Skip to main content

إلقاء القبض في صنعاء على رجل من نيوجيرسي (الولايات المتحدة) على صلات مزعومة بالقاعدة، شهر مارس/آذار، أدى لتجدد اهتمام الرأي العام بالتهديدات الإرهابية المنبعثة من اليمن. ففي 14 و15 مارس/آذار، نفذت القوات الجوية اليمنية من جديد غارات جوية ضد ما قالت الحكومة إنها معاقل ومخابئ للإرهابيين في منطقة أبين، جنوبيّ اليمن. لكن وكما هو الحال في بلدان أخرى تتعايش فيها المنظمات الإرهابية مع الفساد والحكومات المركزية القمعية والتمردات الداخلية، فإن مكافحة الإرهاب في اليمن زاخرة بالمثالب والسقطات الخاصة بخرق حقوق الإنسان وعدم احترامها.

قبل عام، حصل دمج بين فرعي تنظيم القاعدة السعودي واليمني على هيئة "القاعدة في الجزيرة العربية". هذا التنظيم نفذ عدة هجمات موسعة، داخلياً وخارجياً، على مدار الشهور التسعة الماضية. في شهر أغسطس/آب الماضي، أصاب التنظيم مسؤول أساسي ببرنامج مكافحة الإرهاب السعودي في محاولة اغتيال، وفي نوفمبر/تشرين الثاني، قتل التنظيم العديد من كبار المسؤولين الأمنيين باليمن. ثم أعلنت المجموعة المسؤولية عن المخطط الفاشل لتفجير طائرة أميركية في سماء ولاية ديترويت عشية عيد الميلاد.

إن على الولايات المتحدة والدول الأخرى التي تحاول محاربة هذا التنظيم أن تخوض بحرص بالغ فيما يخص اعتمادها على الحكومة اليمنية في الاضطلاع بالجزء الشاق من هذا العمل. فالتركيز على مكافحة الإرهاب من منطلق عسكري صرف باستخدام الغارات الجوية قد يؤدي إلى تغريب التحالفات المحلية، كما حدث في أفغانستان. وأحد الدروس المستفادة من مكافحة الإرهاب في أفغانستان وباكستان هو أن الجماعات المسلحة تزدهر عندما لا تتمتع الحكومة بدعم الشعب.

شراكة عامرة بالمشاكل

تعهد الرئيس باراك أوباما بـ "تعزيز شراكة [الولايات المتحدة] مع الحكومة اليمنية" يجب ألا يؤدي إلى تبني الغرب بشكل عام لحكومة الرئيس علي عبد الله صالح. فالولايات المتحدة والقوى الخارجية الأخرى عليها أيضاً أن تتصدى لانتهاكات صالح الحقوقية المروعة، التي تساعد القاعدة في تجنيدها لعناصرها الجدد. ففي جنوب اليمن على سبيل المثال، ردت الحكومة على الاحتجاجات الموسعة السلمية في أغلبها التي تؤيد الانفصال بمداهمات وهجمات باستخدام الأسلحة النارية في مناسبات عديدة، ودون استفزازات من المتظاهرين تستدعي استخدام القوة المسلحة.

وحاولت القاعدة دون مواربة استثمار سخط وغضب الجنوب المتزايد، فأعلنت دعمها لنضالهم ضد الحكومة "الكافرة". وكأن الخسائر المتزايدة في صفوف المدنيين في معرض قتال القاعدة، بالإضافة إلى الاستخدام المفرط للقوة في الجنوب والهجمات العشوائية على المتمردين المسلحين في الشمال، هي طحين طاحونة القاعدة الدعائية.

وإلى الآن، يبدو أن المجتمع الدولي يعطي اليمن الضوء الأخضر في التعامل مع المعارضة الداخلية على هواها تحت غطاء مكافحة الإرهاب. واجتماع اليمن الذي عُقد على عجلة في لندن شهر يناير/كانون الثاني أعلن "الالتزام بعدم التدخل في شؤون اليمن الداخلية". وفي زيارة بتاريخ 3 مارس/آذار لليمن، قال جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، إن واشنطن "تعتبر ما يحدث في مناطق الجنوب شأناً داخلياً، ولليمن وحده أن يتصرف فيه، ونحن لا نعتقد أن على أي طرف خارجي أن يتدخل". وفي اليوم نفسه، أقر نائب رئيس الوزراء اليمني رشاد العليمي للبرلمان أن الغارة الجوية بمعاونة أميركية التي تم شنها في ديسمبر/كانون الأول 2009 ضد القاعدة، في منطقة أبين الجنوبية، أسفرت عن مقتل 42 مدنياً.

قمع متزايد

القمع والتحرك بشكل غير قانوني هو سبب جزئي في تدهور حالة عدم الاستقرار في اليمن وفي ازدهار نشاط القاعدة. فقد جعلت الحكومة من اليمن منطقة خطيرة على الصحفيين. ففي 4 يناير/كانون الثاني - بعد أقل من 48 ساعة من تعهد أوباما بالدعم - فتحت قوات صالح الأمنية النار على المتظاهرين الذين كانوا يطالبون بإعادة فتح صحيفة اليمن المستقلة الأكبر، الأيام، والتي تم إغلاقها في مايو/أيار 2008 بتهمة نشر مقالات "تحريضية" عن انتهاكات الحكومة ضد المتظاهرين في الجنوب. وفي 11 مارس/آذار اقتحمت الحكومة مقر قناتي الجزيرة والعربية، وصادرت معدات بث تلفزيوني رداً على تغطية المحطتين للاضطرابات في الجنوب، وقالت الحكومة إنهما "يحرضان على الأعمال التخريبية والانفصال".

وحُكم على حسين عقيل الأستاذ بجامعة عدن بالسجن ثلاثة أعوام في 28 مارس/آذار على خلفية مقالات رأي كتبها في بعض الصحف، يتحدث فيها عن الفساد على أعلى المستويات الحكومية. وبالمثل، أنزلت محكمة أمن الدولة اليمنية في 28 مارس/آذار بسفير جنوب يمني سابق، محمد عسكر جبران، حكماً بالسجن خمسة أعوام بتهمة تقويض وحدة اليمن في كتاباته وخطبه.

والسلطات اليمنية قاسية على النهج نفسه في حربها الأهلية بالشمال مع المتمردين الحوثيين. فبعد أيام من اجتماع لندن، عرض مسؤولون يمنيون على محكمة أمن دولة محمد المقالح،  الصحفي المعارض الذي اختطفه الأمن  في سبتمبر/أيلول من شوارع العاصمة، لأنه تحدث عن جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش في حربه ضد المتمردين الحوثيين. وتم احتجازه بمعزل عن العالم الخارجي إلى أن تم الإفراج عنه لأسباب صحية وإنسانية في 24 مارس/آذار.

وقد أدى تحقيق لـ هيومن رايتس ووتش في القتال بالشمال إلى الكشف عن مزاعم موثوقة بوقوع انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب من الطرفين. فقد حاصرت الحكومة منطقة النزاع وأغلقتها تماماً، ومنعت المشتغلين بالمساعدات الإنسانية والصحفيين من الذهاب إلى هناك.

من سيئ لأسوأ

علّمت تمردات لا حصر لها في السنوات الأخيرة الحكومات التي تقاتل التطرف بالقمع والسلاح أن هذا الأسلوب لا يؤدي في كل الأحوال إلا للأسوأ. فإذا كان الغرب يريد الدعم من اليمنيين لحملته ضد عناصر القاعدة في اليمن، فهو بحاجة لمعالجة مظالمهم ومطامحهم المشروعة، وأن يحضر لاتخاذ إجراءات فعالة لتفادي إلحاق الخسائر بالمدنيين.

لقد استغلت الحكومة اليمنية دعم الغرب لمقاومة الإرهاب في قمع المعارضة السلمية الداخلية وفي مكافحة المتمردين المسلحين. وعلى قيادات الغرب أن تؤكد علناً على أنها تنأى بنفسها عن مثل هذا السلوك وأن توضح لصالح إن على حكومته أن تغير بشكل جذري من سياساتها الخاصة بحقوق الإنسان. فالحكومة اليمنية الأكثر مصداقية القادرة على كسب دعم واحترام شعبها هي القادرة على تحقيق النتائج التي يرجوها الغرب فيما يخص مؤسسة القاعدة في الجزيرة العربية.

بيتر بوكارت هو مدير قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش، وكريستوف ويلكى باحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة