قتلى الأعلام البيضاء

استھداف بعض المدنيين الفلسطينيين بالقتل أثناء عملية الرصاص المصبوب

 

قتلى الأعلام البيضاء

استهداف بعض المدنيين الفلسطينيين بالقتل أثناء عملية الرصاص المصبوب

بعض تقارير هيومن رايتس ووتش عن إسرائيل وغزة
. الملخص
منهج التقرير
. التوصيات
إلى الحكومة الإسرائيلية:
إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة:
III. وقائع قتل أشخاص من غزة كشفوا عن صفتهم المدنية
. الإخفاق في فتح التحقيق
. معايير القانون الدولي
شكر وتنويه
الملحق

 

 

 

بعض تقارير هيومن رايتس ووتش عن إسرائيل وغزة

 

صواريخ من غزة: الأضرار اللاحقة بالمدنيين جراء الصواريخ التي أطلقتها الجماعات الفلسطينية المسلحة، أغسطس/آب 2009

 

عين الخطأ: قتلى غزة من المدنيين جراء صواريخ طائرات الاستطلاع الإسرائيلية (الزنانة)، يونيو/حزيران 2009

 

تحت غطاء الحرب: العنف السياسي لحركة حماس في غزة، أبريل/نيسان 2009

 

أمطار النار: استخدام إسرائيل غير القانوني للفسفور الأبيض في غزة، مارس/آذار 2009

 

حياة الحرمان والخطر: الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، يناير/كانون الثاني 2009

 

للاطلاع على التغطية الكاملة، انظر: http://www.hrw.org/en/features/israel-gaza

 

I. الملخص

 

"أريد أن أفهم... ماذا فعلت لإسرائيل حتى أُعاقب هكذا".
خالد عبد ربه، تم إطلاق النار على ابنتيه – في الثانية والسابعة من العمر – وقُتلتا أثناء التلويح بأعلام بيضاء أمام منزلهما في 7 يناير/كانون الثاني.[1]

 

يوثق هذا التقرير سبع وقائع قام فيها جنود إسرائيليون بإطلاق النار من أسلحة خفيفة على مدنيين، أثناء العمليات العسكرية الموسعة في قطاع غزة في ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/كانون الثاني 2009. وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل 11 مدنياً، منهم خمس نساء وأربعة أطفال، مع إصابة ثمانية آخرين على الأقل.

 

وهذه الإصابات لا تمثل إلا أقل القليل من القتلى والمصابين المدنيين الفلسطينيين، الذين سقطوا أثناء ما أطلقت عليه إسرائيل "عملية الرصاص المصبوب"، لكن هذه الحالات توجب التركيز عليها نظراً لملابسات الوقائع. ففي كل واقعة، كان الضحايا يقفون أو يسيرون، أو يتحركون في سيارات بطيئة الحركة برفقة مدنيين عُزل آخرين، وكانوا يحاولون أن يوضحوا أنهم غير مقاتلين، عبر التلويح بأعلام بيضاء. وجميع الأدلة المتوفرة تشير إلى أن القوات الإسرائيلية المتواجدة كانت تسيطر على المناطق المعنية، وأنه لم يكن ثمة قتال دائر وقت وقوع هذه الحوادث، وأن المقاتلين الفلسطينيين لم يكونوا مختبئين بين المدنيين الذين تم إطلاق النار عليهم وقُتلوا. وسواء كانوا يلوحون بأعلام بيضاء أم لا، فهؤلاء الأشخاص كانوا مدنيين غير مشاركين في أعمال القتال، ومن ثم وجب عدم مهاجمتهم طبقاً لقواعد القانون الإنساني الدولي (قوانين الحرب).

 

وقد أجرت هيومن رايتس ووتش بحوثاً موسعة في كل من هذه الوقائع، إذ زارت مواقع الهجمات وتفحصت الأدلة المتخلفة من رصاصات، وجمعت السجلات الطبية وقابلت عدة شهود، ثلاثة أشخاص على انفراد في كل هجوم. وفي إحدى الحالات، تفحص اخصائي طب شرعي أحد المصابين. وقد رفض الجيش الإسرائيلي طلبات متكررة من هيومن رايتس ووتش بالمقابلة لمناقشة هذه الحالات، ولم يرد على أسئلة بعثتها إليه هيومن رايتس ووتش بشأن الوقائع وقد قُدمت الأسئلة كتابةً (انظر الملحق).

 

وفي كل من هذه الوقائع، تشير الأدلة بقوة إلى أن الجنود الإسرائيليين – على أفضل تقدير – أخفقوا في اتخاذ الاحتياطات المستطاعة للتمييز بين المدنيين والمقاتلين قبل شن الهجوم. وعلى أسوأ تقدير، فقد تعمد الجنود إطلاق النار على أشخاص يعرفون أنهم مدنيين.

 

وبموجب قوانين الحرب، فإن أطراف النزاع المسلح عليها واجب اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة للتمييز بين المدنيين والمقاتلين، وألا تستهدف سوى المقاتلين. وتسقط الحماية عن المدنيين وحصانتهم من الهجوم فقط في حالة وأثناء مشاركتهم بشكل مباشر في القتال. والهجمات المتعمدة على المدنيين تنتهك قوانين الحرب، والأفراد المسؤولين عن مثل هذه الهجمات يعتبرون مسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب.

 

كما تُلزم قوانين الحرب الدول بإجراء تحقيقات نزيهة في المزاعم الموثوقة بوقوع انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب، وأن تُحمّل أي شخص يتبين مسؤوليته عن جرائم الحرب المسؤولية، بغض النظر عن رتبته. إلا أنه حتى الآن لم تقم الحكومة الإسرائيلية أو الجيش الإسرائيلي بإجراء تحقيقات جدية في العديد من المزاعم الموثوقة بوقوع انتهاكات لقوانين الحرب من قبل القوات الإسرائيلية أثناء عملية الرصاص المصبوب، بما في ذلك الوقائع الواردة في هذا التقرير. وحين تحدث الجنود الإسرائيليون الذين شاركوا في عملية الرصاص المصبوب علناً عن الهجمات على المدنيين وغيرها من الخروقات، قال الجيش الإسرائيلي إن مزاعمهم محض شائعات ومبالغات، وانتقد الجنود الذين جاهروا بالحديث.

 

وتكرر لوم إسرائيل لحركة حماس على مقتل المدنيين في غزة أثناء العملية، لأن – حسب قول إسرائيل – قاتلت حركة حماس من مناطق مأهولة بالسكان واستخدمت المدنيين كـ "دروع بشرية"، أي تعمدت استخدام المدنيين في ردع الهجمات على القوات الفلسطينية.

 

لكن في أعمال القتل الموثقة في هذا التقرير، لم تعثر هيومن رايتس ووتش على أية أدلة على أن المقاتلين الفلسطينيين استخدموا الضحايا المدنيين كدروع بشرية، أو أدلة على سقوطهم في تبادل لإطلاق النار مع قوات الخصم. وفي كل واقعة بدا أن اليد العليا للقوات الإسرائيلية وأنها مسيطرة على الوضع، وأن المقاتلين الفلسطينيين قد غادروا المنطقة التي وقع فيها الحادث. وكان الضحايا من المدنيين على مرأى من القوات الإسرائيلية ولا يمثلون أدنى تهديد أمني ظاهر.

 

وفي كل من الوقائع السبعة، كان شخص واحد على الأقل يلوح بعمل أبيض مصنوع من القماش أو عبارة عن قطعة من الثياب، وهو ما يقر به القانون الإنساني الدولي إشارة إلى الاستسلام أو طلب الهدنة. ويتمتع المدنيون بالحصانة من الهجوم سواء كانت معهم أعلام بيضاء أو لم تكن معهم، وفي هذه الوقائع كانوا وبلا شك يلوحون بالأعلام لنقل رسالة أنهم غير مشاركين في أعمال القتال ولا يمثلون خطراً، تأكيداً على وضعهم كمدنيين.

 

وزعم اثنان من القيادات العسكرية الإسرائيلية أن المقاتلين الفلسطينيين استخدموا الأعلام البيضاء لحماية أنفسهم من الهجوم، لكن لم يقدما تفاصيل تسمح بالتحقيق في هذه المزاعم، مثل ذكر تاريخ أو مكان أو زمن محدد لمثل هذه الأعمال. وقال كولونيل لوسائل الإعلام إن جنوده شاهدوا مقاتلي حماس يتحركون بين المنازل وهم يحملون أعلاماً بيضاء، وقال كولونيل آخر إن جنوده شاهدوا مقاتل من حماس يختبئ خلف امرأة تحمل علماً أبيض ومعها مجموعة من الأطفال. ورفض الجيش الإسرائيلي طلب هيومن رايتس ووتش بمناقشة هذه المزاعم، وكذلك مناقشة ما توصلنا إليه من نتائج أوسع.

 

وفي إحدى الحالات الموثقة في التقرير، في 7 يناير/كانون الثاني شرقي جباليا، كانت امرأتان وثلاثة أطفال من عائلة عبد ربه واقفون لدقائق معدودة أمام منزلهم – وكان ثلاثة منهم على الأقل يحملون قطعاً من القماش الأبيض – حين فتح الجنود الإسرائيليون النار، فقتلوا الفتاتين – 7 أعوام وعامين – وألحقوا الإصابات بالجدة والفتاة الثالثة. وقالت جدة الفتيات التي أصيبت برصاصتين: "أمضينا سبع إلى تسع دقائق نلوح بالأعلام وكنا ننظر إليهم [الجنود]". وتابعت: "وفجأة فتحوا النار وسقطت الفتيات على الأرض".

 

وروايات شهود العيان، وآثار الدبابات على الأرض ومظاريف الرصاصات الفارغة وصندوق للذخيرة تم العثور عليه في موقع الحادث، وفحص خبراء الطب الشرعي للجدة، كلها قرائن تشير إلى أن جندياً إسرائيلياً فتح النيران على نساء عُزل وأطفال يسهل التعرف فيهم على كونهم كذلك.

 

وفي 13 يناير/كانون الثاني في قرية خزاعة، أطلق جندي إسرائيلي النار على راوية النجار فأرداها قتيلة، وتبلغ من العمر 47 عاماً، وألحق الإصابات بقريبتها جاسمين، 23 عاماً. وكانت المرأتان تسيران ضمن مجموعة صغيرة على طريق مفتوح في نور النهار، وراوية تحمل علماً أبيض، محاولة الخروج بمن معها من الحي بعد أن أصبح تحت السيطرة الإسرائيلية. وكان الجنود قد احتلوا منزلاً على مسافة 230 متراً في نفس الشارع، لكن يبدو أنهم لم يطلقوا طلقات تحذيرية في البداية لمنع المجموعة من التقدم إلى الأمام.

 

ثلاث من الوقائع في هذا التقرير وقعت في وحول قرية العتاترة شمالي قطاع غزة، حيث وقع القتال بين القوات الإسرائيلية وحركة حماس. إلا أن القتال كان قد توقف قبل حوادث إطلاق النار هذه، وفي كل من الوقائع المذكورة كان المدنيون تحت النظر، وغير مسلحين، وكانوا يلوحون بأعلام بيضاء. وفي إحدى الحالات كان المدنيون يسيرون في مجموعة في شارع مفتوح. وفي أخرى كانوا داخل جرارات وسيارات تتحرك ببطء في محاولة لمغادرة المنطقة برفقة المصابين والقتلى الذين سقطوا في هجمات سابقة.

 

وقال عمر أبو حليمة 18 عاماً، "كنا في الجرار، في الطريق رأينا الدبابات والجنود. حين رأيناهم [الجنود الإسرائيليين] أمرونا بالتوقف. بعد أن توقفنا أطلقوا النار علينا. قتلوا ابن عمي مطر. وأصيب ابن عمي الآخر محمد ثم لقي حتفه فيما بعد".

 

وفي حالة العتاترة الثالثة، كانت امرأتان تحملان أعلاماً قد خرجتا من باب أحد البيوت التي يعكف الجيش الإسرائيلي على هدمها لإخبار الجنود أن هناك مدنيين بالداخل. وقالت زكية القنوع، 55 عاماً: "فتحنا الباب فأطلق قناص علينا النار من أحد البيوت القريبة. أصيبت ابتسام ودرت على عقبيّ عائدة إلى المنزل فحكت رصاصة أخرى بظهري. ماتت ابتسام عند مدخل الباب".

 

الوقائع السبع المذكورة في التقرير ليست حصراً كل أعمال إطلاق النار المزعومة على المدنيين بأسلحة خفيفة، أثناء القتال في الفترة الأخيرة في غزة. فقد أفادت وكالة أنباء أسوشيتد برس بوقوع حادثين آخرين: مقتل شهد حجي، عامين، وإصابة عبير حجي، 33 عاماً، بالإضافة إلى حادث آخر قُتلت فيه مهدية عياد، في السبعينيات من عمرها.[2] كما تحدث جنديان إسرائيليان قاتلا في عملية الرصاص المصبوب عن واقعتين – واقعة مقتل أم وطفليها وكانوا يسيرون في منطقة محظورة، ومقتل امرأة مسنة – لكن ربما تكون هذه الوقائع هي التي ذكرتها أسوشيتد برس. وقال الجيش الإسرائيلي إنه حقق في مزاعم الجنود وانتهى إلى أن لا أساس لها من الصحة. ولم تحقق هيومن رايتس ووتش في هاتين الواقعتين بسبب اقتصار قدرتها على الدخول إلى قطاع غزة.

 

وفي يوليو/تموز، قامت منظمة "كسر الصمت" المشكلة من جنود إسرائيليين سابقين، بنشر شهادات 26 جندياً احتياطياً لم تُذكر أسمائهم، ومقاتلين حاليين شاركوا في عملية الرصاص المصبوب. وأوضح جنديان كيف أطلق الجنود النار على رجل فلسطيني مسن وقتلوه، وكان يقترب من موقع للجيش الإسرائيلي ليلاً. ورفض قائد المجموعة الأمر بإطلاق رصاصات تحذيرية حين شوهد الرجل لأول مرة يسير في شارع خالي ومعه كشاف ضوئي على مسافة 150 متراً تقريباً من البيت، حسب قولهم، فأطلق الجنود النار على الرجل وقتلوه بناء على قواعد الاشتباك المتبعة، حين بلغ مسافة 25 متراً منهم.

 

وحتى الآن تنكر الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي وقوع أخطاء أسفرت عن مقتل مدنيين أثناء القتال في غزة، قائلة بأن الجيش بذل ما بمقدرته للتمييز بين المقاتلين والمدنيين. ومن العناصر الأساسية في قولهم هذا أن الجيش الإسرائيلي حذر المدنيين من اقتراب وقوع أعمال العسكرية عبر المنشورات التي تم توزيعها من الجو، وبإجراء مكالمات هاتفية، وبالدخول على موجة الإذاعة المحلية والتلفزيون المحلي.[3] ويشجع القانون الإنساني الدولي القوات على بث تحذيرات مسبقة عن الهجوم حين تسمح الظروف بهذا، لكن التحذيرات يجب أن تكون "فعالة". وفي قطاع غزة، كانت تحذيرات الجيش الإسرائيلي مبهمة للغاية، وعادة ما كانت تتحدث بشكل عام إلى "سكان المنطقة". والمنشورات التي تم إسقاطها من ارتفاعات شاهقة تبعثرت على نطاق مناطق واسعة، وقال الكثير من سكان غزة لـ هيومن رايتس ووتش إنهم كانوا يتجاهلون المنشورات لأنها كانت كثيرة ومعممة وغير دقيقة. فضلاً عن أن التحذيرات لم تعط المدنيين تعليمات بشأن أين يجدون الأمان بعد الفرار من منازلهم. ومع بدء الهجوم البري في 3 يناير/كانون الثاني، حذر الجيش الإسرائيلي السكان قائلاً إن عليهم "الانتقال إلى مراكز المدن"، ثم تمت مهاجمة بعض مراكز المدن، ومنها مدارس الأمم المتحدة في مناطق حضرية سعى إليها المدنيون التماساً للأمان. وإجمالاً، ليس متاحاً لمدنيي غزة مكاناً آمناً يفرون إليه، نظراً لإغلاق حدود غزة، المطبق من قبل إسرائيل ومصر أيضاً من الجنوب. وأخيراً، فحتى بعد إصدار التحذيرات، يتطلب القانون الإنساني الدولي أن تتخذ القوات المهاجمة الاحتياطات المستطاعة لتفادي إلحاق الخسائر في أرواح وممتلكات المدنيين. ولأن القوات المهاجمة أصدرت تحذيراً فهذا لا يعني أن بإمكانها تجاهل التزاماتها إزاء تقليص الخسائر في صفوف المدنيين، ولا يحق للقوات المهاجمة الافتراض بأن جميع الأشخاص المتبقين في المنطقة بعد التحذيرات هم أهداف مشروعة للهجوم.[4]

 

وفي 22 أبريل/نيسان كشف الجيش الإسرائيلي عن نتائج تحقيق داخلي في سلوك قواته في قطاع غزة. وانتهى التقرير إلى أن القوات الإسرائيلية "عملت بموجب القانون الدولي" طيلة فترات القتال وأن "قلة قليلة" من الحوادث "التي لم يكن بالإمكان تفاديها" وقعت جراء "أخطاء استخباراتية وعملياتية".

وأخفق تحقيق الجيش الإسرائيلي في ضم أي من الوقائع الموثقة في هذا التقرير، رغم أن هيومن رايتس ووتش أرسلت تفاصيل عن هذه الهجمات إلى الجيش الإسرائيلي مطلع فبراير/شباط 2009، وشملت المعلومات المقدمة إحداثيات الـ جي بي إس الجغرافية الدقيقة الخاصة بالحوادث، وأسماء القتلى والجرحى، والظروف المحيطة بقتلهم (انظر الملحق).

 

وفي أواخر يوليو/تموز أعلنت إسرائيل أن الجيش يحقق في نحو 100 شكوى عن إساءات سلوكية للجنود في غزة، مع فتح 13 تحقيقاً جنائياً حتى الآن. وحالتان على الأقل من الموثقة في التقرير – أعمال القتل شرقي جباليا في 7 يناير/كانون الثاني وفي خزاعة في 13 يناير/كانون – تخضعان على ما يبدو للمراجعة.[5]

 

وبسبب تكرر إخفاق إسرائيل في الماضي – ومعها حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى أيضاً – في التحقيق بجدية ومصداقية في مزاعم انتهاكات قوانين الحرب من قبل قوات كل من الطرفين، فقد دعت هيومن رايتس ووتش إلى تحقيق دولي مستقل ونزيه في انتهاكات الطرفين أثناء القتال في قطاع غزة وجنوب إسرائيل. وفي 12 يناير/كانون الثاني صوت مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على التحقيق في الانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين، وهو قرار انتقدته هيومن رايتس ووتش لكونه أحادي الجانب.[6] لكن أدت مفاوضات مجلس حقوق الإنسان التالية على ذلك القرار إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق تحظى بالاحترام وتتمتع بولاية متوازنة للتحقيق في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، من قبل إسرائيل والجماعات الفلسطينية المسلحة. ويرأس بعثة تقصي الحقائق الأممية بشأن نزاع غزة القاضي ريتشارد غولدستون، من جنوب أفريقيا، وهو كبير ادعاء سابق بالمحاكم الدولية لجرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة ورواندا. ورفضت إسرائيل التعاون مع البعثة لأنها ترى مجلس حقوق الإنسان متحيز ضد إسرائيل. ورفضت منح فريق غولدستون تأشيرات لزيارة إسرائيل، بينما مات ثلاثة مدنيون إسرائيليون جراء الصواريخ الفلسطينية في ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/كانون الثاني 2009، فقامت البعثة بدعوة الإسرائيليين للشهادة في جلسات علنية في جنيف مطلع يوليو/تموز.[7] وقالت حماس إنها ستتعاون مع البعثة، وزار فريق غولدستون غزة عن طريق مصر في مطلع يونيو/حزيران.

 

وسوف تقدم بعثة تقصي الحقائق هذه تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان في سبتمبر/أيلول 2009، وعلى إسرائيل وحماس والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى مراعاة نتائج البعثة وتوصياتها. وعلى أعضاء مجلس حقوق الإنسان والحكومات المعنية الأخرى أن تأخذ التقرير بعين الاعتبار وأن تتخذ الخطوات اللازمة لتعزيز المساءلة على انتهاكات القانون الإنساني الدولي من قبل إسرائيل والجماعات الفلسطينية المسلحة.

 

وتدعو هيومن رايتس ووتش الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى إعداد آلية مخصصة لمراقبة جهود إسرائيل وحماس على مسار إجراء تحقيقات شفافة ومحايدة في مزاعم انتهاكات قوانين الحرب الجسيمة التي تم ارتكابها أثناء جولة القتال الأخيرة في قطاع غزة وإسرائيل، ومقاضاة المسؤولين عن ارتكابها. وفي حالة لم تتمكن سلطات إسرائيل وحماس أو لم تكن مستعدة للتحقيق والمقاضاة عبر محاكمات عادلة بحق المسؤولين عن جرائم الحرب، فعلى دول الأمم المتحدة أن تضغط من أجل استخدام آليات المقاضاة الدولية.

 

منهج التقرير

أثناء العمليات العسكرية الموسعة، من 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 إلى 18 يناير/كانون الثاني 2009، منعت إسرائيل جميع وسائل الإعلام ومراقبي حقوق الإنسان من الدخول إلى غزة. كما كان من المحظور الدخول إلى غزة عبر رفح من الجانب المصري. وأثناء تلك الفترة، راقبت هيومن رايتس ووتش النزاع من إسرائيل، وتابعت القتال من عند خط هدنة 1948 بين إسرائيل وقطاع غزة، وحصلت على معلومات من استشاري تابع للمنظمة في غزة.

 

ودخل باحثو هيومن رايتس ووتش غزة عبر معبر رفح من مصر في 21 يناير/كانون الثاني، بعد ثلاثة أيام من توقف العمليات العسكرية الموسعة، وأمضوا الأسبوعين التاليين يحققون في مزاعم انتهاكات القانون الإنساني الدولي من قبل الجيش الإسرائيلي والجماعات الفلسطينية المسلحة. وعاد أحد الباحثين إلى غزة من مصر من 8 إلى 19 أبريل/نيسان. وتستمر إسرائيل في منع هيومن رايتس ووتش وغيرها من منظمات حقوق الإنسان الدولية من الدخول إلى غزة.

 

وست من الوقائع السبع الموثقة في هذا التقرير عرفت بها هيومن رايتس ووتش بواسطة صحفيين ومنظمات حقوقية، مثل بتسيلم ومركز الميزان لحقوق الإنسان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان. والواقعة السابعة اكتشفتها هيومن رايتس ووتش أثناء البحث في موضوع آخر.

 

وفي الوقائع السبع، قابلت هيومن رايتس ووتش خمس مصابين و29 شاهداً على الوقائع، وكذلك آخرين كان بإمكانهم تقديم معلومات عمّا حدث في المنطقة في ذلك الحين. وكلما أمكن، أجرت هيومن رايتس ووتش المقابلات على انفراد، على الأقل في ثلاث هجمات منفصلة. وتم التحقق من المعلومات الخاصة بالقتال لتي تم التوصل إليها من المقابلات بمقارنتها بالمعلومات الواردة من الجيش الإسرائيلي أو المذكورة في وسائل الإعلام. وتمت مضاهاة أسماء الضحايا بقوائم منشورة بأسماء القتلى من جناح حماس المسلح، كتائب القسام، للمساعدة على تحديد ما إذا كان من قتلوا من المقاتلين أم المدنيين.[8]

 

وتفحص الباحثون مواقع الهجمات السبع. وفي إحدى الحالات، في مقتل اثنين من عائلة عبد ربه، استشارت هيومن رايتس ووتش أطباء شرعيين من الدنمارك ومن جنوب أفريقيا في فحص المُصابين.

 

وفي 10 فبراير/شباط 2009، قدمت هيومن رايتس ووتش إلى الجيش الإسرائيلي قائمة بأسئلة تخص القضايا الموثقة في هذا التقرير، وفيها إحداثيات الـ جي بي إس الجغرافية الخاصة بمواقع إطلاق النار. والرسالة واردة في ملحق هذا التقرير. وحتى 1 أغسطس/آب لم يكن الجيش الإسرائيلي قد رد على الرسالة.

 

II. التوصيات

 

إلى الحكومة الإسرائيلية:

  • يجب إجراء تحقيق فوري ومحايد في مزاعم انتهاكات القانون الإنساني الدولي الموثقة في هذا التقرير. ويجب الكشف عن نتائج التحقيق علناً ومقاضاة أي شخص يتبين أنه مسؤول عن ارتكاب أخطاء، في محاكمات تحترم المعايير الدولية.
  • يجب منح التعويض الفوري والمناسب عن أعمال القتل والإصابات في صفوف المدنيين، الناتجة عن هجمات القوات الإسرائيلية في انتهاك لقوانين الحرب، أثناء عملية الرصاص المصبوب.
  • يجب إيلاء المراعاة التامة لنتائج وتوصيات تقرير بعثة تقصي الحقائق في غزة والتابعة لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

 

إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة:

  • يجب استخدام جميع آليات الأمم المتحدة المُتاحة، ومنها مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة ومجلس الأمن، للإصرار على أن تجري حركة حماس وإسرائيل تحقيقات تتمتع بالشفافية والحياد والنزاهة، في مزاعم الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب الواقعة أثناء أعمال القتال الأخيرة في قطاع غزة وإسرائيل، على أن تُتاح النتائج علناً وأن تتم مقاضاة من تتبين مسؤوليتهم عن ارتكاب جرائم حرب في محاكمات تحترم المعايير الدولية.
  • يجب استخدام جميع آليات الأمم المتحدة المُتاحة، ومنها مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة ومجلس الأمن، من أجل دعوة حركة حماس وإسرائيل إلى المراعاة التامة لنتائج وتوصيات بعثة تقصي الحقائق في غزة التابعة لمجلس حقوق الإنسان.
  • يجب إعداد آلية أممية مخصصة لمراقبة جهود إسرائيل وحماس على مسار إجراء تحقيقات شفافة ومحايدة في مزاعم انتهاكات قوانين الحرب الجسيمة التي تم ارتكابها أثناء جولة القتال الأخيرة في قطاع غزة وإسرائيل، ومقاضاة المسؤولين عن ارتكابها وفقاً للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
  • في حالة لم تتمكن سلطات إسرائيل وحماس أو لم تكن مستعدة للتحقيق والمقاضاة عبر محاكمات عادلة بحق المسؤولين عن جرائم الحرب؛ فعلى دول الأمم المتحدة أن تضغط من أجل استخدام آليات المقاضاة الدولية.

 

 

III. وقائع قتل أشخاص من غزة كشفوا عن صفتهم المدنية

 

في 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 شنت إسرائيل "عملية الرصاص المصبوب" بالهدف المُعلن وهو وقف الهجمات الصاروخية القائمة من الجماعات الفلسطينية المسلحة على إسرائيل. وبدأت العملية بغارة جوية موسعة، تلاها هجوم بري بدأ بعد ثمانية أيام.

 

وفيما يلي سبع وقائع وقعت أثناء العملية أطلق فيها جنود إسرائيليون النار من أسلحة خفيفة على المدنيين، مما أسفر عن مقتل 11 شخصاً – منهم خمس نساء وأربعة أطفال – وإصابة ثمانية آخرين على الأقل. وهذه الخسائر في صفوف المدنيين هي نذر يسير من أعداد المصابين والقتلى الفلسطينيين المدنيين ممن وقعوا أثناء العملية، لكنها حالات هامة لأن في كل منها كان الضحايا يقفون أو يسيرون أو يتحركون ببطء في سياراتهم برفقة مدنيين عُزل آخرين، وكانوا يحاولون الكشف عن وضعهم المدني بالتلويح بأعلام بيضاء. وجميع الأدلة المتوفرة تشير إلى أن القوات الإسرائيلية كانت تسيطر على المناطق التي وقعت فيها الحوادث وقت وقوعها، ولم يقع قتال في تلك الأماكن وقت الحوادث، ولم تكن هنالك أية قوات فلسطينية مختبئة وسط المدنيين أو كانت تستخدمهم كدروع بشرية.

 

مقتل أمل عبد ربه، عامان، وسعاد عبد ربه، 7 أعوام ;إصابة سعاد عبد ربه، 54 عاماً، وسمر عبد ربه 4 أعوام

حي عبد ربه، جباليا.7 يناير/كانون الثاني 2009

في عصر يوم 7 يناير/كانون الثاني 2009، بعد أربعة أيام من بدء الهجوم البري الإسرائيلي على غزة، توقفت الدبابات الإسرائيلية لدى منزل خالد عبد ربه، المقيم في الطرف الشرقي من شارع القدس في حي عبد ربه في جباليا.[9] وطبقاً لثلاثة من أفراد الأسرة شهدوا الواقعة، فقد أطلق جندي إسرائيلي النار على امرأتين وثلاث فتيات صغيرات كُنّ قد خرجن من المنزل ممسكات بأعلام بيضاء هي قطع من الثياب. ماتت فتاتان، وأصيبت الجدة والفتاة الثالثة، وإصابات الفتاة جسيمة. وتدعم أدلة قوامها آثار الرصاصات، عثرت عليها هيومن رايتس ووتش في الموقع، والسجلات الطبية للضحايا، وفحص الأطباء الأجانب للمصابتين، تدعم جميعاً روايات الشهود.

 

طبقاً لسكان حي عبد ربه، فقد دخلت القوات الإسرائيلية المنطقة لأول مرة بعد ساعات من بدء العمليات البرية صباح 3 يناير/كانون الثاني.

 

وكما هو الحال في توغلات إسرائيلية سابقة، منها عملية الشتاء الدافئ في فبراير/شباط ومارس/آذار 2008، فإن حماس وغيرها من الجماعات اشتبكت بالجيش الإسرائيلي على الأطراف الغربية من الحي وحاولت استدراج الجنود الإسرائيليين إلى كمائن. وفي تلك المرة، سرعان ما تراجع المقاتلون الفلسطينيون إلى الغرب مع اقتراب المدرعات الإسرائيلية مصحوبة بتغطية جوية.

بدأ القتال في المنطقة على مدار الأيام التالية، وكان مكثفاً في بعض الأحيان. وقال السكان المحليون إن ثلاثة مقاتلين فلسطينيين قُتلوا، وأشاروا إلى صورهم لـ هيومن رايتس ووتش من بين صور مجموعة من الأفراد في ملصق خاص بالمقاتلين القتلى. وبناء على شهادات الشهود وأدلة الدمار المادية التي شاهدتها هيومن رايتس ووتش في الحي بعد أسابيع، فإنه من الواضح أن القتال تركز على مسافة بضعة مئات من الأمتار إلى غرب منزل خالد عبد ربه، حول مسجد صلاح الدين في شارع القدس. والمسجد نفسه ومبنيين مجاورين لحق بهما الدمار، ويظهر على الكثير من المباني المجاورة آثار إطلاق النار، وبعضها من القتال الدائر في مارس/آذار السابق.

 

وقال بعض سكان الحي الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش إن أغلب القتال في المنطقة توقف صبيحة 7 يناير/كانون الثاني، رغم تبادل متفرق لإطلاق النار استمر بعد ذلك الوقت. وفي ثلاث من الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، بدءاً من 5 يناير/كانون الثاني، احتجز الجيش الإسرائيلي رجالاً فلسطينيين من الحي وأجبرهم على أداء مهام خطرة ذات طبيعة عسكرية، مثل تفتيش منازل الفلسطينيين.[10] وفي حالتان من هذه الحالات، كان الجنود الإسرائيليون يقفون وراء الرجل الفلسطيني الذي يُجبر على تفتيش المنزل. واستخدام المدنيين عمداً لردع الهجمات على الأهداف العسكرية يُعد "استخدام دروع بشرية". واستخدام المدنيين كدروع بشرية أو توريطهم في عمل ذات طبيعة عسكرية لهو مما ينتهك القانون الإنساني الدولي.[11]

 

مجدي عبد ربه على سبيل المثال قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الجيش الإسرائيلي احتجزه لمدة يومين، بدءاً من 5 يناير/كانون الثاني، وأجبره على العمل كمراسل بين الجيش الإسرائيلي وثلاثة من مقاتلي حماس الجرحى المُحاصرين في أحد المنازل.[12] وطبقاً لأقوال مجدي عبد ربه، فإن القوات الإسرائيلية قتلت ثلاثة من المقاتلين المحاصرين ليلة 6 يناير/كانون الثاني. وهؤلاء المقاتلون يبدو أنهم الرجال الثلاثة الذين قُتلوا في الحي والذين رأت هيومن رايتس ووتش صورهم ضمن صور ملصق المقاتلين المقتولين. وثمة رجل آخر، هو أكرم عياش عبد ربه، 40 عاماً، قال لـ هيومن رايتس وتش إن الجنود الإسرائيليين في الحي أخذوه من منزله في 7 يناير/كانون الثاني وأجبروه على التنقل معهم في المنطقة طيلة يومين، بعد أن سددوا نحوه الأسلحة كي يتقدمهم ليفتش البيوت بحثاً عن المقاتلين والأسلحة.[13] وطبقاً لمجدي وأكرم عبد ربه، فإن القتال الموسع توقف أثناء الوقت الذي قضيا في عهدة احتجاز الجيش الإسرائيلية وكانت القوات الإسرائيلية بشكل عام تسيطر على المنطقة.

 

وأثناء تلك الأيام، طبقاً لخالد عبد ربه، أقام هو و30 من أفراد أسرته في بيتهم عند الطرف الشرقي من الحي.[14] وقام الجيش الإسرائيلي باحتلال المنزل أثناء توغلات سابقة دون وقوع مشكلات جسيمة، بما في ذلك احتلاله فترة يومين في عملية الشتاء الدافئ في فبراير/شباط ومارس/آذار 2008، حسب ما قال خالد، ولم ير سبباً لمغادرة المنزل في المرة الأخيرة تلك. وقال: "إنهم يعرفوننا ولم يسبق أن واجهتنا معهم مشكلة، فلم يخطر لنا أن نخاف". وكان خالد عبد ربه رجل شرطة تابع للسلطة الفلسطينية حتى استيلاء حماس على السلطة في قطاع غزة في يونيو/حزيران 2007.

 

وطبقاً لخالد، وشقيقه وأمه، فإنه في 7 يناير/كانون الثاني توقفت دبابة إسرائيلية واحدة على الأقل عند الطرف الغربي من المنزل. حين زارت هيومن رايتس ووتش المنزل في 25 يناير/كانون الثاني 2009 شاهدت آثار ما يبدو أنه أكثر من دبابة واحدة، ويُرجح أنها آثار دبابات ميركافا إسرائيلية، في منطقة تبعد 10 أمتار عن الطرف الغربي من المنزل. وتم العثور على نحو 12 مظروف رصاصة فارغة عيار 7.62 ملم × 51 ملم على الأرض، وصندوق ذخيرة فارغ عليه كتابات بالعبرية، لرصاصات عيار 7.62 ملم يسع لـ 230 رصاصة. والرصاصة الـ 7.62 × 51 ملم يتم إطلاقها من بندقية "إف إن ماغ 58"، وهي بندقية آلية تستخدمها قوات المشاة الإسرائيلية ويتم أيضاً تركيبها على متن الدبابات وناقلات الجنود المدرعة.

 

وطبقاً لجميع أفراد الأسرة الثلاثة، فنحو ساعة الظهيرة سمعت الأسرة الدبابة خارج المنزل ثم راح الجنود ينادون في مكبر للصوت عليهم للخروج. ومع خشية خروج أي رجال من الأسرة، خرجت امرأتان وثلاث طفلات وتجمعن لدى الباب، وكانت ثلاث منهن على الأقل يحملن قطع قماش بيضاء. وخرجن من الباب ورأين الدبابة الإسرائيلية على مسافة 10 أمتار وفوهتها مصوبة نحو المنزل. ووقفت أم خالد على السلم الأمامي للمنزل، وتُدعى سعاد، 54 عاماً، وزوجته كوثر، 26 عاماً، والفتيات الثلاث، سعاد، 7 أعوام، وسمر، 4 أعوام، وأمل، عامين. وأوضحت أم خالد، سعاد، ما جرى بعد ذلك:

 

رأينا دبابة ورأينا آخرين خلفها. كنا نحمل الأعلام البيضاء كي يعرفوا أننا مدنيين. أمضينا سبع إلى تسع دقائق نلوح بالأعلام ونحن ننظر إليهم. وفجأة فتحوا النار وسقطت الفتيات على الأرض. سقطت سعاد وحين رأيتها التفت إلى يميني وحين التفت تم إطلاق النار عليّ... كانت الرصاصات تأتي من حيث كانت الدبابة لكن لا أعرف من أطلق النار. أصيبت سعاد في رقبتها وصدرها. أصيبت أمل في صدرها وبطنها وخرجت أمعاؤها. ماتت سعاد على الفور. نقلنا أمل إلى الداخل وماتت هناك لأن سيارة الإسعاف لم تحضر. أصيبت سمر في صدرها وخرجت الرصاصات من ظهرها، مخلفة ثقوباً كبيرة وأضرت بالعمود الفقري. وقد أصيبت بالشلل...
 
وقفنا بالخارج نحو عشر دقائق. كان الجنود يجلسون فوق الدبابة. كانت المنطقة هادئة، لم نر أحداً حولنا، ولم نسمع قصفاً، ولا قتالاً. كانوا يسيطرون تماماً على المنطقة منذ اليوم الأول للغزو البري. كانوا يسيطرون على المنطقة بالإضافة إلى تل كاشف [القريب] من المنطقة.[15]
 

تمت مقابلة خالد وشقيقه كلٍ على انفراد، وقال كل منهما إنهما مكثا داخل البيت، مؤكدان على هذه النسخة من الأحداث. وطبقاً لخالد، فإن النساء والفتيات خرجن لنحو خمس دقائق ثم برز جندي إسرائيلي من قمة الدبابة ودون إنذار فتح النار من بندقية آلية عليهن. تمكنت النساء والفتيات من جرجرة أنفسهن إلى الداخل، وكانت بعضهن تنزف بغزارة، حسب ما قال.

 

وفي بروكسل قابلت هيومن رايتس ووتش حسن، شقيق خالد، وهناك كان يتابع حالة سمر في المستشفى.[16] والتفاصيل التي تذكرها تختلف قليلاً عما ذكره شقيقه وأمه، لكن روايته بشكل عام مماثلة. وطبقاً لحسن فإن جنود الجيش الإسرائيلي أمروا الأسرة بالخروج ثم فتحوا النيران على النساء والأطفال.[17] وقال: "المنطقة التي نعيش فيها كانت تحت سيطرة الإسرائيليين، وكانت مكاناً آمناً لهم، ولم يكن بها أي مقاتلين".

 

وفي 2 فبراير/شباط، استعانت هيومن رايتس ووتش باخصائيّ طب شرعي، هما د. يورغن لانغ تومسون (من الدنمارك) ود. صابر أحمد وادي من جنوب أفريقيا، لفحص إصابات سعاد عبد ربه، وكانت تتماثل للشفاء في منزل أقاربها في جباليا.[18] وقال الطبيبان لـ هيومن رايتس ووتش إن إصابات سعاد متفقة مع قولها أنها تلقت رصاصتين، واحدة في ذراعها الأيسر والأخرى في الفخذ العلوي الأيسر. ولم تكن الرصاصات كبيرة، حسب قولهما، لغياب إصابات داخلية جسيمة. وطبقاً للدكتور تومسن ووادي، اللذان قدما تقييمهما لنا في حضور أحدهما الآخر، فإن مداخل ومخارج الرصاصة في ذراع سعاد الأيسر لا يمكن تمييزها بشكل دقيق لأنها بدأت تلتئم. والرصاصة الأخرى، حسبما قالا، دخلت الفخذ الأيسر العلوي الخلفي، وخرجت من الخصر الأيسر من الأمام. ويتفق هذا مع زعم سعاد بأنها التفتت إلى يمينها نحو البيت حين بدأ إطلاق الرصاص.

 

كما هاتفت هيومن رايتس ووتش الطبيب الذي عالج سمر في بروكسل، وهو د. سعيد هاشمي إدريسي. وقال إنه حتى 6 مارس/آذار كانت سمر قد خضعت لثلاث جراحات، واحدة في غزة، واثنتين في بروكسل.[19] والجراحة الأولى في غزة تم أثناءها إخراج الرصاصات، من ثم لم يكن لدى د. إدريسي أية تعليقات على الرصاصات التي أصابتها. الجراحتان التاليتان في بروكسل كانتا لتنظيف العدوى التي أصيبت بها سمر حول عمودها الفقري. وورد في تقرير للـ بي بي سي في 22 يوليو/تموز عن سمر أن الفتاة مصابة بالشلل في الجزء السفلي من جسدها بدءاً من الخصر، بسبب إصابتها في العمود الفقري.[20]

وبعد إطلاق النار حاولت الأسرة الاتصال بمرافق الرعاية الطبية، لكنهم قالوا إنه كان من الصعب وصول الإسعاف لأن شبكة النقال في المنطقة كانت متوقفة. وحين بلغت الأسرة جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية، قالوا إن الإسعاف غير قادرة على المجيئ لعدم التنسيق مع الجيش الإسرائيلي، الذي يطالب سيارات الإسعاف المارة بأي مكان يتواجد فيه الجنود بالتنسيق. وبعد ساعتين تقريباً وفي غياب الرعاية الطبية، ماتت أمل.

 

وأثناء تلك الفترة، حسبما قال سامح الشيخ، الجار وسائق سيارة إسعاف، سمع الأخير استغاثات الأسرة وحاول الذهاب إليهم لمد يد المساعدة، لكن منعه الجيش الإسرائيلي. وقال الشيخ لوسائل الإعلام إنه حاول قيادة سيارة الإسعاف إلى منزل خالد عبد ربه، لكن الدبابة الإسرائيلية أمرته بالخروج منها وأن يبتعد عن الحي على قدميه. حين عاد إلى بيته بعد انسحاب إسرائيل في 18 يناير/كانون الثاني، قال إنه وجد سيارة الإسعاف محطمة تحت بيته المهدم.[21] وشاهدت هيومن رايتس ووتش بقايا سيارة الإسعاف تحت حطام منزل الشيخ المُدمر، في 25 يناير/كانون الثاني.

 

وقال خالد عبد ربه وأسرته إنهم سمعوا حوالي الساعة الثانية ظهر يوم إطلاق النار على الراديو أن الجيش الإسرائيلي سيتوقف ثلاث ساعات في "هدنة إنسانية". ومع لهفتهم على مغادرة الحي، رفعوا أجساد سعاد وأمل، بالإضافة إلى سمر وسعاد المصابتين، ومضوا إلى الشارع. وقالت سعاد أم خالد: "اعترتنا الدهشة حين رأينا الشارع بأكمله مليئاً بالحفر تكسوه الرمال ولا يمكن للسيارات السير فيه. كان الأمر صعباً للغاية، وراحوا [الجنود الإسرائيليون] يطلقون الرصاص حولنا لترهيبنا".

 

ومضت أسرة عبد ربه في طريقها غرباً عبر بلدة جباليا، حيث عثروا على سيارة إسعاف نقلت القتلى والمصابين إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة. ومكثوا مع أقاربهم طيلة مدة القتال الأساسي.

 

وقال خالد عبد ربه إنه لا يفهم سبب إطلاق الجنود الإسرائيليين النار على نساء عُزّل يحملن أعلامأ بيضاء، ثم يقومون بتدمير منزله بعد ذلك:

 

أريد شيئاً واحداً لا أكثر. أريد أن أفهم... ماذا فعلت لإسرائيل حتى أعاقب هكذا. أريد أن تصبح هذه أخر جريمة تُرتكب ضد العرب وضد الفلسطينيين لأننا نريد السلام. آمل أن أكون آخر من عانوا. لقد فقدت أطفالي وبيتي.

 

مقتل راوية النجار، 47 عاماً، ومحمود النجار، 57 عاماً ;إصابة جاسمين النجار، 23 عاماً

حي النجار، خزاعة.13 يناير/كانون الثاني 2009

في 13 يناير/كانون الثاني، وحوالي الساعة 7:30 صباحاً، تقدمت راوية النجار، 47 عاماً، مجموعة من 15 امرأة إلى خارج الحي الذي يقمن فيه في بلدة خزاعة، شرقي خان يونس، إثر صدور أوامر من الجنود الإسرائيليين في الدبابات والجرافات الـ دي 9 العسكرية من أطراف الحي، بالسير إلى وسط البلدة. وهي تسير رافعة العلم الأبيض، دون وجود أي قتال ظاهر في المنطقة ومع السيطرة الظاهرة للجيش الإسرائيلي على الحي بعد ثلاثة أيام من القصف، فتح جندي إسرائيلي النار مرة واحدة على الأقل، فأصابها برصاصة في الرأس. وأصابت رصاصة ثانية جاسمين النجار، 23 عاماً، مع محاولتها جذب راوية إلى نقطة آمنة. وكان محمود النجار، أحد أعضاء العائلة نفسها، 57 عاماً ويعمل مزارعاً، يحمل بدوره علماً أبيض، وأصيب بطلق ناري وقُتل على يد جندي إسرائيلي، بعد حوالي ساعة أثناء محاولته استعادة الجثمان.

