Skip to main content

في أعقاب تونس ومصر، يتسائل الكثيرون: "على من الدور؟" وجوابي بكل ثقة هو: كل زعيم يحكم في هذه المنطقة بالقوة والاحتيال، الذي لا مصداقية ولا شرعية له، والذي لا يخشى شيئا أكثر من غضب شعبه، فالدور دوره. إننا لا نستطيع معرفة التسلسل، أو برمجتها على جدول زمني. لكن وضع الاضطرابات السياسية في شمال أفريقيا فقط في الشهرين الأولين من هذا العام كذَّب حكمة الدول العربية والعديد من العواصم الغربية القائلة بأن الناس في المنطقة ليسوا "جاهزين" للديمقراطية ولن يهُبوا للمطالبة بوضع حد للاستبداد.

وقد اعتمدت العديد من الحكومات على أدواتها القمعية الصدئة لقمع مظاهر حماسة الشارع الصاخبة للديمقراطية. وأطلقت قوات الأمن اليمنية حافلات تقل مناهضين للمتظاهرين مُختارين ومسلحين بالهراوات والحجارة لمواجهة حوالي 1000 شخص في مسيرة للاحتفال بسقوط حسني مبارك، ثم أرسلت شرطة مكافحة الشغب ومعها خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع. أما في الضفة الغربية، فإن السلطة الفلسطينية لم تهضم المظاهرات التي لم تركز على الاحتلال الإسرائيلي، بل على مطلب الوحدة الوطنية وإجراء انتخابات نزيهة تحت إدارة شبه خاصة بهم. هناك أيضا رأينا الهجمات العنيفة من المألوفة، والاعتقالات والضرب والتعذيب في حق متظاهرين سلميين يُطالبون بتغيير سياسي حقيقي.

تصرفت سوريا وليبيا بشكل استباقي وألقوا القبض على نشطاء من يُرجح أن يُنظموا احتجاجات في الشوارع، وعبأوا الأماكن العامة بقوات الأمن. في هذه البلدان، يتم التعامل حتى مع حشد من عشرة أشخاص على أنه تهديد للوضع القائم. الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد جمع بين رتبة النفاق والعلامة التجارية لوحشيته، مُهنئا "الحركة التي تسعى للعدالة في مصر" في حين يقوم بإسكات زعماء الاحتجاج الإيراني ويمنع مسيرتهم التضامنية التي خططوا لها بدعوى أنها "تقسيمية".

وعرض زعماء عرب آخرون، سواء بدهاء أو لأنهم أكثر خوفا، بعض الجزر الذابل. أقال العاهل الأردني الملك عبد الله حكومته وعين رئيس وزراء جديد، وتظاهر مرة أخرى أن الإصلاح لا يتطلب حدودا دستورية على الحكم الملكي المطلق ولكن فقط مجرد خلط ورق لعب أتباعه. ملك البحرين حمد بن عيسى، اقتداء بالنموذج الكويتي، اتخذ نهج الرشاوى وقدم أكثر من 2600  دولار لكل أسرة بحرينية (الكويتيون حصلوا على 3580 دولار لكل منهم). وكانت الإشارة الأكثر جدية هي وعد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بإنهاء عقود من حالة الطوارئ الذي، كما هو الحال في مصر وسوريا، سمح للحكومة بحظر التجمعات العامة حسب رغبتها واعتقال الأفراد دون تهمة إلى أجل غير مسمى مع رقابة قضائية شبه منعدمة.

لا تستجيب أي من هذه التدابير للمطالب الشعبية الأساسية في هذه البلدان الراغبة في الحصول على فرصة العيش في حرية. إنهم يريدون إلغاء القوانين التي ترمي الناس في السجون بتهمة "إهانة" الزعيم، والتي تحد من التجمعات العامة والخاصة (تجمع أكثر من خمسة أشخاص يحتاج إلى موافقة من وزارة الداخلية في العديد من البلدان)، والتي تُقوض المنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية المستقلة، والتي تمنع انتخابات نزيهة - إذا كانت هناك انتخابات على الإطلاق. إن الحاجة إلى سيادة حقيقية للقانون تتطلب وضع حد للقوانين التي تُجسد الطغيان.

كما فرض الزعماء العرب والإيرانيون قيودا قاسية على مواطنيهم مع مرور كل سنة، كان آخرها خلال جهودهم لضم الانترنت والاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية في نطاق قوانينهم القمعية في مجال التعبير والصحافة. لقد قاوموا الإصلاحات الحقيقية لسبب أساسي جدا: لأنها تعني نهاية احتكارهم للسلطة. واعتمد الأكثر علمانية بينهم على شبح الإسلاميين لتخويف المجتمع الدولي للموافقة على  الوضع الراهن "الآمن" من حكمهم الديكتاتوري. إنها صفقة رديئة تساهلت معها لمدة طويلة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين تُعزز ملياراتهم من المساعدات للأردن ومصر، ومشاريع "التعاون في مكافحة الإرهاب" الواسعة مع كل حكومة عربية قائمة تقريباً، من فعالية الحكم الاستبدادي وفرض عقوبات وقمع المواطنين. وتُقدم مصر وتونس درسا هاما وعاجلاً: إن الاستقرار الذي تفرضه الحكومات القمعية لن يستمر إلى الأبد، حتى لو أن أحدا لا يعرف متى بالضبط سيقول الشعب "كفى". ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان قادة الثورات الشعبية، أو الفائزين في انتخابات ديمقراطية، سيكونون غير متسامحين وإسلاميين غير ديمقراطيين. وقد يكون من الجائز أن يكسب حزب علماني تقدمي في مصر الجديدة تأييد غالبية الناخبين المصريين، ويمكن أيضا أن يفوز بعض الزعماء العرب الحاليين، حتى الملك عبد الله، في انتخابات حقيقية.

في نهاية المطاف، ليس لدى العواصم الغربية سوى التعايش مع عدم اليقين من نتائج الديمقراطية في المنطقة -- بعد كل شيء، لقد كان على العرب العيش مع السياسات الخارجية السلبية للقادة المنتخبين ديمقراطيا في الولايات المتحدة وإسرائيل. وسوف تحصل الحكومات الغربية على خدمة أفضل، في النهاية، من خلال دعمها لما تزعم أنها تُدافع عنه، وما يطالب به المحتجون: حقوق الإنسان والديمقراطية.

وبالنسبة لكل زعيم شرق أوسطي يحكم دون موافقة شعبه، فالدرس واضح تماما: الإصلاح أو الموت. على من الدور؟ الدور عليك!

* سارة ليا ويتسن هي المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة