16 ديسمبر/كانون الأول 2011
معالي الدكتور/ بندر العببان
رئيس هيئة حقوق الإنسان
الرياض – المملكة العربية السعودية
معالي رئيس الهيئة،
تدعو هيومن رايتس ووتش سيادتكم إلى التدخل في قضية عامر عيادة، وخمسة مدعى عليهم آخرين، محكوم عليهم ببتر أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى. مثل هذا الحُكم يجب ألا يُنفذ في أي ظرف من الظروف، بما أنه ينطوي على التعذيب، في خرق لالتزامات المملكة الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. كما أن في هذه القضية، هناك ادعاءات بانتهاكات جسيمة لحق المدعى عليهم في المحاكمة العادلة، مما يلقي بظلال من الشك حول ما إذا كان الرجال المحكوم عليهم بهذا الحكم مذنبين بما أدينوا فيه.
إننا ندعو سيادتكم إلى تكليف محامي مختص ومؤهل للدفاع عن عيادة والآخرين، كما فعلت الهيئة في قضايا سابقة، وأن تطلبوا إعادة محاكمة عيادة والمدعى عليهم الخمسة، وأن تعلنوا رفض هذا الحُكم المُنزل بهم كونه تعذيب غير قانوني. كما ندعو سيادتكم إلى أن تزوروا عيادة بشكل منتظم ومتكرر والمدعى عليهم الآخرين في سجن ملز، لضمان عدم تعرضهم لأي عقبات سيئة جراء الاهتمام الإعلامي بقضيتهم.
إن ميثاق هيئة حقوق الإنسان ينص على أنها وزارة حكومية مُكلفة باستقبال الشكاوى الخاصة بحقوق الإنسان والنظر فيها واتخاذ الإجراءات اللازمة نحوها (كما جاء في المادة 5.7 من الميثاق) وكذلك التيقن من التزام الهيئات الحكومية المعنية بالكامل بالقواعد والأنظمة الخاصة بممارسات حقوق الإنسان (مادة 5.1) والتأكد من التزام الهيئات الحكومية بالمعاهدات الدولية (مادة 5.6) وحق الهيئة في زيارة مراكز الاحتجاز (مادة 5.6).
تفاصيل القضية
في 25 يناير/كانون الثاني 2011 حكمت محكمة الرياض العامة لى عيادة وخمسة مدعى عليهم آخرين ببتر أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى جراء مشاركتهم في جريمة يُعرفها علماء الشريعة بأنها جريمة "حرابة"، أو السرقة المسلحة في الطريق العام. انتهت المحكمة إلى أن المدعى عليهم قاموا في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2010 بحصار ثلاثة موظفين من سوبرماركت التميمي في طريق الملك فهد بالرياض، أثناء نقلهم حصيلة الأسبوع، مبلغ 4 مليون ريال سعودي (نحو 1.07 مليون دولار أمريكي) في صندوق سيارتهم، وأن المدعى عليهم هددوا الموظفين بسلاح، وأنهم أخذوا النقود منهم. لم يتضرر أحد بدنياً.
لا يوجد في المملكة العربية السعودية قانون عقوبات أو أي نظام قانوني آخر يُعرف هذه الجريمة بكافة أركانها، مما يجعلها بطبيعتها جريمة مبهمة صعبة التعريف. على سبيل المثال يختلف علماء الشريعة حول ما إذا كان حد الحرابة ينطبق على الجرائم المرتكبة خارج حدود المدينة، وكونها تنطبق فقط على الحالات التي لا يتمكن فيها الضحايا من طلب المساعدة. لقد ورد في القرآن أربع عقوبات للحرابة، هي "أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض" . اختلف الفقهاء حول معنى "يُنفوا"، إذ يراها البعض تعني السجن. كما اختلفوا حول كيف وفي أي حالات تُطبق كل من هذه العقوبات، لا سيما كان الاختلاف حول ما إذا كان القاضي حُر في اختيار العقوبة، وما إذا كانت السرقة المسلحة قد أسفرت عن وفيات أو إصابات تستدعي القتل أو الصلب للمعتدي، وما غذا كانت السرقة المسلحة دون الإضرار بالأفراد تتطلب البتر، وما إذا كانت نية ارتكاب جريمة سطو مسلح ثم الامتناع عن ارتكابها تقتضي النفي.
عرفت عائلة عيادة في مطلع ديسمبر/كانون الأول أن محكمة النقض أقرت الحُكم. المحكمة العليا – أعلى مرحلة في التقاضي – لم تراجع القضية بعد. ولا يمكن للملك بموجب القوانين السعودية منح العفو في قضايا الحرابة، أو السرقة المسلحة، نظراً لأنها جريمة في حق الله بحسب التفسير السعودي للشريعة الإسلامية. إلا أن موافقة الملك ضرورية من أجل تنفيذ الحُكم.
التعذيب القضائي
من المعروف والثابت أن أحكام القضاء التي تشمل العقوبات الجسدية – ومنها البتر – تعتبر تعذيباً. لقد صدقت المملكة العربية السعودية على اتفاقية مناهضة التعذيب في عام 1997، وعلقت اللجنة الأممية المكلفة بالإشراف على تطبيق الاتفاقية في عام 2002 على أول تقرير سعودي – وهو الوحيد حتى الآن – إذ انتقدت الأحكام الخاصة بالعقوبات الجسدية التي تُنزلها سلطات القضاء والسلطة الإدارية، بما في ذلك وبشكل خاص الجلد وبتر الأطراف، كونها لا تتفق مع الاتفاقية (CAT/C/CR/28/5). وفي خطاب إلى حكومة سيادتكم، أعرب مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب في نوفمبر/تشرين الثاني 2010 عن "القلق إزاء السلامة البدنية والنفسية" لصحفية سعودية حُكم عليها بخمسين جلدة (تقرير مرفوع إلى مجلس حقوق الإنسان بتاريخ 1 مارس/آذار 2011، رقم A/HRC/16/52/Add.1).
وفي معرض حديث المقرر الخاص عن العقوبات البدنية بشكل عام – وذلك في تقريره إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 30 أغسطس/آب 2005 – أشار إلى أن أي شكل من أشكال العقاب الجسدي يتناقض مع حظر التعذيب وغيره من أشكال العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (A/60/316). التوصية العامة الثالثة بين 15 توصية عامة أصدرها المقرر الخاص المعني بالتعذيب في عام 2003، هي "يجب فرض تشريع ينص على أن العقاب الجسدي – ويشمل "الإفراط في التأديب" كعقوبة على جريمة أو كعقاب تأديبي – واجب الإلغاء" (E/CN.4/2003/68, para. 26).
إن التعذيب جريمة دولية، وعلى الدول الأطراف في اتفاقية مناهضة التعذيب التزام بمقاضاة الأفراد المسؤولين عن أو المتواطئين في هذه الجريمة، وإذا تمت في المملكة وفي حال إخفاق السلطات السعودية في منعها. لقد جمعت هيومن رايتس ووتش معلومات عن أربع قضايا أمرت فيها المحاكم ببتر اليد وتم تنفيذها في السعودية على مدار السنوات العشر الماضية، كانت آخرها في أغسطس/آب 2010.
الاحتجاز التعسفي والإكراه على الاعتراف
سيادة رئيس الهيئة، إن عامر عيادة يزعم بوقوع انتهاكات عديدة لحقوقه الإنسانية أثناء توقيفه واحتجازه ومحاكمته. عندما دخل رجال أمن في ثياب مدنية بيته في أكتوبر/تشرين الأول 2010، لم يكن معهم إذن توقيف أو هم عرفوا أنفسهم له. أوقفوا عامر وشقيقين له، أحدهما يبلغ من العمر 15 عاماً وقت القبض عليه، وشقيقة، كانت تبلغ 13 سنة، وكذلك خالهم. وفي أثناء الاحتجاز طرف المباحث الجنائية في الرياض، يزعم عامر إن الضباط هددوه وقالوا إنهم لن يفرجوا عن أقاربه ما لم يعترف، ومن ثم وافق على الاعتراف.
