قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن إسرائيل تحظر عمداً خروج الأشخاص ممن لديهم مشكلات طبية طارئة من قطاع غزة للحصول على الرعاية الطبية الضرورية، وتؤخر خروجهم وتضايقهم. ومنذ يونيو/حزيران توفي ثلاثة مرضى على الأقل رُفض منحهم تصاريح خروج، كما فقد آخرون أطراف لهم أو إبصارهم بسبب الإصابات والأمراض التي لحقت بهم دون أن تلقى رعاية طبية كافية.
ورغم خروج إسرائيل من غزة في 2005، فهي ما زالت تفرض رقابة مشددة على حدود غزة، من البر والجو والبحر. ومنذ يونيو/حزيران 2007، حين استولت حماس على السلطة في غزة بالقوة، وإسرائيل تُصعِّب الأمر بشكل متزايد على وصول الإمدادات الطبية إلى غزة وكذلك خروج أيّ من سكان غزة البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة، حتى حينما يحتاجون لرعاية طبية فورية.
وقالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تعاقب إسرائيل المدنيين المرضى كطريقة للنيل من حماس، وهذا أمر غير صحيح من الناحية القانونية والأخلاقيةً. وتبقى إسرائيل هي القوة المحتلة في غزة رغم الخروج، ولهذا فعليها التزام قانوني بتسهيل الرعاية الطبية لأقصى حد ممكن".
وتذكر الحكومة الإسرائيلية، وعلى الأخص الأمن العام (الشاباك)، وجود "مخاوف أمنية" غير محددة، في حظرها لمنح تصاريح خروج المرضى من غزة. لكن ثمة أدلة كثيرة تشير إلى الطبيعة التعسفية لهذه القرارات، طبقاً لـ هيومن رايتس ووتش.
فهذا الأسبوع على سبيل المثال سمحت الحكومة الإسرائيلية بخروج ستة أشخاص في ظروف طبية مهددة لحياتهم، من غزة، بعدما هددت منظمة (أطباء من أجل حقوق الإنسان - إسرائيل)، ومقرها تل أبيب، بأن تطعن في رفض منح التصاريح في المحكمة. وكانت الحكومة قد سبق لها رفض منح التصاريح للأشخاص الستة مرتين، وذكرت في ردها وجود مخاوف أمنية لم تحددها.
ومن الحالات الست، فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً لديها عيب خلقي في القلب، وامرأتين في العشرينيات مصابتان بالسرطان. وهم جميعاً لديهم أعراض مرضية رأى الأطباء الإسرائيليون أنها واجبة العلاج خارج غزة، وإحدى المرأتين سبق أن تلقت علاجاً كيماوياً في إسرائيل.
ومنذ يونيو/حزيران، تدخلت منظمة (أطباء من أجل حقوق الإنسان - إسرائيل)، في 138 حالة لمرضى من غزة رفضت الحكومة منحهم التصاريح لأسباب أمنية مزعومة. ونجحت المنظمة إلى الآن في إدخال 52 شخصاً من هؤلاء المرضى.
وطبقاً لمنظمة (أطباء من أجل حقوق الإنسان - إسرائيل)، فإنه في بعض الحالات تم السماح للشخص بالخروج من غزة فقط إذا وافق على الخضوع للاستجواب من قبل الشاباك. ووثق مقال في صحيفة معاريف الإسرائيلية اليومية الكبرى كيف يقول مسؤولو الاستخبارات للمرضى - عند معبر إيريز وهو المنفذ الوحيد للدخول والخروج إلى ومن غزة - إنهم لن يخرجوا إلا إذا قدموا معلومات للاستخبارات الإسرائيلية.
وقال أب لطفل يبلغ من العمر خمسة أعوام كان قد رافقه في الخروج من غزة لتلقي العلاج الطبي لعينه المصابة، لـ هيومن رايتس ووتش كيف خضع للاستجواب من قبل الشاباك على الحدود، وهذا في حجرة من الخرسانة وأرضيتها من الشباك المعدنية التي تطل على قبو مكشوف. ويجلس المحققون وراء زجاج ضد الرصاص. ووصف فلسطينيون آخرون أرادوا الخروج لأسباب غير طبية نفس هذه الحجرة.
وتتخذ إسرائيل هذه التدابير في الوقت الذي أدى فيه تحكمها المشدد على كل ما يدخل غزة إلى تدهور الحالة الطبية بها، حسب قول هيومن رايتس ووتش. وطبقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن القيود المتزايدة "تُعرِّض قدرة الأشخاص على تلقي الرعاية الطبية بالخارج للخطر" وذكرت المنظمة وجود عجز في بعض عقاقير علاج الأورام ونقص في معدات المعامل.
ولا يمكن للمنشآت الطبية في غزة توفير خدمات متقدمة، مثل إجراء جراحات القلب وأوعية القلب وجراحات الأعصاب وخدمات طب العيون المتقدمة.
وقال والد الفتاة البالغة من العمر 16 عاماً المصابة بمرض في القلب والتي سُمح لها أخيراً بالعبور إلى إسرائيل: "لا توجد أجهزة لعلاج مرضها في غزة". وأضاف: "إذا كان من الممكن علاجها، كانوا ليعالجونها هنا منذ شهور".
وفي زيارة إلى جناح فصل الدماء في مستشفى الشفاء بغزة هذا الأسبوع، وجدت هيومن رايتس ووتش الأطباء مضطرين لاستخدام أجهزة قسطرة انتهى تاريخ صلاحيتها، وقال أحد الأطباء: "إننا نعقمها ونبذل ما بوسعنا".
وقد أبدت هيومن رايتس ووتش قلقها من أن الحظر الإسرائيلي على نقل الأشخاص والسلع إلى ومن غزة، بما في ذلك الإمدادات الطبية - والهادف إلى الضغط على حماس - هو من أشكال العقاب الجماعي ضد السكان المدنيين؛ مما يعد انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي.
وفي سبتمبر/أيلول، أعلنت الحكومة الإسرائيلية غزة "منطقة معادية" وصوتت بتقييد "مرور الأشخاص من وإلى غزة". وتقول الحكومة إن تنفيذ القرار ما زال قيد المراجعة القانونية، لكن تدفق الأشخاص والسلع إلى ومن غزة تراجع بثبات منذ قرار الحكومة، طبقاً للأرقام التي قدمها الجيش الإسرئيلي.
وطبقاً للأمم المتحدة، فإنه في المتوسط كان يدخل 40 مريضاً إلى إسرائيل من غزة في شهر يوليو/تموز. وفي سبتمبر/أيلول بلغ العدد خمسة مرضى.
وقالت سارة ليا ويتسن: "رفض إسرائيل لتوفير الرعاية الطبية لمن يحتاجون إليها سريعاً يعتبر عقاباً جماعياً ضد السكان، وهذا انتهاك للقانون الدولي". وتابعت: "المدنيون في غزة هم من يدفعون الثمن".
وفي يونيو/حزيران طعنت (أطباء من أجل حقوق الإنسان - إسرائيل) ومنظمة حقوق إنسان إسرائيلية أخرى - غيشا - في القيود الإسرائيلية المفروضة على خروج الأشخاص للعلاج الطبي، وهذا في المحكمة الإسرائيلية العليا. ورفضت المحكمة الطعن وقبلت بتمييز الحكومة بين الحالات التي تواجه خطر على حياتها، والتي يجب السماح بخروجها من غزة للاعتبارات الإنسانية من ناحية، والحالات التي تؤثر الاصابة فيها على "جودة الحياة" من ناحية أخرى، ويرجع للحكومة تقرير أي فئة من المذكورة أعلاه يتبعها الشخص المتقدم بطلب الخروج للعلاج الطبي. لكن هذه التفرقة، في حالة تطبيقها من قبل الحكومة، تم تطبيقها بشكل لاإنساني.
وطبقاً لـ(أطباء من أجل حقوق الإنسان - إسرائيل)، فإنه في يونيو/حزيران رفضت الحكومة الإسرائيلية منح إذن خروج لعلاء عودة، 25 عاماً، وكان بحاجة لجراحة طارئة بعد الإصابة بالأعيرة النارية في كل من ساقيه؛ لأنها لم تعتبر حالته مهددة لحياته. ولم يتمكن عودة من تلقي العلاج المناسب في غزة، واضطر الأطباء لقطع ساقه اليمنى. ورفضت الحكومة طلباً ثانياً لاعتبارها عواضة يمثل خطراً على الأمن، ولهذا قام الأطباء بعد ذلك بقليل بقطع ساقه الأخرى.
وقد توفي ثلاثة مرضى على الأقل جراء رفض دخولهم لأسباب أمنية منذ يونيو/حزيران. وطبقاً لـ(أطباء من أجل حقوق الإنسان - إسرائيل)، فهم:
• محمد مرتجى، 19 عاماً، وقد توفي متأثراً بورم خبيث في المخ صبيحة 1 يوليو/تموز. ووافقت الحكومة على طلبه الثاني بالدخول في وقت متأخر من ذلك اليوم.
• نائل أبو وردة، 24 عاماً، وكان مصاباً بمرض كلوي مزمن. وحصل على الإذن بمغادرة غزة لكن رُفض دخوله أثناء الانتظار في إيريز وتوفي تلك الليلة.
• محمد أبو عبيد، 72 عاماً، توفي في 3 أكتوبر/تشرين الأول لاحتياجه لإجراء جراحة قلب مفتوح بعد رفض طلبه بالخروج من غزة.
وقد قابلت هيومن رايتس ووتش هذا الأسبوع ثلاثة أشخاص في غزة بحاجة للعلاج الطبي وتم رفض مغادرتهم غزة لأسباب أمنية. ومنهم رجل قال إنه أصيب بعيار ناري عن طريق الخطأ في الكاحل في مايو/أيار، ولم يُسمح له بالخروج رغم حصوله على إذن بالخروج، وأيضاً الفتاة المصابة بعيب خلقي في القلب، ومرأة مصابة في الغدد الليمفاوية. والأخيرتان من بين من سُمح بخروجهم هذا الأسبوع.
وقابلت هيومن رايتس ووتش ثلاثة أشخاص تقدموا بالحصول على طلبات خروج من غزة، ومنهم رجل مصاب في عموده الفقري وآخر لديه مشكلة في أعصاب الظهر، ورجل مصاب بسرطان الغدة الدرقية. وقال عبد السافوري، 27 عاماً، والذي يحتاج لجراحة لإصابته في عموده الفقري: "أريد الذهاب إلى أية دولة، لا يهمني ماذا تكون".
وبخلاف بعض الاستثناءات، فإن المرضى المسموح لهم بالخروج من غزة عليهم السير على الأقدام مسافة 1 كيلومتر عبر منطقة أمنية لبلوغ معبر إيريز، ثم اتباع إجراءات أمنية كثيرة وقد يتعرضون للاستجواب من قبل عناصر الشاباك.
وقد تنامى إلى علم هيومن رايتس ووتش أن بعض المرضى ممن حصلوا على إذن مسبق بالخروج من إيريز، قد أعيدوا إلى ديارهم لأسباب أمنية غير محددة. وكان عليهم العودة للبدء من جديد في إجراءات الحصول على سرير في مستشفى خارج غزة، وتوفير التمويل اللازم، والسعي للحصول على إذن أمني في يوم آخر.
وقالت سارة ليا ويتسن: "لإسرائيل مخاوف أمنية مشروعة بخصوص الجماعات المسلحة التي تطلق الصواريخ من غزة على المناطق المدنية". وأضافت: "إلا أن حرمان فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً ولديها عيب خلقي في القلب من العلاج الطبي، لن يجعل إسرائيل أكثر أمناً".
لمشاهدة صور فوتوغرافية تعرض للأشخاص المتأثرين بمشكلة إغلاق حدود غزة، يرجى زيارة:
https://www.hrw.org/photos/2007/iopt1007
للاستماع إلى تعليق صوتي لفريد آبراهامز، كبير باحثي الطوارئ بهيومن رايتس ووتش، عن حظر خروج المصابين، يرجى زيارة:
https://www.hrw.org/photos/2007/iopt1007/audio.htm