مع إحياء مصر لذكرى ثورة 25 يناير/كانون الثاني المدنية التي أدت إلى إخراج حسني مبارك من الحكم بعد 30 عاماً قضاها رئيساً، لا يوجد اتفاق على كيفية الاحتفال، أو حتى إن كانت الفرحة هنا لائقة أو مقبولة.
الحُكام العسكريون – المجلس الأعلى للقوات المسلحة – يريدون تنظيم الاحتفالات وإلقاء الهدايا من الطائرات احتفالاً بالثورة، وكان نصيبهم الذي يعنيهم منها هو إخراج مبارك من السلطة. جماعات الشباب ونشطاء الديمقراطية الذين "هندسوا" الثورة في الأساس ينظمون حملة "عسكر كاذبون" التي تعقد مظاهرات صغيرة وعروض فيديو في الشوارع فيها توثيق لانتهاكات الشرطة والجيش. الإسلام السياسي الذي انتصر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، يحاكي دور الجيش وفي الوقت نفسه يضغط من أجل تسليم السلطة للمدنيين.
لكن علام يحتفل المصريون فيما يخص حقوق الإنسان؟ ليس الكثير... وهي إجابة مؤسفة على الثورة التي شهدتها أكثر بلدان الشرق الأوسط سكاناً، دولة هي مستقر ونقطة التقاء للكثير من القضايا السياسية الإقليمية، رغم الفقر الذي تعاني منه والكساد.
نعم، مبارك يُحاكم على قتل المتظاهرين، وهو ما يعتبر على الأقل تبرؤ رمزي من حكمه القمعي. نعم، نظمت مصر انتخابات نزيهة لبرلمان جديد انتصرت فيه الأحزاب الإسلامية أمام الأحزاب العلمانية والليبرالية. نعم، الإعام المستقل يعمل بجدية لتعرية الانتهاكات الحكومية.
لكن تم الحفاظ على الكثير من تركة مبارك القمعية، بل وتم تعزيز ودعم هذه التركة. المجلس العسكري يحكم مكانه، وقد أشار إلى أنه يجب أن يبقى سلطة وراء الكواليس، كما يفعل منذ 60 عاماً، منذ قلب نظام الحكم الملكي.
ما زال المصريون يعيشون تحت عبء قانون الطوارئ – المطبق منذ اغتيال السادات في عام 1981 – ويسمح ذلك القانون بحظر التجمعات العامة والاحتجاز لأجل غير مسمى دون اتهامات، والملاحقة القضائية في محاكم استثنائية لا تسمح بالاستئناف في الأحكام ومعروفة باعتمادها على اعترافات منتزعة تحت تأثير التعذيب. يوم الثلاثاء، أعلن قائد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المشير محمد حسين طنطاوي، عن رفع حالة الطوارئ المطبقة منذ 30 عاماً، لكنه قال إن مصر مستمرة في تطبيق قانون الطوارئ في حالات "البلطجة". ما أعلنه طنطاوي بعيد كل البعد عن أن يكون كافياً. في العام الأخير، أدانت المحاكم العسكرية مئات المتظاهرين السلميين بتهمة البلطجة.
على مدار نحو عام في السلطة، دأب المجلس العسكري على إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، وهي ممارسة أخرى من سنوات حكم مبارك، وإن كانت في عهده مخصصة لما يُدعى بـ "قضايا استثنائية". في بعض القضايا، نطق القضاة بالحُكم قبل بدء المحاكمات.
اعتقل الجيش تعسفاً وأدان متظاهرين سلميين، وبعضهم ما زالوا وراء القضبان. وهناك أحكام قانونية تعود إلى عهد الاحتلال الإنجليزي مطلع القرن العشرين، وتحظر تجمع أكثر من خمسة أفراد "بما يهدد السلم العام".