 

وقابلت هيومن رايتس ووتش خمسة شهود عيان على مقتل راوية النجار، وخمسة آخرين وصفوا الأحداث الواقعة ذلك اليوم في خزاعة. وفي موقع قتل راوية، رأت هيومن رايتس ووتش بقعة حمراء بنية قال السكان إنها دمها، وكذلك ما بدا أنه ثقب رصاصة في صندوق قمامة معدنية.[22] وعلى مسافة في نفس الشارع الضيق الذي كانت النساء تسير فيه، على مسافة 230 متراً، منزل من طابقين قال الشهود جميعاً إن الرصاصات جاءت منه. وداخل المنزل، رأت هيومن رايتس ووتش ثقباً في جدار بالطابق الثاني، الظاهر أنه من فعل قناص، ويربطه بالنقطة التي قُتلت فيها راوية وجاسمين خط مستقيم. وفي حجرة أخرى من المنزل، كانت توجد كتابات بالعبرية على جدار تقول "نقطة مراقبة رقم 2"، وعلى السلالم عبوات طعام إسرائيلية يبدو أن الجنود تركوها على الأرض. وقال شاب إنه تم احتجازه في المنزل في 13 يناير/كانون الثاني فيما كان الجنود الإسرائيليون في المكان.

 

وإلى شرق خان يونس، على مسافة 500 متر من خط هدنة 1948، تُعد قرية خزاعة أقرب منطقة سكنية فلسطينية إلى إسرائيل، على مرأى من أبراج مراقبة الجيش الإسرائيلي. وتفصل الحقول المفتوحة القرية عن خط الهدنة.

 

وفي سلسلة من التوغلات البرية في المنطقة بين 11 و13 يناير/كانون الثاني، اشتبكت القوات الإسرائيلية بالمقاتلين الفلسطينيين، مع قتلهم لثلاثة مقاتلين حسب التقارير.[23] وذكر المسؤولون المحليون وقوع خسائر كثيرة في صفوف المدنيين.[24] وفي مرتين آخريين استخدم الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض المتفجر جواً بكثافة، ونيران المدفعية؛ مما أدى إلى مقتل امرأة وإصابة العشرات.[25]

 

وقال السكان ونشطاء حقوقيون محليون لـ هيومن رايتس ووتش إن المقاتلين الفلسطينيين كانوا نشطين في المنطقة، وأن قائد الجهاد الإسلامي قال لوسائل الإعلام إن 12 مقاتلاً يشتبكون بشكل مباشر مع الجيش الإسرائيلي في خزاعة.[26] لكن حسب هذه الروايات، كان القتال خفيفاً، مع تراجع المقاتلين لدى تقدم القوات الإسرائيلية.

 

وقد بدأ توغل الجيش الإسرائيلي في خزاعة حوالي التاسعة والنصف مساء يوم 10 يناير/كانون الثاني، مصحوباً بقصف مدفعي مكثف للمنطقة، بما في ذلك استخدام قذائف الفسفور الأبيض التي انفجرت فوق حي النجار، الذي يسكنه أبناء العائلة التي تحمل الاسم نفسه.[27] وطبقاً لثلاثة من السكان، تمت مقابلة كل منهم على انفراد، فإن قذائف الفسفور الأبيض انفجرت فوق المنازل، فأمطرت المنطقة بشظايا محترقة. وبعض المنازل في المنطقة احترقت، وساعد الجيران أحدهم الآخر على إطفاء ألسنة اللهب.

 

وفي اليوم التالي – 11 يناير/كانون الثاني – تحركت القوات البرية الإسرائيلية إلى حي النجار في خزاعة لأول مرة. ومن الساعة 5 صباحاً إلى 11 مساءً، مكثوا على أطراف البلدة، حسبما قال السكان، ودمرت جرافات الـ دي 9 عدة منازل. وعاد الجيش الإسرائيلي في حوالي الثالثة صباح يوم 12 يناير/كانون الثاني ليدمر المزيد من المنازل ثم ينسحب مجدداً في الظهر.

 

ووقع الهجوم التالي حوالي منتصف ليل 13 يناير/كانون الثاني، مصحوباً بقصف مكثف، شمل الاستخدام الكثيف للفسفور الأبيض المتفجر جواً. وبحلول الصباح الباكر، تجمع 100 من سكان الحي في بستان صغير. وبلغت الدبابات والجرافات أطراف البلدة واستخدم الجنود الإسرائيليون مكبرات الصوت ليأمروا السكان بالانتقال إلى مركز البلدة. إلا أنه طبقاً لثلاثة شهود عيان، فعندما بدأ السكان في التحرك، تقدم الجنود وانتشروا في الحي، وأطلقوا نيرانهم في اتجاههم، ليجبروهم على الالتفاف والعودة.

 

حوالي الساعة 7:45 صباح 13 يناير/كانون الثاني، قررت راوية النجار أن تقود مجموعة من نحو 15 امرأة إلى خارج المنطقة. وهي تحمل علماً أبيض مرتجلاً مصنوعاً من الثياب البيضاء، عبارة عن ثوب ارتدته عندما ذهبت مؤخراً للحج في مكة، بدأت تسير في اتجاه الغرب، في شارع ضيق، يؤدي إلى شارع أوسع كُن يعتزمن أن يسلكنه إلى وسط بلدة خزاعة. وسارت المجموعة نحو 15 متراً في الشارع الضيق، ثم فجأة ودون سابق إنذار، أصابت رصاصة راوية في رأسها.

 

إيمان النجار، 31 عاماً، وكانت تسير مع راوية، قالت لـ هيومن رايتس ووتش ما حدث:

 

أمسكت راوية بالعلم الأبيض برفقة مجموعة من النساء وقالت: لنذهب معاً. وكنا نحو 15 امرأة. حين بلغت المنعطف أطلقوا عليها النار. كانت الساعة 7:45 صباحاً، وأصيبت في الرأس وسقطت رغم أنها كانت تحمل العلم الأبيض. حاولنا نقل جثمانها لكن لم نقدر على الوصول إليها. وفيما كنا نحاول أصيبت فتاة في ذراعها وساقها، وهي جاسمين النجار، وضمدنا جراحها واتصلنا بالإسعاف لكنهم قالوا إنهم لا يمكنهم المجيئ.[28]

 

وقابلت هيومن رايتس ووتش جاسمين النجار على انفراد، وكانت قد عادت من العلاج في مستشفى في خان يونس، وقالت: "أصبت في ذراعي الأيسر وفي ساقي الأيسر برصاصتين. وكنت مجاورة لراوية حين أصيبت".[29]

ووصفت ثلاث نساء من المجموعة مشاهدة راوية وجاسمين وهما تصابان بالرصاص. وطبقاً لنهى النجار، الزوجة الثانية لزوج راوية، ناصر النجار:

 

تقدمت راوية مجموعة من النساء، كنا نحو 15 إلى 20، وكلنا من النساء. قلت لها: انظري، هناك جندي يخرج من البيت. وقالت: لا تقلقي، وكوني قوية. ورفعت إحدى الجارات طفلتها. رأينا الجندي يخرج، وراح الصغار يصرخون. وأطلق رصاصة واحدة على رأسها. أصابتها الرصاصة ورأيتها وهي تتلقاها. كان على مسافة نحو 100 متر، في منزل فارس النجار، وكان لدى [مدخل الباب] لكنه يصوب بندقيته إلى الخارج.

 

وطبقاً لإيمان وجاسمين، فإن من أطلق النار خرج من المنزل وأطلق رصاصته. وقالت امرأة رابعة ضمن المجموعة، هي وفاء النجار، إنها رأت الجندي يطلق وهو واقف عند مدخل الباب.[30] وسواء كان يقف لدى مدخل الباب أو خرج من الباب، فحقيقة أنه كشف نفسه للخارج توحي بأنه لم يكن قلقاً من تلقي نيران معادية في تلك اللحظة. وكان الجنود الإسرائيليون يسيطرون تماماً على المنطقة، وطبقاً للشهود، كانوا قد احتلوا منزلاً واحداً على الأقل في المنطقة. وكانوا يسيطرون تماماً على المكان بالكامل باستخدام الجرافات المدرعة والدبابات، بعد قصف مكثف استمر طوال الليل.

 

والنقطة التي تعرضت فيها راوية وجاسمين لإطلاق النار كانت على مسافة 15 متراً من بداية الشارع الضيق، مما يعني أن الجندي شاهد مجموعة النساء تسير لمدة 10 ثوانٍ على الأقل يمكنه خلالها تحديد أنهن لا يشكلن أي خطر. ولم يقل أي من الشهود إنه رأى أو سمع أية طلقات تحذيرية من الجنود توحي بأن على النساء التوقف عن التقدم من المنزل.

 

وأظهر زوج راوية لـ هيومن رايتس ووتش تقريرها الطبي الصادر من مستشفى الناصر في خان يونس. ورد فيه أن راوية النجار ماتت جراء رصاصة أصابت الجانب الأيمن من الرأس في 13 يناير/كانون الثاني 2009. [31]

 

كما تفحصت هيومن رايتس ووتش منزل فارس النجار، الذي قال شهود العيان إن الجندي أطلق الرصاص منه.[32] وهو على مسافة 230 متراً بالضبط من حيث أصيبت راوية. وفي الطابق الثاني من المنزل، تم العثور على ثقب في الجدار قطره نصف المتر، في الجانب المشرف على الطريق الضيق، وهو ما يفعله الجيش الإسرائيلي عادة عند نقاط تمركز القناصة. وعلى السلم بالقرب من الحفرة كانت توجد أكياس طعام بلاستيكية عليها كتابات عبرية، يبدو أن الجنود الذين احتلوا المنزل تركوها خلفهم. وفي حجرة بالطابق الثاني، لدى الجدار الشرقي إلى جوار ثقب القناص الظاهر، كتب أحدهم بالعبرية "نقطة مراقبة رقم 2".

 

وأكد شاب من الحي، هو محمد النجار، 16 عاماً، أن الجنود احتلوا المنزل لأنهم احتجزوه هناك نحو 12 ساعة في 13 يناير/كانون الثاني. وطبقاً للنجار، فإن الجنود الإسرائيليين احتجزوه برفقة ابن عمه، واسمه بدوره محمد النجار، وامرأة، هي سنيحان النجار، حوالي الساعة 6:30 صباحاً، وجلبوهم إلى منزل فارس النجار. وسمع طلقات رصاص أثناء تواجده لكنه حسب أنها من الجانب الإسرائيلي ولا يعتقد أن الجنود في المنزل كانوا عرضة للهجوم. وترك الجنود محمد والاثنين الآخرين يخرجون بعد السادسة مساء ذلك اليوم، حسبما قال محمد.

 

وبعد إطلاق النار على راوية وجاسمين، تراجعت النساء عبر الشارع الضيق بعيداً عن مرمى النيران. وانتظرن لعدة ساعات ثم أجرين محاولة ثانية لمغادرة المنطقة، ونجحت المحاولة وبلغن الشارع الرئيسي لبلدة خزاعة.

 

وعصر ذلك اليوم، أحبطت القوات الإسرائيلية محاولات استعادة جثمان راوية. طبقاً لمروان أبو ريدة، المسعف في مستشفى الناصر، فقد حاول التحرك بالسيارة إلى حي النجار ذلك العصر لكنه تعرض لإطلاق النار من الجيش الإسرائيلي واضطر للتراجع. قال لقناة الجزيرة الدولية: "مضيت إلى هناك مباشرة، وكنت على مسافة 60 إلى 70 متراً من الجثمان حين سمعت القوات الإسرائيلية الخاصة تطلق النار نحوي"، وأضاف: "أحسست بقلة الحيلة، ولم يكن بوسعي أي شيء أفعله لها".[33]

 

وفي وسط خزاعة، عرفت مجموعة من الناس بمقتل راوية. محمود النجار، 57 عاماً، قرر العودة لاستعادة الجثمان. وهو يعبر الشارع الرئيسي كي يبلغ الحي، وفيما كان يحمل علماً أبيض، أطلق الجنود الإسرائيليون النار عليه وأردوه قتيلاً. وقال شاهد على إطلاق النار، هو كفاح النجار، 24 عاماً، لـ هيومن رايتس ووتش ما رأه:

 

كان محمود يحمل علماً أبيض. عبر الشارع أربع مرات ليساعد الناس على العبور. عبر وجلب نحو 14 شخصاً في مجموعات [كانت محاصرة في حي النجار]. أثناء عبوره أول ثلاث مرات لم يكن معه علم أبيض، لكن في المرة الرابعة أخذ علماً أبيض من أحد الأشخاص الذين عبروا. كانت الدبابات متوقفة لدى الطرف الآخر من الشارع. تقدم نحو مترين تقريباً ثم أصيب في جانبه الأيمن من الاتجاه الذي كانت الدبابات متوقفة عنده. جذبناه عائدين إلى الجدار، وجاءت سيارة الإسعاف بعد نحو 30 دقيقة.[34]

 

لدى وصول سيارة الإسعاف كان محمود قد مات.

 

بعد 12 ساعة تقريباً، أخيراً بلغ المسعف مروان أبو ريدة جثمان راوية. وقال: "أصيبت برصاصة واحدة في الرأس".[35]

 

مقتل مطر سعد أبو حليمة، 17 عاماً، ومحمود حكمت أبو حليمة، 16 عاماً ;إصابة غالية أبو حليمة، 52 عاماً، ومحمود أبو حليمة، 21 عاماً، ومطر أبو حليمة 85 عاماً ونبيلة أبو حليمة، 38 عاماً

العتاترة.4 يناير/كانون الثاني 2009

في 4 يناير/كانون الثاني، قتلت القوات الإسرائيلية في هجمات متعددة سبعة من عائلة أبو حليمة، من بلدة سيافة، وألحقت الإصابات بستة آخرين. وفي اثنتين من وقائع القتل، أطلق الجنود الإسرائيليون النار على أفراد العائلة الذين كانوا يحاولون التوجه إلى الأمان وهم يحملون أعلاماً بيضاء أو يلوحون بأيديهم في الهواء لإظهار أن لا أسلحة معهم.

 

وفي ذلك اليوم، احتمى 14 شخصاً من العائلة في منزل سعد الله وصباح أبو حليمة في قرية سيافة، بالقرب من بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة.[36] وفي مقابلات منفصلة، قال ثلاثة من أفراد العائلة لـ هيومن رايتس ووتش إن قذيفة مدفعية إسرائيلية تحمل الفسفور الأبيض أصابت منزلهم مباشرة حوالي الساعة الرابعة مساءً، فأسفرت عن مقتل خمسة من العائلة وألحقت الإصابات بأربعة آخرين.[37]

 

وطبقاً لما ورد في مقابلات مع ثلاثة من أفراد العائلة تمت على انفراد، وكذلك مع ثلاثة من شهود العيان من المنطقة، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على العائلة وهم يحاولون إخراج المصابين والقتلى من المنطقة جراء هجوم بالفسفور الأبيض، غلى المستشفى، على متن الجرارات وشاحنة، مما أدى إلى مقتل اثنين من أبناء العم، هما محمد ومطر.

 

وبعد هجوم الفسفور الأبيض على المنزل، حمّل أفراد العائلة الأقارب الخمسة المصابين - صباح أبو حليمة، 44 عاماً، الأم (زوجة سعد الله)، ويوسف، 16 سنة، ابن، وعلي، 5 أعوام، ابن، وغادة 21 عاماً، زوجة الابن محمد، وفرح، عامين، ابنة غادة ومحمد – على عربات يجرها جراران لنقلهم إلى حيث يجدون الرعاية الطبية. الأم، صباح، استقلت جراراً يقوده ابن العم حمادة. ووصلت بأمان إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة، حيث تلقت العلاج من حروق خطيرة، قبل نقلها إلى مصر.[38] نقلت غادة وابنتها فرح جثمان الطفلة الميتة شهيد، ونقلاها على متن عربة يجرها الجرار الآخر، ويقوده ابن العم محمد. والأشقاء المصابين يوسف وعلي كانا قادرين على السير على الأقدام. كما حضر خمسة من الأقارب غير المصابين، منهم ابن عم باسم مطر، كانوا يريدون الفرار من المنطقة.

 

وطبقاً لأحد أفراد العائلة، هو عمر أبو حليمة، فإن المجموعة التي كانت على متن الجرار الآخر تعرضت لإطلاق النار من اتجاه مدرسة معاوية.[39] وقال موضحاً:

 

كنا نقود الجرار وفي طريقنا عندما رأينا الدبابات والجنود. حين رأيناهم أمرونا بالتوقف. بعد أن توقفنا أطلقوا النار علينا. قتلوا ابن عمي مطر. وأصيب ابن عمي محمد ومات متأثراً بجراحه فيما بعد.
 
تركنا شهيد ومحمد ومطر. ولم نأخذ إلا غادة وفرح. وقالوا [الجنود الإسرائيليون] لنا أن نحملهما ونرحل. قلنا لهم إننا نريد الآخرين أيضاً لكنهم رفضوا. بعد 14 يوماً جلبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر جثة محمد إلينا. تعرفنا عليه فقط من هاتفه النقال، فقد كان جسده مسحوقاً.
 
أصيب مطر ومحمد في نفس التوقيت. كان الجنود مترجلين، أطلقوا النار عليهما من البنادق من مسافة خمسة أمتار من داخل أحد المنازل. أصبت على الفور في ذراعي.[40]

 

أظهر عمر أبو حليمة لـ هيومن رايتس ووتش جرح الرصاصة في ذراعه الأيمن (انظر الصورة).

 

وأكد قريب آخر من العائلة قصة عمر، وكان يسير إلى جوار الجرار. طبقاً لنبيلة أبو حليمة، 38 عاماً، فقد كانت تحاول الخروج من المنطقة برفقة ابنها علي، 6 أعوام، وقالت:

 

ذهبنا معاً إلى مدرسة عمر ابن الخطاب. كان الجنود في المنزل المواجه للمدرسة. قال الجنود: توقفوا! اخرجوا! نزلوا [أقاربي] من على الجرار إلى الأرض. وكنت أرفع يديّ الاثنتين، وهم أيضاً، ورفع الصبية قمصانهم [دلالة على أن لا أسلحة معهم]. ثم أطلق الكثير من الجنود النار. أصبت في كتفي، وأصيب عمر بدوره. أطلقوا النار من المنزل [المواجه للمدرسة]. قُتل محمد ومطر. عدنا أدراجنا فراحوا يطلقون النار على الأرض من تحتنا. تركنا شهيد في الجرار.[41]

 

وزارت هيومن رايتس ووتش المنطقة المواجهة للمدرسة التي قال عمر ونبيلة إن إطلاق النار وقع عندها. المنازل التي قالوا إن الجنود كانوا يطلقون النار منها على مسافة 10 أمتار من حيث قُتل محمد ومطر. المنزلان لحق بهما دمار بالغ والأسر التي تعيش فيهما قالوا إنهم يعرفون أن الجيش الإسرائيلي أحتل منازلهم لأنهم عثروا على طعام وإمدادات أخرى خلفها الجنود وراءهم، منها صندوق رصاصات فارغ، وأظهروه لـ هيومن رايتس ووتش. الصندوق سعة 100 رصاصة عيار 0.5 إم 2 المستخدم في البندقية الآلية براونينغ.[42]

 

وطبقاً لأقوال السكان وما أوردته وسائل الإعلام، كانت العتاترة ساحة للقتال الكثيف بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس.[43] ويوم إطلاق النار على أفراد عائلة أبو حليمة، كانت أعمال القتال على ما يبدو مستمرة.

وفيما حاول عمر وأقاربه المغادرة على متن الجرار الثاني، فإن شقيقه أحمد مكث في العتاترة للمساعدة على نقل جثامين الخمسة القتلى إلى خارج المنطقة مستخدماً الشاحنة. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إن ابن عمه محمود خليل، المدعو أبو صالح، على اتصال بالجيش الإسرائيلي لأنه رجل أعمال معروف في المنطقة، وقال الجيش الإسرائيلي لابن العم أن بإمكانه المغادرة بأمان.

 

وقابلت هيومن رايتس ووتش على انفراد محمود خليل، رئيس التعاونية الزراعية لمزراعي الفراولة والخضراوات والزهور، وهو يقيم على مسافة 400 متر شمالي منزل سعد الله وصباح أبو حليمة. وأكد أنه تحدث إلى ضابط في الجيش الإسرائيلي يُدعى آفي، وكان يعرفه من تعاملاته التجارية مع إسرائيل. وقال موضحاً:

 

قبل أن نشرع في السير تحدثت إلى آفي. قال أمهلني بعض الوقت. بعد ثلاثين دقيقة اتصل وقال لي إن بإمكاني الخروج. رفعنا الأعلام البيضاء وغادرنا نحو الرابعة والنصف مساءً.[44]

 

ورغم هذا التعاون، فإن الشاحنة التي على متنها الجثامين الخمسة، بالإضافة إلى سيارة أخرى ونحو 150 شخصاً راجلين، تعرضوا لإطلاق النار عند تقاطع طرق في العتاترة، يسميه السكان تقاطع العتاترة، على مسافة نحو 500 متر جنوب منزل أبو حليمة.

 

ووصف أحمد أبو حليمة ما حدث:

 

تحركنا في شاحنة ابن العم، وهي شاحنة مرسيدس. عند تقاطع العتاترة أطلقوا النار علينا من بندقية آلية متمركزة فوق دبابة. أصابوا جدي [مطر، 85 عاماً]، وعمتي [غالية، 52 عامأً] واثنين آخرين، لكنها كانت إصابات طفيفة. وكان خلف عربتنا سيارة غولف [فولسكفاجن] خضراء فيها المزيد من الأقارب. أصابوا أحد أبناء عمي فيها برصاصتين. خرجنا من السيارة وذهبنا إلى منزل عائلة قندبور. مكثنا هناك حتى الساعة 11:30 مساءً. أبو صالح [محمود خليل] اتصل بهم [الجيش الإسرائيلي] مرة أخرى وقالوا إن بإمكاننا السير إلى مدينة غزة. مشيت حافي القدمين. وتركنا جثامين الموتى في الشاحنة.[45]

 

محمود خليل، وكان ضمن المجموعة، أكد هذه الرواية: "أنا على صلة جيدة بالإسرائيليين. وهذه هي المرة الأولى التي أخشى فيها أن هذه الاتصالات لا جدوى منها". واستطرد قائلاً:

 

وضعنا الجثث في الشاحنة المرسيدس وتحركنا بالسيارة. كنت أسير أمام الشاحنة. وكان هناك نحو 150 شخصاً راجلين. وعلى الطريق تعرضنا لإطلاق النار... عند تقاطع العتاترة أطلقوا النار علينا وأصيب البعض من بيننا...  غالية أبو حليمة ومحمود وزوجة منصور. وأصابت الرصاصات السيارة.

أدلى برواية مشابهة، قريبة أخرى لهم، كانت ضمن المجموعة، وهي نبيلة أبو حليمة:

 

كان الليل يقترب، نحو الساعة السادسة مساءً. وعند تقاطع العتاترة رأيت ثلاث شاحنات مرسيدس كبيرة. جثث الموتى [من هجوم الفسفور الأبيض] كانت في إحداها، وفي الشاحنتين الآخريين المسنين ومن لا يقدرون على السير. بقيتنا كنا نسير خلف السيارات، نحو 150 شخصاً. بلغنا التقاطع وأردنا الحصول على جثتي محمد ومطر. أبو صالح قال لا مشكلة في ذلك. كنا جميعاً في طريقنا إلى جباليا. سرنا نحو 10 أمتار في الشارع وفقاموا [الجنود] بفتح النار، وأصيب نحو 10 أشخاص. فهرعنا عائدين أدراجنا ودخلنا بعض المباني ومكثنا فيها ثلاث ساعات. دأب أبو صالح على الاتصال بهم [الجيش الإسرائيلي] وفي البداية قالوا النساء فقط يمكنهن الخروج، لكن ليس الرجال. رفضنا. وبعد ذلك قالوا لا بأس، فلتتركوا جثث الموتى والشاحنات ويمكنكم الخروج سيراً على الأقدام. فتركنا المسنين الذين لا يمكنهم السير، وكانوا نحو 15 شخصاً، وأحضرهم آخرون في اليوم التالي. سرنا إلى جباليا. جميعنا كنا نمشي متشابكي الأيدي. جميع النساء كُن يحملن الأعلام البيضاء، هي بالأساس أغطية رأس بيضاء كبيرة. وبعد ثلاث ساعات سمحوا لنا بالمضي جنوباً وليس شرقاً.[46]

 

ثريا أبو حليمة، 50 عاماً، وصفت كيف كانت تحمل العلم الأبيض عندما تم إطلاق النار على المجموعة. أضافت: "يوم الجمعة أسقطوا منشورات من الطائرات وجلبها الأطفال إلينا لكن لم نتوقع أن يكون الأمر هكذا. الإسرائيليون دخلوا المنطقة كثيراً من قبل وأخذوا أوراق هويتنا واحتلوا منزلنا لكنهم لم يقتلوا أحداً".[47]

 

وللحصول على معلومات من أشخاص خارج عائلة أبو حليمة، قابلت هيومن رايتس ووتش عيشة صبوح، 51 عاماً، وتقيم في مبنى مجاور لتقاطع العتاترة، وذهب إليه أفراد عائلة أبو حليمة التماساً للأمان. وقالت: "ركض عدد كبير من الناس نحو منزلي بعد أن أطلقوا النار عليهم" ساعة الغروب في 4 يناير/كانون الثاني. وأضافت: "بعد حوالي ثلاث ساعات غادر بعضهم، لكنهم تركوا المسنين الذين باتوا الليلة عندنا وغادروا اليوم التالي".[48]

 

مقتل ابتسام القنوع، 40 عاما ;إصابة زكية القنوع، 55 عاماً

العتاترة.4 يناير/كانون الثاني 2009

في 4 يناير/كانون الثاني أطلق الجنود الإسرائيليون النار على امرأتين فيما كانتا تحملان الأعلام البيضاء. إحدى المرأتان هي ابتسام القنوع، 40 عاماً، وهي أم لأربعة صبية وثلاث فتيات، وقد سقطت قتيلة.

 

طبقاً لصهر ابتسام، باسم القنوع، 32 عاماً، فإن جرافة إسرائيلية توقفت أمام منزل الأسرة في العتاترة نحو الساعة 8:30 صباح يوم 4 يناير/كانون الثاني، وبدأت في هدم أعمدة البيت.[49] كان نحو 40 شخصاً من العائلة يحتمون بالبيت في ذلك التوقيت، حسبما قال.

 

في الوقت نفسه تقريباً، بدأت رصاصات الجيش الإسرائيلي تصيب المنزل، وكانت قادمة من اتجاه منزل يقع على مسافة 100 متر إلى الشمال، حسبما قال. ومن كانوا يلتمسون الأمان ركضوا إلى حجرة أكثر أماناً في الطابق العلوي.

 

حوالي الساعة 11 صباحاً، هدمت جرافة أحد الجدران بالطابق الأرضي، فاهتز البيت بقوة. وقال باسم القنوع إن ابتسام وأمها، زكية القنوع، 55 عاماً، قررتا النزول وحمل الأعلام البيضاء لإخبار الجنود أن ثمة مدنيين يحتمون بالمنزل.

 

طبقاً لزكية، حين ضربت الجرافة المنزل، خشت أن يُهدم على الأسرة. وقالت: "خرجت أنا وابتسام، وكنا نحمل الأعلام البيضاء. فتحنا الباب فأطلق قناص علينا رصاصة من منزل [على مسافة 100 متر إلى الشمال]. وأصيبت ابتسام فالتفت لأدخل فمرت رصاصة أخرى خدشت ظهري. وماتت ابتسام لدى مدخل الباب".[50]

 

وقالت زكية إنها حاولت جرجرة ابتسام إلى داخل المنزل، لكن منعتها الرصاصات القادمة من الاتجاه الذي حسبته الغرب. في 31 يناير/كانون الثاني زارت هيومن رايتس ووتش المنزل ورأت أربعة ثقوب في بئر السلم الخرساني وثمانية ثقوب في جدار المنزل الخارجي بالقرب من الدرج، وكانت الثقوب تتفق مع كونها ثقوب رصاصات. وطبقاً لزكية، فقد صعدت إلى الطابق العلوي واتصلت أسرتها بالهلال الأحمر واللجنة الدولية للصليب الأحمر كي ترسل سيارة إسعاف لابتسام، لكن لم تحضر سيارة الإسعاف لعدم التنسيق مع الجيش الإسرائيلي.

 

وكان شخص ثالث من الأسرة، هو بسام القنوع، زوج ابتسام، في الطابق العلوي من المنزل في ذلك التوقيت. وقال لـ هيومن رايتس ووتش ما يتذكره من الهجوم:

 

ذهبت المرأتان إلى الطابق السفلي وسمعنا رصاصات وصرخت ابتسام. بعد ثلاثين دقيقة عادت زكية إلى الطابق العلوي وقالت لي "الله يعوض عليك [على مقتل ابتسام]".[51]

 

بعد ساعتين، حوالي الساعة 1:30 مساءً، حسبما قال كل من بسام وباسم وزكية، اقتحم عدد كبير من الجنود الإسرائيليين المنزل عنوة وأمروا أفراد العائلة بالتجمع في حجرة واحدة. أجبروا الرجال على خلع ملابسهم حتى لم يبق عليهم إلا الثياب التحتية، ثم أوثقوهم وعصبوا أعينهم. حوالي الساعة 2:30 مساءً، نقل الجنود المجموعة إلى مدرسة أبو جعفر المنصور الابتدائية، التي تقع على مسافة 200 متر إلى الجنوب، لكنهم لم يسمحوا لهم بجلب جثة ابتسام.

وقال باسم إنه وبسام "رجونا وجادلنا كثيراً حتى سمحوا لنا بالعودة من المدرسة لاستعادة جثمانها تلك الليلة". كان الجنود الإسرائيليون ما زالوا في المنزل حين عاد الرجلان، حسبما قال، وكانت جثة ابتسام ملقاة في بئر السلم. قال: "قمنا بلفها في بطانية وحملناها إلى المدرسة ووضعناها لدى البوابة". وحوالي منتصف اليوم التالي، حسبما قال بسام، سمح الجنود للعائلة بمغادرة المدرسة والسير إلى جباليا. قال: "حملنا الجثمان وسرنا إلى مستشفى كمال عدوان في جباليا".

 

وقال الشقيقان بسام وباسم إن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار فوق رؤوسهم وعلى الأرض بالقرب منهم عدة مرات وهم في طريقهم إلى المستشفى. سجلات المستشفى التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش يظهر منها إدخال ابتسام، ميتة، في الساعة 2:30 مساءً، يوم 5 يناير/كانون الثاني، وكان سبب الوفاة المذكور هو "قصف إسرائيلي". قال باسم إنه يعتقد أن مسؤولي المستشفى كتبوا على عجلة "قصف إسرائيلي" في خانة سبب الوفاة في أغلب الشهادات الطبية الصادرة في تلك الفترة، إذ كانوا مشغولين بالعدد الكبير من الإصابات التي تدخل إلى المستشفيات.

 

مقتل ندا المرضي، 5 أعوام

العتاترة.5 يناير/كانون الثاني 2009

بدأ الجيش الإسرائيلي في 3 يناير/كانون الثاني يقصف بلدة سيافة القريبة من بيت لاهيا، والواقعة شمال العتاترة، على ما يبدو تحضيراً لهجوم بري بدأ تلك الليلة. طبقاً لنعيم المرضي، 63 عاماً، فإن الجيش الإسرائيلي أصاب الطابق الثاني من منزله في سيافة بأداة تفجير مجهولة ليلة 3 يناير/كانون الثاني، لكن لم تلحق الإصابات بأحد.[52] واستمرت الهجمات في المنطقة طيلة اليوم التالي مع اختباء السكان في منازلهم.

 

وفي وسط صباح اليوم التالي، 4 يناير/كانون الثاني، دخل الجنود الإسرائيليون منزل نعيم المرضي. وطبقاً لنعيم وابنه رضوان، فقد أمرهم الجنود وأمروا زوجاتهم وأطفال رضوان الستة، بالانتقال إلى المنزل المجاور، الخاص بالقريب رفيق المرضي، 43 عاماً. وهناك احتجز الجنود المجموعة – قوامها 19 شخصاً – في حجرة واحدة.

 

وصباح 5 يناير/كانون الثاني، قال الجنود للمجموعة إن بإمكانهم مغادرة المنطقة، حسبما قال نعيم. خرج 19 شخصاً من الأسرة على الأقدام إلى مدرسة الأونروا القريبة، حيث يقيم الأشخاص المشردون. وعلى الطريق، أصيبت حفيدة نعيم البالغة من العمر 5 سنوات، ندا المرضي (انظر الصورة)، وأصابتها الرصاصة في رأسها فسقطت قتيلة.[53]

 

وقال نعيم المرضي لـ هيومن رايتس ووتش كيف تم إطلاق النار: "كنا نسير على الطريق في اتجاه الشرق لبرهة قبل أن يبدأ إطلاق النار. مضينا في طريقنا لكن الجنود استمروا في إطلاق النار حولنا لمسافة 200 متر أخرى. وأضاف: "ثم بعد 200 متر، أصيبت الفتاة. لا أعرف من أين جاءت الرصاصة لأنهم كانوا يحتلون المنازل وصنعوا ثقوباً في الجدران وكانوا يطلقون النار منها، لكن ليس من النوافذ".[54]

والد ندا، رضوان المرضي، الذي تمت مقابلته على انفراد، أكد لـ هيومن رايتس ووتش أن ابنته أصيبت في رأسها من الخلف مع تقدم الأسرة تجاه الشرق على الطريق في محاولة لبلوغ مدرسة الأونروا في بيت لاهيا. وأضاف:

 

حوالي الساعة 10 صباحاً [5 يناير/كانون الثاني] قال جندي إن بإمكاننا الخروج من المنزل. طلبنا منهم الترتيب مع الجنود الآخرين كي لا يقتلونا. أعطينا الأطفال أعلاماً بيضاء، مصنوعة من أغطية الرأس المربوطة إلى عصي. غادرنا المنزل فرأينا الدبابات من حولنا. بدأ الجنود يطلقون النار علينا. كانت الرصاصات تأتي من اتجاه الدبابات من الثقوب في المنازل. حاولنا تهدئة الأطفال، وكانوا يصيحون ويصرخون. وكنت أمسك بيد ابنتي، ويدي الأخرى فيها جوال أبيض من الخبز. كان الطريق غير ممهد بالمرة، إذ مزقته إحدى الجرافات. وكنت على رأس المجموعة، وكانت معي ندا في الوسط وابنين هما نعيم [10 أعوام] ومرح [9 أعوام] على جانبينا، يحملان الأعلام البيضاء. وراح الجنود يطلقون النار حولنا لكننا مضينا قدماً.

 

بعد وهلة بلغنا منطقة حسبنا أنها آمنة، لكن الرصاصات استمرت من على بعد. بعد أربعمائة متر سقطت فجأة على الأرض. كانت حافية القدمين، وكلما أتينا على حطام على الأرض كنت أرفعها. كنت أعرف أنها مصابة لكن حسبت أنها أصيبت في ذراعها. كان في فمها رمال فنظفته. حملتها على ذراعيّ ورميت جوال الخبز. لم تكن قادرة على التكلم، وراحت تتأوه. ركضت بها بضعة مئات من الأمتار، وأصبحت ثيابي غارقة بدمائها. وجدنا سيارة في الطريق إلى بيت لاهيا ومضينا بها إلى مستشفى [كمال عدوان].[55]

 

بعد إدخال ندا المستشفى، ذهب رضوان المرضي إلى العتاترة للاطمئنان على بقية أسرته. وقال: "حين عدت إلى مستشفى كمال عدوان، كانت قد نُقلت بالفعل إلى [مستشفى] الشفاء [في مدينة غزة]". ووصل إلى مستشفى الشفاء الساعة 11:30 صباحاً، وكانت ندا في وحدة العناية المركزة. وقال: "رحت أركض في طوابق المستشفى الثلاثة لكن لم أتعرف عليها لأن رأسها كان ملفوفاً في الضمادات وكنت ما زلت لا أعرف أنها مصابة في رأسها". وطبقاً لرضوان، ماتت ابنته حوالي الساعة 2 مساءً.

 

وأكدت ثلاث مقابلات منفصلة مع شهود آخرين على أعمال إطلاق النار، ما قاله نعيم ورضوان المرضي. فيروز غبران، 40 عاماً، المهندسة الميكانيكية، وزوجها سيد عطية غبران، 43 عاماً، المسعف في مستشفى كمال عدوان، قالا إن في 4 يناير/كانون الثاني كانا برفقة أطفالهما التسعة محاصرين في منزلهم في العتاترة رهن نيران القناصة الإسرائيليين، لكن حين رأوا أسرة المرضي تسير بالأعلام البيضاء قرروا الانضمام إلى المجموعة. وقالت فيروز غبران: "قدرنا أن الموت على الطريق حيث قد يجدنا الناس بسهولة أفضل من الموت في المنزل حيث لن يجدنا أحد".[56]

 

وقالت فيروز غبران إنها لوحت بعلم أبيض من عند بابها الأمامي وكان العلم مصنوع من حجاب للرأس، وصنع زوجها سيد علماً من قميص أبيض. توقف إطلاق النار وانضم 11 شخصاً من الأسرة إلى أسرة المرضي على الطريق. ساروا معاً نحو 200 متر، حسبما قالت فيروز، ثم فتح الجنود النار مجدداً تجاه المجموعة. وقالت: "ركضنا إلى أحد المنازل للاختباء، لكن رضوان والفتاة تقدمونا على الطريق. مكثنا في البيت لمدة ساعتين".

 

قالت ختام غبران، 37 عاماً، شقيقة فيروز، إنها شهدت مقتل ندا المرضي من على الطريق من أمام مدخل بيتها. وأضافت: "كنت هنا أمام المنزل ورأيت الفتيات على الطريق يحملن الأعلام البيضاء. ثم سقطت [ندا] على الأرض".[57] وتحققت هيومن رايتس ووتش من النقطة على الطريق التي قال نعيم ورضوان إن ندا سقطت عندها، وتبين أنه يمكن رؤيتها من منزل ختام غبران.

 

وقال رضوان المرضي إنه يعتقد أن الرصاص جاء من المدرسة الواقعة على قمة مرتفع يشرف على الطريق، نحو 600 متر من حيث أصيبت ندا. وتفحصت هيومن رايتس ووتش مبنى المدرسة التي قال رضوان إنها مصدر محتمل للرصاصات، وعثرت على خمس ثقوب تشير إلى تمركز القناصة لدى الجدران الخارجية، وبعض هذه الثقوب تشرف على النقطة التي قال رضوان ونعيم إن ندا قُتلت فيها، وإن كانت على مسافة بعيدة، لكن الرؤية منها واضحة.

 

مقتل ماجدة أبو حجاج، 35 عاماً، ورية أبو حجاج، 56 عامأً

جحر الديك.4 يناير/كانون الثاني 2009

فتحت القوات الإسرائيلية النيران على مجموعة من 28 مدنياً فلسطينياً أثناء محاولتهم الخروج من بيوتهم بعدما سمعوا أوامر الجيش الإسرائيلية على الراديو بمغادرة المنطقة، وهذا في 12:30 مساء يوم 4 يناير/كانون الثاني، في منطقة جحر الديك جنوبي مدينة غزة بالقرب من خط الهدنة مع إسرائيل. وأسفرت الطلقات عن مقتل أم وابنتها، وكانتا تلوحان بعلم أبيض.

 

طبقاً لسهام أبو حجاج، 32 عاماً، فإن مقاتلات إسرائيلية إف 16 قد قصفت الحقول المفتوحة حول منزل أسرتها في حجر الديك صباح 3 يناير/كانون الثاني. وقالت إن قذائف المدفعية كانت تنهمر بدورها، وأنها "أحصت قذيفة كل خمس دقائق".[58] ومكث 17 شخصاً من أبناء العائلة في منزلهم وكانت الأبواب والنوافذ مغلقة.[59] وفي السادسة صباح اليوم التالي، 4 يناير/كانون الثاني، ضربت قذيفة دبابة المنزل، حسب قولها، مما ألحق به أضرار جسيمة وأصاب ابنتها منار، البالغة من العمر 12 عاماً، بشظية في الذراع. ولا تعرف سهام بتواجد أي مقاتلين فلسطينيين في المنطقة في ذلك الحين، لكنها كانت في المنزل وكانت الأبواب والنوافذ مغلقة، من ثم فإن درجة وكثافة القتال بين القوات الإسرائيلية والفلسطينية هناك في ذلك التوقيت غير واضحة حتى الآن.

 

ومع افتقادها الأمان في المنطقة، حوالي الساعة 6:30 صباحاً، قررت الأسرة مغادرة المنزل. ذهبوا جميعاً – 17 شخصاً – سيراً على الأقدام إلى منزل أبو العبد الصفدي القريب، وهو يبعد نحو 100 متر شرقاً، حيث كان يأوي 11 شخصاً من تلك العائلة. وعلى الطريق شاهدوا دبابات إسرائيلية عديدة.

 

مكثت أسرة أبو حجاج في منزل الصفدي لمدة خمس ساعات، محتمين ببئر السلم. وكان المنزل يهتز كلما سقطت قذيفة في مكان قريب، حسب ما قالت سهام، وكانت العائلتان تخشيان على حياتهما. حاولوا الاتصال بالإسعاف للرعاية بالطفلة المصابة منار، لكن لم يتمكن أحد من الحضور جراء القتال.

 

حوالي الساعة 1 مساءً، حسب قول سهام، قررت الأسرتان مغادرة منزل الصفدي التماساً لعلاج منار. ماجد زوج سهام سمع أيضاً إعلان للجيش الإسرائيلي تم بثه على موجة محطة القدس الإذاعية المحلية، التي تديرها الجهاد الإسلامي، ورد فيه أن على المدنيين إخلاء المنطقة والتوجه إلى مناطق تجمع المدنيين.[60]

 

خرج اثنان، واحد من كل عائلة، أحمد الصفدي وماجدة أبو حجاج، إلى خارج المنزل أولاً، وكانا يحملان أعلاماً بيضاء، حسبما قالت سهام. الباقون من الأسرتين، 28 شخصاً، 17 منهم أطفال، تبعوا الاثنين. ومعاً ساروا إلى الغرب في مجموعات صغيرة، كل مجموعة ترفع علماً أبيض على عصا مقشة خشبية. ساروا إلى جوار منزل أبو حجاج ومضوا في السير، لكن قبل بلوغ المنزل التالي، الخاص بأسرة دغموش، فتحت القوات الإسرائيلية النار من أسلحة خفيفة. ووصفت سهام أبو حجاج ما شاهدته:

 

كانت الرصاصات قادمة من الدبابات، بالأخص من دبابة انفصلت عن الباقين واقتربت من الشارع. لم أر تحديداً من فتح النار، لكن الدبابة أو الجنود على متنها هم من فعلوا، وكان هناك جنود فوق الدبابة. كانت ماجدة أول من سقط قتيلاً على الفور، وتلتها أمها [رية].

 

طبقاً لسهام، فإن إطلاق النار العشوائي في المنطقة استمر 30 دقيقة، حتى تمكن أفراد العائلتين من العودة إلى منزل الصفدي، مخلفين جثتي ماجدة ورية. لم تر أية مقاتلين فلسطينيين يشتبكون بالقوات الإسرائيلية. ولم يُصب أي من أفراد العائلتين غير القتيلتين، مما يعني أن الجنود لم يستمروا في استهداف المجموعة.

 

وقابلت هيومن رايتس ووتش ثلاثة آخرين من العائلتين، وأكدا رواية سهام. ابنة سهام، منار، المصابة بشظية في ذراعها من وقت مبكر ذلك الصباح، قالت لـ هيومن رايتس ووتش:

 

جاءت الدبابة والتفتت إلينا. كان هناك جنود أعلى الدبابة وأحد الجنود قفز إلى الأرض بعد بدء إطلاق النار. كانت الرصاصات قادمة من الجميع لكن ذلك الجندي على الأرض أطلق النار بدوره علينا من سلاحه. كان يقف على قدميه مستقيماً وهو يطلق النار. وكان الجنود أعلى الدبابة يطلقون النار بدورهم.[61]

طبقاً لاثنين من الشهود، تمت مقابلة كل منهما على انفراد، فقد فتح الجيش الإسرائيلي النار على المجموعة دون سابق إنذار. محمد الصفدي، 59 عاماً، قال إن أبناء عائلة حجاج جاءوا إلى منزله حوالي الساعة 6:30 صباحاً يوم 4 يناير/كانون الثاني.[62] وقال إن حوالي منتصف النهار، سمعوا إعلاناً إسرائيلياً في الإذاعة يوجه السكان إلى مغادرة منازلهم. خرجت المجموعة من البيت وسارت نحو 100 متر نحو دبابة متوقفة لا تتحرك، وحينها تعرضوا لإطلاق النار من دبابة أخرى تحركت مقتربة من الشمال. وقال موضحاً:

 

كان يفصلنا عن الدبابات 50 متراً، وكنا نلوح بالأعلام [البيضاء]. في تلك اللحظة أطلقت الدبابة النار، في طلقات سريعة. ورأيت جندياً واقفاً على الدبابة. أصيبت رية وماجدة. ماجدة هي التي كانت تحمل العلم، وكانت أول المصابتين. رأيناها تسقط على وجهها على الأرض، وماتت على الفور. رفعت ذراع رية لوقف النزيف وجرينا نحو 10 أمتار كي يصبح المنزل بيننا والدبابات. ماتت رية هناك. وما زالت بقع دمائها على معطفي. أخيراً عدنا إلى بيتي، وجلسنا في بئر السلم نصرخ.[63]

 

أحد أفراد المجموعة، يوسف أبو حجاج، 38 عاماً، ابن رية وشقيق ماجدة، قال بدوره إنه شاهد دبابتين على الأقل، وأعلى أحدهما يقف جندي، وكان بإمكانه رؤية الجزء العلوي من جسده. وقال: "بدأ الجندي يرشنا بالرصاص، فدرنا على أعقابنا وركضنا".[64] وبعد إصابة رية وماجدة، هربت المجموعة عائدة إلى منزل الصفدي، حسب قوله، ونجحت في الفرار من المنطقة في اليوم التالي.

 

ماجد أبو حجاج، شقيق يوسف، 45 عاماً، قال إنه فر من المنطقة قبل 3 يناير/كانون الثاني، لكنه ظل على اتصال بالأسرة بواسطة الهاتف أثناء تلك الواقعة. وقال: "اتصلنا باللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات أخرى لكن لم يتمكن أحد من مساعدتنا".[65]

 

وقال ماجد أبو حجاج إنه عاد إلى منزل الأسرة بعد 14 يوماً، في 20 يناير/كانون الثاني، وعثر على جثتي أمه رية وشقيقته ماجدة في الشارع. قال: "كانت الجثث ما زالت ملقاة. ماجدة دهستها الدبابة. في اليوم التالي جاء الجيران وجلبوا لنا رجلها [المبتورة]. كانت جثة أمي في الفناء بدورها، وجزء منها مدفون تحت الرمال".[66]

 

 

 

 

مقتل إبراهيم معين جحا، 14 عاماً

حي زيتون، مدينة غزة.5 يناير/كانون الثاني 2009

عصر يوم 5 يناير/كانون الثاني، كانت مجموعة كبيرة من ثلاث أسر تسير شمالاً على طريق صلاح الدين من حي الزيتون شمال شرق مدينة غزة، في محاولة لمغادرة المنطقة. والواضح أن جندياً إسرائيلياً أطلق رصاصتين من إحدى المنازل على الطريق، ليصيب الأرض ثم إبراهيم معين جحا في الرصاصة الثانية، وعمره 14 عاماً. وقد مات في اليوم التالي.

 

وقابلت هيومن رايتس ووتش ثلاثة شهود على إطلاق النار، كلٍ على انفراد. وطبقاً لأبو إبراهيم جحا، معين جحا، المهندس الزراعي البالغ من العمر 56 عاماً، فإن سلسلة من الأحداث المؤدية إلى وفاة ابنه بدأت ليلة 3 يناير/كانون الثاني، اليوم الأول من الهجوم البري، حين تعرضت المنطقة المحيطة بمنزل الاسرة في شارع صلاح الدين لأول مرة للهجوم. مكث 17 شخصاً من العائلة في منزلهم المكون من طابقين وسمعوا القصف الجوي وإطلاق الأسلحة الخفيفة إلى الشرق، نحو خط الهدنة مع إسرائيل. وفي وقت متأخر من الليل أو صباح اليوم التالي، حسب قول معين، كان الجنود الإسرئيليون قد احتلوا المنطقة المحيطة بمنزله، وأصابت بعض القنابل ورصاصات الأسلحة الخفيفة من الغرب منزله أو وقعت بالقرب منه، وكان ما زال تحت الإنشاء. ولم يُصب أحد.

 

بحلول صباح 4 يناير/كانون الثاني، حسب قول معين، أصبحت السيطرة مطلقة للقوات الإسرائيلية على المنطقة وتوقف القتال. نادى الجنود من منزل قريب، دون استخدام مكبرات الصوت، كي تخرج الأسرة. حين فتحت ابنته سماح، 20 عاماً، الباب، أطلق الجنود رصاصات في المنطقة، لإخافتها على ما يبدو دون التصويب نحوها. ثم دخل 20 جندياً المنزل، وهم يصوبون بنادقهم ويهتفون كي يرفع الجميع أيديهم. وقال معين: "أجبرونا على الصعود للطابق العلوي، وكانوا خلفنا. حين وصلنا الطابق العلوي رأينا الضرر الحادث وأمرونا بالجلوس على الحطام".[67]

 

وبعد نصف ساعة، أمر الجنود الأسرة بالنزول للطابق السفلي. أخرجوا الأسرة خارج المنزل وأمروهم بالذهاب إلى رفح جنوباً. قال معين إنه جادل مع الجنود لأن ابنته تبلغ من العمر 6 أعوام وأمه تبلغ 85 عاماً، لكنهم أصروا على خروج الأسرة.

 

سارت الأسرة عدة مربعات سكنية إلى الجنوب، ثم قررت التوقف للراحة في منزل عائلة أبو زور، الذين يعرفونهم. لم يكن هناك أي قتال في المنطقة، حسب قول معين، لكنه رأى دبابات إسرائيلية كثيرة وقناصة إسرائيليين في وضع التأهب في البنايات.

 

بعد عدة ساعات، جاءت إلى منزل أبو زور أسرة الصوافيري، ليصل عدد الناس في المنزل نحو 40 إلى 45 شخصاً. وأمضت الأسر الثلاث الليلة معاً.

 

في اليوم التالي، 5 يناير/كانون الثاني، حوالي الساعة الثامنة صباحاً، حضر الجنود الإسرائيليون إلى منزل أبو زور. سماح ابنة معين فتحت الباب مجدداً فدخل الجنود. أجبروا جميع أفراد عائلة جحا والصوافيري وأبو زور على الخروج، وكان الرجال يسيرون في الأمام والنساء في الخلف. فتش الجنود الرجال، وأمروا المسنين منهم بخلع معاطفهم، ورفع قمصانهم وإنزال سراويلهم، وأمروا الرجال بخلع كل الملابس باستثناء الملابس التحتية. اصطحب الجنود الشبان للاستجواب، ومنهم محمد ابن معين، 18 عاماً، وأمروا الباقين من الأسر الثلاث بالسير جنوباً.

 

سارت الأسرة إلى الجنوب في شارع السكة، حسب قول معين. وفي الطريق، بعد 1.5 كيلومتر تقريباً، عثروا على حفرة كبيرة على الطريق يعتقدوا أنها بسبب ضربة جوية من الـ إف 16. كانت الحفرة بطول الشارع ولم تتمكن المجموعة من التقدم. بدلاً من هذا قرروا الالتفاف حول الحفرة. ساروا شمالاً نحو 500 متر، حسب قول معين، ثم التفتوا إلى الشرق نحو شارع صلاح الدين الأعرض. وعلى الطريق توقفوا لدى منزل أسرة المغربي للسماح للأطفال وأم معين المسنة بالراحة. بعدها بقليل، في منتصف النهار تقريباً، رأوا الشباب الأربعة الذين اصطحبهم الجنود الإسرائيليون للاستجواب قبل ساعات: وليد أبو زور، 28 عاماً، فارس أبو زور، نحو 29 عاماً، هاني أبو زور، نحو 35 عاماً، محمد ابن معين، 18 عاماً. انضم الأربعة إلى المجموعة في منزل المغربي.

 

حوالي الساعة 12:30، قررت الأسر مغادرة منزل المغربي لأنهم مجموعة كبيرة ولديهم طعام قليل. قال معين إنه وضع أمه المسنة في عربة تسوق. ولوح ابنه إبراهيم بثوب أبيض صغير في يده وربط وليد أبو زور ثوباً أبيض كبيراً إلى عصا طولها ثلاثة أمتار. غادرت المجموعة الكبيرة منزل المغربي ومضت إلى الشمال على طريق صلاح الدين. وصف معين ما حدث بعد ذلك:

 

سرنا نحو 200 متر إلى الشمال. وكنا ما زلنا بعيدين عن منزلي المُحتل. فجأ سمعت صوت رصاصة واحدة ضربت الرصيف أمام العربة التي كنت أدفعها بيدي. لم تكن رصاصة تحذيرية لأن بعد أقل من ثانية أصابت رصاصة أخرى إبراهيم الذي كان يسير خلفي تماماً. كنت في الصدارة فالتفت ودفعت العربة إلى منزل المغربي بعد إصابة إبراهيم وبعد أن حمله أخوه. فقدت السيطرة على نفسي ولا أعرف كيف وصلت بالعربة وأمي إلى المنزل.

 

في منزل المغربي، رأى معين أن ابنه إبراهيم ما زال حياً. استخدمت أم معين عدة خياطة لإغلاق الجرح في صدره. قال معين: "ظل حياً وراح يصيح مطالباً بالمياه. خشينا أن نعطيه الماء لكن حين تحدثنا إلى أحد الأطباء قال أن نعطيه الماء بالسكر. فعلنا هذا. لكن بعد 10 ساعات، حوالي منتصف الليل، فارق الحياة. قبلها كنا نحاول استدعاء سيارة إسعاف، لكن اتصلنا بجميع المنظمات ووسائل الإعلام ولم يتمكن أحد من المجيئ".

 

الصباح التالي، 6 يناير/كانون الثاني، وضعت الأسرة الجثمان أمام باب منزل المغربي، أملاً في أن يرى أحد الجثمان ويأتي للمساعدة. أمضت الأسرة الليلتين التاليتين في المنزل، وهي تراقب الجثمان لضمان ألا تقترب منه الكلاب الضالة. أخيراً، في 8 يناير/كانون الثاني، سمعت الأسرة أشخاصاً يتحدثون بالإنجليزية خارج المنزل، وكانوا من المسعفين التابعين للهلال الأحمر الفلسطيني ومن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حسب قول معين. نقلوا جثمان إبراهيم واصطحبوهم جميعاً من منزل المغربي إلى خارج المنطقة.

 

وقابلت هيومن رايتس ووتش محمد ابن معين، وهو أحد الشبان الأربعة الذين تم استجوابهم. ولدى مقابلته على انفراد، أكد رواية معين للأحداث.

 

وحسب ما قال محمد، فإن الجيش الإسرائيلي أخلى سبيله برفقة ثلاثة شبان آخرين بعد استجوابهم، حوالي منتصف نهار 5 يناير/كانون الثاني. وقال لهم أحد الجنود إن أمامهم دقيقة لمغادرة المنطقة إلى الجنوب. وركض الشبان إلى الجنوب، وكان أحدهم ما زال لا يرتدي إلا ملابسه التحتية، لأن الجنود لم يسمحوا له باستعادة ثيابه.

 

مضى الشبان الأربعة إلى الجنوب في شارع صلاح الدين. بعد 1.5 كيلومتر بلغوا تقاطع في شارع صلاح الدين يُدعى تقاطع نتزاريم. وهناك، حسبما قال محمد، تعرضوا لإطلاق النار من دبابة، لكنهم نجحوا في الاختباء خلف بعض أكوام الرمال. وفي تلك اللحظة، تلقى أحدهم مكالمة على هاتفه النقال من زوجته، وقالت له إنها برفقة آخرين مختبئين في منزل عائلة المغربي. وقرر الشبان الأربعة العودة. وقال محمد: "ركضنا إلى الشمال. لكن أغلب الوقت كنا نزحف. كان هناك قناص في منزل على مسافة 50 متراً من منزل المغربي. أتساءل لماذا لم يطلق النار علينا".[68]

 

بلغ الرجال الأربعة منزل المغربي. بعد وهلة، قرروا المغادرة. أحد الآخرين الذين تم استجوابهم، وليد أبو زور، خرج بعصا طولها ثلاثة أمتار من مرأب المغربي، حسبما قال محمد، وأبو نبيل المغربي، صاحب المنزل، جلب قطع من القماش الابيض. رفع وليد العصا وعليها قماشة بيضاء ورفع إبراهيم قطعة قماش أبيض لا أكثر. ووصف محمد ما حدث:

 

خرجنا وسرنا نحو 150 متراً في اتجاه الشمال بشارع صلاح الدين. كان أبي في الصدارة، وكنا أكثر من 80 شخصاً. كان الأطفال خائفين، ويتوقفون كل بضعة خطوات من الخوف.
 
كان إبراهيم يحمل وشاحاً أبيض ويسير في تردد أمامي. دفعته للأمام مشجعاً إياه على السير. تعرضنا لإطلاق النار. أول رصاصة أصابت الرصيف أمامنا، والثانية أصابت إبراهيم. وضع يده على صدره وصاح: آه!. وركع إلى الأمام لكنه ارتجف ودفعني إلى الخلف، ثم سقط على ظهره.
 
تلا الشهادة ورفعت قميصه فرأيت الدماء تغطي بطنه وخصره. رفعت القميص أكثر فرأيت أنه مصاب في صدره. كان يتنفس بصعوبة. لم أتمكن من حمله لأنه كان يرتعد. جرجرته خلفي. أمه، وكانت في طرف المجموعة، تقدمت منا لترى من المصاب. راحت تصرخ وتبكي حين رأت أنه إبراهيم. رفعته من رجليه وحملته من الخلف وسرنا عائدين إلى منزل المغربي.
 

قابلت هيومن رايتس وتش شاهداً ثالثاً على مقتل إبراهيم، وهو وليد أبو زور، وتم نقله بدوره للاستجواب. ومع مقابلته على انفراد، تبين مطابقة روايته لما قاله الشاهدان أعلاه، باستثناء تفصيلة واحدة. طبقاً لوليد أبو زور، فقد كان يحمل قطعة القماش الأبيض مرفوعة على عصا خشبية كبيرة، وأن إبراهيم لم يكن يحمل قماشة بيضاء في يده، وأن شقيق إبراهيم – محمد – هو من كان يحمل قطعة القماش البيضاء.[69]

 

 

 

يوسف أبو حجاج يرفع العلم الأبيض الذي كانت تحمله شقيقته ماجدة حين أصابتها القوات الإسرائيلية برصاصات قاتلة، ومعها أمها رية، في جحر الديك يوم 4 يناير/كانون الثاني 2009.©  2009 بيل فان إسفلد/هيومن رايتس ووتش

 

 

 

 

 

 

 

 

خالد عبد ربه برفقة أمه سعاد، 54 عاماً، أصابتها رصاصتان وهي أمام منزلها في جباليا فيما كانت ترفع علماً أبيض. ماتت ابنتا خالد، أمل وسعاد، وأصيبت ابنة ثالثة له.© 2009 فريد آبراهامز/هيومن رايتس ووتش

منزل خالد عبد ربه في حي عبد ربه في جباليا، حيث ماتت ابنتاه أمل وسعاد إثر إطلاق النار عليهما. دمرت القوات الإسرائيلية المنزل بعد توقف القتال.© 2009 فريد آبراهامز/هيومن رايتس ووتش

 

عبوة رصاصات تسع 230 رصاصة عيار 7.62 × 51 ملم تم العثور عليها أمام منزل خالد عبد ربه شرقي جباليا، حيث تم إطلاق النار على ابنتي خالد ولقيتا مصرعهما. الرصاصات عيار 7.62 تُطلق من سلاح إف إن ماغ 58، وهو بندقية آلية تستخدمها قوات المشاة الإسرائيلية وتُركب أيضاً على الدبابات وحاملات الجنود المدرعة.© 2009 فريد آبراهامز/هيومن رايتس ووتش

 

 

 

 

راوية النجار، 47 عاماً، تم إطلاق النار عليها لتلقى حتفها، على يد الجنود الإسرائيليين في 13 يناير/كانون الثاني 2009، فيما كانت ترفع قطعة قماش بيضاء. © فريد آبراهامز/هيومن رايتس ووتش

 

 

 

 

 

أطلق جندي إسرائيلي النار على راوية النجار ليرديها قتيلة، من هذا المنزل في خزاعة. عثرت هيومن رايتس ووتش على ثقبين لقناصة، وعلى أكياس طعام إسرائيلية في المنزل، وعثرت على كتابات عبرية على جدار المنزل الداخلي تقول "نقطة مراقبة رقم 2".© 2009 فريد آبراهامز/هيومن رايتس ووتش

 

 

 

 

 

عمر أبو حليمة أصيب برصاصة في ذراعه الأيمن في العتاترة، فيما كان على متن جرار برفقة أسرته في طريقهم إلى خارج منزلهم. ابنا العم مطر ومحمد قُتلا إثر إطلاق النار عليهما.© 2009 مارك غارلاسكو/هيومن رايتس ووتش

 

 

 

 

المهندس الزراعي معين جحا يحمل صورة لابنه إبراهيم البالغ من العمر 14 عاماً، وتم إطلاق النار عليه ليلقى حتفه فيما كان يرفع قطعة قماش بيضاء، وأطلق النار عليه جندي إسرائيلي في منطقة زيتون بمدينة غزة.© 2009 فارس أكرم/هيومن رايتس ووتش

 

ندا المرضي، 5 أعوام، قُتلت بعد أن أطلق عليها النار جندي إسرائيلي في 5 يناير/كانون الثاني في العتاترة، فيما كانت أسرتها والجيران يحاولون مغادرة المنطقة وهم يرفعون قمصاناً وأغطية رأس بيضاء على عصي خشبية.© 2009 إهداء من عائلة المرضي

 

IV. الإخفاق في فتح التحقيق

 

إسرائيل مُلزمة بموجب القانون الدولي بالتحقيق في المزاعم الموثوقة بانتهاك قواتها لقوانين الحرب، بما في ذلك الانتهاكات المبلغ عنها أثناء عملية الرصاص المصبوب وبعدها، من قبل السكان المحليين ومن قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية ووسائل الإعلام والأمم المتحدة والجنود الإسرائيلين أنفسهم ممن شاركوا في العملية.[70] وحتى الآن، لم تُظهر إسرائيل إلا أقل الاستعداد للوفاء بهذه الالتزامات، بالتحقيق في أفعال جنودها على نحو مستفيض وموضوعي. على النقيض، فإن الجيش الإسرائيلي والقيادات السياسية الإسرائيلية قد ذكروا مراراً أن الجيش فعل كل المستطاع لحماية المدنيين. وحسب قولهم فإن حركة حماس هي المسؤولة عن الخسائر في صفوف المدنيين، لأنها كانت تعمل من داخل مناطق سكنية وتستخدم المدنيين كدروع بشرية.[71]

 

وفور انتهاء العملية العسكرية، بدأ مسؤولون كبار في الجيش الإسرائيلي يقللون من شأن الدعوات بالتحقيق. وقال كولونيل ليرون ليبمان، الذي أصبح رئيساً لقسم القانون الدولي في الجيش الإسرائيلي إثر عملية الرصاص المصبوب: "القادة أثناء القتال لا يجب أن يقلقوا ويجافيهم النوم بسبب التحقيقات. من المستحيل ألا تقع أخطاء في مثل هذه الأماكن شديدة الازدحام، وتحت الضغط". وأضاف إن نسب الاتهامات إلى الجنود والضباط الإسرائيليين لهو مما يرقى لكونه "إرهاب قانوني".[72]

 

وقد أعرب كبار المسؤولين الحكوميين عن نفس الرؤية. ومع زيادة الدعوات الدولية بالتحقيق، علق رئيس الوزراء الإسرائيلي أثناء القتال، إيهود أولمرت، قائلاً: "الجنود والقادة الذين يخرجون في مهام عسكرية في غزة يجب أن يعرفوا أنهم في أمان من مختلف المحاكم وأن دولة إسرائيل ستعينهم على هذا الأمر وتدافع عنهم كما دافعوا عنا بأرواحهم أثناء عملية الرصاص المصبوب".[73]

 

وتردد الحكومة الإسرائيلية في إجراء تحقيقات جدية مستمر حتى بعد أن أدلى جنود إسرائيليون شاركوا في عملية الرصاص المصبوب بتصريحات عن مهاجمة الجيش الإسرائيلي للمدنيين. وفي اجتماع لخريجي دورة عسكرية في شمال إسرائيل في 13 فبراير/شباط، ناقش طيارون مقاتلون وجنود مشاة ممن قاتلوا في غزة ما تعرضوا له من خبرات، وبعدها نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية جانباً من تصريحاتهم.[74]

 

ووصف جندي من كتيبة المشاة 84 – المعروفة باسم كتيبة غيفاتي – تحت قيادة الكولونيل إيلان مالكا، وصف كيف أطلق جنود إسرائيليون النار على أم فلسطينية وطفليها وهم يسيرون في الاتجاه الخطأ، ويدخلون منطقة محظورة على المدنيين. وطبقاً لنص التصريح الذي نشرته صحيفة هاآرتس، فإن الجندي المعروف باسم "رام" قال:

 

كانت توجد مواقع تمركز لقناصة على السطح. وترك قائد الفصيلة الأسرة تمضي وقال لهم أن يسلكوا اتجاه اليمين. ولم تفهم أم وطفليها وذهبوا إلى اليسار، لكنهم نسوا أن يقولوا للرماة على السطح أنهم تركوهم يمروا، وأن لا بأس في مرورهم وأن على الجندي أن يمتنع عن إطلاق النار... ثم فعل الجندي المفترض به أن يفعله، وكأنه يتبع الأوامر الصادرة له لا أكثر.[75]

 

وحتى إذا كانت نيته بإطلاق النار غير إجرامية، فإن إطلاق النار على مدنيين عُزل يخرق قوانين الحرب وهو لمما يستدعي فتح التحقيق.

 

وقال قائد سرية من كتيبة غيفاتي معروف باسم "أفيف" إن قائد فرقته أمر جنوده بإطلاق النار على امرأة فلسطينية مسنة في مدينة غزة. وطبقاً لشهادته المنشورة في صحيفة هاآرتس:

 

أحد ضباطنا، وهو قائد فرقة، رأى شخصاً يقترب على الطريق، وكانت امرأة مسنة. كانت تسير على مسافة بعيدة للغاية، لكن ليست بعيدة بحيث لا يمكن إصابتها بالرصاص. هل كان شكلها مريب، أو غير مريب؟ لا أعرف. في النهاية أمر بعض الجنود بالصعود إلى سطح المنزل، لتصفيتها بأسلحتهم. ومن الوصف الذي سمعته لهذه القصة، فأنا أشعر أن ما حدث كان ببساطة قتل عمد.[76]

 

وإثر موجة احتجاج عارمة من الرأي العام في إسرائيل بعد تصريحات الجنود، أمر المحامي العام بالجيش الإسرائيلي الجنرال أفيكاي ميندلبليت قسم التحقيقات الجنائية في الشرطة العسكرية بالتحقيق في المزاعم.[77] وعلق رئيس الأركان بالجيش الإسرائيلي الجنرال غابي أشكينازي على التحقيق قائلاً:

 

لا أعتقد أن جنوداً يخدمون في الجيش الإسرائيلي سيقصدون الإضرار بالمدنيين عن عمد هكذا، لكننا سننتظر حتى تظهر نتائج التحقيق. الجيش الإسرائيلي هو أكثر الجيوش إنسانية في العالم ويعمل طبقاً لروح الجيش الإسرائيلي والمعايير الأخلاقية العالية للقتال. وسوف يتم التعامل مع الحالات الاستثنائية – إذا تبين وجود مثل هذه الحالات – بشكل فردي في كل حالة على حدة.[78]

 

وبعد أسبوع، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أغلق التحقيق لأن تصريحات الجنود تبين أنها "تستند إلى الشائعات ولا يدعمها شهادات شخصية مباشرة".[79] ودون أن يوضح الجيش الإسرائيلي كيف أجرى التحقيق ودون أن يقابل على ما يبدو شهوداً من غزة، انتهى الجيش الإسرائيلي إلى أن "هذه القصص مبالغ فيها عن عمد وقدمها المشاركون في المؤتمر مصحوبة بمبالغات لإثبات ما يريدون إثباته" قاصداً مزاعم "رام" و"أفيف"، وانتهى التحقيق إلى أن الجنديين لم يشهدا على الوقائع التي تحدثا عنها.

 

وقد قدم أحد المساعدين القانونيين لميندلبليت – الميجور يهوشوا غوتلر – بعض التفاصيل الأخرى لوسائل الإعلام. رداً على مزاعم "رام" بشأن القناص الذي قتل امرأة وطفليها كانوا يسيرون بالخطأ في منطقة "محظورة"، قال غوتلر إن الجندي لم يشهد على الحادث. وفي قضية القناص المفترض أنه قتل امرأة مسنة، حسبما ذكر "أفيف"، فإن الجندي "كان يردد شائعة سمعها".[80] وحسبما ذكر غوتلر كانت المرأة ترتدي ملابس كثيرة لا يبين منها من تكون، وكان الجنود قد تلقوا تقارير استخباراتية بأن حماس ستستخدم امرأة مسنة في عملية تفجير انتحارية. أطلق الجنود النار على المرأة لأنها استمرت في التقدم إلى الأمام رغم دعوات متكررة لها بالتوقف ورغم إطلاق طلقات تحذيرية، مما لم يترك للجنود "خياراً" على حد قول غوتلر. وأكد تقرير عن عملية غزة أصدرته وزارة الخارجية الإسرائيلية في 29 يوليو/تموز على مزاعم غوتلر.[81] وقال التقرير إن الأم والطفلين الذين ذكرهم رام لم يُطلق عليهم الرصاص أو هم أصيبوا أو قتلوا.

 

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إن التحقيق أظهر أن إسرائيل لديها "أكثر الجيوش التزاماً من الناحية الأخلاقية في العالم".[82] وهاجم "الشائعات الكثيرة التي نالت مؤخراً من صورة الجيش الإسرائيلي في الداخل والخارج".[83] ولخص المحامي العام للجيش ميندلبليت نتائج التحقيقات بانتقاده الجنود الذين جاهروا بالحديث:

 

من المؤسف أن لا أحد ممن تحدثوا في المؤتمر كان حريصاً على توخي الدقة في وصف مزاعمه، كما أنهم اختاروا عرض وقائع عدّة ذات طبيعة متطرفة، رغم أنهم لم يشهدوا بأعينهم أو يعرفون بشكل مباشر بهذه الحوادث. ويبدو أنه سيكون من الصعب تقييم الضرر اللاحق بصورة الجيش الإسرائيلي ومعنوياته ومعنويات جنوده، الذين شاركوا في عملية الرصاص المصبوب، سواء في إسرائيل أو أمام العالم.[84]

 

وبعد ثلاثة أسابيع، في 22 أبريل/نيسان، أعلن الجيش الإسرائيلي نتائج تحقيقه الداخلي الموسع في عملية الرصاص المصبوب. وانتهى الجيش الإسرائيلي إلى أن:

 

طيلة فترة القتال في غزة، التزم الجيش الإسرائيلي بالقانون الدولي. وقد حافظ الجيش على أعلى مستويات الاحترافية والالتزام بالأخلاقيات في مواجهته للعدو الذي استهدف ترهيب المدنيين الإسرائيليين، مع اختباءه في صفوف المدنيين غير المشاركين في القتال بقطاع غزة واستخدمهم كدروع بشرية. ورغم هذا، فإن التحقيقات كشفت عن عدد جد محدود من الوقائع التي وقعت فيها أخطاء استخباراتية وعملياتية أثناء القتال. وهذه الحوادث المؤسفة لا مفر من وقوعها وتحدث في كل أعمال القتال، لا سيما نوع القتال الذي أجبرت حماس الجيش الإسرائيلي على الخوض فيه، باختيارها القتال من داخل مناطق مأهولة بالمدنيين.[85]

 

وقد تفحص التحقيق الميداني للجيش الإسرائيلي خمسة موضوعات: الهجمات التي أطلق فيها الجيش النار على منشآت للأمم المتحدة، والهجمات على المنشآت الطبية والمسعفين، والمزاعم بالإضرار بالمدنيين غير المشاركين في القتال، واستخدام ذخائر الفسفور الأبيض، وتدمير المباني المدنية.[86]

 

وتفحص تحقيق الكولونيل تامير يداي الخاص بـ "الوقائع التي تضرر فيها عدد كبير من المدنيين غير المشاركين في القتال" سبع وقائع. ولم يشمل أي من الوقائع الموثقة في هذا التقرير، حتى رغم إخطار هيومن رايتس ووتش الجيش الإسرائيلي بهذه الوقائع في 10 فبراير/شباط 2009 (انظر الملحق).

 

وورد في تقرير التحقيق: "انتهى التحقيق إلى أن من بين جميع الوقائع التي تم التحقيق فيها، لم تتعمد القوات الإسرائيلية مهاجمة المدنيين غير المشاركين في القتال. وفي الظروف التي كان يوجد فيها خطر الإضرار عن غير عمد بالمدنيين غير المشاركين في القتال، اتخذ الجيش الإسرائيلي إجراءات كثيرة لتقليص هذا الخطر، بما في ذلك استخدام معلومات دقيقة وتوفير تحذيرات مسبقة على الهجمات".[87]

 

وانتهى تحقيق الكولونيل يداي إلى أنه أثناء الوقائع المعنية "أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى أضرار لا مفر منها لحقت بالمدنيين" إلا أنها "لم تكن مقصودة، بل نتيجة لظروف خارج إرادة القوات أو بسبب أخطاء عملياتية غير متوقعة". وأكد التقرير على أن جزءاً كبيراً من الحوادث كان بسبب حركة حماس. وورد فيه: "احتمت حماس بالسكان المدنيين واستخدمت المرافق والمباني المدنية في عمليتها الإرهابية ضد إسرائيل".

 

وفيما يخص وفيات المدنيين الموثقة في هذا التقرير، لم تعثر هيومن رايتس ووتش على أية أدلة بأنه قد استخدام الضحايا كدروع بشرية أو أنه تم إطلاق النار عليهم في تبادل لإطلاق النار مع قوات الخصم.

 

وفي يوليو/تموز تحدثت مجموعة أخرى من الجنود الإسرائيليين عن الإساءات التي شهدوها أثناء عملية الرصاص المصبوب. إذ نشرت منظمة "كسر الصمت" الإسرائيلية المشكلة من قدامى محاربين إسرائيليين، شهادات 26 جندي احتياطي لم يتم نشر أسمائهم وجنود نظاميين شاركوا في العملية.[88] وقد تحدث الجنود عن تدمير الممتلكات الخاصة دون ضرورة عسكرية لذلك، واستخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، وإطلاق الفسفور الأبيض على مناطق مأهولة بالسكان، وقتل مدنيين بأسلحة خفيفة، وهو ما يتعلق بهذا التقرير. وشرح جنديان من كتيبة غيفاتي – كانا يخدمان في حي الزيتون في مدينة غزة – كيف أطلق الجنود النار على رجل فلسطيني مسن وقتلوه، وكان يقترب سيراً على الأقدام من موقع إسرائيلي في أحد المنازل ليلاً. ورفض قائد المجموعة إعطاء الأوامر بإطلاق أعيرة تحذيرية لدى رؤية الرجل لأول مرة وهو يسير في الشارع الخاوي ومعه كشاف ضوئي على مسافة 150 إلى 200 متر من المنزل، حسبما قالوا، فتصرف الجنود بناء على قواعد الاشتباك، فأطلقوا الرصاص على الرجل ليردوه قتيلاً، حين أصبح على مسافة 25 متراً منهم.

 

وانتقد الجيش الإسرائيلي التقرير وقال إن الكثير من الشهادات الواردة فيه "تستند إلى الشائعات وانتقال الواقعة من راوي لآخر".[89] وعلق وزير الدفاع إيهود باراك قائلاً: "أي انتقاد للجيش الإسرائيلي من هذه المنظمة أو تلك هو انتقاد مضلل في غير محله".[90] وخاطبت وزارة الخارجية إحدى الجهات الممولة لمنظمة كسر الصمت، وهي الحكومة الهولندية، مطالبة إياها بوقف دعمها للمنظمة.[91]

 

وفي 29 يوليو/تموز، أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية تقريراً قوامه 163 صفحة عن عملية الرصاص المصبوب، وقد تناول – من بين موضوعات أخرى – مزاعم سوء سلوك الجنود أثناء أعمال القتال.[92] وللمرة الأولى أعلنت إسرائيل عن تحقيقات الجيش الإسرائيلي في نحو 100 شكوى، مع فتح التحقيق الجنائي في 13 حالة. ومن بين التحقيقات التي أجريت توجد خمس وقائع يُزعم فيها قيام جنود إسرائيليين بقتل مدنيين يحملون أعلاماً بيضاء:

 

  • الزعم بقتل قذيفة دبابة لاثنين من المدنيين يحملان أعلاماً بيضاء في جحر الديك، في 4 يناير/كانون الثاني.
  • الزعم بإطلاق النار على نساء يحملن أعلاماً بيضاء، ومقتل امرأة منهم، في 4 يناير/كانون الثاني (الموقع غير مذكور).
  • الزعم بإطلاق النار على مدنيين يحملون أعلاماً بيضاء، مقتل واحد منهم في بيت لاهيا في 5 يناير/كانون الثاني.
  • الزعم بإطلاق النار على مدنيين يحملون أعلاماً بيضاء ومقتل اثنين في حي عبد ربه، جباليا، في 7 يناير/كانون الثاني.
  • الزعم بإطلاق النار على مدنيين يحملون أعلاماً بيضاء، ومقتل 4 منهم في خزاعة، 13 يناير/كانون الثاني.

 

مقتل مدنيين اثنين في حي عبد ربه في جباليا في 7 يناير/كانون الثاني، يبدو أنه واقعة أمل عبد ربه وسعاد عبد ربه، الموثق في هذا التقرير. ومقتل المدنيين في خزاعة في 13 يناير/كانون الثاني يبدو أنه واقعة راوية النجار ومحمود النجار، والضحيتان المذكورتان المتبقيتان وقائعهم غير معروفة. مقتل مدنيين اثنين في جحر الديك في 4 يناير/كانون الثاني قد يكون واقعة ماجدة ورية أبو حجاج، رغم أن تقرير الوزارة انتهى إلى أن قذائف دبابة قتلتهما وليس أسلحة خفيفة. مقتل امرأة واحدة في 4 يناير/كانون الثاني قد يكون قضية ابتسام القنوع، لكن التقرير لا يعرض تفاصيل موقع الحادث.

 

جميع تقصيات الجيش الإسرائيلي أعلاه هي "تحقيقات ميدانية". والنتائج تخضع لمراجعة المحامي العام للجيش، ويمكنه أن يأمر بفتح تحقيق جنائي. وقرارات المحامي العام للجيش تخضع لمراجعة المحامي العام والمحكمة العليا الإسرائيلية.

 

وألقت التحقيقات العسكرية السابقة في سلوك الجنود أثناء عملية الرصاص المصبوب بظلال شك جدية على استعداد الجيش الإسرائيلي للتحقيق في أخطائه بموضوعية وبشكل مستقل. وتعتمد التحقيقات الميدانية بالأساس إلى روايات الجنود في تحديد ما إذا كان ثمة حاجة إلى تحقيق جنائي أم لا. ودون قدرة على دخول غزة، فلا يمكن للمحققين مقابلة الشهود أو زيارة مواقع الجرائم المفترضة. والتحقيقات التي أُعلن عنها في أبريل/نيسان يشرف عليها جميعاً ضباط برتبة كولونيل، وهم على رتبة غير كافية للتصدي للإساءات التي يبدو أنها نتيجة لسياسات وضعتها قيادات كبيرة

 

وإخفاق الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية في التحقيق في مزاعم خطيرة بارتكاب جنودها لأخطاء يسبق عملية الرصاص المصبوب بكثير. فمنذ عام 2000 وثقت هيومن رايتس ووتش عدم كفاية التحقيقات على طول الخط في وفيات المدنيين والمصابين التي وقعت نتيجة لاستخدام القوة المميتة من قبل الشرطة وفي سياق إنفاذ القانون، وكذلك في أثناء أعمال القتال في قطاع غزة والضفة الغربية، حين تكون هنالك أدلة دامغة أو مزاعم موثوقة بأن الجنود تعمدوا الإضرار بالمدنيين أو أخفقوا في اتخاذ الاحتياطات المستطاعة لحمايتهم من الضرر.[93]

 

V. معايير القانون الدولي

 

القانون الإنساني الدولي، وقوانين الحرب تحكم القتال بين إسرائيل والجماعات الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، الذي يرقى إلى كونه نزاع مسلح. وهذه القواعد مُلزمة لكافة أطراف النزاع المسلح، سواء كانت دول أو جماعات مسلحة من غير الدول.

 

وقوانين الحرب التي تحكم أساليب ووسائل القتال توجد بالأساس في البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 لاتفاقيات جنيف (البروتوكول الأول).[94] ورغم أن البروتوكول الأول لا ينطبق بصفة رسمية على النزاع المسلح في غزة،[95] فإن أغلب أحكامها تعتبر لسان حال القانون الدولي العرفي.[96] ورغم أن المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 (المادة 3 المشتركة)، هي مادة واجبة التطبيق، وهي الخاصة بمعاملة المدنيين والمقاتلين الذين كفوا عن المشاركة في القتال.[97]

 

ومن الأساسيات في القانون الحاكم لمجريات القتال، هو مبدأ التمييز، الذي يطالب أطراف النزاع بالتمييز في كل الأوقات بين المقاتلين والمدنيين. ولا يمكن توجيه العمليات إلا ضد الأهداف العسكرية، ومنها المقاتلين، ولا يُسمح باستهداف المدنيين أو الأعيان المدنية.[98]

 

ومبدأ التمييز واجب الاحترام بدوره طبقاً للمادة 3 المشتركة، التي تفرض التزامات قانونية على جميع أطراف النزاعات باحترام المعاملة الإنسانية للأشخاص الذين لم يكونوا أو توقفوا عن كونهم ناشطين في القتال. مثل هؤلاء الأشخاص، ومنهم المقاتلين الذين استسلموا ومن أصبح وضعهم لا يسمح لهم بالقتال جراء المرض أو الإصابة أو الأسر أو لأي سبب.

والمدنيون محميون من الهجمات ما لم يشاركوا بشكل مباشر في القتال، وطوال مدة مشاركتهم الفعلية فقط لا أكثر.[99] وفي حالة الشك في كون الشخص مدنياً أم لا، يُعتبر مدنياً.[100]

 

ومعنى "المشاركة المباشرة في أ‘مال القتال" لم يسبق أن تم توضيحه بالكامل. طبقاً لتعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر على البروتوكول الأول، فإن "المشاركة المباشرة [في القتال] تعني أعمال الحرب التي بطبيعتها والغرض منها يُرجح أن تؤدي إلى ضرر حقيقي يلحق بالعاملين والمعدات طرف القوات المسلحة للعدو"، وتشمل الأعمال الدفاعية.[101]

 

والمشاركة المباشرة في أعمال القتال "تشمل العلاقة المباشرة بين النشاط الذي يشارك فيه الشخص والضرر اللاحق بالعدو في وقت ومكان وقوع النشاط".[102]

 

وتسقط حصانة المدنيين من الهجوم طالما هم يشاركون بشكل مباشر في أعمال القتال. ويُعتبر المدنيون الذين يطلقون الأسلحة أو يعاونون المقاتلين بشكل مباشر في ساحة المعركة، من أعمال مثل تحميل الأسلحة أو العمل كعناصر استطلاع للمدفعية، يعتبرون مشاركين مباشرين في القتال. و"أعمال القتال" لا تشمل فقط الفترة التي يستخدم فيها المدنيون فعلياً السلاح، بل أيضاً تشمل الفترة التي يستغرقها للوصول إلى أو الخروج من ميدان المعركة.[103] والأشخاص الذين يخططون لإجراء عمليات عسكرية أو هجمات يعتبرون أيضاً مشاركين بشكل مباشر في أعمال القتال. ولم تعثر هيومن رايتس ووتش على أدلة على أن أي من المدنيين التسعة عشر المذكورين في هذا التقرير ممن قُتلوا وأصيبوا قد شاركوا بشكل مباشر في أعمال القتال.

 

ويجدر بالملاحظة أنه بينما يتمتع المدنيون على طول الخط بالحصانة من الهجوم ما لم يشاركوا بشكل مباشر في أعمال القتال، فإن المقاتلين الذين يبدون نية التسليم، مثل التلويح بعلم أبيض، هم بدورهم يتمتعون من ثم بالحصانة من الهجوم.[104]

 

ويجب "احترام وحماية" جميع الجرحى والمرضى بغض النظر عن الطرف الذي ينتمون إليه. ويجب أن يلقوا "لأقصى حد ممكن وفي ظل أقل تأخير ممكن، العناية والرعاية الطبية المطلوبة لعلاجهم".[105] ويجب احترام العاملين الطبيين والعربات الطبية وحمايتهم في كل الظروف وألا يتعرضوا للهجوم.[106]

وفي سياق العمليات العسكرية، يجب على أطراف القتال توخي العناية في إبعاد المدنيين والأعيان المدنية عن مرمى آثار أعمال القتال.[107] من ثم فمن المطلوب من أطراف القتال اتخاذ الإجراءات الوقائية بغية تفادي وتقليص عدد الخسائر العرضية في أرواح المدنيين، وإلحاق الإصابات بالمدنيين، والإضرار بالأعيان المدنية.[108]

 

وعلى أطراف القتال بذل كل المستطاع للتثبت من أن الأشخاص أو الأعيان التي تتم مهاجمتها هي أهداف عسكرية وليست مدنيين أو أعيان مدنية.[109] وفي تعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر على البروتوكول الأول، شرحت أن مطلب اتخاذ جميع الاحتياطات "المستطاعة" يعني، من بين أشياء أخرى، أن من يشنون الهجوم مطلوب منهم سلوك الخطوات المطلوبة للتعرف في الهدف على أنه هدف عسكري مشروع "في الوقت المناسب لإعفاء السكان من الضرر قدر الإمكان".[110]

 

ويجب على الأطراف إلغاء أو تعليق الهجوم إذا تبين أن الهدف ذات طبيعة غير عسكرية.[111] كما يجب إلغاء الهجمات إذا كان من المتوقع أن يؤدي الهجوم لوقوع خسائر في أرواح المدنيين أو الأعيان المدنية تفوق نسبياً المكسب العسكري الملموس والمباشر المتوقع من الهجوم.[112] وحين تسمح الظروف، على أطراف القتال تقديم تحذير مسبق فعال بالهجمات التي قد تضر بالسكان المدنيين.[113]

 

كما أن على أطراف النزاع اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة لحماية المدنيين من آثار الهجمات.[114] ويشمل هذا، في حدود المستطاع، تفادي وضع الأهداف العسكرية داخل أو بالقرب من مناطق كثيفة السكان.[115]

 

ويجب على أطراف القتال بذل الجهد لإبعاد المدنيين عن منطقة الأهداف العسكرية.[116] ومحظور على الأطراف اللجوء إلى استخدام "الدروع البشرية"، أي تعمد استخدام المدنيين "كدروع لحماية الأهداف العسكرية من الهجوم" أو استغلال تواجدهم في "الحماية من أو دعم أو عرقلة عمليات عسكرية".[117]

 

وتحظر قوانين الحرب أعمال الغدر، من الاستخدام غير الملائم للأعلام البيضاء المخصصة لطلب الهدنة، واستخدام الدروع البشرية. والهجمات الغادرة الطبيعة هي التي يتظاهر فيها المقاتلين بأنهم يتمتعون بوضعية غير المقاتلين، مثل التظاهر بأنهم جرحى أو مدنيين، من أجل كسب ثقة قوات الخصم بغية مهاجمتهم.[118] أعلام الهدنة البيضاء تستخدم للمطالبة بالتواصل ع الخصم، في سبيل التفاوض أو لطلب وقف إطلاق النار أو الاستسلام، وأي استخدام لكسب مزية عسكرية من العدو – للأعلام البيضاء – هو استخدام غير قانوني.[119]. [120]

 

وفيما يخص المسؤولية الفردية، فإن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، ومنها الهجمات العمدية والعشوائية وغير المتناسبة في الإضرار بالمدنيين، حين تُرتكب بنية إجرامية، فهي تعتبر جرائم حرب. والنية الإجرامية تُعرف على أنها قصد الانتهاكات أو الإهمال أثناء ارتكابها.[121] ويمكن أيضاً تحميل الأفراد المسؤولية الجنائية على محاولة ارتكاب جريمة حرب، وكذلك المساعدة فيها أو تيسيرها أو دعمها أو التحريض عليها. والمسؤولية قد تقع أيضاً على الأشخاص الذين خططوا أو دفعوا بارتكاب جريمة الحرب.[122]

 

والقيادات العسكرية والمدنية قد تُحاكم بتهمة جرائم الحرب من واقع مسؤولية القيادة، حين تكون على دراية أو كان من الواجب أن تعرف بارتكاب جرائم حرب ولم تتخذ إجراءات كافية لمنع وقوعها أو معاقبة المسؤولين عن ارتكابها.[123]

 

وبموجب القانون الإنساني الدولي، على الدول مسؤولية التحقيق في جرائم الحرب المزعوم أن أفراد من قواتها المسلحة قد ارتكبوها. وعليها أن تحقق أيضاً في جرائم الحرب المزعوم أن أشخاصاً تابعين لولايتها قد ارتكبوها. عليها في حال استوجب الأمر ذلك مقاضاة المشتبهين في محاكم تفي بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.[124]

 

 

شكر وتنويه

 

أجرى بحوث هذا التقرير وكتبه فريد آبراهامز، الباحث الرئيسي في قسم الطوارئ، وبيل فان إسفلد، الباحث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفارس أكرم، استشاري البحوث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وراجعه جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجيمس روس، مدير الشؤون القانونية والسياسات، وآيان ليفين، مدير البرامج في هيومن رايتس ووتش.

 

تشكر هيومن رايتس ووتش كل الضحايا والشهود في قطاع غزة الذين قدموا المعلومات اللازمة لإعداد هذا التقرير.

 

وتشكر أيضاً منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والإسرائيلية التي قدمت يد العون، بالأخص مركز ميزان لحقوق الإنسان، ومنظمة كسر الصمت، وبتسيلم، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وأطباء لأجل حقوق الإنسان – إسرائيل.

 

 

 

 

الملحق

 

الجنرال آفي بيناياهو

وحدة الناطقين باسم الجيش الإسرائيلي

مكتب المنظمات الدولية

هاتف: 03 569 1842

فاكس: 03 608 0312

 

10 فبراير/شباط 2009

 

الجنرال بيناياهو،

 

نقدر لكم كثيراً أن يمدنا مكتبكم بالردود على الأسئلة أدناه، وهي تخص مزاعم بتعمد الجيش الإسرائيلي استهداف المدنيين ممن كانوا يحاولون الكشف عن وضعهم كمدنيين، وهذا عبر التلويح بالأعلام البيضاء، في غضون "عملية الرصاص المصبوب". ونقدر لكم كثيراً الرد في موعد أقصاه 24 فبراير/شباط 2009.

 

أسئلة عامة:

  1. يُرجى إمدادنا بمعلومات عن كيفية توثيق الجيش الإسرائيلي وتحليله لوفيات المدنيين في قطاع غزة أثناء عملية الرصاص المصبوب.
  2. هل بادر الجيش الإسرائيلي بفتح أي تحقيق في مزاعم أعمال القتل غير القانوني على يد الجنود الإسرائيليين في غزة أثناء عملية الرصاص المصبوب؟ إذا كانت الإجابة بالإيجاب، فما نوع هذا التحقيق ومن أجراه؟ هل يمكنكم أيضاً إخبارنا بما إذا كان من المقرر الكشف علناً عن نتائج هذا التحقيق؟
  3. هل بادر الجيش الإسرائيلي بالتحقيق في مزاعم قتل وإصابة أشخاص سعوا للكشف عن وضعهم كمدنيين أو لتسليم أنفسهم أثناء عملية الرصاص المصبوب؟ إذا كانت الإجابة بالإيجاب، فما هي الحوادث التي تم التحقيق فيها ونوع التحقيق ومن أجراه؟ وهل سيتم الكشف علناً عن نتائج التحقيق؟

 

أسئلة متعلقة بالحوادث

1. في 13 يناير/كانون الثاني، حوالي الساعة 7:30 صباحاً، يُزعم أن جنوداً إسرائيليين في دبابات وعل متن جرافات دي 9 قد أمروا سكان حي النجار في قرية خزاعة بالسير إلى وسط القرية. وشهدت القرية القتال على مدار الأيام السابقة على ذلك التاريخ، ومات فيها مقاتلين فلسطينيين اثنين على الأقل، لكن السكان قالوا إن القتال لم ينشب في المنطقة صباح 13 يناير/كانون الثاني، وكانت قوات الجيش الإسرائيلي منتشرة في القرية.

 

تقدمت مجموعة قوامها نحو 15 امرأة وطفل الطريق إلى وسط القرية. شاهد أربعة شهود عيان جندياً إسرائيلياً يفتح النار من مسافة 120 متراً عليهم، مما أدى لمقتل إحدى النساء، وهي روحية النجار، بعد أن أصيبت في رأسها وهي تسير حاملة علماً ابيض. ويبدو أن الجندي المسؤول عن هذا كان قد خرج من المنزل الذي يحتله الجيش الإسرائيلي [31°18'41.60"N/34°21'55.37"E] وقتلها وهي في زاوية من الشارع الضيق [31°18'38.64"N/34°21'58.26"E]. وبعد دقائق، تم إطلاق رصاصة على جاسمين النجار، وكانت ضمن مجموعة النساء، وهي تحاول جذب روحية بعيداً عن خط النار. وبعد ساعة تقريباً، وحسب الزعم، أطلقت القوات الإسرائيلية النار وقتلت محمود النجار وهو يخرج إلى شارع مفتوح [31°18'33.29"N/ 34°21'52.76"E] في محاولة لاستعادة جثمان روحية. وكانت القوات الإسرائيلية متمركزة في نفس الشارع إلى الجنوب الشرقي حسب ما قال الشهود.

 

هل أمر الجنود الإسرائيليون سكان حي النجار في خزاعة بالخروج إلى وسط البلدة صباح 13 يناير/كانون الثاني؟ وإن فعلوا، فلماذا؟ وهل فتح الجنود الإسرائيليون النار  على روحية النجار ومحمود النجار؟ وإن كانوا قد فعلوا، فلماذا؟

2. في وقت مبكر من بعد ظهر 7 يناير/كانون الثاني، يُزعم أن دبابة إسرائيلية توقفت على قيد أمتار من مدخل بيت في الطرف الشرقي من شارع القدس في حي عبد ربه في جباليا [31°31'6.48"N/ 34°30'10.80"E]، وهو منزل خالد عبد ربه. وطبقاً لثلاثة من أفراد العائلة، فقد نادى جندي في مكبر صوت على سكان المنزل للخروج. وخرجت امرأتان بالغتان وثلاث طفلات من المنزل، وكانت إحدى المرأتين تحمل علماً أبيض، ووقفت بالخارج لأكثر من خمس دقائق. ثم ودون سابق إنذار، حسب قول الشاهد، خرج جندي من الدبابة وفتح النار عليهم من أسلحة آلية، فأصاب إحدى الفتيات والجدة. وأمام المنزل شاهدت هيومن رايتس ووتش آثار سير الدبابة وصندوق ذخيرة فارغ لرصاصات عيار 7.62 ملم. وقالت الأسرة إنها لم تتمكن من استدعاء سيارة إسعاف لانقطاع شبكة الهاتف النقال في ذلك الحين، وبعد نحو ساعتين ماتت فتاتان من الصغيرات. وخرجت الأسرة من البيت في بعد ظهر اليوم نفسه، أثناء فترة توقف إنسانية لمدة ثلاث ساعات، وهم يحملون المصابين والقتلى. ولدى تقاطع شارع القدس مع صلاح الدين [31°31'19.89"N/34°29'44.77"E تقريباً]، رأوا رجلاً وابنه في عربة يجرها حصان فتوقفا لمساعدتهم في الوصول إلى المستشفى. وحسب الزعم أطلق الجنود الإسرائيليون النار على الجواد الأبيض وقتلوه وأصابوا الابن، أدهم خميس ناصر. وتناقلت التقارير وصول الابن إلى مصر للعلاج الطبي، لكنه مات بعد ذلك. وحين عاد خالد عبد ربه وأسرته إلى منزلهم، وجدوا أنه قد هُدم.

 

هل نشر الجيش الإسرائيلي دبابات أمام منزل خالد عبد ربه في 7 يناير/كانون الثاني؟ هل فتح الجنود الإسرائيليون النار على سكان المنزل، وإذا كانوا قد فعلوا فلماذا؟ وهل دمر الجيش الإسرائيلي المنزل، وإذا كان قد فعل، فلماذا؟

قال عدة شهود إنه نحو الساعة 12:30 مساء يوم 4 يناير/كانون الثاني، في منطقة جحر الديك بالقرب من الحدود الإسرائيلية جنوب مدينة غزة، أطلق جندي إسرائيلي النار بسلاح آلي من دبابة نحو مجموعة من الفلسطينيين العزل الذين وُجه إليهم الأمر بمغادرة المنطقة عبر إعلان إذاعي للجيش الإسرائيلي، فقام بقتل امرأتين إحداهما كانت تحمل علماً أبيض. وقبل هذا مباشرة، في منتصف النهار تقريباً، سمع أفراد من عائلتي أبو حجاج والصفدي إعلاناً إسرائيلياً على إذاعة الإف إم يوجه السكان إلى مغادرة منازلهم. وغادرت المجموعة – ومنها 17 طفلاً – المنزل الذي كانوا يأوون إليه وساروا 100 متر إلى الغرب على امتداد طريق قصير، نحو دبابة إسرائيلي متوقفة. وقال أفراد المجموعة إن دبابة ثانية تقدمت منهم من الشمال، وكان يقف في كوتها جندي بدأ يطلق النار عليهم دون سابق إنذار، وأكدوا أنه لم يكن هنالك أي قتال في المنطقة في ذلك التوقيت. أسفرت الرصاصات عن مقتل امرأة تبلغ من العمر 35 عاماً، هي ماجدة أبو حجاج، وامرأة تبلغ من العمر 65 عاماً، هي رية أبو حجاج، وكان إحداهما على الأقل تحمل علماً أبيض. وقال قريب للمرأتين إنه عثر على جثتيهما في فناء منزله حين عاد بعد أسبوعين.

 

هل أطلق الجنود الإسرائيليون النار على ماجدة أبو حجاج ورية أبو حجاج وتسببا في مقتل الاثنين في جحر الديك بتاريخ 4 يناير/كانون الثاني؟ وإذا كانوا قد فعلوا، فلماذا؟

5. حوالي الساعة 11:30 صباح يوم 4 يناير/كانون الثاني، يُزعم أن امرأتين تعرضتا لإطلاق النار من جنود إسرائيليين وهما تحملان الأعلام البيضاء، في أثناء خروجهما من منزلهما في بيت لاهيا، جنوب شرق العتاترة [31°33'22.59"N/34°29'19.34"E]. امرأة منهما قضت نحبها. وقال السكان إن جرافة دي 9 قد أصابت أحد أعمدة المنزل الذي كانت تأوي إليه المرأتان برفقة 40 شخصاً آخرين. وخرجت المرأتان من المنزل، وهو يخص عائلة القنوع، حوالي الساعة 11 صباحاً، حين أصابت الجرافة المنزل للمرة الثانية، مما جعلهم يخشون على المنزل من الانهيار. وحين خرجت المرأتان وهما تحملان الأعلام البيضاء تم إطلاق النار عليهما، والظاهر أن من أطلق الرصاص هو قناص في منزل يبعد 50 متراً إلى الشمال، قبالة مبنيين يشكلان مدرسة سخنين. وإحدى المرأتين، ابتسام القنوع، سقطت قتيلة، والأخرى، زكية القنوع، جرجرتها إلى الداخل. في الساعة 1:30 مساءً، دخل الجنود المنزل وحسب الزعم أجبروا كل من كانوا بالداخل على التجمع في حجرة واحدة، حسبما قال شهود العيان، وصفدوا أيدي الرجال وعصبوا أعينهم وأجبروهم على التجرد من ملابسهم. وحوالي الساعة 2:30 مساءً، اصطحب الجنود المجموعة إلى مدرسة ابتدائية قريبة لكن لم يسمحوا لهم بأخذ جثتي المرأتين حتى وقت متأخر من الليل.

 

هل دمر الجنود الإسرائيليون منزل القنوع في 4 يناير/كانون الثاني؟ وإذا كانوا قد فعلوا فلماذا؟ هل أطلق الجنود الإسرائيليون النار على المرأتين؟ وإذا كانوا قد فعلوا، فلماذا؟ وهل منع الجنود الإسرائيليون الأقارب من اصطحاب جثتي المرأتين اللتين لقيتا حتفهما لدى إخلاء المنزل؟ وإذا كانوا قد فعلوا، فلماذا؟

6. في حادثين منفصلين في 4 يناير/كانون الثاني، أطلق الجنود الإسرائيليون النار حسب الزعم على أفراد من عائلة تحاول الخروج من منطقة سيافة، شمال غرب بيت لاهيا. وبدأت سلسلة الوقائع حين سقطت قذيفة فسفور أبيض على منزل عائلة أبو حليمة [31°33'47.08"N/34°29'22.14"E]، مما أسفر عن مقتل خمسة أفراد من العائلة، أحدهم طفل، وألحق الإصابات بأربعة. قام أفراد العائلة برفع الجرحى الأربعة وجثمان الطفل على جرارين لنقلهم إلى حيث يجدون الرعاية الطبية. وقال عدة شهود عيان إن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار على جرار منهما أمام مدرسة معاوية [31°33'26.39"N/34°29'23.23"E]، مما أسفر عن مقتل شابين غير مسلحين، هما محمد ومطر أبو حليمة، وإصابة ثالث. وسمح الجنود للضحايا بالمغادرة لكن لم يسمحوا لهم باستعادة جثامين الشباب أو الطفل. وقال الشهود إن الجرار توقف عن الحركة ورفع من كانوا على متن الشاحنة أيديهم حين تعرضوا لإطلاق النار. في المساء نفسه، حاول الأقارب مغادرة المنطقة برفقة جثث القتلى في هجوم الفسفور الأبيض. انضم إليهم نحو 150 آخرين من الجيران زعموا أن تعليمات أتتهم من الجيش الإسرائيلي بمغادرة المنطقة. ورغم هذا ورغم أنهم كانوا يلوحون بالأ‘لام البيضاء، تعرضت عدة شاجنات والعديد من الراجلين للرصاصات من الأسلحة الخفيفة، بالقرب من تقاطع العتاترة، ولحقت الإصابات بالكثيرين. وسُمح لهم فيما بعد بمغادرة المنطقة دون اصطحاب الجثث أو الشاحنات.

 

هل فتح الجنود الإسرائيليون النار على المجموعة التي كانت في الجرار؟  وعلى المجموعة الأكبر التي كانت لدى تقاطع العتاترة في 4 يناير/كانون الثاني؟ وإذا كانوا قد فعلوا، فلماذا؟ وهل منع الجيش الإسرائيلي إخراج المصابين والقتلى في أي من الحالتين؟ وإذا كان قد فعل، فما السبب؟

7. طبقاً لعدة شهود، أطلقت دبابة إسرائيلية قذيفة أصابت سلم الطابق الثاني في منزل عائلة المردي في بيت لاهيا [31°33'36.78"N/ 34°29'23.58"E] ليلة 3 يناير/كانون الثاني. وحسب الزعم احتل الجنود المبنى في 4 يناير/كانون الثاني وأبعدوا الأسرة التي كانت في المنزل المجاور وحددوا إقامتهم في حجرة واحدة من المنزل. وفي الساعة 10 صباح يوم 5 يناير/كانون الثاني، قال لهم الجنود إن بإمكانهم مغادرة المنطقة. غادر 19 شخصاً من العائلة المنزل معاً، ومنهم أطفال يُزعم أنهم كانوا يحملون أعلاماً بيضاء. وقال شهود العيان إن الجنود أطلقوا النار فوق رؤوسهم وعلى الأرض من حولهم عدة مرات وهم يسيرون في الطريق. وتعرض الشهود على موقع [31°33'5.64"N/ 34°29'44.04"E] قُتلت فيه ندا المردي البالغة من العمر ستة أعوام، برصاصة في مؤخر الرأس وهي تسير مع والدها وشقيقيها، وكانا يحملان أعلاماً بيضاء، تجاه الشرق على الطريق المتجه إلى تقاطع بيت لاهيا.

 

هل أطلق الجنود الإسرائيليون قذيفة من الدبابة على منزل عائلة المردي في 3 يناير/كانون الثاني؟ وإذا كانوا قد فعلوا، فلماذا؟ هل أطلق الجيش الإسرائيلي الرصاص على عائلة المردي وهم يسيرون في 5 يناير/كانون الثاني؟ وإذا كان قد فعل، فلماذا؟

8. في 4 يناير/كانون الثاني، تعرض أفراد من عائلة جحا – حسب الزعم – لإطلاق النار من أسلحة خفيفة من القوات الإسرائيلية، في غضون محاولتهم مغادرة منطقة الزيتون حول شارع صلاح الدين، وكانوا يتحركون جنوباً وهم يحملون الأعلام البيضاء. وفي اليوم السابق، كان الجنود الإسرائيليون حسب الزعم قد احتلوا منزل العائلة وقالوا للسكان أن "يذهبوا إلى رفح". تعرضت المجموعة لإطلاق النار في وقت مبكر من بعد ظهر 3 يناير/كانون الثاني، والتمسوا الملجأ الآمن تلك الليلة في مرأب. وحاولوا استئناف الرحلة مجدداً في 4 يناير/كانون الثاني، حين أصيب إبراهيم جحا، عمره 17 أو 18 عاماً، إصابة خطيرة جراء رصاصة أصابته. ومات بعد 13 ساعة لانعدام القدرة على تلقي الرعاية الطبية.

 

هل فتح الجنود الإسرائيليون النار على عائلة جحا في 4 يناير/كانون الثاني؟ وإذا كانوا قد فعلوا، فلماذا؟

شكراً لكم على اهتمامكم بهذه الأسئلة. نقدر لكم الرد عليها وتقديم أية معلومات ذات صلة لديكم وتودون إطلاعنا عليها، في موعد أقصاه 24 فبراير/شباط 2009.

 

مع بالغ التقدير والاحترام،

 

جو ستورك

نائب المدير التنفيذي

قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

هيومن رايتس ووتش

 

[1] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع خالد عبد ربه، جباليا، 25 يناير/كانون الثاني 2009.

[2] انظر: Karin Laub, “Interviews Support Israeli Army Misconduct in Gaza,” Associated Press, March 26, 2009.

[3] للاطلاع على والاستماع إلى عدة نسخ من التحذيرات التي أصدرها الجيش الإسرائيلي، انظر موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية.http://www.mfa.gov.il/MFA/Government/Communiques/2009/IDF_warns_Gaza_population_7-Jan-2009.htm (تمت الزيارة في 6 أبريل/نيسان 2009).

[4] في إقرار ظاهر بأن تحذيرات غزة كانت غير فعالة، أعلن الجيش الإسرائيلي في يوليو/تموز أن التحذيرات في المستقبل سوف تضم معلومات أكثر تفصيلاً، مثل الجدول الزمني للهجمات وتحديد مسالك الهروب. انظر: (Hanan Greenberg, “IDF to Give Better Warnings Before Attacks,” Ynet, July 29, 2009, http://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-3753851,00.html _(تمت الزيارة في 30 يوليو/تموز 2009).

[5] وزارة الخارجية الإسرائيلية، “The Operation in Gaza: Factual and Legal Aspects,” July 29, 2009, http://www.mfa.gov.il/MFA/Terrorism-+Obstacle+to+Peace/Terrorism+and+Islamic+Fundamentalism-/Operation_in_Gaza-Factual_and_Legal_Aspects.htm (تمت الزيارة في 30 يوليو/تموز 2009).

[6] انظر: “UN Human Rights Council Approves Gaza Inquiry,” Human Rights Watch press release, January 13, 2009, http://www.hrw.org/en/news/2009/01/13/un-human-rights-council-approves-gaza-inquiry

[7] انظر: “UN Fact Finding Mission on the Gaza Conflict – Public Hearings,” http://www.un.org/webcast/unhrc/archive.asp?go=090706 (تمت الزيارة في 28 يوليو/تموز 2009).

[8] قائمة أسماء القتلى من كتائب القسام، على: http://www.alqassam.ps/arabic/statistics2.php?id=2009-01 (تمت زيارة الصفحة في 24 يونيو/حزيران 2009).

[9] يقع منزل خالد عبد ربه في إحداثيات: 31°31'6.48"N/34°30'10.80"E

[10] مقابلات هيومن رايتس ووتش مع كاسترو عبد ربه، جباليا، 25 يناير/كانون الثاني 2009، مجدي عبد ربه، جباليا، 25 يناير/كانون الثاني، وأكرم عياش عبد ربه، جباليا، 25 يناير/كانون الثاني 2009.

[11] انظر، على سبيل المثال، البروتوكول الأول، مادة 51 (7)، اتفاقية جنيف الرابعة، مادة 40.

[12] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع مجدي عبد ربه، جباليا، 25 يناير/كانون الثاني 2009. انظر ايضاً: Donald Macintrye, “My Terror as a Human Shield: The Story of Majdi ’Abd Rabbo,” The Independent, January 30, 2008, http://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/my-terror-as-a-human-shield-the-story-of-majdi-abed-rabbo-1520420.html (تمت الزيارة في 11 مارس/آذار 2009). وانظر: Human Rights Watch has documented the IDF unlawful use of human shields in the West Bank and Gaza (see Human Rights Watch, In a Dark Hour: the Use of Civilians During IDF Arrest Operations, April 2002, http://www.hrw.org/legacy/reports/2002/israel2/ و: Human Rights Watch, Jenin: IDF Military Operations, May 2002, http://www.hrw.org/legacy/reports/2002/israel3/)

[13] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أكرم عياش عبد ربه، جباليا، 25 يناير/كانون الثاني 2009.

[14] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع خالد عبد ربه، جباليا، 25 يناير/كانون الثاني 2009.

[15] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع سعاد عبد ربه، جباليا، 2 فبراير/شباط 2009.

[16] تم نقل سمر أثناء الحرب إلى مستشفى في العريش، مصر، ثم إلى بلجيكا لاستكمال العلاج. وأثناء تواجدها في العريش قابل عمها صحفي من البي بي سي. انظر: “New Evidence of Gaza Child Deaths,” BBC, January 22, 2009, http://news.bbc.co.uk/2/hi/programmes/from_our_own_correspondent/7843307.stm (تمت الزيارة في 10 مارس/آذار 2009)، وانظر: “Gaza Father Finds Out Child Survived,” BBC, http://news.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/7843430.stm (تمت الزيارة في 9 يوليو/تموز 2009).

[17] على النقيض من رواية خالد وسعاد، فقد قال حسن إن الجنود الإسرائيليين فتحوا النار على النساء والأطفال فور خروجهن من الباب. ونظراً لأن الجدة والفتيات الثلاث أصيبوا جميعاً، فيبدو من المرجح أنه قد مر بعض الوقت مما سمح لهن بالخروج أمام الباب.

[18] كان الطبيبان في غزة من أجل أطباء لأجل حقوق الإنسان – إسرائيل (انظر تقريرهما النهائي على: http://www.phr.org.il/phr/files/articlefile_1241949935203.pdf (تمت الزيارة في 9 يوليو/تموز 2009). د. تومسن أستاذ في معهد الطب الشرعي، جامعة جنوب الدنمارك. د. وادي يرأس قسم الطب الشرعي في جامعة ستيلنبوش في كيب تاون.

[19] مقابلة هاتفية لـ هيومن رايتس ووتش مع د. سعيد هاشمي إدريسي، 6 مارس/آذار 2009.

[20] انظر: “Gaza Child Paralysed from Waist Down,” BBC, July 22, 2009, http://news.bbc.co.uk/2/hi/uk_news/8164216.stm(تمت الزيارة في 31 يوليو/تموز 2009)

[21] Dion Nissenbaum, “Israeli Troops Killed Gaza Children Carrying White Flag, Witnesses Say,” McClatchy 27 يناير/كانون الثاني 2009.

[22] النقطة التي قال شهود العيان إن راوية النجار قُتلت لديها، وكذلك بقعة الدماء المذكورة وآثار الرصاصة، عند إحداثيات: 31°18'38.64"N/34°21'58.26"E

[23] طبقاً للسكان، فإن أحد القتلى هو مقاتل حماس نور عميش، وقُتل جراء صاروخ أطلقته طائرة زنانة في 11 يناير/كانون الثاني 2009.

[24] انظر: Ashraf Khalil, “In Gaza Town, A Bitter Aftermath,” Los Angeles Times, February 15, 2009, http://articles.latimes.com/2009/feb/15/world/fg-gaza-reconstruct15 (تمت الزيارة في 29 يوليو/تموز 2009).

[25] المرأة هي حنان النجار، ماتت في 10 يناير/كانون الثاني، إذ اخترقت قذيفة مدفعية عيار 155 ملم تحتوي على فسفور أبيض سقف بيتها، مما أدى إلى مقتلها وإصابة أطفالها الأربعة. للتفاصيل، يرجى الاطلاع على: أمطار النار: استخدام إسرائيل غير القانوني للفسفور الأبيض في غزة، هيومن رايتس ووتش، 26 مارس/آذار 2009.

[26] انظر: Ashraf Khalil, “In Gaza Town, A Bitter Aftermath,” Los Angeles Times, 15 فبراير/شباط 2009.

[27] في 10 يناير/كانون الثاني، أنكر متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الضابط غاي سبيغلمان، أن الجيش الإسرائيلي أجرى عمليات في "منطقة الخزاعة" في ذلك اليوم. (Adel Zaaanoun, “Three Palestinians killed, dozens hurt in Gaza,” Agence France-Presse, 10 يناير/كانون الثاني 2009).

[28] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع إيمان النجار، خزاعة، 24 يناير/كانون الثاني 2009.                                                    

[29] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع جاسمين النجار، خزاعة، 24 يناير/كانون الثاني 2009.

[30] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع وفاء النجار، خزاعة، 31 يناير/كانون الثاني 2009.

[31] شهادة وفاةراوية أحمد النجار، مستشفى الناصر، خان يونس، توقيع د. بهاء عاطف الحمديات، 13 يناير/كانون الثاني 2009.

[32] منزل فارس النجار عند إحداثيات: 31°18'41.60"N/34°21'55.37"E

[33] انظر: “Investigating Gaza’s ‘War Crimes’,” Al Jazeera International, February 20, 2009, http://english.aljazeera.net/focus/crisisingaza/2009/02/20092209730904880.html (تمت الزيارة في 12 مارس/آذار 2009). البرنامج عن الهجمات على خزاعة ومقتل راوية النجار. المقابلة مع مروان أبو ريدة تبدأ في الدقيقة 12:05 من البرنامج.

[34] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع كفاح النجار، خزاعة، 31 يناير/كانون الثاني 2009.

[35] انظر: “Investigating Gaza’s ‘War Crimes’,” Al Jazeera International 20 فبراير/شباط 2009.

[36] يقع المنزل عند إحداثيات: 31°33'47.08"N/34°29'22.14"E

[37] قتل الهجوم سعد الله أبو حليمة، 45 عاماً الأب (زوج صباح)، وعبد الرحيم، 14 سنة، ابن، وزيد، 11 سنة، ابن، وحمزة، 10 أعوام، ابن، وشهيد، 15 شهراً، ابنة. والمصابون هم: صباح أبو حليمة، 44 عاماً الأم (زوجة سعد الله)، ويوسف، 16 سنة، ابن، وعلي، 5 أعوام، ابن، وغادة 21 عاماً، زوجة الابن محمد، وفرح، عامين، ابنة غادة ومحمد. للتفاصيل يُرجى الاطلاع على: أمطار النار، هيومن رايتس ووتش.

[38] زارت هيومن رايتس ووتش صباح أبو حليمة في مستشفى الشفاء في 24 يناير/كانون الثاني 2009، لكنها لم تتمكن من إجراء مقابلة معها لأنها كانت تعاني من صدمة.

[39] مستشفى المعاوية تقع عند إحداثيات: 31°33'26.39"N/34°29'23.23"E

[40] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عمر أبو حليمة، سيافة، 23 يناير/كانون الثاني 2009.

[41] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع نبيلة كمال أبو حليمة، سيافة، 5 فبراير/شباط 2009

[42] يستخدم الجيش الإسرائيلي البندقية الآلية الـ 0.5 ملم، وتُسمى المكاش، كسلاح مشاة، ويتم تركيبه أيضاً على ناقلات الجنود المدرعة، وفي قوارب الدورية البحرية.

[43] انظر: Ethan Bronner and Sabrina Tavernise, “In Shattered Gaza Town, Roots of Seething Split,” New York Times, February 3, 2009, http://www.nytimes.com/2009/02/04/world/middleeast/04gaza.html(تمت الزيارة في 29 يوليو/تموز 2009).

[44] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمود خليل، سيافة، 23 يناير/كانون الثاني 2009.

[45] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أحمد أبو حليمة، سيافة، 23 يناير/كانون الثاني 2009.

[46] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع نبيلة أبو حليمة، سيافة، 5 فبراير/شباط 2009.

[47] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ثريا مسعود أبو حليمة، سيافة، 5 فبراير/شباط 2009.

[48] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عيشة صبوح، العتاترة، 30 يناير/كانون الثاني 2009.

[49] المنزل يقع لدى إحداثيات: 31°33'22.59"N/34°29'19.34"E.

[50] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع زكية القنوع، العتاترة، 31 يناير/كانون الثاني 2009.

[51] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع بسام القنوع، العتاترة، 31 يناير/كانون الثاني 2009.

[52]  إحداثيات المنزل هي: 31°33'36.78"N/ 34°29'23.58"E

[53] طبقاً لنعيم، سقطت القتيلة عند إحداثيات: 31°33'5.64"N/ 34°29'44.04"E

[54] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع نعيم المرضي، العتاترة، 31 يناير/كانون الثاني 2009.

[55] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع رضوان المرضي، العتاترة، 31 يناير/كانون الثاني 2009.

[56] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع فيروز غبران، العتاترة، 31 يناير/كانون الثاني 2009.

[57] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ختام غبران، العتاترة، 31 يناير/كانون الثاني 2009.

[58] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع سهام أبو حجاج، النصيرات، 18 فبراير/شباط 2009.

[59] المنزل لدى إحداثيات: 31°33'22.59"N/34°29'19.34"E.

[60] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ماجد أبو حجاج، النصيرات، 18 فبراير/شباط 2009.

[61] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع منار أبو حجاج، النصيرات، 18 فبراير/شباط 2009.

[62] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد الصفدي، جحر الديك، 30 يناير/كانون الثاني 2009.

[63] السابق.

[64] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع يوسف أبو حجاج، حجر الديك، 30 يناير/كانون الثاني 2009.

[65] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ماجد أبو حجاج، حجر الديك، 30 يناير/كانون الثاني 2009.

[66] ماجد أبو حجاج روى نفس القصة على انفراد لنيويورك تايمز، رغم أن اسمه كُتب في الصحيفة "مجد أبو حجاج". انظر: Taghreed el-Khodary and Sabrina Tavernise, “U.N. Warns of Refugee Crisis in Gaza Strip,” New York Times, January 12, 2009, http://www.nytimes.com/2009/01/13/world/middleeast/13mideast.html?_r=1 (تمت الزيارة في 13 يوليو/تموز 2009).

[67] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع معين محمود جحا، الزيتون، مدينة غزة، 23 مارس/آذار 2009.

[68] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد معين جحا، الزيتون، مدينة غزة، 23 مارس/آذار 2009.

[69] مقابلة هيومن رايتس ووتش مع وليد أبو زور، الزيتون، مدينة غزة، 12 يونيو/حزيران 2009.

[70] منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بتسليم، على سبيل المثال، أرسلت إلى سلطات إنفاذ القانون الإسرائيلية 19 طلباً منفصلاً بالتحقيق في وقائع يظهر أن الجنود الإسرائيليين خالفوا فيها القانون الإنساني الدولي أثناء عملية الرصاص المصبوب. (بيان صحفي لـ بتسليم: “Military’s Attack on ‘Breaking the Silence’ Is Groundless, Given its Refusal to Investigate Events in Operation Cast Lead,” July 15, 2009, http://www.btselem.org/English/Press_Releases/20090715.asp (تمت الزيارة في 23 يوليو/تموز 2009).

[71] لم يقدم الجيش الإسرائيلي التفاصيل الداعمة لمزاعمه من أن المقاتلين الفلسطينيين استخدموا المدنيين، ومنهم من يحملون الأعلام البيضاء، كدروع بشرية. وقد تحدث قيادي بالجيش الإسرائيلي بشكل أكثر تحديداً مع وسائل الإعلام لكن دون تفاصيل عن متى وأين وقعت أعمال استخدام الدروع البشرية المزعومة. القائد هو الكولونيل روي إلكابيتس قائد كتيبة مدرعة، وقال لصحيفة نيويورك تايمز إن جنوده رأوه "امرأة، تبلغ من العمر نحو الستين، تسير بعلم أبيض ومعها ستة إلى ثمانية أطفال خلفها، ومن خلفهم مقاتل من حماس ومعه سلاحه". وقال كولونيل إلكابيتس إن جنوده لم يطلقوا النار عليهم. انظر: (Ethan Bronner, “Israel Disputes Soldiers’ Account of Gaza Abuses,” New York Times, March 28, 2009, http://www.nytimes.com/2009/03/28/world/middleeast/28israel.html?scp=1&sq=Israel%20Disputes%20Soldiers%92%20Account%20of%20Gaza%20Abuses&st=cse تمت الزيارة في 29 يوليو/تموز 2009. وفي حالة أخرى، قال للـ بي بي سي، قائد فرقة مظلات معروف باسم الكولونيل هيرزي، أحد أعلى القيادات رتبة ممن دخلوا إلى قطاع غزة، إن جنوده رأوا مقاتلين من حماس يتحركون من منزل لآخر يحملون الأعلام البيضاء متظاهرين بأنهم مدنيون، انظر: (“Israel Army Punishes Soldier,” BBC, March 27, 2009, http://news.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/7967471.stm تمت الزيارة في 27 مايو/أيار 2009.

[72] انظر: Tomer Zarchin, “War Crime Charges Over Gaza Offensive are ‘Legal Terror,’’’ Haaretz, February 19, 2009, http://www.haaretz.com/hasen/spages/1065338.html تمت الزيارة في 7 مارس/آذار 2009. أثناء عملية الرصاص المصبوب، كان رئيس قسم القانون الدولي في الجيش الإسرائيلي هو كولونيل بنينا شارفيت باروخ

[73] تعليقت رئيس الوزراء إيهود أولمرت للوزارة الإسرائيلية، بيان صادر عن الوزارة، 25 يناير/كانون الثاني 2009. على: http://www.mfa.gov.il/MFA/Government/Communiques/2009/Cabinet_communique_25-Jan-2009.htm تمت الزيارة في 28 مايو/أيار 2009.

[74] كان الاجتماع لخريجي دورة إسحاق رابين للتحضير للعمل العسكري، في كلية أورانيم الأكاديمية في تيفون.

[75] انظر: Amos Harel, “IDF in Gaza: Killing Civilians, Vandalism, and Lax Rules of Engagement,” Haaretz, March 19, 2009, http://haaretz.com/hasen/spages/1072040.html (تمت الزيارة في 27 مايو/أيار 2009)، وانظر: Amos Harel, “‘Shooting and Crying’,” Haaretz, April 28, 2009, http://www.haaretz.com/hasen/spages/1072475.html (27 مايو/أيار 2009).

[76] السابق.

[77] بيان صحفي للجيش الإسرائيلي، "المحامي العام بالجيش الإسرائيلي يأمر بالتحقيق في المزاعم المُعلنة في مركز تحضير رابين"، 19 مارس/آذار 2009. على: http://dover.idf.il/IDF/English/Press+Releases/09/03/1902.htm(تمت الزيارة في 27 مايو/أيار 2009.

[78] انظر: “The IDF Chief of the General Staff Refers to Claims Made at the Rabin Preparation Center,” بيان صحفي للجيش الإسرائيلي، 23 مارس/آذار 2009، على: http://dover.idf.il/IDF/English/Press+Releases/09/03/2303.htm تمت الزيارة في 27 مايو/أيار 2009.

[79] انظر: “Military Police Investigation Concerning Statements Made at the Rabin Center: Based on Hearsay,” بيان صحفي للجيش الإسرائيلي، 30 مارس/آذار 2009، على: http://dover.idf.il/IDF/English/Press+Releases/09/03/3001.htm (تمت الزيارة في 27 مارس/آذار 2009).

[80] انظر: Josef Federman, “Israel Army: No Charges in Gaza Probe,” Associated Press, 30 مارس/آذار 2009.

[81] وزارة الخارجية الإسرائيلية، “The Operation in Gaza: Factual and Legal Aspects,” paras 324-328, July 29, 2009, http://www.mfa.gov.il/MFA/Terrorism-+Obstacle+to+Peace/Terrorism+and+Islamic+Fundamentalism-/Operation_in_Gaza-Factual_and_Legal_Aspects.htm (تمت الزيارة في 30 يوليو/تموز 2009).

[82] السابق.

[83] انظر: Amos Harel, “Barak Welcomes IDF Decision to End Gaza Misconduct Probe,” Haaretz, March 31, 2009, http://www.haaretz.com/hasen/spages/1075221.html (تمت الزيارة في 13 يوليو/تموز 2009).

[84] انظر، بيان صحفي للجيش الإسرائيلي، 30 مارس/آذار 2009: “Military Police Investigation Concerning Statements Made at the Rabin Center: Based on Hearsay,” IDF press release, March 30, 2009, http://dover.idf.il/IDF/English/Press+Releases/09/03/3001.htm تمت الزيارة في 27 مايو/أيار 2009.

[85] انظر: “IDF: Conclusions of Investigations into Central Claims and Issues in Operation Cast Lead,” IDF press release, April 22, 2009, http://dover.idf.il/IDF/English/Press+Releases/09/4/2201.htm (تمت الزيارة في 28 مايو/أيار 2009).

[86] بشأن استخدام الفسفور الأبيض، انتهى الجيش الإسرائيلي إلى استخدامه وفقاً للقانون الإنساني الدولي. ويتعارض هذا مع نتائج تحقيق هيومن رايتس ووتش، التي خلصت إلى أن الجيش الإسرائيلي تكرر إطلاقه الفسفور الابيض على مناطق مأهولة بالمدنيين، في خرق لقوانين الحرب، وظهر في بعض الحالات وجود أدلة على وقوع جرائم حرب (انظر تقرير أمطار النار، هيومن رايتس ووتش).

[87] "نتائج التحقيقات في المزاعم والقضايا الأساسية الخاصة بعملية الرصاص المصبوب، الملحق أ"، 22 أبريل/نيسان 2009 على: http://dover.idf.il/IDF/English/Press+Releases/09/4/2202.htm (تمت الزيارة في 28 مايو/أيار 2009).

[88] انظر: Breaking the Silence, “Operation Cast Lead: Soldiers Testimony from Operation Cast Lead, Gaza 2009,” July 15, 2009, http://www.shovrimshtika.org/oferet/booklet_e.asp (تمت الزيارة في 23 يوليو/تموز 2009).

[89] وزارة الخارجية الإسرائيلية، بيان حكومي، "رداً على تقرير كسر الصمت الحقوقي"، 15 يوليو/تموز 2009، على: http://www.mfa.gov.il/MFA/Government/Communiques/2009/Reaction_to_Breaking_Silence_report_15_Jul_2009.htm (تمت الزيارة في 29 يوليو/تموز 2009).

[90] السابق.

[91] انظر: Herb Keinon, “Israel Prepares for Goldstone Report,” Jerusalem Post, July 27, 2009, http://www.jpost.com/servlet/Satellite?cid=1248277897030&pagename=JPost%2FJPArticle%2FPrinter (تمت الزيارة في 3 أغسطس/آب 2009).

[92] وزارة الخارجية الإسرائيلية، “The Operation in Gaza: Factual and Legal Aspects,” July 29, 2009, http://www.mfa.gov.il/MFA/Terrorism-+Obstacle+to+Peace/Terrorism+and+Islamic+Fundamentalism-/Operation_in_Gaza-Factual_and_Legal_Aspects.htm (تمت الزيارة في 30 يوليو/تموز 2009).

[93] تقرير هيومن رايتس ووتش "“Promoting Impunity: The Israeli Military’s Failure to Investigate Wrongdoing,” June 21, 2005, http://www.hrw.org/en/reports/2005/06/21/promoting-impunity-0

[94] البروتوكول الإضافي الأول لاتاقيات جنيف، 12 أغسطس/آب 1949، والخاص بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية (البروتوكول الأول)، بتاريخ 8 يونيو/حزيران 1977، 1125 U.N.T.S. 3 دخل حيز النفاذ في 7 ديسمبر/كانون الأول 1978. كما تنطبق ضمن القانون العرفي اتفاقية لاهاي الرابعة – قوانين وأعراف الحرب البرية: 18 أكتوبر/تشرين الأول 1907 (أنظمة لاهاي)، 36 Stat. 2277, 1 Bevans 631, 205 Consol. T.S. 277, 3 Martens Nouveau Recueil (ser. 3) 461, دخل حيز النفاذ في 26 يناير/كانون الثاني 1910. "وسائل" القتال تقصد عامة الأسلحة المستخدمة، بينما "أساليب" هي أسلوب استخدام السلاح.

[95] إسرائيل ليست طرفاً في البروتوكول الأول. بموجب المادة 96 من البروتوكول الأول، فإن الفاعلين من غير الدول يمكنهم الالتزام تبعاً لمواصفات معينة، بالتقديم في اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها إذا أبدت استعدادها لهذا للحكومة السويسرية. ولم تعلن حماس أو السلطة الفلسطينية عن هذا الاستعداد طبقاً للمادة 96.

[96] انظر: Yorem Dinstein, The Conduct of Hostilities under the Law of International Armed Conflict (Cambridge: Cambridge University Press, 2004) (صفحة 11). [يمكن اعتبار أغلب البروتوكول إعلان بالأحكام الخاصة بالقانون الدولي العرفي، أو على الأقل اعتبارها أحكاماً يوجد إجماع حولها]. انظر بشكل عام: International Committee of the Red Cross (ICRC), Customary International Humanitarian Law (Cambridge Univ. Press, 2005).

[97] اتفاقيات جنيف لعام 1949، المادة 3، توجد على: http://www.icrc.org/Web/Eng/siteeng0.nsf/htmlall/genevaconventions (تمت الزيارة في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2008).

[98] البروتوكول الأول، مادة 48. الأهداف العسكرية هي المقاتلين والأعيان "التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان ذلك بطبيعتها أم بموقعها أم بغايتها أم باستخدامها، والتي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة". السابق، مادة 52(2).

[99] السابق، مادة 51 (3).

[100]السابق، مادة 50 (1). تحفطت بعض الدول بشأن التداعيات العسكرية لهذا التفسير الصارم لهذه القاعدة. طبقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر "حين تكون في موضع شك، يجب إجراء تقييم دقيق لما إذا كانت هناك مؤشرات كافية للمبادرة بالهجوم. ولا يمكن للمرء مهاجمة أي شخص يشك في طبيعته". انظرICRC, Customary International Humanitarian Law صفحات 23 و24.

[101] انظر:CRC, Commentary on the Additional Protocols of 8 June 1977 to the Geneva Conventions of 12 August 1949 (Geneva: Martinus Nijhoff Publishers, 1987 صفحة 619.

[102] انظر: M. Bothe, K. Partsch, and W. Solf, New Rules for Victims of Armed Conflicts: Commentary on the Two 1977 Protocols Additional to the Geneva Conventions of 1949 (The Hague: Martinus Nijhoff, 1982), صفحة 303.

[103] انظر ICRC, Commentary on the Additional Protocols صفحات 618 و619. أعمال القتال مصطلح أوسع من تعريف "الهجمات" وتشمل حداً أدنى من التحضير للقتال ووقت العودة من القتال. أيضاً: Bothe, New Rules for Victims of Armed Conflicts, صفحة 303.

[104] انظر على سبيل المثال أنظمة لاهاي، مادة 23 (ج)، المادة المشتركة 3، والبروتوكول الأول مادة 41(2). هذه الحماية مرهونة بالامتناع عن أي أعمال قتال أو محاولة الفرار.

[105] البروتوكول الأول، مادة 10.

[106] السابق، مواد 15 و16 و21.

[107] السابق، مادة 57 (1).

[108] السابق، مادة 57 (2).

[109] السابق، مادة 57 (2)(أ).

[110] انظر: ICRC, Commentary on the Additional Protocols, صفحات 681 و682.

[111] البروتوكول الأول، المادة 57 (2)(ب)

[112] السابق، مادة 57(2)(أ)(iii).

[113] السابق، مادة 57 (2)(ج)

[114] السابق، مادة 58 (ج).

[115] السابق، مادة 58 (ب).

[116] السابق، مادة 58 (أ).

[117] السابق، مادة 51 (7).

[118] السابق، مادة 37 (1).

[119] السابق، مادة 38 (1).

 

[121] انظر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، Customary International Humanitarian Law (Cambridge: Cambridge University Press, 2005) صفحة 574 ورد فيها على سبيل المثال، المحكمة الجنائية الدولية لليوغسلافيا السابقة، قضية ديلاليتش، قضية رقم IT-96-21-T دائرة المحاكمة رقم 2، 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1998.

[122] البروتوكول الأول، مادة 51 (7).

[123] انظر  السابق: صفحة 558 إلى 563.

[124] انظر السابق، صفحات 607 إلى 611، ورد فيها اقتباس من اتفاقيات جنيف ونظام المحكمة الجنائية الدولية.