقع فيسبوك سنة 2010 لـ هلمت غوران، من أصل كردي ويعيش في النرويج، وعنوانه "أنا والله"، وهو عبارة عن حوار خيالي مع الله وفيه ألفاظ نابية. وفي 7 مايو/أيار، قامت الشرطة باعتقال هيمن آري، رئيس تحرير مجلة جربة. وفي 14 مايو/أيار أصدر فرع إربيل لنقابة صحافيي كردستان بيانًا عبر فيه عن مخاوفه من أن يكون قد تم اعتقال هيمن آري عملا بالقانون الجنائي العراقي، وليس بقانون الصحافة الذي تبنته حكومة الإقليم في 2007، والذي ينظم عمل وسائل الإعلام دون أن ينص على إغلاقها.
وذكرت وسائل إعلام محلية أن المظاهرات التي انطلقت في اليوم التالي في إربيل اعتراضا على ما نشرته المجلة ألحقت أضرارًا بمقاهي ومحطة تلفزيونية ومركز ثقافي، وقادت إلى العديد من الاعتقالات. كما قالت تقارير إعلامية إن عشرات الأشخاص أصيبوا بجروح، بمن فيهم رجال الشرطة.
وفي الأيام التالية، انتقد نيجيرفان برزاني، رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، ومسؤولون آخرون المقال. واستنادًا إلى تقارير إعلامية، قال برزاني إنه " سوف يواجه إهانة الدين الإسلامي بكل حزم". وبعد ذلك، قام نائب رئيس تحرير مجلة جربة وموظفون آخرون بإغلاق مكتب المجلة بشكل طوعي، وتم إطلاق سراح رئيس التحرير في 14 مايو/أيار.
وفي 11 مايو/أيار، أعلن بشير خليل حداد، رئيس لجنة الأوقاف والشؤون الدينية في برلمان إقليم كردستان عن الانتهاء من صياغة مشروع قانون لحماية المقدسات الدينية في الإقليم، وقال إن اللجنة سوف تقوم بعرضه على البرلمان في وقت قريب. وعبّرت العديد من المنظمات غير الحكومية وسياسيون وجرائد مستقلة عن معارضة مشروع القانون.
وقال آرام قادر، رئيس كتلة المجموعة الإسلامية في البرلمان وأحد مساندي مشروع القانون، لـ هيومن رايتس ووتش إن المشروع "لن يجعل الإسلام في مرتبة أرقى من الديانات الأخرى لأنه سوف ينطبق على جميع الأديان"، وزعم إن مشروع القانون "لن يفرض قيودًا على التعبير الذي ينتقد الأديان والكتب الدينية، ولكن فقط على الإساءة إليها".
ولا يحتوي مشروع القانون، الذي قامت هيومن رايتس ووتش بمراجعته، على أي معايير للتفريق بين التعبير المسموح به والتعبير الذي فيه "إساءة" أو "استهزاء" أو "اعتداء" على المواضيع الدينية، ولا توجد فيه مصوغات قانونية لتجريم هذه الأعمال.
وعملا بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، يُمكن لأية حكومة حظر بعض أشكال التعبير مثل تلك التي فيها تحريض مباشر على العنف. ولا يحق لأية حكومة فرض عقوبات على أشكال للتعبير عن الرأي فقط لأن أشخاصًا آخرين، بمن فيهم مسؤولين حكوميين، اعتبروها مسيئة.
ويسمح العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للحكومات بتقييد الحق في حرية التعبير لحماية الأخلاق العامة فقط في الحالات التي يكون فيها التقييد مطابقًا لاختبارات صارمة تثبت أنه ضروري ومتناسب وغير تمييزي، بما في ذلك التعبير عن الرأي القائم على أساس الدين أو المعتقد. وقالت لجنة حقوق الإنسان، التي تقدم التأويل النهائي للعهد، إن منع مظاهر عدم احترام الدين أو المعتقدات الأخرى، بما في ذلك قوانين الكفر، لا تتناسب مع العهد، إلا في ظروف محدودة جدا من قبيل التحريض المباشر على العنف.
وقال جو ستورك: "إن الجمع بين عقوبات السجن القاسية والغرامات المالية وإغلاق وسائل الإعلام بسبب تهم غير محددة بشكل دقيق مثل "الإهانة" أو "الاستهزاء" يبقى بدون شك أمرًا غير مقبول".