ورغم أنه بموجب المعايير الدولية لا يمكن استخدام القوة المميتة إلا في حالة الضرورة القصوى لإنقاذ الأرواح، فبموجب القانون المصري الحالي يحق للشرطة – الخاضعة فعلياً لسيطرة المجلس العسكري – صلاحيات واسعة تمنحها حق إطلاق النار على المتظاهرين. لوزير الداخلية صلاحيات واسعة في تقرير متى يتم استخدام الأسلحة وما التحذيرات المطلوب إعلانها على المتظاهرين قبل إطلاق النار عليهم. في 6 يناير/كانون الثاني أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن رفضها لتصريح من وزير الداخلية ذكر فيه أن رجال الشرطة سيحصلون على مكافآت نظير إطلاق النار على "البلطجية"، وهي الكلمة التي تستخدمها الحكومة أحياناً في الإشارة إلى المتظاهرين.
قوانين الشرطة سيئة بما يكفي، لكن تصرفات قوات الأمن – سواء الشرطة أو الجيش – مقيتة. في أكتوبر/تشرين الأول، دهس جنود الجيش المتظاهرين بالمدرعات وأطلقوا عليهم النار، فقتلوا 27 متظاهراً كانوا في مسيرة للأقباط احتجاجاً على إحراق كنيسة. في نوفمبر/تشرين الثاني قُتل 40 متظاهراً على الأقل على يد الأمن المركزي أثناء اضطرابات شهدها ميدان التحرير والمنطقة المحيطة به. تلجأ الشرطة بشكل روتيني إلى ضرب المتظاهرين، وبينهم السيدات. وثقت هيومن رايتس ووتش تعذيب المحتجزين على يد الجنود. وقام أفراد من الجيش بإجراء "كشوفات عذرية" مسيئة لسيدات رهن الاحتجاز. وتعمل وسائل الإعلام الحكومية على "شيطنة" جماعات المعارضة والمنظمات غير الحكومية وتصفها بأنها عميلة لقوى أجنبية شريرة.
ويستمر تطبيق قوانين تُخضع المواطنين للملاحقة القضائية بتهمة الخطاب "المهين" أو الكلمات "الضارة" بالآداب أو التي تطالب بتغيير النظام السياسي القائم. في مارس/آذار أضاف المجلس العسكري الجديد إلى مجموعة القيود على حرية التعبير وحرية التجمع، إذ جرّم الإضرابات والمظاهرات التي "تعيق العمل العام". في أبريل/نيسان حكمت محكمة عسكرية على المدون الشاب مايكل نبيل سند بالسجن ثلاث سنوات بتهمة "إهانة القوات المسلحة" عندما انتقد الحُكم العسكري في مدونته وعلى صفحته على الفيس بوك. قال المجلس العسكري الأسبوع الماضي أنه تم العفو عن مايكل نبيل وأنه سيُفرج عنه بين أكثر من 1900 سجين مدانين في محاكمات عسكرية، وهو ما يعتبر تنازل صغير مُقدم قبل يوم 25 يناير/كانون الثاني. ما كان يجب اعتقال وإدانة مايكل نبيل من البداية.
افتتحت مصر برلمانها الجديد يوم الاثنين. لابد أن يعمل البرلمان سريعاً على إلغاء القوانين المقيدة لحرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، وتلك القوانين التي تسمح للشرطة بصلاحيات واسعة في إطلاق النار على المتظاهرين. وعلى نواب مجلس الشعب العمل على الحد من اختصاص المحاكم العسكرية بما لا يتجاوز قضايا العسكريين، وأن يعملون على إلغاء قانون الطوارئ. وعلى أصدقاء مصر بالخارج – بما في ذلك حكومة الولايات المتحدة التي تقدم المعونة – أن تدعم بكل قوة الإصلاحات وأن تقاوم فكرة أن استمرار الديكتاتورية تعني الاستقرار.
مع مضي الثورة المصرية قدماً في أولى مراحلها، حان الوقت كي يوقف البرلمان الحُكم العسكري الذي خضعت له مصر طويلاً.
* دانييل ويليامز باحث أول في قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش. *