Skip to main content

سوريا: استخدام السكان دروع بشرية

تقارير عن إجبار السكان على السير أمام الجنود في إدلب

 

(أنطاكية، تركيا) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن القوات الحكومية السورية عرضت السكان للخطر إذ أجبرتهم على السير أمام جنود الجيش أثناء عمليات اعتقال حدثت مؤخراً، وأثناء تحركات للقوات وهجمات على بلدات وقرى في شمال سوريا.

قال شهود عيان من بلدات الجانودية وكفر نبل وكفر روما وعين لاروز في إدلب شمالي سوريا، إنهم رأوا عناصر من الجيش ورجال مسلحين موالين للحكومة، يُشار إليهم في سوريا بمسمى "الشبيحة"، يجبرون الناس على السير أمام قوات الجيش أثناء هجوم في مارس/آذار لاستعادة السيطرة على مناطق سقطت في يد المعارضة. ومن الملابسات المحيطة بهذه الحوادث، يبدو للشهود أن الغرض كان حماية الجيش من الهجمات.

وقال أولى سولفانغ، باحث طوارئ في هيومن رايتس ووتش: "استخدام الجيش السوري للمدنيين كدروع بشرية يعني إهماله البيّن لسلامتهم. على الجيش السوري أن يكف فوراً عن هذه الممارسة البغيضة".

 

كفر نبل

"عبد الله" من سكان كفر نبل، وهي بلدة تقع في منطقة جبل الزاوية، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الجيش أجبره وأجبر آخرين على السير أمام مدرعات نقل الجنود أثناء عملية تفتيش على نشطاء المعارضة المطلوبين، في 2 مارس/آذار. ومثل أغلب من تمت مقابلتهم، طلب عدم استخدام اسمه الحقيقي خوفاً من الانتقام. قال:

ونحن في طريقنا لصلاة الجمعة، رأينا الجنود من قاعدة قريبة من المسجد يجمعون الناس. أخذوا نحو 25 شخصاً وأنا بينهم. كان معنا ثمانية أطفال، أعمارهم تتراوح بين 10 و15 عاماً. أجبرونا على السير أمام آليات الجيش وحولها وهي تتقدم من بعض المنازل، حيث كانوا يبحثون عن نشطاء من المعارضة. سرنا نحو 600 متر. راحوا يسبوننا طوال الطريق. اعتقلوا عدة أشخاص من البيوت، وأجبرونا على السير عائدين إلى قاعدتهم، وبعد ذلك أفرجوا عنّا جميعاً، دون أن يفرجوا عن النشطاء الموقوفين. دامت العملية بأسرها نحو الساعتين.

قال عبد الله إن الجيش كثيراً ما أجبر سكان البلدات على السير إلى جوار القوات، لا سيما عندما يريدون جلب إمدادات غذائية.

"رائد فارس" من نشطاء المعارضة في كفر نبل، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الجيش السوري – الذي زاد من حضوره في البلدة لدى بدء المظاهرات هناك قبل سبعة شهور – بدأ في استخدام المدنيين دروعاً بشرية في يناير/كانون الثاني بعد أن حاولت قوات المعارضة مهاجمة الجيش بنصب كمين بمتفجرات على الطريق. منذ ذلك الحين، على حد قوله، بدأ الجنود يجمعون السكان ويجبرونهم على السير أمام الجنود كلما أرادوا التنقل في البلدة. قال لـ هيومن رايتس ووتش: "يأخذون أي شخص يفتح بابه عندما يطرقون عليه. لا يهم إن كان رجلاً أو امرأة أو طفلاً".

أطلع فارس هيومن رايتس ووتش على مقطعي فيديو قام بوضعهما على موقع يوتيوب. في الأول، بتاريخ 23 فبراير/شباط، هناك ثمانية أشخاص في ثياب مدنية يسيرون أمام عدة جنود مسلحين وأمام آلية مدفعية قتالية واحدة على الأقل. وفي الفيديو الثاني، بتاريخ 28 فبراير/شباط، هناك أربعة أشخاص في ثياب مدنية يسيرون أمام رتل من عدة آليات مدفعية في مكان يبدو أنه على أطراف البلدة. قال فارس إن الجيش ألزم الرجال بالسير في المقدمة لحماية الجنود.

لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد من هوية الرجال من جانبها. هناك تفسير بديل، أن يكونوا قد تم القبض عليهم، لكنه تفسير غير مُرجح بما أنهم ليسوا مقيدي الأيدي أو معصوبي الأعين، وهي ممارسة شائعة أثناء القبض على الأفراد في سوريا.

"أحمد" من سكان كفر نبل، قال بدوره إن الجيش أجبر مدنيين على السير أمام القوات بشكل منتظم، ووصف كيف استخدم الجيش المدنيين أثناء احتجاز أفراد ونقلهم إلى بلدة معرة النعمان، على مسافة خمسة كيلومترات:

قبل شهرين، تم القبض عليّ أثناء مظاهرة، ومعي 15 شخصاً آخرين. وضعونا في حافلات خاصة بالشرطة. ومن الحين للآخر نطل خارج الحافلة فنرى نحو 30 شخصاً من سكان القرية يسيرون أمام الدبابات. عندما وصلنا معرة النعمان، تفحص الجيش أوراق هويتنا [و] اعتقل الأشخاص المطلوبين على قوائم الشرطة.

"إبراهيم" من سكان كفر روما، وهي بلدة يسكنها نحو 20 ألف نسمة في جبل الزاوية، وصف ممارسات شبيهة للجيش في بلدته. قال إن من الممارسات الشائعة للجيش وقف الحافلات والسيارات وإجبار الناس على الخروج منها، ثم إجبارهم على السير أمام الدبابات وآليات الجيش عندما تريد القوات التنقل من نقطة تفتيش إلى أخرى (هناك سبعة في أرجاء المدينة). وكما هو الحال في كفر نبل، استخدم الجيش في كفر روما النساء والأطفال والمسنين، على حد قوله. ثم عندما تبلغ القوات مقصدها، يطالبون الناس بإبراز هوياتهم ويفرجون عن غير المطلوبين، على حد قوله.

كما استخدم الجيش السكان في حماية نقاط تفتيشه. "محمود" من سكان قرية جرجناز بمحافظة إدلب، وصف واقعة شهدها مطلع مارس/آذار، لـ هيومن رايتس ووتش:

كنت في السيارة مع ابن عمي عند أطراف البلدة، في اتجاهنا إلى معرة النعمان، عندما رأينا نقطة تفتيش فيها دبابتين وجنود على مسافة 800 متر أمامنا. أنا وهو مطلوبان لدى الشرطة، فقررنا الالتفاف وإيقاف السيارة في شارع جانبي. بعد قليل، أوقف الجيش حافلة عند نقطة التفتيش. خرج الركاب من الحافلة ووقفوا أمام الدبابات. أوقف السائق الحافلة أمام الخيمة العسكرية. ثم إننا عدنا إلى القرية وانتظرنا مع سكان القرية الآخرين وعائلات الركاب نحو تسع ساعات قبل أن يعود الركاب بالحافلة. قالوا لنا إنهم أُجبروا على الوقوف أمام الدبابات طوال ذلك الوقت.

أوضح محمود لـ هيومن رايتس ووتش إن مقاتلي المعارضة سبق وهاجموا نقطة التفتيش قبل حوالي أسبوع، مما جعله يعتقد أن الجيش استخدم السكان للحماية من أية هجمات جديدة.

 

الجانودية

"مصطفى" من سكان الجانودية، وهي بلدة تقع شمالي جسر الشغور، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الجيش استخدم بالقوة بعض سكان بلدته في حماية الجنود، وذلك أثناء عملية مداهمة المنازل واحتجاز الأفراد بعد مظاهرة يوم الجمعة في أواسط فبراير/شباط:

بعد مظاهرة الجمعة، قبل شهر تقريباً، داهم الجيش البيوت حوالي الساعة 12:30 صباحاً. كنت في أحد الشوارع عندما رأيت الجنود يجبرون الناس على الخروج من بيوتهم، مع وضع الرجال في حافلات الشرطة، وإجبار النساء والأطفال والمسنين على السير أمام الدبابات التي تسير ورائها حافلات الشرطة الأخرى التي تقل المحتجزين.

قال مصطفى إن الجيش راح يحتجز الناس في الشارع المؤدي إلى المدرسة الحكومية، وقد استخدم الجيش المدرسة مركزاً للاحتجاز. بعد ذلك، تحدث إلى أحد الذين ساروا أمام العربات، فقال له إنه قد أُفرج عنه لدى وصولهم إلى المدرسة.

أطلع أربعة من مقاتلي المعارضة كانوا منتشرين في بلدة الجانودية، هيومن رايتس ووتش، كل على انفراد، على شهادات تفصيلية عن كيف وضع الجيش المدنيين أمام دباباته أثناء مهاجمته للبلدة في 10 مارس/آذار 2012. قال مقاتلو المعارضة إن الجيش بدأ في هجومه حوالي الخامسة صباحاً، وتقدم من ثلاثة اتجاهات. وعلى مدار ساعتين راحت القوات تطلق النار على البلدة من بنادق ناقلات الجنود المدرعة ونيران المدافع الآلية الثقيلة المُركبة على ظهر الدبابات، من على مسافة ثلاثة إلى أربعة كيلومترات. "مختار" – من مقاتلي المعارضة – وصف لـ هيومن رايتس ووتش ما رآه:

كنت متمركزاً على مقربة من طريق الجانودية، ومن هناك راح الجنود يتقدمون على القرية. رأيت بنظارتي المعظمة الجنود يصلون إلى أول البيوت على أطراف البلدة، وكان الشبيحة مع الجيش قد بدأوا في إخراج الناس من بيوتهم. من موقعي، رأيتهم يأخذون نحو 20 شخصاً. جمعوهم أمام رتل الدبابات المتقدمة لحماية أنفسهم من الجيش السوري الحر. أجبروهم على السير 600 إلى 700 متر. كان بينهم أطفال ومسنين. ثم لم أرهم بعد ذلك.

"أنس" من مقاتلي المعارضة رصد دخول الجيش إلى القرية من موقع أعلى من الذي كان يحتله مختار، وقدم شهادة مماثلة:

رأيتهم يأخذون نحو 50 مدنياً. عندما وصلوا إلى الدوار لدى نهاية الشارع، أفرجوا عن بعضهم، لكنهم وضعوا آخرين في سيارات، وأخذوهم في اتجاه المنطقة التي يسيطر عليها الجيش. سمعنا فيما بعد أنهم محتجزون في المدرسة التي يسيطر عليها الجيش. كان بين من أجبروا على السير أمام آليات الجيش سبع أو ثماني نساء وطفلين أو ثلاثة أطفال. لم نهاجم الجيش حتى لا نؤذي الناس إذا أطلقنا النار.

أدلى المقاتلان الآخران بشهادات مماثلة.

"غالي" الناشط من الجانودية – وكان متمركزاً أعلى تل مشرف على طريق يعقوبية، المحور الثاني لتقدم الجيش من البلدة – رأى بنظارته المعظمة قوات الجيش، إذ بلغ الجنود أول بيوت البلدة في طريقهم، وبدأوا يخرجون الناس من البيوت ويجبرونهم على السير أمام الدبابات.

 

عين لاروز

قابلت هيومن رايتس ووتش ثلاثة شهود قالوا إن قوات الحكومة وضعت أطفالاً أعلى الدبابات وداخل حافلات أمنية لدى دخولها عين لاروز في 10 مارس/آذار.

هناك سيدتان كانتا في البلدة في ذلك الحين، قالتا لـ هيومن رايتس ووتش إنهما سمعن سيدات يصرخن في الشارع لدى دخول الجيش البلدة:

عندما خرجنا للشارع رأينا عدة دبابات وحافلات. كان هناك ثلاثة أو أربعة أطفال على ظهر كل دبابة وفي كل حافلة. راحت بعض السيدات يصحن في الجنود وحاولن الإمساك بالأطفال من الدبابات، لكن الجنود راحوا يركلونهن لإبعادهن. تعرفنا في الأطفال على بعض أبناء البلدة، لكن أغلبهم يقيمون في الشارع الرئيسي. اكتشفنا من أمهات أخريات أن الجنود جاءوا إلى البيوت وأخذوا الأطفال. عندما غادر الجنود، تركوا الأطفال في الجانب الشمالي للبلدة.

هناك شاهد عيان ثالث قال إنه رأى واقعة من خارج البلدة مباشرة، وقال أيضاً إن الجيش وضع أطفالاً فوق دبابات وداخل حافلات. قال الشهود الثلاثة إن الهجمات على البلدة وعملية الغزو نفذتها قوات متمركزة على مسافة كيلومتر واحد شمالي عين لاروز، في بلدة أرنبة.

بموجب قانون حقوق الإنسان، فإن السلطات التي تتعمد تعريض الأفراد لخطر داهم على حياتهم، تخرق حقهم في الحياة، وهو ما قد يعتبر أيضاً معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة. وفي حالات النزاع المسلح التي يحكمها القانون الدولي الإنساني، فإن اتخاذ "الدروع البشرية" أمر محظور.

وقال أولى سولفانغ: "استخدام الجيش السوري لدروع بشرية سبب آخر لأن يحيل مجلس الأمن الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية. لابد من المحاسبة على هذه الانتهاكات".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة