(نيويورك، 24 يونيو/حزيران 2010) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على السلطات المصرية أن تحقق مع وتنسب الاتهامات على وجه السرعة إلى رجلي الشرطة اللذان كانا في ثياب مدنية وقاما بضرب خالد سعيد البالغ من العمر 28 عاماً في الإسكندرية بتاريخ 6 يونيو/حزيران، مما أفضى لوفاته، على حد قول قال عدد من الشهود.
كما يتعين على السلطات التحقيق مع رؤساء رجلي الشرطة هذين وكذلك وكيل النيابة المحلي الذي أخفق تحقيقه الأولي في جمع الأدلة على النحو الواجب كما أخفق في الاستماع الشهود.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "الشهادات والصور الفوتوغرافية لوجه خالد سعيد المُشوّه تعتبر أدلة قوية بأن رجال شرطة في ثياب مدنية ضربوه بكل قسوة وفي مكان عام". وتابع: "على النيابة أنتستجوب جميع الأطراف في القضية على وجه السرعة وأن تحقق بالكامل فيما أدى للكسور والإصابات العديدة الواضحة تمام الوضوح على جسد الضحية".
صور خالد سعيد المنشورة على الإنترنت لوجهه المشوه، يظهر فيها جمجمته المكسورة، وفكه المنقول عن مكانه الطبيعي، وأنفه المكسور، وإصابات أخرى عديدة. أحمد سعيد، شقيق خالد، أكد صحة الصور لـ هيومن رايتس ووتش، كما أدلى تسعة شهود بشهاداتهم أمام النيابة التي وصفوا فيها عملية الضرب.
وكان وكيل النيابة قد أجرى تحقيقاً أولياً انتهى فيه إلى أن سعيد مات جراء الاختناق بعد أن ابتلع لفافة مخدرات. وأمرت النيابة بدفن جثته. لكن النائب العام أمر بإجراء تحقيق ثاني أعلى مستوى، بعد عدة أيام من الاحتجاجات العامة. لكن تقريرالطب الشرعى الثاني ورد فيه أيضاً أن سبب الوفاة هو الاختناق. ولم يتم إعفاء رجلا الشرطة اللذان قال عنهما الشهود إنهما ضربا خالد مما أفضى لوفاته من واجباتهما ولم تقم النيابة باستجوابهما بعد، وهما من قسم شرطة سيدي جابر
ووصف الشهود لـ هيومن رايتس ووتش كيف قام رجلان قالوا إنهما كانا يرتديان ثياباً مدنية، بالقبض على سعيد في إنترنت كافيه "سبيس نت" بشارع بوباستيس. هيثم مصباح، ابن صاحب الإنترنت كافيه قال إنه شاهد رجلي الأمني يضربان سعيد.
كان خالد واقفاً معي أمام السيبر ثم ذهب لإلقاء السلام على صديق. في تلك اللحظة، تقدم رجلا شرطة في ثياب مدنية - تبين فيما بعد أنهما كانا ينتظران على المقهى المقابل - تقدما منه. رأيتهما يمسكانه ويلفان ذراعيه وراء ظهره فذهبت إليه لكنني رأيت مسدسات فأدركت أنهما من الشرطة. سألتهما ماذا يفعلان فقالا: ابتعد وإلا أغلقنا محلك".
حاول خالد التملص منهمافأمسكا برأسه وضرباها على رف رخامي. في تلك اللحظة حاولنا إخراجهم، ونحن نعتقد أنهما يحاولان القبض عليه، لكنهما جرجراه إلى مدخل البناية المجاورة. كان شعر خالد طويلاً بعض الشيء ورأيتهما يمسكان بشعره ويضربان رأسه ببوابة البناية الحديدية ويضرباه في وجهه وبطنه. ركلاه بقوة بالغة فسقط على السلم. ثم أمسكا برقبته وشعره وضربا رأسه في السلم.
آخر شيء قاله خالد كان "أنا بأموت"، لكنهما لم يتوقفا. ثم سمعت زوجة البواب تصرخ. كف خالد عن الحركة، لكنهما استمرا في ركله وهما يقولان: "أنت تتظاهر بالموت".
محمد بواب البناية المجاورة للإنترنت كافيه قال لـ هيومن رايتس ووتش:
كنت واقفاً أعلى السلم في المدخل عندما جرجراه إلى العمارة، وهما يقيدان يديه وراء ظهره. أمسكا به من شعره وضربا رأسه بالباب الحديدي للعمارة ثم مرة أخرى على درجات السلم الرخامية في المدخل. شهق خالد وقال: "أنا هأموت، أنا هأموت". ردا قائلين: "أنت كده كده ميت". واستمرا في ضربه رغم توقفه عن الحركة.
في تلك اللحظة اتصل رجلا الشرطة بضابط وقالا: "يا باشا عندنا حالة"، وكان هناك طبيب على مقربة تقدم وحاول إسعافه لكنه لم يقدر. ثم جاء الصيدلي وتفحصه وقال إنه قد مات فغطيناه بملاءة. وصل الضابط برفقة عربة شرطة بعد قليل وأخذوا جثة خالد ووضعوه في عربة الشرطة. انطلقوا مبتعدين لكنهم عادوا بعد عشر دقائق وألقوا بجثته في مدخل العمارة. ثم جاءت سيارة إسعاف. رفض رجل الإسعاف اصطحاب الجثة لأنه رأى أنه مات بالفعل، لكن الضابط أمره باصطحابه. كانت الدماء في كل مكان. اضطررت فيما بعد لتنظيف المكان من الدم.
وفي التحقيق المبدئي، لم يزر وكيل نيابة سيدي جابر في الإسكندرية مسرح الجريمة ولم يستجوب إلا الشاهدين الذين قدمتهما الشرطة له. الشاهدان زعما أن سعيد ابتلع لفافة مخدرات عندما رأى رجلي الشرطة. محامي أسرة سعيد، محمد عبد العزيز، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن وكيل النيابة أمر بإجراء فحص طبي، وانتهى الفحص إلى أن سعيد مات مختنقاً بعد أن ابتلع لفافة مخدرات، وأمر بدفن الجثة.
وعندما فتحت هيومن رايتس ووتش هذه القضية للنقاش في اجتماع مع مسؤولين بوزارة الداخلية بتاريخ 12 يونيو/حزيران، ردوا قائلين بأن القضية ما زالت مفتوحة للتحقيق ولا يمكنهم التعليق عليها. لكن صدر بيان صحفي للوزارة في ذلك اليوم ورد فيه أن "حقيقة الواقعة تمثلت في أن فردي شرطة من قوة وحدة مباحث قسم سيدي جابر... شاهدا سعيد يرافقه أحد أصدقائه ولدى توجههما لضبطه بادر المذكور بابتلاع لفافة تبين بعد ذلك أنها تحتوي مادة مخدرة مما ترتب عليه حدوث اختناق أسفر عن وفاته".
وورد في البيان أيضاً أن خالد "محكوم عليه" ومطلوب لتنفيذ حكمين بالحبس صدرا غيابياً بتهمة السرقة والحيازة غير القانونية للأسلحة، وأنه متهرب من الخدمة العسكرية. خال سعيد، الدكتور علي قاسم، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن جميع هذه الادعاءات كاذبة. وقال إن خالد سافر إلى خارج مصر عدة مرات، وهو شيء يستحيل للمتهرب من الخدمة العسكرية فعله، وكذلك يستحيل على من صدرت بحقه أحكام محاكم.
وقال جو ستورك: "حتى لو كان خالد سعيد مجرم مطلوب على صلة ببعض الجرائم، فهذا لا يمنح الرخصة للشرطة كي تهاجمه وتقتله بدم بارد". وأضاف: "بيان وزارة الداخلية هو بكل وضوح بيان غير مسؤول، ويفيد بالتغاضي الضمني عن أعمال قسوة الشرطة".
مقتل سعيد الدامي أدى إلى نشوب مظاهرات في القاهرة والإسكندرية، فرقتها قوات الأمن باستخدام العنف، وقبضت على عدد كبير من المشاركين فيها.
في 15 يونيو/حزيران أمر النائب العام عبد المجيد محمود بإعادة فتح التحقيق وأحال القضية إلى وحدة نيابة استئناف الإسكندرية. وأمر المسؤولين بإخراج الجثمان من مدفنه وعيّن ثلاثة أطباء لإجراء فحص طب شرعي جديد. وأعلنت النيابة علناً عن نتائج التقرير الطبي الثاني، في 23 يونيو/حزيران الذي أكد الوفاة بأسفكسيا الاختناق. لكن التقرير الطبي الثاني ورد فيه وجود عدد من الإصابات على شتى أنحاء الجسد وانتهى إلى أن "لا يوجد ما يمنع من جواز حدوثها نتيجة الضرب اثناء محاولة السيطرة على المجنى عليه".
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه على أساس هذا الاستنتاج وحده، يتعين على النائب العام التعجيل باستجواب رجلي الشرطة المتورطين والضابط المشرف على العملية، وأن يصدر أوامر اعتقال بحقهم من أجل تنفيذ التحقيقات.
وما زال بإمكان النيابة إحالة القضية إلى المحكمة، بموجب المادة 129 من قانون العقوبات، التي ورد فيها أن "كل موظف او مستخدم عمومى وكل شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة مع الناس اعتمادا على وظيفته بحيث انه اخل بشرفهم او احدث الاما بابدانهم يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة او بغرامة لا تزيد على مائتى جنيه".
وقال جو ستورك: "نتائج تقرير الطب الشرعي لا تجيب على السؤال الأساسي: كيف أصيب جثمان خالد سعيد بتلك الاصابات والتي تتسق مع روايات لا حصر لها من شهود العيان الذين قالوا إنهم شاهدوا رجلي الشرطة يضربان وجه خالد مراراً بدرجات السلم والبوابة الحديدية". وأضاف: "يجب على النيابة العامة إجراء تحقيق جنائي مستقل ومستفيض في سلوك أفراد الشرطة هؤلاء".
وبعد أن زارت نيابة الاستئناف مسرح الجريمة وتحدثت إلى الناس في المنطقة، شهد شهود جدد ظهروا لأول مرة أمام النيابة بأنهم رأوا عملية الضرب. هيثم مصباح قال لـ هيومن رايتس ووتش إن في بداية الأمر لم يكن من الوقوف بالمنطقة من المستعدين للشهادة غيره هو وأبيه وبواب العمارة المقابلة وصديق خالد. وقال:
أمضيت أياماً أحاول إقناع الناس بالذهاب والشهادة، لكن الجميع كانوا خائفين للغاية. وبسبب الحادث، جاء ضباط من قسم شرطة سيدي جابر إلى منطقتنا وهددوا الناس بشكل غير مباشر وأمروهم بعدم إثارة المشكلات. خاف الجميع أن يحدث الشيء نفسه لهم إذا أبلغوا بما حدث. ولم يطمئن الناس إلا بعد أن جاء رئيس نيابة استئناف الإسكندرية وشجع الناس على الشهادة وطمأنهم إلى أنه يضمن حمايتهم.
لكن النيابة العامة لم تستدع بعد للشهادة الرائد أحمد عثمان من وحدة مباحث قسم سيدي جابر، المسؤول عن العملية، أو المقدم عماد عبد الظاهر، بالإضافة إلى فردي الشرطة في الثياب المدنية الذين قال الشهود عنهما إنهم شاهدوهما يضربان خالد سعيد. وأكد محمد عبد العزيز محامي أسرة سعيد، ، لـ هيومن رايتس ووتش أن لا أحد من هؤلاء الضباط قد أوقف عن العمل، وأنهم ما زالوا يعملون في قسم الشرطة.
وأكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مؤخراً على الرأي القانوني الدولي القائل بأنه في حالة إجراء أعمال معاملة سيئة وتعذيب، فإن الضباط الخاضعين للتحقيق يجب بطبيعة الحال وقفهم عن العمل أثناء التحقيق التأديبي وفصلهم من العمل إذا تبينت مسؤوليتهم عن مثل هذه الأعمال.
مبادئ الأمم المتحدة الأساسية لاستخدام القوة والأسلحة النارية من قبل مسؤولي إنفاذ القانون ورد فيها أن مسؤولي إنفاذ القانون لا يحق لهم استخدام العنف إلا إذا لم يكن هناك مفر منه ولابد من "ممارسة ضبط النفس أثناء استخدامه والتحرك بشكل متناسب مع جدية الجريمة المرتكبة"، ويتعين عليهم أيضاً "تقليل الضرر والإصابات واحترام الحياة البشرية والحفاظ عليها".