قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن خطة الحكومة الإسرائيلية الخاصة بمساندة بناء مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة تخالف القانون الإنساني الدولي، ويجب أن يتم تجميدها. كما أن القيود الإسرائيلية على السكان الفلسطينيين الناجمة عن الاستيطان الإسرائيلي حصراً والبنية التحتية، تمثل انتهاكاً جسيماً للحق في حرية التنقل وغيره من الحقوق الأساسية الخاصة بالفلسطينيين في الضفة الغربية.
وقد سعى مسؤولون بوزارة الدفاع الإسرائيلية إلى استصدار موافقات لبناء 22 منزلاً في مسكيوت، قاعدة الجيش الإسرائيلي سابقاً في غور الأردن بالضفة الغربية. وهذه هي المرة الأولى التي تصدق فيها إسرائيل على أبنية جديدة في هذا الموقع، مما يُنهي فترة لوقف بناء المستوطنات الجديدة استغرقت تسعة أعوام. ولم يتخذ وزير الدفاع إيهود باراك – الذي تشرف وزارته على الأراضي المحتلة – قراراً نهائياً بعد. وآخر موافقة منحتها إسرائيل ببناء مستوطنة جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة كانت في عام 1999.
وقالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إذا وافقت إسرائيل على بناء هذه المستوطنة في الضفة الغربية، فهي تتراجع عن وعود عديدة بإيقاف النشاط الاستيطاني وتخالف القانون الدولي". وتابعت قائلة: "وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تفكك هذه المستوطنات غير القانونية لا أن تتوسع في تشييدها".
وجاءت عروض وزارة الدفاع في سياق تسارع في عجلة تشييد المنازل داخل مستوطنات الضفة الغربية القائمة، ورغم التزامات إسرائيل المتفق عليها في نوفمبر/تشرين الثاني 2007 أثناء مؤتمر سلام أنابوليس، والمتمثلة في وقف تطوير المستوطنات.
وطبقاً لإحصاءات صدرت عن وزارة الدفاع في شهر يوليو/تموز، فإن تعداد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية والقدس الشرقية قد تزايد بنسبة 5.5% خلال العام الماضي ويُقدر حالياً بأكثر من أربعمائة ألف نسمة، أي أربعة أضعاف التعداد منذ عشرة أعوام. ومنذ اتفاق أنابوليس تجادل الحكومة الإسرائيلية قائلة بأنه من المسموح التوسع في البناء داخل المستوطنات القائمة. إلا أن الموافقة، التي تخطط لها وزارة الدفاع، على البناء لأول مرة في مسكيوت من شأنها أن تنتهك هذا الاستثناء المزعوم.
وكانت إسرائيل قد أعلنت في عام 2006 عن خطط لبناء مستوطنة جديدة في مسكيوت، لكن وزير الدفاع في ذلك الحين – عامير بيريز – تراجع عن العرض لما قوبل به من انتقاد ورفض دوليين. وعلى الرغم من التراجع عن هذه السياسة، فقد انشأت 12 أسرة بيوتاً لها بصفة مؤقتة في نطاق قاعدة مسكيوت السابقة. وكانت إسرائيل قد قامت بإجلاء هذه الأسر من مستوطناتها في غزة قبل ثلاثة أعوام ووعدتها بإعادة التوطين في الضفة الغربية. ومن شأن المخطط الحكومة أن يضفي الطابع الرسمي على إقامتهم في الضفة الغربية، خلافاً لما تذهب إليه الالتزامات السابقة الخاصة بالحكومة.
وسياسة إسرائيل التي تشجع على بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي تمولها وتشيدها وتوسع منها، تخالف القانون الإنساني الدولي فيما يخص الأراضي المحتلة. إذ أنه بموجب اتفاقية جنيف الرابعة المُطبقة على الأراضي المحتلة، يُحظر على إسرائيل نقل المدنيين من الأراضي الإسرائيلية إلى الأراضي المحتلة، ويُحظر عليها إحداث تغييرات مستديمة في الأراضي المحتلة ليست لصالح السكان المُحتلين. وقد طالبت عدة قرارات لمجلس الأمن بأن تزيل إسرائيل مستوطناتها من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقالت الحكومة الإسرائيلية بأن تواجد المستوطنات من شأنه أن يؤثر على اتفاقات التنازل عن الأراضي التي قد تدخل ضمن أي اتفاق سلام في المستقبل. على سبيل المثال، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت متحدثاً عن محادثات السلام المحتملة، في مقابلة في يوليو/تموز 2007 على برنامج "نيوز آور" بمحطة "بي بي إس" بالولايات المتحدة: "لابد من مراعاة التغيرات الديموغرافية ويُرجح أن تؤخذ مراكز تجمع السكان في الحسبان".
وقد دعت هيومن رايتس ووتش الولايات المتحدة – وهي أكبر جهة مانحة لإسرائيل (2.8 مليار دولار في عام 2008) – لأن تتخذ الإجراءات الكفيلة بعدم المشاركة مالياً في توسيع المستوطنات وما يستتبع هذا من إجراءات أمنية. أولاً على حكومة الولايات المتحدة أن تكشف علناً وبقوة عن معارضتها لأي توسع إضافي في الاستيطان، وثانياً، أن تخصم من المساعدات الأميركية لإسرائيل ما يُعادل إنفاق إسرائيل على المستوطنات.
وقالت سارة ليا ويتسن: "على الولايات المتحدة أن تعلن بوضوح أنها لن تسمح بأن تربطها أية علاقة بتشييد المستوطنة الجديدة غير القانونية".
وتفرض إسرائيل قواعد صارمة في الضفة الغربية بناء على الجنسية، تفرق بواسطتها ضد السكان الفلسطينيين. ولا يقطن بالمستوطنات غير المواطنين الإسرائيليين، كما أن الحكومة الإسرائيلية – بالاستعانة بنظام تصاريح صارم يطبقه الجيش الإسرائيلي ولجان المستوطنات – تحظر على الفلسطينيين في الضفة الغربية قيادة سياراتهم على الطرقات الخاصة بـ "المستوطنين فقط" أو إدخال الأبناء مدارس "المستوطنين فقط".
وفي بعض الأحيان سعت إسرائيل إلى تبرير تخصيص طرقات للمستوطنين فقط فتذرعت بحماية أمن المستوطنين. وعلى ضوء الطبيعة غير القانونية للمستوطنات، فإن أفضل حماية لأمن المستوطنين هي بإعادتهم إلى إسرائيل. حتى مع بقاء المستوطنات، فإن القواعد التي تحظر على كل السيارات المُسجلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة أن تتحرك على هذه الطرقات، ليست مُعدة بإحكام يجعلها كفيلة بالتصدي للمخاطر الأمنية مع تقليل القيود على تنقلات الفلسطينيين؛ لأن هذه القواعد تتعامل مع كل شخص فلسطيني في الضفة الغربية على أنه تهديد أمني محتمل دون محاولة فرض القيود فقط على من يبدو أنهم يمثلون تهديداً حقيقياً.
ومع دخول الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عقده الخمسين، يتزايد ترجيح الرأي القائل بأن إسرائيل ليست مُلزمة فقط بموجب القانون الإنساني الدولي الحاكم لأوضاع الاحتلال الاستثنائية، بل أيضاً بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يفرض التزامات إضافية على كيفية معاملة الدولة لمن يخضعون لسلطتها. على سبيل المثال قامت لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري بالأمم المتحدة في عام 2007 – وهي الجهة الرسمية المسؤولة عن تفسير الالتزامات المترتبة على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي صدقت عليها إسرائيل – بإعادة التأكيد على أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية "ليست غير قانونية بموجب القانون الدولي فقط، بل إنها أيضاً عقبة تحول دون استمتاع جميع السكان بحقوق الإنسان بمعزل عن التفرقة بينهم بناء على أصل قومي أو عرقي".
وثمة التزامات مماثلة ناشئة عن كلٍ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد صدقت إسرائيل على العهدين. وهذه المعاهدات المُلزمة حسب القانون تحظر أي تمييز من أي نوع وتكفل لجميع الأفراد الحصول على قدر مساوٍ من الحماية من التمييز من أي نوع، بسبب العرق أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو غير ذلك من الأسباب.
ومن شأن توسع إسرائيل في المستوطنات فرض المزيد من التمييز ضد الفلسطينيين، في انتهاك للحقوق الأساسية في حرية التنقل والسكن وحق التملك، سواء فرادى أو جماعات، وحيازة المساكن.
كما أن الحفاظ على المستوطنات وتوسعتها له آثار جسيمة على الأوضاع الإنسانية للمجتمعات السكنية الفلسطينية، إذ يقيد هذا من حرية التنقل وحصولهم على الإمدادات والخدمات الأساسية والأراضي. وفي الخليل بررت إسرائيل إبعاد السكان الفلسطينيين عن منطقة كبيرة من وسط المدينة بالرغبة في توسيع الاستيطان اليهودي في تلك المنطقة.
كما يظهر من بحوث هيومن رايتس ووتش أن المستوطنات الإسرائيلية أسهمت في تدهور الوضع الأمني وأدت إلى اندلاع مصادمات بين قوات الأمن الإسرائيلية والسكان المحليين، وبين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين. كما وثقت هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات غير الحكومية في المنطقة لجرائم متكررة ارتكبها المستوطنون بحق السكان الفلسطينيين المقيمين على مقربة من المستوطنات، وكيف أن هذه الجرائم تمر دون عقاب من قبل السلطات الإسرائيلية. ومؤخراً، في يونيو/حزيران 2008، قامت الجماعة الإسرائيلية الحقوقية "بتسيلم" بالتسجيل بالفيديو لمستوطنين يضربون راعي غنم فلسطيني وزوجته وقريب لهما لأنهم تركوا حيواناتهم ترعى بالقرب من مستوطنة سوسيا في الضفة الغربية. (اعتقلت الشرطة الإسرائيلية اثنين من المستوطنين، لكن لم تنسب إليهما اتهامات حتى الآن). كما تتكرر حوادث رمي الفلسطينيين الأحجار ومهاجمتهم للمستوطنين أو عناصر الجيش الإسرائيلي، فتتحرك السلطات الإسرائيلية للتحقيق والملاحقة القضائية.
لمزيد من تغطية هيومن رايتس ووتش للأوضاع في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المُحتلة، يُرجى زيارة:
https://www.hrw.org/doc/?t=arabic_mena&c=isrlpa