Skip to main content

نسخة من رسالة بُعثت إلى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي

سيادة وزير الخارجية،

إن إصدار تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في نزاع غزة يضع التزام الاتحاد الأوروبي - ودوله الـ 27 الأعضاء - المُعلن بدعم النظام الدولي الذي لا دولة فيه فوق القانون، موضع الاختبار. التقرير يعرض أدلة قوية على أن كلاً من إسرائيل وحماس قد ارتكبا انتهاكات لقوانين الحرب - وبعضها يرقى لكونه جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية - وأن لا طرف من الاثنين قد اتخذ خطوات جديّة نحو تحميل الجناة المسؤولية.

تقرير بعثة تقصي الحقائق، بإشراف القاضي ريتشارد غولدستون، يمنح الطرفين مهلة زمنية معقولة للبدء في تحقيقات جدية ويحدد خطوة بخطوة منهج المساءلة. كما يقر بمشكلة الإفلات من العقاب ويقترح أن تساعد آلية للمراقبة الدولية على تجاوز عقبة عدم مبادرة الطرفين بالتحقيق والاقتراب من رد أكثر ملائمة. بعثة تقصي الحقائق أقرت بأن على المجتمع الدولي دور هام، يتمثل في خلق المحفزات لدعم العدل الدولي.

وعلى ضوء هذه النتائج، فإننا نسأل الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء الالتزام بدعم قرار يصدر من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يصدق على تقرير بعثة تقصي الحقائق كاملاً وعلى تقديمه للهيئات المعنية، ومنها مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة وجمعيتها العامة. والرفض الأوروبي لكل التقرير أو جزء منه و/أو توصياته، يمنح المصداقية لمن يجادلون بأن العدل الدولي أداة سياسية تستهدف الدول الأقل قوة ونفوذاً. كما أنه يقوض من مصداقية الاتحاد الأوروبي في قضايا العدل ومن أغلب ما تحقق في السنوات العشر الماضية على مسار المساءلة على الجرائم الدولية الأكثر جسامة.

الولاية الأولى لبعثة تقصي الحقائق كانت معيبة لكونها أحادية الجانب، لكن تم تعديلها بحيث أصبحت ولاية البعثة تشمل التصدي لانتهاكات جميع أطراف النزاع. والقاضي غولدستون الذي يتمتع بمكانة واحترام واسعين قبل قيادة فريق تصقي الحقائق، فقط بعد أن حصل على ضمانات بأن بإمكانه فحص انتهاكات إسرائيل وحماس على حد سواء، وكذلك انتهاكات الجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى، وقد حقق بفعالية في أعمال جميع الأطراف.

ويدين التقرير بحزم الهجمات الصاروخية التي استهدفت مناطق للمدنيين في إسرائيل، والتي شنتها حماس وجماعات مسلحة أخرى، واعتبرها التقرير انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي. وهي ترقى لكونها جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية، حسب الوارد في التقرير.

كما يوثق التقرير الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي ارتكبتها إسرائيل، وفي بعض الوقائع ارتقت تلك الجرائم لكونها جرائم حرب، وربما كانت جرائم ضد الإنسانية، ومنها أعمال القتل العمد، والهجمات المتعمدة على الأعيان المدنية، والتدمير الطائش للممتلكات المدنية، والهجمات العشوائية التي لا تميز بين المقاتلين والمدنيين، واستخدام الدروع البشرية، والعقاب الجماعي بحق سكان غزة المدنيين على هيئة استمرار الحصار لمواد إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية.

وانتهى التقرير إلى أن الإفلات من العقاب في انتهاكات قوانين الحرب هو المعيار السائد بالنسبة للطرفين. وكما ورد في ملخص التقرير: "ثمة أقل احتمال وارد للمساءلة على الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان عبر المؤسسات الوطنية في إسرائيل والاحتمال أقل في غزة". كما وثقت هيومن رايتس ووتش الإخفاق الدائم من قبل إسرائيل وحماس في تحميل العسكريين المسؤولية، ممن ينتهكون القانون الإنساني الدولي.

وبعد ثمانية أشهر من انتهاء عملية "الرصاص المصبوب" في غزة، فتحت إسرائيل بعض التحقيقات طرف الشرطة العسكرية، لكن المعروف عنها من السابق يؤكد أن هذه التحقيقات لن تفي بالمعايير الدولية للاستقلال والنزاهة. والتحقيق الجنائي الوحيد الذي تم حتى الآن أسفر عن إدانة جندي واحد والحكم عليه، جراء سرقة بطاقة ائتمان.

وكما تعرفون، فإن إسرائيل مُلزمة بموجب القانون الدولي بالتحقيق في المزاعم الموثوقة بوقوع انتهاكات لقوانين الحرب من قبل قواتها، ولدى التوصل إلى وقوع انتهاكات، فعليها معاقبة المسؤولين عنها. ومنظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام والأمم المتحدة، وحتى جنود إسرائيليون حاربوا في عملية غزة، أفادت جميعاً بوقوع مثل هذه الوقائع. وفي غياب آليات التحقيق والمقاضاة الجدية، فإن ضحايا انتهاكات قوانين الحرب هجرتهم العدالة أو الاعتراف بوقوع جرائم بحقهم، أو تعويضهم على ما يعانون منه. وليس هذا مجرد انتهاك لحقهم في التعويض بموجب القانون الدولي، بل يمثل بيئة خصبة لضخ المزيد من الكراهية والعنف.

لطالما أقر الاتحاد الأوروبي بأن دعم احترام القانون الإنساني الدولي يسهم في الحفاظ على السلام وفي تعزيز الأمن الدولي. وعلى النقيض، فإن التسامح مع الإفلات من العقاب يسهم في تجديد دورات العنف بالتصديق ضمناً على الأعمال غير القانونية، وببث أجواء من انعدام الثقة التي قد تستغلها قيادات تسعى لبث العنف لتحقيق أهدافها السياسية الخاصة بها. وهذا النزاع في حد ذاته خير مثال على مخاطر التسامح مع الإفلات من العقاب.

وكما هو الحال هنا، فعندما تُظهر الأطراف انعدام الإرادة للتحقيق في الجرائم، فمن حق المجتمع الدولي أن يضغط على الدول كي تحمل الجناة المسؤولية. وكما رأينا في كينيا وبوروندي ورواندا، فإن الإخفاق بالمطالبة بالمساءلة أسهم في تكرر دورة العنف. وحياد الاتحاد الأوروبي لدى النظر في إصدار قرار بالتصديق على تقرير بعثة تقصي الحقائق كاملاً والدعوة إلى تحرك هيئات الأمم المتحدة المعنية، من شأنه أن يبث رسالة مفادها أن لا عقاب هنالك ينتظر الهجمات غير القانونية على المدنيين أو تدمير الممتلكات المدنية بشكل يفوق كثيراً الحاجة العسكرية. ودون المساءلة، فمن الصعب على الأطراف الوصول لدرجة من الثقة المتبادلة تكفي لإحراز تقدم جدّي في محادثات السلام. ويظهر من الماضي أن السلام بلا عدل هو في أكثر الأحوال سلام غير مستديم.

فضلاً عن أن إخفاق الاتحاد الأوروبي في الدعوة للمساءلة على الجرائم المزعومة سيعزز من الإدراك الموجود أصلاً ويجعله متجذراً في الشرق الأوسط وأفريقيا وأماكن أخرى، من أن المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين هي سياسات قائمة ومعمول بها فيما يخص انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. وإدانة الإفلات من العقاب في أماكن مثل ليبيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان وعدم إدانتها في إسرائيل سيؤدي إلى منح المصداقية لمن يسعون لتقويض شرعية مؤسسات العدل الدولي، التي يسهل في هذه الحالة تصويرها على أنها أداة القوي ضد الضعيف. إن مصداقية الاتحاد الأوروبي كقوة أساسية في العدل الدولي موضوعة على المحك بدورها وقد تتعرض لضرر جسيم.

وفي الذكرى الستين لاتفاقيات جنيف الشهر الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي أن "القانون الدولي، ومنه القانون الإنساني الدولي، هو أحد أقوى الأدوات في جعبة المجتمع الدولي التي يستعين بها للحفاظ على النظام الدولي ولضمان حماية جميع الأفراد وحفظ كرامتهم. وسوف يستمر الاتحاد الأوروبي في بذل كل ما بوسعه من أجل دعم نظام دولي لا دولة أو فرد فيه فوق القانون، ولا أحد خارج مظلة حماية القانون". الآن هو الوقت الأنسب لإظهار أن الاتحاد الأوروبي ملتزم عن حق بهذه المبادئ، حتى لو كان الالتزام بها معقد سياسياً.

مع خالص الاحترام والتقدير،

لوت ليخت

مدير قسم الاتحاد الأوروبي

هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة