(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على السلطات الإماراتيةأن توقف على الفور أية إجراءات لترحيل مدون وناشط إماراتي، وأن تطلق سراحه من مركز حجز المهاجرين. يبدو أن إجراءات الترحيل الحالية تستهدف إرساله إلى جزر القمر، وهو البلد الذي لم يزره من قبل، حيث أن سلطات الإمارات العربية المتحدة ضغطت عليه للتقدم بطلب جنسية جزر القمر. لم يتم إبداء سبب لهذا الناشط لاحتجازه وترحيله المحتمل، ولا جرت أية محاولة لدراسة تأثير هذا الإجراء على حياته العائلية.
احتجزت السلطات أحمد عبد الخالق في 22 مايو/أيار 2012 بعد استدعائه إلى إدارة الهجرة بوزارة الداخلية في إمارة عجمان، حسب تصريح نشطاء محليين لـ هيومن رايتس ووتش. عبد الخالق، 35 سنة، معروف بحملاته كناشط ومدون من أجل حقوق المقيمين بدون جنسية المعروفين بـ"البدون".
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "بدلاً من تقديم حل لمحنة أحمد عبد الخالق والآلاف من المقيمين الآخرين بدون جنسية، ضغطت عليه سلطات الإمارات العربية المتحدة لاكتساب جنسية أجنبية بهدف ترحيله. على السلطات الإماراتية أن توقف فوراً أية إجراءات لترحيله وأن تفرج عنه دون قيد أو شرط".
ينتمي عبد الخالق، الذي يندرج تحت فئة البدون رغم مولده وإقامته في الإمارات العربية المتحدة طوال حياته، ينتمي إلى مجموعة من النشطاء تُعرف باسم "الإماراتيين الخمسة" كانت قد اعتُقلت من أبريل/نيسان إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2011 للمطالبة السلمية بإصلاحات ديمقراطية. وقد جاء اعتقاله الأخير بعد يوم من تلقيه إشعاراً بالموافقة على طلبه للحصول على الجنسية القمرية. قال نشطاء محليون إنه لا توجد علاقة بينه وبين جزر القمر ولم يزرها قط، لكنه تقدم بطلب جنسيتها تحت ضغط السلطات الإماراتية، التي أخبرته بأن الحصول على جنسية ما هو إلا خطوة ضرورية لتقنين إقامته في الإمارات العربية المتحدة. يعول عبد الخالق والديه وسبعة أخوات، كلهم من مواليد الإمارات العربية المتحدة الذين لم يغادروا البلاد قط.
في 24 مايو/أيار، حسب قول النشطاء المحليين، اتصل عبد الخالق هاتفياً بأفراد أسرته من سجن الوثبة في أبوظبي وأبلغهم بأن سلطات وزارة الداخلية تعتزم نقله إلى سجن الصدر، الذي ستقوم بترحيله منه في موعد قريب إلى جزر القمر. لم تقدم سلطات الإمارات العربية المتحدة معلومات عن مكان احتجازه أو سبب اعتقاله وترحيله المحتمل.
تنشر مدونة عبد الخالق، إماراتي بدون، مقاطع فيديو وتصريحات تبرز محنة المقيمين بدون جنسية. يواجه البدون، الذين تتراوح أعدادهم وفق تقديرات الرابطة الدولية للاجئينبين 10,000 و100,000 في الإمارات العربية المتحدة، يواجهون عقبات قاسية في مجالات عديدة كالحصول على الرعاية الصحية والتعليم، ويعيش كثير منهم في فقر. تعود أصول الكثير من سكان الإمارات العربية المتحدة البدون إلى قبائل بدوية كانت فيما مضى تتنقل بحرية في أنحاء منطقة الخليج، أو إلى مهاجرين لاحقين كانوا يعيشون في الإمارات العربية المتحدة وأخفقوا في التسجيل للحصول على الجنسية إبان تكون الدولة عام 1971.
كان مسؤولو إدارة الهجرة قد اتصلوا بعبد الخالق وأفراد أسرته في مطلع 2012 وضغطوا عليهم لاكتساب الجنسية القمرية كخطوة أولى، كما قالوا، لتوفيق أوضاع إقامتهم في الإمارات العربية المتحدة. في غضون العامين الماضيين قام "بدون" آخرون بإبلاغ هيومن رايتس ووتش بتعرضهم لضغط مشابه من السلطات الإماراتية للتقدم بطلب الجنسية القمرية. تلقت العائلة إشعاراً في 21 مايو/أيار بالموافقة على طلبها بالحصول على الجنسية القمرية، كما قال نشطاء محليون.
نشرت صحيفة اللوموند اليومية الباريسية وشبكة الجزيرة الإخبارية القطرية تقاريرفي 2009 تفيد بأن الحكومة الإماراتية دفعت 200 مليون دولار أمريكي لحكومة جزر القمر، وهو المبلغ الذي كان وقتها يعادل 40 بالمئة من إجمالي الناتج القومي لجزر القمر، حتى تعرض جنسيتها على المقيمين بدون جنسية في الإمارات العربية المتحدة. حسب قول الجزيرة، كان تخمين المسؤولين القمريين هو أن أولئك الحاصلين على [الجنسية] "لن يطأوا الجزر بأقدامهم". لم يؤكد مسؤولو الإمارات العربية المتحدة وجود اتفاقية ثنائية [بهذا المعنى].
قال نشطاء إماراتيون لـ هيومن رايتس ووتش إن مسؤولي وزارة الداخلية قاموا بتصعيد الضغط على المقيمين بدون جنسية في الأشهر الأخيرة للتقدم بطلب الجنسية القمرية، قائلين لهم إن مهلة التقدم بالطلب ستنتهي قريباً، مما يهدد فرصهم في تقنين إقامتهم في الإمارات العربية المتحدة. اطّلعت هيومن رايتس ووتش على صورة فوتوغرافية حديثة لمذكرة [معلقة] على الباب الأمامي لسفارة جزر القمر في أبي ظبي، تقرر أن السفارة ستتوقف عن قبول طلبات الجنسية في الأول من يونيو/حزيران.
تم احتجاز النشطاء المعروفين بـ"الإماراتيين الخمسة" في أبريل/نيسان 2011، بعد نشر تصريحات مزعومة بمنتدى "حوار" الإماراتي، وهو منتدى إنترنت سبق له انتقاد قادة الحكومة الإماراتية وسياساتها.
وجهت السلطات الإماراتية الاتهام إلى [المجموعة] في مطلع يونيو/حزيران بموجب المادتين 176 و8 من قانون العقوبات الإماراتي، الذي يجرّم "الإهانة العلنية" لكبار المسؤولين بالبلاد. تم احتجازهم طوال عملية المحاكمة وما يسبقها التي دامت سبعة أشهر. أدانتهم المحكمة الاتحادية العليا يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني وحكمت عليهم بالسجن مدداً تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام. بعد فترة قصيرة قام الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الرئيس الإماراتي، بتخفيف عقوبات الخمسة كلهم وتم الإفراج عنهم. عبد الخالق هو العضو الوحيد عديم الجنسية في مجموعة الإماراتيين الخمسة.
يأتي احتجاز عبد الخالق الأخير عقب سلسلة من الاعتقالات طالت محتجين إماراتيين، ففي خلال الأسابيع التسعة الماضية احتجزت السلطات دون اتهام 12 عضواً من أعضاء جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، وهي جمعية سياسية سلمية تنادي بالتزام أكبر بتعاليم الإسلام. قال أحد محاميي المحتجزين لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات أبلغته بأنها اعتقلت ستة من المحتجزين لرفضهم التوقيع على تعهد بالبحث عن جنسية أخرى بعد أن زعمت الحكومة إسقاط الجنسية عنهم.
حرية التعبير مضمونة بموجب المادة 30 من دستور الإمارات العربية المتحدة وبموجب قانون حقوق الإنسان الدولي. والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تقرر أن "لكل إنسان حقاً في حرية التعبير...وفي التماس مختلف ضروب المعلومات وتلقيها ونقلها إلى آخرين". ورغم أن الإمارات العربية المتحدة ليست دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إلا أنه يمثل مصدراً رسمياً وخطاً إرشادياً يعكس أفضل الممارسات الدولية. لا تسمح المعايير الدولية المقبولة بالقيود القائمة على المحتوى إلا في ظروف شديدة الضيق، مثل قضايا التشهير بالأفراد أو سبهم وقذفهم، أو التصريحات التي تهدد بعنف داهم.
تضمن المادة 32 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي صدقت عليه الإمارات العربية المتحدة، تضمن حرية الرأي والتعبير، ونقل الأخبار للغير بأية وسيلة. القيود الوحيدة المسموح بها على ممارسة هذا الحق هي تلك التي يفرضها "احترام حقوق الآخرين وسمعتهم، أو حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق العامة". تتطلب المادة 13(2) من الميثاق أيضاً أن تكون الجلسات القضائية "علنية إلا في حالات استثنائية تقتضيها مصلحة العدالة في مجتمع ديمقراطي يحترم الحرية وحقوق الإنسان".
ينص إعلان الأمم المتحدة بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان على أن الدول عليها أن "تتخذ كافة الإجراءات الضرورية لضمان حماية كل إنسان من أي عنف أو تهديدات أو انتقام أو تمييز ضار أو ضغط أو أي إجراء تعسفي آخر" نتيجة للمشاركة في نشاط حقوقي.
يحمي القانون الدولي حقوق الجميع في الحياة الأسرية. وتنص المادة 33 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان على أن "الدولة والمجتمع تكفلان حماية الأسرة وتقوية أواصرها وحماية الأفراد داخلها...". وقد بينت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم 19 أنه، علاوة على التزام الدول بحماية الأسرة، فإن "الحق في تكوين أسرة يشمل...إمكانية...العيش المشترك...وبالمثل فإن إمكانية العيش المشترك تشمل تبني الإجراءات المناسبة...لضمان لم شمل الأسر أو إعادة لم شملها، خاصة حين ينفصل أفرادها لأسباب سياسية أو اقتصادية أو ما أشبه". وبالتالي فإن ترحيل شخص بعيداً عن أسرته، حين يكون هذا إلى بلد لم يسبق له زيارته، وحيث لا يدخل انتقال أسرته إلى [ذلك البلد] في حيز المعقول، إنما يمثل انتهاكاً للحق في الحياة الأسرية.
وقالت سارة ليا ويتسن: "سلطات الإمارات العربية المتحدة تقوم الآن باستخدام الترحيل وإسقاط الجنسية كوسيلة لإسكات الاحتجاج في الإمارات العربية المتحدة". وأضافت: "يتعين عليهم إنهاء هذه الممارسة المخجلة واحترام حقوق الإماراتيين في حرية التجمع والتعبير".