كما يزعم المدعى عليه أنه تعرض لمعاملة بدنية سيئة ترقى لمستوى التعذيب. قال إن أثناء احتجازه لمدة 10 أيام في مركز التحقيق الجنائي بالرياض، في حي البطحاء، قام أربعة ضباط بضربه تكراراً، واستمر الضرب لساعات كل يوم. قال عيادة إنهم ضربوه بأيديهم واسلاك كهربية وعصي، وضربوه لساعات على شتى أنحاء جسده، وكالوا ضربات قوية لظهره بالقرب من كليتيه. أسماء الضباط ورتبهم، بحسب ما وفر عيادة من معلومات هم: (تتحفَّظ هيومن رايتس ووتش على اسمائهم). قال عيادة إن المحقق الرابع كان رجلاً باكستانياً يتحدث العربية. قال عيادة إن (تتحفَّظ هيومن رايتس ووتش على الاسم) و(تتحفَّظ هيومن رايتس ووتش على الاسم) كانا الأكثر قسوة.
وبنهاية أيام التعذيب العشرة، على حد قول عيادة، أجبره الضباط على توقيع اعتراف مُحضر من قبل، ثم أخذوه مباشرة إلى المحكمة من أجل إجراء قانوني يُدعى "التصديق على الأقوال" وقبل ذلك حذره (تحذرهيومن رايتس ووتش من نشر الاسم) أن عليه أن يصدق على اعترافه وإلا عاد لمزيد من التعذيب. يقول عيادة إنه عندما مثل أمام القاضي – وذكر أن اسمه الأخير هو المقحم – كان على وجهه آثار تعذيب. ورغم ذلك، على حد قول عيادة، لم يسأله القاضي عن هذه الآثار ولم يسمح له بالكلام، إلا ليجيب بـ "نعم" أو "لا" فيما يخص التصديق على اعترافه. كان الحراس حاضرون في قاعة المحكمة معه، على حد قوله.
وبعد إعادته إلى مركز المباحث الجنائية، بدأ عيادة في إضراب عن الطعام لمدة سبعة ايام للمطالبة بالتراجع عن اعترافاته، لكن المسؤولين لم يستجيبوا. هناك حارس يُدعى (تتحفَّظ هيومن رايتس ووتش على الاسم)، بحسب زعمه قال له إن "لا حقوق له" في السعودية لأنه شخص بدون، مثل المتهمين الخمسة الآخرين. عائلة عيادة من الموصل، العراق، وصلت إلى السعودية قبل ستة أعوام. ثم قام الضباط بنقل عيادة إلى سجن ملز، حيث حبسه الحراس في زنزانة وصفها بأنها متر في متر، لمدة 33 يوماً. هناك حارس يُدعى (تتحفَّظ هيومن رايتس ووتش على الاسم)، زعم عيادة إنه قال له إن التعليمات الصادرة من المباحث هي إبقاءه في عزلة. أصيب عيادة بالمرض في إحدى ساقيه، ربما كان المرض هو تخثر الدم، وما زال يعاني منه حتى اليوم على حد قوله، لكن الحراس رفضوا طلبه بأن يقابل طبيب.
ثم قام الضباط بنقل عيادة من الحبس الانفرادي إلى زنزانة جماعية في سجن ملز. لكن ما زال رهن الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي. ويقول عيادة إنه فيما بعد عرف أن أسرته استعانت بمحامي ورُفض منحه الإذن أربع مرات بمقابلته كي يحصل منه على توكيل المحامي. كما منعت السلطات جميع الزيارات العائلية عن عيادة.
محاكمة غير عادلة
في 28 فبراير/شباط 2011، في السابعة صباحاً، بعد ثلاثة أشهر من نقله إلى زنزانة جماعية، أخبر الحراس عيادة بأنه سيذهب إلى المحكمة في اليوم التالي، على حد قوله. وفي طريقه إلى هناك، تمكن من إجراء زيارة قصيرة لوالده، لكن القاضي عبد العزيز الشيخ رفض السماح لأسرته أو المحامي الذي استعانوا به بحضور الجلسة. دامت الجلسة 30 دقيقة، ولم يعطي القاضي المدعى عليهم الستة الفرصة للكلام والدفاع عن أنفسهم، على حد قول عيادة.
وبعد شهر، في 29 مارس/آذار 2011 – ومرة أخرى دون إخطار مسبق – تم نقل عيادة لجلسة المحاكمة الثانية، وفيها نطق القاضي الحُكم، ومرة أخرى دون أن يسمح للمدعى عليهم بتقديم روايتهم للأحداث بشكل تفصيلي. يقول عيادة إنه طلب مساعدة محامي في الجلستين، لكن القاضي آل الشيخ رفض. يزعم عيادة إن مشاركته في الجريمة كانت مختلفة للغاية عن الموصوفة في الحُكم، وأنه لم يكن حتى حاضراً في مسرح الجريمة لدى وقوعها. أسماء المدعى عليهم الآخرين هي: برزان بن رحيل الشمري، محمد بن علي الشمري، محمد بن ذياب مضحي، عبد الله ذياب مضحي، بندر بن عباس الأسعدي، وهم جميعاً من البدون وجاءوا للمملكة من العراق وسوريا.
يقول عيادة إنه لم يشارك في أي من الجلستين بالمحكمة قضاة آخرين، وقد صدر الحُكم في 29 مارس/آذار 2011، يحمل توقيع اثنين من القضاة، هما إبراهيم عبد الله النخيلان، ومحمد إبراهيم بن قاعود. يطالب القانون السعودي بأن تكون هيئة القضاة في قضايا الحرابة ثلاثة قضاة. عرفت أسرة عيادة في مطلع ديسمبر/كانون الأول أن محكمة النقض أيدت الحُكم.
المعايير الدولية الخاصة بالتحقيق في التعذيب والمحاكمة العادلة
بصفة المملكة دولة طرف في اتفاقية مناهضة التعذيب، فهي مُلزمة بالبدء فوراً وبشكل محايد في تحقيق في جميع مزاعم عيادة والمدعى عليهم الآخرين في القضية، بأن المحققين قد قاموا بتعذيبهم أثناء الاستجواب. ورغم أن الحُكم ورد فيه أن جميع المدعى عليهم إلا واحد قد تراجعوا عن اعترافاتهم في المحكمة نتيجة للضرب والتعذيب، فلم يتم فتح تحقيق من أي نوع حتى تاريخه في هذا الأمر على حد علم هيومن رايتس ووتش. كما تطالب الاتفاقية المملكة بضمان أن أي أقوال تُنتزع تحت تأثير التعذيب يجب ألا تُستخدم كأدلة ضد الشخص الذي تم تعذيبه.
السعودية ليست دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يحدد أركان المحاكمة العادلة، لكن في عام 2009 صدقت المملكة على الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي ينص على حقوق مماثلة. حقوق المحاكمة العادلة المذكورة في العهد الدولي تعتبر جزءاً من القانون الدولي العرفي. تشمل هذه الحقوق الحق في الحصول على مساعدة محامي في جميع مراحل ما قبل المحاكمة ومراحل الاحتجاز على ذمة المحاكمة، والحق في إتاحة وقت وتسهيلات كافية لتحضير الدفاع، والحق في الطعن في أدلة الادعاء. نظام الإجراءات الجزائية السعودي يضمن أيضاً هذه الحقوق. ومن الأدلة التي اطلعنا عليها، يبدو أن محاكمة عامر عيادة شهدت حرمان بيّن من هذه الحقوق وأن لهذا السبب لابد من الإفراج عنه أو محاكمته محاكمة جديدة عادلة. وعلى كل حال، فإن العقاب الذي فرضته المحكمة عليه يجب ألا يُنفذ.
أتمنى سعادة رئيس الهيئة معرفة ما ستبذلونه من جهد في هذه القضية.