(نيويورك، 7 فبراير/شباط 2010) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن إسرائيل أخفقت في إظهار أنها ستجري تحقيقات مستفيضة ونزيهة في مزاعم انتهاكات قوانين الحرب على يد قواتها أثناء نزاع غزة العام الماضي. وقالت هيومن رايتس ووتش إن هناك ضرورة لإجراء تحقيق مستقل إذا كانت هناك رغبة لتحميل المسؤولية لمن ارتكبوا الانتهاكات، ومنهم كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين الذين وضعوا سياسات تخالف قوانين الحرب.
وكانت هيومن رايتس ووتش قد قابلت في 4 فبراير/شباط 2010 محامين عسكريين من الجيش الإسرائيلي لمناقشة التحقيقات. وفيما يجري الجيش تحقيقاته في الوقت الحالي، فلم يوفر المسؤولون أية معلومات تُظهر أن تحقيقات الجيش ستكون مستفيضة أو نزيهة أو أنها ستتصدى للقرارات القيادية والسياسات التي أدت لمقتل المدنيين دون وجه حق، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تزعم إسرائيل أنها تُجري تحقيقات تتمتع بالمصداقية والنزاهة، لكنها إلى الآن أخفقت في إثبات هذا". وتابع: "هناك ضرورة لتحقيق مستقل لفهم سبب مقتل الكثير من المدنيين على هذا النحو ولتوفير العدالة لضحايا الهجمات غير القانونية".
وفي إحدى الحالات، يبدو أن التحقيق العسكري لم يلتفت إلى أدلة هامة: بقايا قنبلة تم إطلاقها جواً تم العثور عليها في طاحونة البدر على مشارف جباليا. وأنكرت إسرائيل استهداف الطاحونة من الجو، كما تعزم بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في نزاع غزة. لكن، ظهر من تسجيل فيديو حصلت عليه هيومن رايتس ووتش وأطلقته اليوم ما يبدو أنه بقايا قنبلة جوية إسرائيلية طراز إم كيه 82 زنة 500 رطل في الطاحونة المحطمة، ويقول القائمون على نزع الألغام من الأمم المتحدة أنهم نزعوا فتيل القنبلة.
وقد قُتل أكثر من 750 مدنياً فلسطينياً في قطاع غزة أثناء النزاع، طبقاً لجماعة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية. وقالت الأمم المتحدة إن نحو 3500 منزل و280 مصنعاً قد دُمرت بالكامل.
ووثقت هيومن رايتس ووتش مقتل 53 مدنياً في 19 حادثاً يبدو فيها أن القوات الإسرائيلية خرقت قوانين الحرب. وست من هذه الحوادث شملت الاستخدام غير القانوني للفسفور الأبيض، وست حوادث قُتل فيها مدنيون جراء الصواريخ التي أطلقتها طائرات الاستطلاع (الزنانة)، وسبع بواسطة إطلاق الجنود النار على المدنيين ممن كانوا في جماعات ترفع الأعلام البيضاء.
وحتى الآن لم تقم المحاكم الإسرائيلية بإدانة أحد على ذمة انتهاكات الحرب أثناء نزاع غزة إلا جندياً واحداً، بتهمة سرقة بطاقة ائتمان.
وقال محامو الجيش الإسرائيلي إن الجيش يحقق في جميع الحالات التي كشفت عنها هيومن رايتس ووتش. سبع من الحالات هي تحقيقات جنائية في الزعم بإطلاق النار على المدنيين ممن كانوا يلوحون بالأعلام البيضاء، على حد قولهم. وكان الجيش في البداية قد تجاهل ما ورد في تقرير هيومن رايتس ووتش عن هذه الحالات باعتبارها "تقارير من شهود غير موثوقين".
وحتى الآن نظر الجيش الإسرائيلي في أمر حوادث محددة لكن ليس في السياسات العريضة التي ربما أدت إلى الخسائر في صفوف المدنيين في خرق لقوانين الحرب، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يجب أن يشمل التحقيق المستقل فحص قرارات ما قبل العمليات التي أدت إلى الخسائر في صفوف المدنيين. وتشمل قرار استهداف البنية التحتية السياسية لحماس، واستخدام المدفعية الثقيلة وذخائر الفسفور الأبيض في أماكن المدنيين، والهجمات على شرطة غزة، والقواعد المتساهلة على ما يبدو في إطلاق الصواريخ من طائرات الاستطلاع، ومسلك القوات البرية.
وقال جو ستورك: "التحقيقات الإسرائيلية حتى الآن كانت بالأساس تنظر في أمر الجنود الذين عصوا أوامر أو خالفوا قواعد الاشتباك، لكنها أخفقت في طرح السؤال الهام حول ما إذا كانت الأوامر وقواعد الاشتباك نفسها تخرق قوانين الحرب". وأضاف: "بالنسبة لهذه القرارات والسياسات، يجب تحميل كبار العسكريين والسياسيين من صناع القرار المسؤولية".
وليس معروفاً عن حماس قيامها بمقاضاة أحد جراء إطلاق مئات الصواريخ بشكل عشوائي على إسرائيل. في 27 يناير/كانون الثاني، أصدرت بياناً صحفياً وملخص بتقرير، تقول فيهما إن الصواريخ من الجماعات الفلسطينية المسلحة لم تستهدف إلا الأهداف الإسرائيلية العسكرية وأن الخسائر في صفوف المدنيين كانت عرضية - وهو الاستنتاج الذي رفضته هيومن رايتس ووتش إذ رأت أنه "خطأ قانوناً ومن حيث الحقائق". وأصدرت حماس تقريراً كاملاً عن مسلكها أثناء الحرب في 3 فبراير/شباط، وما زالت هيومن رايتس ووتش تدرسه.
وفي سبتمبر/أيلول 2009، خلصت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في نزاع غزة، برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون، إلى أن إسرائيل وحماس ارتكبا جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية، وطالبت الطرفين بإجراء تحقيقات نزيهة خلال ستة أشهر.
وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني، صدقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تقرير غولدستون وطالبت الأمين العام بان كي مون بإصدار تقرير عن التقدم في التحقيقات الداخلية. وقدم بان تقريره في 4 فبراير/شباط، كاشفاً عن وثائق أرسلتها إليه إسرائيل والسلطة الفلسطينية من الضفة الغربية، وأكد على دعوته لإجراء تحقيقات موثوقة ونزيهة من قبل مختلف الأطراف.
وقال جو ستورك: "لم يزد الأمين العام بان كي مون عن نقل مزاعم الأطراف، لكنه أكد أيضاً على أهمية إجراء تحقيقات موثوقة بما يتفق مع المعايير الدولية". وأضاف: "ما زال هناك ضغط يُمارس على إسرائيل وحماس لإظهار أنهما سيجريان التحقيقات على النحو الصحيح".
وطبقاً لإسرائيل، فقد أجرى الجيش نحو 150 "تحقيقاً" في حوادث وقعت في غزة، لكنه لم يكشف عن قائمة بالحوادث المذكورة. 90 تقريباً من الحوادث المائة والخمسين هي ما يدعوه الجيش باسم "تقرير ميداني". وهناك تقارير تتم بعد إتمام العمليات، وليست جنائية، وفيها يقابل أحد الضباط الجنود المشاركين في العمليات دون الحصول على شهادات من الضحايا أو الشهود. 45 من القضايا التسعين أقفلت ملفاتها بالفعل.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن الشرطة العسكرية فتحت 36 تحقيقاً جنائياً، يأخذ فيها محقق شرطة عسكرية أقوالاً من الجنود ويسعى للاطلاع على شهادات من مصادر خارجية. أسفرت إحدى هذه التحقيقات عن إدانة جندي بسرقة بطاقة ائتمان، ليُعاقب بالحبس سبعة أشهر ونصف الشهر، وأغلقت سبع قضايا لنقص الأدلة أو لأن المشتكين لم يكونوا على استعداد للشهادة. وما زال هناك 28 تحقيقاً قائماً.
وقال الجيش إنه أدب الجنود والضباط الذين خالفوا الأوامر أثناء نزاع غزة. في إحدى الحالات، تلقى قائدين رسائل توبيخ جراء إطلاق قذائف مدفعية عالية التفجير أصابت مقراً للأمم المتحدة كان يأوي 700 مدنياً، رغم العشرات من المكالمات الهاتفية من مسؤولي الأمم المتحدة يطلبون فيها توقف القصف. وأثناء الهجوم نفسه، أدت ذخائر فسفور أبيض أُطلقت في القذائف إلى إحراق مخزن للأمم المتحدة وإصابة 3 أشخاص كانوا في المبنى. وقال الجيش لـ هيومن رايتس ووتش إن الفسفور الأبيض ما زال تحت التحقيق ولم يكن من أسباب رسائل التوبيخ. المعلومات الوحيدة التي كشف عنها الجيش بشأن قضيتي التأديب الآخريين هي أن واحدة كانت على خلفية هجوم على عقار أو شخص تابع للأمم المتحدة، والأخرى بشأن واقعة تدمير ممتلكات.
تسجيل الفيديو الذي أصدرته هيومن رايتس ووتش اليوم لطاحونة البدر تم تصويره من قبل مُلاك الطاحونة بعد أن تعرضت للضرر، في 10 يناير/كانون الثاني 2009. وقال تقرير بعثة تقصي الحقائق إن الجيش الإسرائيلي قصف الطاحونة في محاولة متعمدة للإضرار بالبنية التحتية في قطاع غزة. وقالت إسرائيل إن تحقيقاتها خلصت إلى أن الطاحونة كانت هدفاً عسكرياً مشروعاً بسبب نشاط حماس في المنطقة وأنها لم تطلق عليها إلا قذيفة دبابة ولم تقصف الطاحونة من الجو.
وقالت الأمم المتحدة لـ هيومن رايتس ووتش إن القائمين على نزع الألغام والمتفجرات زاروا الطاحونة في 11 فبراير/شباط 2009، وعثروا على النصف الأمامي من قنبلة جوية طراز إم كيه 82 زنة 500 رطل في الطابق العلوي من الطاحونة، مما يؤكد ما ورد في تسجيل الفيديو.
وقال محامو الجيش لـ هيومن رايتس ووتش إنه لدى اطلاعهم على الأدلة الجديدة فسوف يعاودون فتح التحقيق.
ولإسرائيل تاريخ من التحقيقات العسكرية متواضعة المستوى في مزاعم الانتهاكات بحق الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، على حد قول هيومن رايتس ووتش. ووثقت منظمة ييش دين الإسرائيلية الحقوقية المستويات المتدنية للتحقيقات الجنائية والمقاضاة والإدانة بحق الجنود، رغم وجود عدد كبير من الوفيات المزعومة غير القانونية.