(نيويورك) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الادعاء الأردني أمر باحتجاز سيدة على ذمة المحاكمة متهمة بمخالفة صغيرة، رغم إصابتها المهددة للحياة بمرض معدي هو Necrotizing Fasciitis والمعروف أيضاً باسم بكتيريا "تآكل اللحم البشري".
تم الأمر بالاحتجاز رغم أنه كان من المقرر أن تخضع السيدة لجراحة في نفس اليوم، ورغم أنه - على حد قول السلطات الطبية - يمكن أن تتدهور الحالة بسرعة وقد تؤدي للوفاة. أخيراً أرسلتها سلطات السجن للجراحة في مكان آخر لكنها خضعت لعلاج غير ملائم عادت بعده إلى السجن. ربى عطا نوري، الأردنية البالغة من العمر 34 عاماً والمقيمة في عمان، كانت رهن الاحتجاز منذ ثلاثة أشهر تقريباً عندما تحدثت إليها هيومن رايتس ووتش.
وقال كريستوف ويلكى، باحث أول بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "أمر احتجاز الادعاء ربما كان بمثابة شهادة وفاة نوري، لولا تدخل سلطات السجن التي نقلتها إلى المستشفى. لكنها خضعت للاحتجاز لمدة ثلاثة أشهر دون العلاج المطلوب لمرضها ودون تسكين آلامها".
وقالت هيومن رايتس ووتش إن صحة المشتبه بهم وقدرة نظام السجن على توفير العلاج الملائم، تعتبر من الاعتبارات الأساسية أثناء تقرير الاحتجاز على ذمة المحاكمة، لا سيما في الجرائم والمخالفات الصغيرة.
كان من المقرر لنوري الخضوع لجراحة في مستشفى الحنان الخاص في عمان يوم 5 أغسطس/آب 2010، لكن ضباط الشرطة أوقفوها ليلة 4 أغسطس/آب واستجوبوها بشأن الاتهامات المنسوبة إليها بالتزوير.
ثم نقلتها الشرطة أثناء الليلة إلى مركز احتجاز الجويدة للنساء، قبل عرضها على مدعي عام جنوب عمان، محمد هاشم الحجازي، صباح 5 أغسطس/آب. الحجازي أصدر أمر توقيف بحق نوري ساري حتى 12 أغسطس/آب، والظاهر أن الأمر صدر دون أخذ حالتها الطبية في الاعتبار أو الجراحة المقررة لها ذلك اليوم. كما أن التزوير لا يتطلب الاحتجاز على ذمة المحاكمة في الأردن، وعلى ضوء جراحتها، فلم يكن هناك سبب ظاهر للسعي لاحتجازها، أسباب من قبيل خطر الفرار أو تعطيل سير العدالة، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
وقد رفض العاملون في مركز احتجاز الجويدة إعادة نوري إلى المركز إثر قرار المدعي، عندما أدركوا حالتها. وبدلاً من إرسالها إلى مستشفى الحنان لإجراء الجراحة المقررة لها، أحالوها على مستشفى البشير الحكومي في عمان، حيث أجرى عليها الأطباء الجراحة بعد أيام.
المكتبة الأمريكية الوطنية للطب أشارت في ديسمبر/كانون الأول 2009 إلى أن "عدوى تآكل اللحم البشري هي حالة نادرة لكنها إصابة بكتيرية حادة قادرة على تدمير العضلات والجلد والأنسجة تحت الجلد... ودون علاج فقد تؤدي إلى الوفاة السريعة".
وقد صدر مقال علمي عام 2009 في الدورية الأمريكية للجراحين عن هذه العدوى، كان مفاده أن "25 إلى 30 في المائة من مرضى عدوى تآكل اللحم البشري يموتون من المرض، وأعراض المرض المألوة هي الألم والقلق والإفراط في العرق، مع تدهور سريع للأعراض".
فضلاً عن ذلك، فإن عدوى الـ MRSA، أحد أسباب عدوى بكتيريا تآكل اللحم البشري، يمكن أن تنتقل بسهولة في السجون ومن الصعب احتوائها.
وقالت نوري إنها أصيبت بألم حاد ولم تتلق علاجاً له بعد إعادتها إلى مركز احتجاز الجويدة في 29 أغسطس/آب، إثر ثلاثة أسابيع ونصف الأسبوع من حراسة الشرطة لها في مستشفى البشير. ظلت رهن الاحتجاز بموجب أمر من الحاكم الإداري. ومنذ ذلك التوقيت وحتى 25 سبتمبر/أيلول، قام العاملون بالسجن بنقل نوري إلى مستشفى البشير عدة مرات، وإلى مستشفى حاووز الحكومي في الزرقا، وإلى مستشفى توتنجي الحكومي في سحاب، ورفضت جميع تلك المستشفيات إدخالها رغم إقرارها بحاجتها للعلاج الفوري، على حد قول نوري لـ هيومن رايتس ووتش. ولم تعمل سلطات السجن على بذل المزيد من الجهد لمنحها العلاج الطبي.
وقالت نوري إنها قابلت طبيب السجن لكنه لم يفحصها. قدمت لها ممرضة بالسجن حقنتين إيبوبروفين لتسكين الألم، تقريباً يومي 11 و12 سبتمبر/أيلول، رغم شكاواها المتكررة من الألم الحاد.
كما يقدم طبيب السجن خدمات في سجن الجويدة للرجال، وهو قريب، ولا يزور مركز احتجاز النساء إلا ثلاثم رات أسبوعياً، لمدد قصيرة. الممرضة متواجدة طوال ساعات العمل فقط، على حد تأكيد العاملين بالسجن لـ هيومن رايتس ووتش. وقامت المنظمة بفحص سجون الرجال والنساء بالجويدة عام 2008 وتبينت أن خدمات الرعاية الصحية هناك غير كافية.
مديرة سجن الجويدة للنساء، العقيدة هناء الأفغاني، قالت لـ هيومن رايتس ووتش إن وزارة الصحة مسؤولة عن الرعاية الصحية للسجناء، لكن العاملين بالسجن يمكنهم تقرير نقل النزلاء لتلقي العلاج بالخارج وأن هناك عربة إسعاف متوفرة على مدار 24 ساعة. قالت الأفغاني إنه قد وردتها تقارير طبية تشير إلى أن حالة نوري "مستقرة" بينما كانت في الجويدة. واطلعت هيومن رايتس ووتش على تقرير من قبل طبيب السجن، بشار أحمد، يصف حالتها بـ "المستقرة" رغم قول نوري أنه لم يفحصها مطلقاً.
سلطات السجن مُلزمة بموجب القانون الدولي بتوفير مستوى الرعاية الصحية المتوفر في المجتمع للسجناء، وليس فقط الإجراءات الطبية الخاصة بإنقاذ الأرواح أو لجعل الحالات المرضية مستقرة. والإخفاق في توفير مسكن الألم قد يرقى لكونه معاملة قاسية.
وقالت نوري أيضاً لـ هيومن رايتس ووتش إنها لم تتمكن من الاغتسال أو الاستحمام لأكثر من شهر، بسبب جروحها، وأن السجن لا يقدم لها إلا بعض المناشف المبتلة لتنظيف جسدها. وقالت إنها أحست بالإهانة أمام النزيلات الأخريات بالسجن، الذين على حد قولها أظهروا التفهم لحالتها. وقالت إن أقاربها جلبوا لها المضادات الحيوية التي دفعت ثمنها بنفسها، لكن مسكن الألم لم يكن متوفراً. وقالت إنها أعطت أحد الحراس النقود لتدفع لها ثمن الضمادات التي استخدمتها للتغيير على جروحها يومياً.
وقال كريستوف ويلكى: "سلطات السجون مسؤولة بشكل كامل عن صحة المحتجزين" وأضاف: "إخفاقهم في منح نوري الرعاية المطلوبة لمرضها أو تسكين آلامها الحادة يمكن اعتباره معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة".
وفي جلسة المحكمة الأولى لنوري، 28 أكتوبر/تشرين الأول، أفرج القاضي عنها بكفالة بمبلغ 10 آلاف دينار أردني، أي حوالي 15 ألف دولار. التقارير الطبية المرفوعة للقاضي يظهر منها أنه كان على علم بحالتها الطبية. إلا أن الشرطة نقلتها إلى الحاكم الإداري الذي أفرج عنها بضمانات مالية أخرى بثلاثين ألف دينار، قدمت عنها ضمانات ودفعت رسوم. وسبق أن أوضحت هيومن رايتس ووتش تفصيلاً في تقرير كيف أن المحافظين يسيئون استخدام سلطتهم باحتجاز المشتبهين الجنائيين إدارياً، حتى رغم خروجهم من الاحتجاز بكفالة قضائية. ما زالت نوري طليقة مع استمرار محاكمتها لكنها حالياً تخضع للعلاج.
مدونة مبادئ الأمم المتحدة لعام 1988، تنص على أنه يجب علاج جميع المحتجزين "بشكل إنساني ومع احترام الكرامة الإنسانية" (مبدأ 1)، وأنه "يجب توفير الرعاية الطبية المجانية والعلاج الطبي إذا استدعت الحاجة" (مبدأ 24). معايير الأمم المتحدة الدنيا لعام 1955 تنص أيضاً على أنه من الواجب "كفاية" مستحضرات النظافة الصحية لحفظ "الصحة والنظافة" (مبدآن 12 و15).
والأردن دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يطالب الحكومات بتوفير "الرعاية الطبية الملائمة أثناء الاحتجاز" واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، التي تحظر التعذيب والمعاملة السيئة. لجنة مناهضة التعذيب - الهيئة الرقابية التابعة لاتفاقية مناهضة التعذيب - انتهت إلى أن الإخفاق في توفير الرعاية الطبية الملائمة للمحتجزين قد تخرق حظر الاتفاقية المطلق على المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وفي عام 2007 عدل الأردن المادة 208 من القانون الجنائي بحيث أصبحت تجرم التعذيب، لكن ليس المعاملة السيئة. كما أن الاحتجاز على ذمة المحاكمة بأمر من الادعاء لمدة ثلاثة أشهر تقريباً قبل أول جلسة للمحكمة هو خرق للمادة 9(3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تطالب السلطات بإحالة المشتبه "على وجه السرعة" إلى قاضي. كما أن الأردن دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الضامن للحق في أعلى مستوى مُتاح من الرعاية الصحية.
لجنة حقوق الإنسان، القائمة بشأن تفسير العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في تعليقها العام رقم 21 في عام 1992ن أوضحت أن المحتجزين "يجب ألا يتعرضون لأي مشاق أو قيود باستثناء تلك الناجمة عن الحرمان من الحرية" وأن المعاملة الإنسانية "لا يمكن أن تكون رهن الموارد المتوفرة من قبل الدولة الطرف" (فقرات 3 و4).
لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية القائمة بتفسير العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في تعليقها العام رقم 14 في عام 2000، انتهت إلى أن "الدول مُلزمة باحترام الحق في الصحة، ويشمل ذلك الامتناع عن الحرمان أو تحديد إتاحة الرعاية الصحية للأفراد، ومنهم السجناء والمحتجزين" (فقرة 34). التعليق العام يوضح أيضاً أن على الدول الوفاء بالحق في الرعاية الصحية "عندما يكون الأفراد أو الجماعات غير قادرين، لأسباب خارجة عن إرادتهم، على توفير هذا الحق لأنفسهم بسبل متاحة لهم" (فقرة 37).